الإِجَازَةُ وَأَحْكَامٌ تَهُمُّ النَّاسَ فِي أَثْنَائِهَا 8 جُمَادَى الأُولَى 14

محمد بن مبارك الشرافي
1441/05/06 - 2020/01/01 16:38PM

الإِجَازَةُ وَأَحْكَامٌ تَهُمُّ النَّاسَ فِي أَثْنَائِهَا 8 جُمَادَى الأُولَى 1441 هـ

الْحَمْدُ للهِ الْحَيِّ الذِي لا يَمُوت، الْحَمْدُ للهِ ذِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوت، وَصَاحِبِ الْعَظَمَةِ وَالْجَبَرُوت، الْحَمْدُ للهِ الذِي لا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ وَلا يَفُوت ، أَشْهَدُ أَنَّهُ رَبُّنَا وَإَلَهُنَا الْمَعْبُودُ بِحَقٍّ, وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ, وَمَا سِوَاهُ مَخْلُوقٌ عَاجِزٌ يَفْنَى وَيَمُوت، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الْمَبْعُوثُ إِلَى الْجِنِّ وَالإِنْسِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً إِلَى يَوْمِ الدِّين.

أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ وَاعْمَلُوا لآخِرَتِكُمْ فَمَا خَلَقَنَا اللهُ إِلَّا لِلْعَمَلِ لَهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ).

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ الإِجَازَةَ مِنَ الدِّرَاسَةِ أَوِ الْوَظَائِفِ هِيَ وَقْتٌ مَحْسُوبٌ مِنْ أَعْمَارِنَا، وَزَمَنٌ مَعْدُودٌ مِنْ بَقَائِنَا فِي الدُّنْيَا، وَإِنَّنَا عَلَيْهِ مُحَاسَبُونَ، فَعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (لَنْ تَزُولَ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ أَرْبَعِ خِصَالٍ، عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ، وَعَنْ شَبَابِهِ فِيمَا أَبْلاهُ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ، وَفِيمَ أَنْفَقَهُ، وَعَنْ عِلْمِهِ مَاذَا عَمِلَ فِيهِ) رَوَاهُ الطَّبَرَانِيُّ وَقَالَ الأَلْبَانِيُّ: صَحِيحٌ لِغَيْرِهِ.

إِنَّ الْعُمُرَ يَمْضِي وَالْحَيَاةَ تَمُرُّ، وَالْعَاقِلُ مَنْ اسْتَغَلَّ وَقْتَهُ وَعُمُرَهُ فِيمَا يُقِرِّبُهُ إِلَى رَبِّهِ، وَاسْتَمَعُوا مَاذَا يَقُولُ مَنْ فَرَّطَ فِي حَيَاتِهِ وَعَصَى رَبَّهُ وَحَارَبَ مَوْلاهُ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ * لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ، كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا، وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ، قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ : ارْتَحَلَتِ الدُّنْيَا مُدْبِرَةً وَارْتَحَلَتِ الآخِرَةُ مُقْبِلَةً، وَلِكُلٍّ مِنْهُمَا بَنَون، فَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الآخِرَةِ وَلا تَكُونُوا مِنْ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا، فَإِنَّ الْيَوْمَ عَمَلٌ وَلا حِسَابَ وَغَدَاً حِسَابٌ وَلا عَمَل.

وَمِنَ التَّقْصِيرِ أَنْ تَكُونَ الإِجَازَةُ مَحَلَّا لِلَّهْوِ، أَوِ يَكُونَ السَّفَرُ وَقْتاً لِلْغَفْلَةِ، فَلَيْسَ هَذَا سِمَةَ الْعُقَلاءِ وَلا دَأْبَ الْحُكمَاءِ، أَلَمْ تَعْمَلُوا أَنَّ مِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ كَتَبَ مُؤَلَّفَاتٍ فِي حَالِ السَّفَرِ مَعَ أَنَّ أَسْفَارَهُمْ كَانَتْ شَاقَّةً وَمُكِلِّفَةً بِعَكْسِنَا فِي الْوَقْتِ الْحَاضِرِ، فَهَذَا الْحَافِظُ ابْنُ الْقَيِّمِ رَحِمَهُ اللهُ كَتَبَ مُؤَلَّفَهُ الْعَظِيمَ (زَادَ الْمَعَادِ فِي خَيْرِ هَدْيِ الْعِبَادِ) وَهُوَ فِي حَالِ السَّفَرِ، وَلا يَزَالُ النَّاسُ يَنْتَفِعُونَ بِهِ مُنْذُ أَلَّفَهُ رَحِمَهُ اللهُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ الإِجَازَةَ فُرْصَةٌ لِصِلَةِ الأَرْحَامِ وَزِيَارَةِ الأَقَارِبِ وَالْقِيَامِ بِحَقِّ الأَهْلِ فِي الْفُرْجَةِ وَالْفُسْحَةِ، وَلَكِنْ مِنَ الْخَطَأِ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ يَجْعَلُ الإِجَازَةَ لِأَصْدَقِائِهِ أَوْ زُمَلائِهِ فِي الْعَمَلِ ثُمَّ يَحْرِمُ أَهْلَهُ مِنْ وَالِدَيْنِ وَزَوْجَةٍ وَأَوْلادٍ مِنْ بَقَائِهِ مَعَهُمْ وَسَفَرِهِ وَإِيَّاهُمْ، فَهَذَا خَطَأٌ وَتَقْصِيرٌ فِي حَقِّهِمْ مَعَ أَنَّهُمْ الأَوْلَى بِعِنَايَتِهِ، فَعَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ : قَالَ رَسُولُ الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ) رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلْبَانِيُّ .

