الإحباطيون ودعاة الأمل // د. ديمة طارق طهبوب

احمد ابوبكر
1435/05/25 - 2014/03/26 13:11PM
من صغرنا كنا نسمع أن الدين لن يقوم في مالطا و أن محاولات العطار لن تصلح ما أفسدته المدة و أن ذيل الكلب أعوج و لن ينعدل مهما حاولنا فالأفضل إذن أن لا نتعب أنفسنا أو نكلفها عناء المحاولة أصلا!!
غريبة أن تكون هذه ثقافة أبائنا الذين عاشوا حياة مقاومة الاستعمار و التقتيل و التهجير و الحصار و ذاقوا صنوف العذاب و لم تترك فيهم في المراحل الأولى سوى مزيدا من التحدي و الرغبة بالتصدي!
غريب هذا الشعور بالإحباط و استعذاب دور الضحية و الرضى به من أجيال كانت تنادي أن الموت أهون من المذلة، المذلة بكافة أشكالها في الوطن و الحياة و الحقوق! غريب أن يرضى الأباء بتوريث حياة الذلة لأبنائهم فالمرء لا يتمنى الا الأفضل لأولاده!
فهل هي المدة و كبر العمر ما يجعل المرء يلبس لباس الخنوع و الأوطان ما زالت مسلوبة و الحقوق مهضومة و الحريات مصادرة و الدماء مراقة و الكرامة مهانة أم هو تتابع النكبات مع غياب إرادة الفعل و التغيير ما جعل الأمة بمجموعها الكلي و الفردي في أوطانها القطرية ترضى بحال الهامشية و الصفوف الخلفية و لاعبي الاحتياط في مسار صنع التاريخ و الحضارة ؟!
لجيل لم يعايش نكبة فلسطين كانت تداعيات الربيع العربي في مصر و سوريا نكبته الجديدة و جاءت الضربة القاضية في مصر بعد حالة النشوة التي عاشها الكثيرون بالتمكين أخيرا لمشروع يحمل أحلام أجيال و أجيال مات بعضها و سجن الآخر و ضحى الكثيرون و هم يؤمنون أن الاسلام هو الحل و أنه لو وصل الى الحكم فسيكون عصا موسى التي ستفلق البحر و تغرق الطغاة و تنجي كل المؤمنين ليقيموا الحياة المثالية و الفضلى فجاءت الضربة القاصمة بعد أن وصلت اللقمة الى الفم لتعيد حملة المشروع الى الأرض بعد أن طاروا بلا أجنحة، أو قصقصت أجنحتهم من الصقور الهرمة التي تأبى مغادرة عروشها، و تفهمهم أن المجتمع بكليته ما زال غير جاهز لقبول الاسلام العملي الحاكم في واقع الحياة لا الاسلام الشعائري، و أنه لا يمكن إقامة دولة الاسلام بمشروعها الحضاري للعالمين بغير أعمدة من المناصرين المستعدين لقبول تكاليف التضحية و مواجهة فلول المشاريع و الأنظمة التي استبدت طويلا و ما زالت،بقبول و بغير رضى، بحياة الشعوب العربية!
يقول الدكتور أحمد الريسوني في كتابه "الأمة هي الأصل" "الرسول حين طبق الاسلام في مجتمع المدينة التطبيق التشريعي الكامل كانت المدينة قد أصبحت في عمومها و في أغلبيتها على عقيدة الاسلام و تحت سلطة الاسلام، السلطة المعنوية و القلبية و الروحية، و أما قبل ذلك فلم يطبق الرسول الاسلام تطبيقا عاما ملزما و لم يحاول تطبيقه على أهل مكة و لا غيرهم و لقد عاش المسلمون في الحبشة و لم يطالبوا النجاشي بأن يحكم و يطبق الاسلام بالرغم من أنه أسلم مع أنه كان صاحب سلطة و لكن أغلبية الناس ليسوا على الاسلام فكيف يطبقه عليهم و هم لا يؤمنون به؟!"
