الإجازة والسفر .. وهديه صلى الله عليه وسلم في السفر

سعود المغيص
1437/06/01 - 2016/03/10 05:33AM
أما بعد عباد الله :
اتقوا الله واعلموا أن الأسفار، والتنقل في الأقطار، من أهم مقاصد الناس في الإجازة، فكيف كان هدي خير من حل وارتحل، وسار ونزل، صلى الله عليه وسلم
عباد الله : كَانَتْ أَسْفَارُهُ صلى الله عليه وسلم دَائِرَةً بَيْنَ أَرْبَعَةِ أَسْفَارٍ: سَفَرُهُ لِهِجْرَتِهِ، وَسَفَرُهُ لِلْجِهَادِ وَهُوَ أَكْثَرُهَا، وَسَفَرُهُ لِلْعُمْرَةِ، وَسَفَرُهُ لِلْحَجِّ.
وَكَانَ إِذَا أَرَادَ سَفَرًا، أَقْرَعَ بَيْنَ نِسَائِهِ فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا سَافَرَ بِهَا مَعَهُ، وَلَمَّا حَجَّ سَافَرَ بِهِنَّ جَمِيعًا.
وَكَانَ إِذَا سَافَرَ خَرَجَ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَإِذَا بَعَثَ سَرِيَّةً أَوْ جَيْشًا بَعَثَهُ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ ، وَكان يَدعُو « اللَّهُمَّ بَارِكْ لِأُمَّتِي فِي بُكُورِهَا » .
وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا ودع رجلا أخذ بيده، فلا يدعها حتى يكون الرجل هو يدع يد النبي صلى الله عليه وسلم ، ويقول :« أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك»، وربما زاد: « زودك الله التقوى وغفر ذنبك ويسر لك الخير حيث كنت »، وكان إذا سافر ودّع أهله وأصحابه بقوله : « أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه ».
وكان عليه الصلاة والسلام يحث على الصحبة في السفر، وينهى أن يسير الراكب وحده بالليل،وأَخْبَرَ أَنَّ« الرَّاكِبَ شَيْطَانٌ، وَالرَّاكِبَانِ شَيْطَانَانِ، وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ »، وقال: « خَيْرُ الصَّحَابَةِ أَرْبَعَةٌ » ونهى المرأة أن تسافر إلا ومعها ذو محرم فقا ل: « لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ تُسَافِرُ يَوْمًا وَلَيْلَةً إِلَّا مَعَ ذِي مَحْرَمٍ مِنْ أَهْلِهَا ».
أَمَّا يَومُ خُرُوجِهِ صلى الله عليه وسلم فَقَدْ كَانَ يَسْتَحِبُّ الْخُرُوجَ يَوْمَ الْخَمِيسِ- وَهُو يومٌ مُبَارَكٌ تُرفَعُ فِيهِ الأَعْمَالُ- كَمَا فِي حَدِيثِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، « أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ يَوْمَ الخَمِيسِ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَكَانَ يُحِبُّ أَنْ يَخْرُجَ يَوْمَ الخَمِيسِ » وفي لفظ : « قَلَّمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَخْرُجُ فِي سَفَرٍ إِذَا خَرَجَ إِلَّا يَوْمَ الْخَمِيسِ ».
وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يَشْغَلُهُ شَيءٌ عَنْ ذِكْرِ اللهِ تَعَالَى، له في كل حال ذكر وأوراد، فَكَانَ إِذَا قُدِّمَتْ إِلَيْهِ دَابَّتُهُ لِيَرْكَبَهَا، يَقُولُ « بِسْمِ اللَّهِ » حِينَ يَضَعُ رِجْلَهُ فِي الرِّكَابِ .. وَإِذَا اسْتَوَى عَلَى ظَهْرِهَا قَالَ : ( الْحَمْدُ لِلَّهِ- وفي لفظ (سبحان) الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، ثُمَّ يَقُولُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، الْحَمْدُ لِلَّهِ، ثُمَّ يَقُولُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ يَقُولُ: سُبْحَانَكَ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي، إِنَّهُ لَا يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ ) .
وَكَانَ يَقُولُ: « اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللَّهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا، وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللَّهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ، وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ المُنْقَلبِ فِي الْمَالِ والْأَهْلِ »، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ: ( آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ فلا يزال يقولها حتى يدخل المدينة ) .
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا قَفَلَ راجعًا مِنْ غَزْوٍ أَوْ حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ قال: « لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ سَاجِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ، صَدَقَ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَنَصَرَ عَبْدَهُ، وَهَزَمَ الأَحْزَابَ وَحْدَهُ ».
وكان صلى الله عليه وسلم إذا علا شرفًا من الأرض كبَّر هو أصحابه، وإذا هبطوا واديًا سبحوا .. قال جابر ؓ: « كُنَّا إذَا صَعِدْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا نَزَلْنَا سَبَّحْنَا »، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِلرَّجُلِ الَّذِي قَالَ لَهُ أَوْصِنِي لَمَّا أَرَادَ سَفَرًا «ع َلَيْك بِتَقْوَى اللَّهِ وَالتَّكْبِيرِ عَلَى كُلِّ شَرَفٍ ».
ولمن سافر في سيارةٍ أو ارتحل بطائرةٍ أسوةٌ برسول الله صلى الله عليه وسلم، فيكبرُ عند إقلاعها وارتفاعها، ويسبِّحُ عند هبوطها ونزولها، يحيي السنة، ويُعلِّمُ الجاهلَ، ويذكر الناسي، وكم في إحياء السنة ونشرها والعمل بها من الخير والبركة على الناس.

