الإخلاص سبيل الخلاص
ناصر بن عبدالرحمن الحمد
﷽
إِنَّ الْحَمْد للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِاللهُ فَلا مُضِلَّ لَهُ، وَمْنْ يَضْلُلُ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدُهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاًعَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوارَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِيتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْلَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً).
أما بعد :
فإنّ الله ﷻ كما جعل له الدين خالصاً فإنه لا يقبل من العمل إلا ما كان خالصا ..
الإخلاص هو طريق الخلاص والرياء هو طريق الإفلاس .
فإن أول من تسجر فيهم النّار قارئ ومتصدّق ومجاهد نسأل الله ﷻ النجاة .
الإخلاص عباد الله : أن يعمل العبد العمل الصالح مُتقربًا به إلى الله وحدَه لا رياءً ولا سمعةً، ولا طلبًاللدنيا، ولا تصنُّعًا للخلق؛ وإنما يرجو الله ورضاه ثم الدار الآخرة التي به ثواب الله تعالى فيرجوه ، وفيهاعقوبته فيخافه ويخشاه .
عباد الله ..
إن الله ﷻ غنيّ عن عمل يكون فيه شائبة الرياء فهي داء يفسد العمل ويدمّر المثوبة عليه
وقدقال ﷺ قال الله عز وجل : « أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملاً أشرك معي فيهغيري تركته وشركه » (رواه مسلم) .
وهو ابتلاء للقلب عظيم قل من يجاوزه بغير خدش ...
يقول ابن الجوزي في (صيد الخاطر): " ما أقل من يعمل لله تعالى خالصاً؛ لأن أكثرالناس يحبون ظهور عباداتهم " .
لكن المؤمن مادام مجاهداً لنيّته كلّ حين فهو بخير وإنما البلاء أن يستسلم للداء فيبوءبالخسران
قال سفيان الثوري رحمه الله: " ما عالجت شيئاً أشد علي من نيتي، لأنها تتقلب علي .
والامتحان الأكبر حين يدور الأمر بين تحقيق الإخلاص والسلامة من الشرك
فإن العبد في الأعمال الظاهر يتسلّط عليه الشيطان ليوقعه في الرياء ثمّ يأتيه ليقول له إنّك تعمل منأجل التاس قيترك العمل فيكون قد ترك العمل لأجل النّاس...
ولذا روي عن الفضيل بن عياض أنَّه قال: «ترك العمل من أجل الناس رياء، والعمل من أجل الناس شركوالإخلاص أن يعافيك الله عنهما»
عباد الله
لا بد أن ندرك جيّداً أن الإخلاص في العمل هو أصل العبادات وأجل القربات ومن دونه فإن العمل مردودعلى صاحبه فإن العمل متى ما لازمه الإخلاص ومتابعة النبي ﷺ قبله الله ﷻ
ومتى خالف الإخلاص أو متابعة النبي ﷺ لن يقبله الله ﷻ ورُد على صاحبه
فالإخلاص هو حقيقة الدين، وهو غراس دعوة الرسل عليهم الصلاة والسلام قال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّالِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء).
وقوله: (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ).
فحقّقوا لله الإخلاص لتروا طريق الخلاص وأصلحوا ما في قلوبكم يبارك الله ﷻ في أعمالكم وأعماركم...
واسألوا الله ﷻ من فضله
الخطبة الثانية:
الحمدلله الذي لم يزل براً رحيما حيّياً كريما يعلم ما في القلوب وما تخفي الصدور
وصلى الله وسلم على الرحمة المهداة والنعمة المسداة محمد بن عبدالله أما بعد :
فإن الله ﷻ مطّلع على القلوب ويعلم ما في الغيوب فإذا علم عنك مجاهدتك للنيّة أحسن لك المطيّةوأعانك على الطويّة ومتى ما غفلت عن ذلك كان الشيطان لك قرينا
وإليك بعض ما يعينك على الإخلاص :
1- أن ترجو ما عند الله وتحسن الإيمان بذلك فكلّما عظم عندك الإيمان بثواب الله ﷻ وعقوبته وما أعدلعباده الطائعين أو العاصين عظم عندك الطمع فيما عند الله على ما عند عباده
قال تعالى: ((فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً ولا يشرك بعبادة ربه أحداً))
2- أن تدرك خطورة عدم الإخلاص وأنّ العمل ينقلب من صالح إلى سيء حتى ولو شق عليه وتعب لأجل"وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى ناراً حامية"
3- مجاهدة النيّة كلّ حين لتخليص العمل من الشوائب فإن النفوس يعرض لها الرياء ويشق عليهاالتخلّص منه لكن متى ما كانت مجاهدة لذلك وعلم الله ﷻ ذلك من العبد قبل منه وغفر له ما خرج مندون عزم عليه قال النبي ﷺ لأبي بكر رضي الله عنه :
( وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَلشِّرْكُ أَخْفَى مِنْ دَبِيبِ النَّمْلِ ، أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى شَيْءٍ إِذَا قُلْتَهُ ذَهَبَ عَنْكَ قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ ؟
قَالَ : قُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أُشْرِكَ بِكَ وَأَنَا أَعْلَمُ ، وَأَسْتَغْفِرُكَ لما لا أعلم ) ، وصححه الألباني
4- كثرة الدعاء بالإخلاص والنجاة من الرياء فإنه لا مخلص لك حقاً من شرك الشيطان وشركه إلا اللجوءلله ﷻ كما ثبت من أدعية كثيرة
منها أنَّ النَّبيَّ ﷺ كان إذا أصبَح قال: اللَّهمَّ إنِّي أسأَلُكَ عِلمًا نافعًا، ورِزْقًا طيِّبًا، وعمَلًا مُتقَبَّلًا.
5- ومما يعين على الإخلاص تذكر عظمة الله ﷻ وقدر فاقتك وحاجتك إليه بخلاف البشر الذين لا يملكونموتاً ولا حياة ولا نشورا
(وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)
6- أن يحذر العبد من مديح الناس له فإنهم إنما يرون ظاهره ولا يرون باطنه ومن لطف الله به أن سترعنهم عيوبه
7- مجاهدة النفس على عدم الغرور بالعمل فإنه قد يكون عظيما فتصغّره النيّة وقد يكون صغيراً فتعظّمهالنيّة بل على العبد أن يكون مشفقاً حتى لو عمل صالحاً أن يكون ذلك متقبلا منه
8- أن يدرك العبد أن كثرة العمل لا تغني شيئا مادامت قد خلت من الإخلاص وأن يدرك أن السباق الحقّهو في إخلاص العمل ...
قال شفي بن ماتع-رحمه الله-:
" إن الرجلين ليكونان في الصلاة مناكبهما جميعا، ولما بينهما كما بين السماء والأرض، وإنهما ليكونانفي بيت صيامهما واحد ولما بين صيامهما كما بين السماء والأرض
[5/167]
أخيراً فإن من أعظم الغرور بالعمل التطاول على عباد الله في نيّاتهم فإنه لا يعلم الغيب إلا الله فإياك أنتتهم أحدا في نيّته فتبوء بإثمه ويحبط عملك
فهلّا شققت عن قلبه فنظرت في نيته ؟
قال مكحول -رحمه الله-:
(رأيت رجلًا يصلي، وكلما ركع وسجد بكى، فاتهمتُه أنه يرائي ببكائه، فحُرمت البكاء سنة).
حلية الأولياء (١٨٤/٥)
اللهم أصلح جالنا ومآلنا وأحلص لنا في القول والعمل وقتا شر الفتن ما ظهر منها ومابطن وأصلح ولاةأمورنا لما تحبّ وترضى