الإجازة والفراغ
خالد الكناني
الإجازة والفراغ
الحمد لله ربّ العالمين ، واسع الفضل جزيل الهبات المتفرد بكمال الذات { وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ } ، أشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له في ربوبيته وإلهيته وأسمائه وصفاته ، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا أما بعد : عباد الله : اتقوا الله تعالى حق التقوى وقدموا لأنفسكم من الأعمال والطاعات قبل الرحيل والفوات
((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ))
أيها المسلمون :عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِرَجُلٍ وَهُوَ يَعِظُهُ: " اغْتَنِمْ خَمْسًا قَبْلَ خَمْسٍ: شَبَابَكَ قَبْلَ هِرَمِكَ، وَصِحَّتَكَ قَبْلَ سَقَمِكَ، وَغِنَاءَكَ قَبْلَ فَقْرِكَ، وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ، وَحَيَاتَكَ قَبْلَ مَوْتِكَ ))
وفي هذه الوصية العظيمة من النبي صلى الله عليه وسلم نقف اليوم مع قوله ((وَفَرَاغَكَ قَبْلَ شُغْلِكَ )) ... أي اغتنم وقت فراغك قبل أن تشغل .
وفي ذلك توجيه من النبي صلى الله عليه وسلم في أشغال وقت الفراغ في الطاعات وأن يقضي المسلم وقت فراغه في كل ما يعود عليه بالنفع والفائدة في دنياه وآخرته
وهناك أولويات ومهام عظام لابد من أن تتصدر أوقاته وأهمها الصلوات الخمس التي فرضها الله تعالى علينا ، وغيرها مما فرض الله تعالى كصيام رمضان وحج بيت الله الحرام مرة في العمر ، والزكاة المفروضة وبر الوالدين وصلة الأرحام ...... ، و أن تملأ الأوقات بالنوافل والطاعات من كثير من أنواع العبادات ، وكثرة التسبيح والتحميد والتهليل والتكبير وغيرها من الحسنات .عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ اللَّهَ قَالَ: مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ، وَمَا يَزَالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبْتُهُ: كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِي يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِي يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِي يَمْشِي بِهَا، وَإِنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئِنِ اسْتَعَاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ))
والمسلم العاقل لا يقضي وقت فراغة في التوافه وفي المضيعات والملهيات عن ذكر الله وعن العمل النافع والمفيد لأنفسه ولوطنه ولمجتمعه.
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " نِعْمَتَانِ مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ: الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ ))
عَلى المسلم أن يغتنم هاتين الخصلتين فيما ينفعه في الحال وفي المآل
فالخاسر من ضيع الأوقات في اللهو والمحرمات ، ومن الظواهر السلبية في الإجازات عند البعض والتي ينبغي أن نتجنبها السهر المتواصل ، والنوم الطويل المضيع للصلوات ، والجلوس الطويل أمام التلفاز أو شبكات المعلومات والهواتف وبرامج التواصل الاجتماعي والالعاب الإلكترونية والتي قد يكون ضررها أكثر من نفعها ، والفائز من اغتنم الأوقات فيما ينفعه عند ربه خالق الأرض والسموات ، ومن ذلك الحرص على الصلوات ووضع خطة لقراءة وحفظ القرآن ، واختيار من الكتب النافعة لقرأتها ، والقيام ببعض الرحلات المفيدة والاشتغال ببعض الأعمال التجارية وغيرها مما يعود عليه بالنفع في الدنيا والآخرة ، فانتهز فرصة فراغك وأعمل الأشياء التي تنفعك وقت المشاغل الطارئة .عباد الله لقد أهتم الاسلام بالوقت أيما اهتمام حيث أقسم به في آيات كثيرة ومن ذلك قوله تعالى : ((وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ ))
أقول ما تسمعون وأستغفر الله العظيم
الحمد لله على إحسانه والشكر له على توفيقه وامتنانه ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وإخوانه
أيها المسلمون ... وحتى يستغل المسلم وقت فراغه استغلالا صحيحا فإن عليه :
ــــ أن يستحضر مراقبة الله في كل لحظة من لحظات حياته
((فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ))
ـــــ أن يشعر بالمسؤولية تجاه نفسه وتجاه وطنه ومجتمعه حتى يكون اداءة بناء لا معول هدم ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود : إِنِّي لَأَمْقُتُ الرَّجُلَ أَنْ أَرَاهُ فَارِغًا لَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ عَمَلِ الدُّنْيَا وَلَا عَمَلِ الْآخِرَةِ
ـــ أن يتأمل في سير الصالحين وكيف كانوا يستغلون أوقاتهم استغلال نافعا وسليما ... فقد كان أحدهم أشح على وقته من ماله .
يقول ابن مسعود رضي الله عنه : (( ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه نقص فيه أجلي ولم يزدد فيه عملي ))
وبلغ أهمية استغلال الوقت في الإسلام مبلغا عجيبا
فعن أَنَس بْنَ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَبِيَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَفْعَلْ» ...
..هذا وصلوا عباد الله على من أمركم الله بالصلاة والسلام عليه فقال جل وعلا
((إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ))
المرفقات
1719499711_الإجازة والفراغ.pdf