رزقني الله وإياكم الفقه في الدين، والتمسك بسنة سيد المرسلين، والاهتداء بهديه القويم .

أقول قولي هذا ..

أما بعد عباد الله :
كَانَ رسول الله صلى الله عليه وسلم إِذَا أَشْرَفَ عَلَى قَرْيَةٍ يُرِيدُ دُخُولَهَا يَقُولُ: « اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشِّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، أَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا وَشَرِّ مَا فِيهَا » وربما قال : « اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ مِنْ خَيْرِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ وَخَيْرِ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا وَشَرِّ مَا جَمَعْتَ فِيهَا، اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا جَنَاهَا، وَأَعِذْنَا مِنْ وَبَاهَا، وَحَبِّبْنَا إِلَى أَهْلِهَا، وَحَبِّبْ صَالِحِي أَهْلِهَا إِلَيْنَا »
وكَانَ صلى الله عليه وسلم إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ وَأَسْحَرَ-أي جاء وقت السحر- يَقُولُ: « سَمِعَ سَامِعٌ بِحَمْدِ اللهِ وَحُسْنِ بَلَائِهِ عَلَيْنَا، رَبَّنَا صَاحِبْنَا وَأَفْضِلْ عَلَيْنَا، عَائِذًا بِاللهِ مِنَ النَّارِ » .
أما صلاته عليه الصلاة والسلام في السفر، فقد كان يقصر الرباعية ركعتين، كما روى ابن عمر رضي الله عنهما قال :« صَحِبْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لاَ يَزِيدُ فِي السَّفَرِ عَلَى رَكْعَتَيْنِ »، و « كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ صَلاَةِ الظُّهْرِ وَالعَصْرِ، إِذَا كَانَ عَلَى ظَهْرِ سَيْرٍ وَيَجْمَعُ بَيْنَ المَغْرِبِ وَالعِشَاءِ »، تارة يجمعهما تقديمًا، وتارة يجمعهما تأخيرًا، يفعل ما كان أرفق به وبأصحابه صلى الله عليه وسلم .
وَكَانَ مِنْ هَدْيِهِ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرِهِ المُدَاوَمَةُ عَلَى الْوِتْرِ، وَسُنَّةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِيَدَعَهُمَا حَضَرًا وَلَا سَفَرًا بخلاف غيرهما من الرواتب .
و« كَانَ عليه الصلاة والسلام يُصَلِّي فِي السَّفَرِ عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ يُومِئُ إِيمَاءً صَلَاةَ اللَّيْلِ،إِلَّا الْفَرَائِضَ وَيُوتِرُ عَلَى رَاحِلَتِهِ ».
عباد الله : كان صلى الله عليه وسلم يربي أصحابه على التوكل على الله، ويعلمهم الِاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا، كَمَا يُعَلِّمُهم السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ، يَقُولُ: « إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ العَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلاَ أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلاَ أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي - أَوْ قَالَ فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ - فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ أَرْضِنِي " قَالَ: « وَيُسَمِّي حَاجَتَهُ ».
فعَوَّضَهُمْ بِهَذَا الدُّعَاءِ الَّذِي هُوَ تَوْحِيدٌ وَافْتِقَارٌ، وَعُبُودِيَّةٌ، وَتَوَكُّلٌ، وَتَفْوِيضٌ تامٌ، واعْتَرَافٌ بِالعَجْزِ عَنْ عِلمِ المَصْلَحَةِ، وَسُؤَالٌ لِمَنْ بِيَدِهِ الْخَيْرُ كُلُّهُ، عوضهم به عما كان يفعله أهل الجاهلية عند أسفارهم مِنْ زَجْرِ الطَّيْرِ وَالِاسْتِقْسَامِ بِالْأَزْلَامِ، فمن امثتل الاستخارة لأسفاره، وتبرأ من حوله واختياره، رُزِق التوفيق والإسعاد، والهداية والرشاد، عن سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ رضي الله عنه ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : « مِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ اسْتِخَارَتُهُ اللهَ، وَمِنْ سَعَادَةِ ابْنِ آدَمَ رِضَاهُ بِمَا قَضَى اللهُ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ تَرْكُهُ اسْتِخَارَةَ اللهِ، وَمِنْ شِقْوَةِ ابْنِ آدَمَ سَخَطُهُ بِمَا قَضَى الله عَزَّ وَجَلَّ » .

اللهم احفظنا ووالدينا وذرياتنا في حلنا وفي سفرنا من كل سوء ومكروه ياذ الجلال والإكرام ..

الا وصلوا ..
المشاهدات 1804 | التعليقات 0