الإحسان الى المحتاجين والمعسرين*حسب التعميم*21-4-1443هـ
محمد آل مداوي
إنَّ الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.. أما بعد: فأُوصِيكُمْ ونَفسِي بِتَقوَى الله؛ فَتَقوَى اللهِ سَعَادَةٌ وفلاحٌ في الدُّنيَا وَالآخِرَة، (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا* وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)
أيها المسلمون: فاضَلَ اللهُ بينَ عِبَادِه في الشَّرَفِ والجَاه، والعلمِ والعِبَادة، وسَخَّرَ بعضَهم لِبَعضٍ لِيَتَحَقَّقَ الاسْتِخْلاف، وتُعمَرَ الأرض: (وَهُوَ الَّذِى جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الأرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَـاتٍ لّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَـاكُمْ)
وفي شَكْوَى الفَقيرِ ابْتِلاءٌ للغَني، وفي انْكِسَارِ الضَّعيفِ امْتِحَانٌ للقوي، وفي تَوَجُّعِ المريضِ حِكْمَةٌ للصَّحِيح، ومِنْ أَجلِ هذه السُّنَّةِ الكَوْنيةِ؛ جَاءت السُّنَّةُ الشَّرعيةُ بالحَثِّ على التعاونِ بين الناس، وقَضَاءِ حَوَائجِهم، والسَّعْيِ في تَفريجِ كُرُوبِهم، والإحْسَانِ إليهم. قال ابنُ القيمِ رحمه الله: "ما استُجْلِبَتْ نِعَمُ اللهِ واستُدْفِعَتْ نِقَمُهُ بمثلِ طاعَتِه والإحسَانِ إلى خَلْقِه".
ونَفْعُ الناسِ والسَّعيُ في كَشْفِ كُروبِهم؛ مِنْ صِفَاتِ الأنبياءِ والرُّسُل، فالكريمُ يوسُفُ عليه السلام معَ ما فعلَهُ إخوَتُه؛ جَهَّزَهُم بجَهَازِهم، ولم يَبْخَسْهُم شيئًا منه.
وموسى عليه السلام لمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عليهِ أُمَّةً مِنَ النّاسِ يَسْقُون، ووَجَدَ مِنْ دونِهمُ امرأتين مُسْتَضْعَفَتَين، رَفَعَ الحَجَرَ عنِ البئرِ وسَقَى لهما حتى رَوِيَتْ أغنامُهما.
وأشْرَفُ الخَلْقِ محمدٌ r إذا سُئِلَ عن حاجةٍ لم يَرُدَّ السائلَ عن حاجتِه، يقول جابرٌ t: "ما سُئِلَ رسولُ اللهِ r شيئًا قَطُّ فقالَ: لا" متفق عليه.
وخديجةُ رضي الله عنها تقولُ في وَصْفِ نبيِّنا محمدٍ r: "إنَّك لَتَصِلُ الرَّحِم، وتَحْمِلُ الكَلّ، وتُكْسِبُ المَعدُوم، وتُقْري الضّيف، وتُعِينُ على نَوَائبِ الحقّ".
وعلى هذا النَّهجِ القويم سَارَ الصحابةُ والصالحون.
أيها المسلمون: خِدْمةُ الناسِ ومُسَايَرةُ المُسْتَضْعَفِين؛ دليلٌ على طِيْبِ المَنْبَت، ونَقَاءِ الأَصْل، وصَفاءِ القلب، وحُسْنِ السَّرِيرَة، وربُّنا يَرْحَمُ مِنْ عِبَادِه الرُّحمَاء.. وللهِ أقوَامٌ يَختَصُّهُمْ بالنِّعَمِ لِمَنَافِعِ العِبَاد. وجَزاءُ ذلك: تَفْرِيجُ الكُرُبَات، وكَشْفُ الغُمومِ في الآخِرة، يقولُ المُصطفى r: "مَنْ نَفَّسَ عن مؤمنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدّنيا؛ نَفَّسَ اللهُ عنه كربةً مِنْ كُرَبِ يومِ القيامة" رواه مسلم.