نعم لا بد للمشروع من مقومات تجهيزية يقوم عليها النجاح أما خوض البحر من غير عدة فإعداد للغرق المؤكد و الكارثة في مجال نهضة الأمم و تغيير الشعوب و الثقافات عميقة الأثر و تحتاج وقتا لتداركها، أما و قد حصلت الكبوة، و يا لها من كبوة!، فالانتقال الأن يجب أن يكون سريعا للخطة "ب" أو خطة الطوارىء الذي يفترض بكل مشروع ناجح أن يجهزها كجزء من الخطة الأساسية فمن كان يظن أن الطريق للمشروع الاسلامي ممهد أو ممكن له بسهولة و بتضحيات اعتيادية فلم يفهم دورة التاريخ و لا أحسن قراءة الواقع الذي زادت تحدياته على ما عاشاه المسلمون الأوائل و حضارات الاسلام الأولى في أقصى مراحل الضعف و الهوان الا أن تعلم الدروس من السابقين واجب لإكمال المسير فها هو الصحابي أنس بن النضر يرفض أن يُسقط الراية، يرفض أن يسدل الستار على مشروع تمكين دين وعد الله له بحسن العاقبة فلما جاءت إشاعة قتل رسول الله في غزوة أحد و خرت عزائم المسلمين و بلغ الوهن منهم مبلغه جاء هو ليكون الصوت الفاصل بين مرحلة اليأس المحكم و الاستسلام المطلق و مرحلة اشتعال الهمة الى ذروتها ليقول: و ماذا تفعلون بالحياة بعده؟! قوموا فموتوا على ما مات عليه
نعم هناك دائما خطوة أخيرة قد تنقذ الموقف، هناك بقية من أمل و قشة للغريق قد توصله الى بر الأمان و لا حكم أبدا على الناس بالهلاك و النهاية فالأمل و احياؤه في القلوب عبادة كما العمل عبادة و هما مرتبطان عضويا استخدم الرسول سلاح الأمل في الخندق بأن القادم هو فتح بلاد الروم و الفرس فظلت النفوس متطلعة و الأعناق مشرئبة لتحقيق وعد إلهي و لم تكل الهمم و لم تتراخى مع تباعد الزمن و عظم التضحيات بين البشرى و زمن تحققها
إن أصحاب المشروع الاسلامي بحاجة الى إعادة معرفة مجتمعاتهم و التخلي قليلا عن الصورة المثالية فالسياسة للاسف ليست مطهرة كما الحرب خدعة تحتاج لفطنة و دهاء و لكن دون الإسفاف، إن الاسلاميين بحاجة الى تغيير خطابهم فمجتمعاتنا للاسف أصبحت أأصبحت محكومة بلقمة العيش أصبحت محكومة بلقمة العيش و الحاجات لذا يجب رفع سويتها و كرامتها لتطالب بحقوقها و لا تنتظرها كمكرمات و هبات، إن شعوبنا تعاني من مشكلة عدم الانتماء للوطن و لو كانت تحب أوطانها لما قبلت بأن تسرق الأوطان و تنتشر فيها الرشوة و الفساد دون أن تبالي ما دام الفرد و أسرته بخير و حاجاته مؤمنة، شعوب تعيش بثقافة "أنا و من ورائي الطوفان" ستكون حمولة زائدة تنتظر لتأخذ من الوطن لا أن تعطيه كما تأخذ، إن مجتمعاتنا تعاني فقرا في القيم و الأخلاق التي تساهم في نهضة الشعوب و ما دامت هذه الأخلاق غائبة فلن ينفع الوصول لهرم السلطة السياسية في التغيير و لن يصمد طويلا لأن الرعاع في القاع سيبذلون أقصى جهدهم لإزاحة كل ما ينتقص من امتيازاتهم!
بالتأكيد أن الاسلاميين يعلمون أنهم لا يحتكرون الحق و لا الخير و لا الفضيلة و لكن هذه المبادىء العامة بحاجة الى أن تنزل على أرض الواقع و تأخذ شكل برامج و مبادرات توحد جهود كل من لا تُشترى ذمته بالدينار و الدرهم و تكون بوصلته المصلحة الداخلية و الحفاظ على ثوابت الأمة، و هناك دائما نقاط إتفاق يمكن البناء عليها في بناء شراكات و توافقات كبيرة أما الاستئثار بالقرار و السلطة حتى مع ضمان الأغلبية كارثي النتائج دائما
ان الذين قفزوا عن السفينة قبل أن تغرق تماما نجوا بأنفسهم فقط و مجتمع متقلقل لن يضمن لهم النجاة أما الذين بقوا فقد يصلحون الخرق لتكون النجاة جماعية
الوصول الى الإحباط و إحباط الغير أقل الطرق مؤونة و أقصرها نحو مزيد من الفشل، الذين يركبون الصعب هم الذين يشيعون الأمل و العمل في الناس
المرفقات

429.doc

المشاهدات 1180 | التعليقات 0