الإخلاص في سبيل الله...عبد الله بن عبد اللطيف الحميدي

احمد ابوبكر
1437/10/21 - 2016/07/26 15:35PM
[align=justify]جاءت شريعة الإسلام بالحثّ على فعل الخير وابتغاء الأجر والثواب من الله - تعالى - مع متابعة النبي صلى الله عليه وسلم في فعله، قال الله - تعالى -: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162] وقال - سبحانه -: {فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: ١١٠]، وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:٢] قال الفضيل بن عياض رحمه الله في قوله - تعالى -: {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [هود: ٧]، قال: أخلصه وأصوبه، قالوا يا أبا علي: ما أخلصه وأصوبه؟ قال: إذا كان العمل خالصا ولم يكن صوابا لم يقبل وإذا كان صوابا ولم يكن خالصا لم يقبل حتى يكون خالصا صوابا، والخالص أن يكون لله والصواب أن يكون على السنة(1).

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أحدث في أمرنا هذا ما ليس فيه، فهو رد»(2)، فليخلص لله النيّة من عزم على الوقف في سبيل الله وليقتف أثر سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم.

وإن الوقف في سبيل الله من أعظم الخيرات ومن أجلّ القربات حيث جمع بين الصّدقة في سبيل الله وديمومتها واستمرارها، فالوقف هو: حبس المال المتصدق به، فلا يباع ولا يوهب ولا يورث مع تسبيل منفعته وأثره وريعه في وجوه البر والمعروف.

إن نماء الأوقاف وبركتها وعموم نفعها يعود في الغالب إلى صدق نية الواقف وابتغائه للأجر من الله - تعالى - فربّ عمل قليل تكثره النّية و«سبق درهم مائة ألف درهم » (3)، كما أخبر بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم فلا تستحي من إعطاء القليل، فإن الحرمان أقلّ منه، وتأمل قول الحق- تبارك وتعالى-: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: ٢٦١].

ولاحظ: لأهمية الإخلاص في الصّدقة اقترن معها في أغلب الآيات القرآنية الحاثّة عليها والمرغبة فيها، ومنها قوله–تعالى-: {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاء وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنًّا وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ * قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَآ أَذًى وَاللّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالأذَى كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاء النَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ * وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ اللّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: ٢٦١ – ٢٦٥].

ولله درُّ الإمام الصنعاني رحمه الله يوم قال:
إذا لم يكن لله فعـــــلك خالصاً *** فكُلّ بناء قد بنيت خرابُ
فللعمل الإخلاص شرط إذا أتى *** وقد وافقته سنة وكتابُ(4)

كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحب أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيب، قال أنس: فلما أنزلت هذه الآية: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} [آل عمران: 92] قام أبو طلحة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله، إن الله تبارك وتعالى يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ} وإن أحب أموالي إلي بيرحاء، وإنها صدقة لله، أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث أراك الله، قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بخ(5)، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإني أرى أن تجعلها في الأقربين» فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول الله، فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمه(6)و(بخ) معناها تفخيم الأمر والإعجاب بما قاله أبو طلحة؛ وتأمل وصف النبيغ تلك الصدقة بالمال الرابح.

للمسلمين عـلى نزورَة وَفْرهم *** كَنْزٌ يَفيضُ غِنَىً من الأوقافِ
كنْزٌ لو اســـتَشْفَوا به مِن دائهم *** [لَتَوَجّروا](7) منه الدَّواءَ الشافي
ولو ارتقَوا بجناحه في عصرِهم *** لأطـارَهم بقـوادمٍ وخَوَافِي(8)

ويستقى من هذه القصة الجميلة ما يلي:
* فضل الإخلاص لله- تعالى - وأثره على المسلم في حصول الثواب الجزيل والأجر العظيم من الله - تعالى -.
* فضل المبادرة في عمل الخير والمسارعة إليه والاستجابة لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم.
* الإنفاق مما يحبه الإنسان كي يكون أعظم لأجره وأزكى لنفسه، حتى إنه ورد عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله أنه كان يشتري أعدالاً من سكّر ويتصدق بها فقيل له: هلاَّ تصدَّقْتَ بقيمتها؟ فقال: لأن السكّر أحبُّ إِليَّ فأردت أن أنفق مما أحب والله يقول: {لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ} [آل عمران: ٩٢].

وقال الحسن البصري رحمه الله: إنكم لن تنالوا ما تحبون إلا بترك ما تشتهون، ولن تدركوا ما تأملون إلا بالصبر على ما تكرهون(9).

ثمرة الطاعة وأثرها على حياة المسلم ولذا نال أبو طلحة رضي الله عنه هذا الرضى والتسليم والأنس بالطاعة وهو يتجرّد من أحبّ أمواله إليه، وكيف عوّضه الله- تعالى- بالرضى الداخلي والسعادة الغامرة بطاعة الله -تعالى - قال سبحانه: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [النحل: ٩٧].

_______________________
(1) ينظر: تفسير البغوي (5/124)، التفسير القيم(1/78)، تفسير ابن رجب الحنبلي (2/490).
(2) أخرجه البخاري (2697)، مسلم(1718).
(3) أخرجه النسائي(2528) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، وحسنه الألباني.
(4) ينظر: عيون الرسائل والأجوبة على المسائل(2 /673).
(5) بخ: كلمة تقال عِنْد الْمَدْح، ينظر تفسير غريب ما في الصحيحين (/267)
(6) أخرجه البخاري(1461).
(7) لعلها من الإيجار وهو الإكراء الذي هو عقد معاوضة، وكأنه أراد أن الواقف في سبيل الله يكافأ على وقفه ويعوّض بالشفاء والعافية في الدنيا.
(8) الأبيات للشاعر معروف الرصافي، وله ديوان مطبوع.
(9) ينظر: الجامع لأحكام القرآن، ص125، بتصرف يسير
.[/align]
المشاهدات 650 | التعليقات 0