في خِدْمَةِ النَّاسِ بَرَكَةٌ في الوَقْتِ والعَمَل، وتَيسِيرُ ما تعَسَّرَ مِنَ الأمور، يقول النبيُّ r: "مَنْ يَسَّرَ على مُعْسِرٍ يسَّرَ اللهُ عليه في الدُّنيا والآخرة" رواه مسلم.
وبعدُ عبادَ الله: فالدُّنيا مِحَنٌ، والحياةُ ابْتِلاء، القويُ فيها قد يَضْعُف، والغَنيُّ ربّما يُفْلِس، والحيُّ فيها يَمُوت، والسَّعِيدُ مَن اغتنَمَ جَاهَهُ في خِدْمَةِ الدِّين ونَفْعِ المسلمين، يقول ابنُ عباسٍ رضي الله عنهما: "مَنْ مَشَى بحَقِّ أَخِيهِ لِيَقْضِيَه؛ فلَهُ بكُلِّ خُطْوَةٍ صَدَقة".
فاتقوا الله، وأعينوا إخْوَانَكم، وتواصَوا بالحقِّ والعدل، فلَنْ يبقى للإنسَانِ إلا عَمَلُه، (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالعُدْوَانِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآياتِ والذكرِ الحكيم، أقول ما تسمَعون، وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانِه، والشكر له على توفيقه وامتنانِه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له تعظيمًا لشأنِه، وأشهد أنّ محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانِه، صلَّى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
أَمَّا بَعْدُ: أيها المسلمون:
ومِنْ أَوْجُهِ البِرِّ والإحْسَان: الصَّدَقَةُ على المُحْتَاجِين، وقَضَاءُ دُيُونِ المُعْسِرِين، وفي الحديث: "مَنْ أَنْظَرَ مُعْسِرًا أَوْ وَضَعَ عَنْهُ؛ أَظَلَّهُ اللهُ في ظِلِّه" رواه مسلم.
وقَدْ يسَّرَ اللهُ لنا في هذهِ البِلادِ المُبارَكة؛ مِنَصَّاتٍ خَيريَّةٍ رسميَّة، تقومُ بدَوْرِها الكَبيرِ في إيْصَالِ التَّبَرُّعَاتِ إلى المُحْتَاجِين، والتَّفْريجِ عنِ المُعْسِرين، كمِنَصَّةِ "إحْسَان"، وخِدْمَةِ "تَيَسَّرَتْ" والتي تُعْنَى بإعَانَةِ المُعْسِرين، ممَّنْ صَدَرَتْ بِحَقِّهِم أَحْكَامٌ قَضَائيَّة، وإيْصَالِ التبَرُّعاتِ إليهِمْ، بيُسْرٍ وسُهُولَة.
فاتَّقوا الله عباد الله، وقدِّموا لأنفسكم، وأَنْفِقُوا ممَّا رَزَقَكُمُ الله (مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ* وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ).
ثم اعلَموا أن الله أمرَكم بالصلاةِ والسلامِ على نبيِّه، فقال في مُحكَم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)
اللهم صلِّ وسلِّم على عبدِك ورسولِك محمدٍ، وارضَ اللهم عن خُلفائِه الأربعة: أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وكرمك يا أرحم الراحمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واجعل هذا البلد آمنا مطمئناً سخاءً رخاءً وسائرَ بلاد المسلمين.
اللهم وفق إمامنا وولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه وولي عهده على البر والتقوى، وهيئ لهم البطانة الناصحة التي تدلهم على الخير وتعينهم عليه، يا رب العالمين.
اللهم احفظ جنودنا المرابطين على الثغور، اللهم قوِّ عزائمهم وسدد سهامهم، واكبت أعداءهم، وتقبّل شهيدهم، وعاف جريحهم، وانصرهم على القوم الباغين، يا رب العالمين.
اللهم أعنا ولا تُعنْ علينا، وانصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسِّر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، واجعلنا من عبادك المتوكلين.
اللهم اشفِ مرضانا، وعافِ مبتلانا، وارحم موتانا، وانصرنا على من عادانا.
(ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار) .. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.
المرفقات
1637834514_خطبة_21_4_1443_الإحسان_إلى_المحتاجين_والمعسرين.docx