كَمَا أَنَّهُ مِنَ الْخَطَأِ أَنْ يُسَافِرَ الإِنْسَانُ فِي الإِجَازَةِ ثُمَّ يَتَرَتَّبُ عَلَى ذَلِكَ إِخْلالٌ بِعَمَلِهِ أَوْ وَظِيفَتِهِ، أَوْ يُقَدِّمُ طَلَباً بِإِجَازَةٍ اضْطِرَارِيِّةٍ بِحُجَّةِ أَنْ يُسَافِرَ بِأَهْلِهِ، فَهَذَا غَلَطٌ وَكَذِبٌ لا يَجُوزُ، لِأَنَّ الإِجَازَةَ الاضْطِرَارِيَّةَ وُضِعَتْ لِلْحَالاتِ الطَّارِئَةِ كَمَا هُوَ مَعْلُومٌ فِي النِّظَامِ، فَمِنَ التَّزْوِيرِ أَنْ يَأْخُذَهَا الْمُوَظَّفُ بِغَيْرِ حَقٍّ.

وَمِنَ الأَخْطَاءِ أَيْضاً: أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يُسَافِرُ فِي الإِجْازَةِ وَهُوَ إِمَامُ مَسْجِدٍ ثُمْ يَتْرُكُهُ بِدُونِ تَوْكِيلٍ وَبِدُونِ إِشْعَارٍ لِإِدَارَةِ الأَوْقَافِ، وَرُبَّمَا أَنَّ بَعْضَهُمْ يَسْتَحِلُّ الْمُكَافَأَةَ وَهُوَ لَمْ يُصَلِّ فِي الْمَسْجِدِ، فَلْيُنْتَبَهْ لِهَذَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّ أَحْكَامَ السَّفَرِ تَبْدَأُ مِنْ حِينِ يُفَارِقُ الإِنْسَانُ عَامِرَ بَلَدِهِ، فَيُسَنُّ لِلْمُسَافِرِ أَنْ يَقْصُرَ الرُّبَاعِيَّةَ رَكْعَتَيْنِ، وَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَجْمَعَ الظُّهْرَ مَعَ الْعَصْرِ، وَالْمَغْرِبَ مَعَ الْعِشَاءِ فِي وَقْتِ إِحْدَاهُمَا، فَيَفْعَلُ الأَيْسَرَ لَهُ مِنْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ أَوِ التَّأْخِيرِ، لَكِنْ إِذَا كَانَ نَازِلاً فِي الْبَلَدِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي الْمَسْجِدِ، فَإِذَا صَلَّى مَعَ الإِمَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، فَيُتِمَّ الرُّبَاعِيَّةَ, وَلا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَقْصُرَ لِأَنَّهُ صَلَّاهَا خَلْفَ الْمُقِيمِ، لَكِنْ لَوْ فَاتَتْهُ الْجَمَاعَةُ أَوْ كَانَ هُوَ الإِمَامَ فَإِنَّهُ يَقْصُرُ.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : وَيَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَتَوَضَّأَ بِالْمَاءِ وَلا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَيَمَّمَ إِلَّا إِذَا فَقَدَ الْمَاءَ تَمَاماً أَوْ كَانَ اسْتِعْمَالُهُ يَضُرُّهُ بِسَبَبِ مَرَضٍ أَوْ شِبْهِه، قَالَ الْعُلَمَاءُ : وَيَجِبُ عَلَى الْمُسَافِرِ أَنْ يَحْمِلَ مَعَهُ الْمَاءَ لِيَتَوَضَّأَ بِهِ.

فَمِنَ الأَخْطَاءِ: أَنْ بَعْضَ النَّاسِ يَعْتَقِدُ أَنَّ مُجَرَّدَ السَّفَرِ مُبِيحٌ لِلتَّيَمُّمِ، حَتَّى إِنَّ بَعْضَهُمْ يَتَيَمَّمُ وَهُوَ يَرَى الْبَلَدَ قَرِيباً مِنْهُ أَوْ مَحَطَّاتِ الْبَنْزِينِ ثُمَّ لا يَذْهَبُ يَبْحَثُ عَنِ الْمَاءِ، فَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَيَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُعِيدَ صَلاتَهُ، لِأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُبِحْ لَنَا التَّيَمُّمَ إِلَّا عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ)

وَكَيْفِيَّةُ التَّيَمُّمِ: أَنْ يَضْرِبَ التُّرَابَ بِيَدَيْهِ مُفَرَّجَتَي الأَصَابِعِ، ثُمَّ يَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَهُ أَوَّلاً, ثُمَّ ظَاهِرَ الْكَفَّيْنِ، وَبِهَذَا يَكُونُ طَاهِرَاً، فَيُصَلِّى مَا شَاءَ مِنَ الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ, حَتَّى يَنْتَقِضَ تَيَمُّمُهُ بِأَحَدِ نَوَاقِضِ الْوُضُوءِ الْمَعْرُوفَةِ أَوْ يَتَمَّكَنَ مِنَ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (اَلصَّعِيدُ وُضُوءُ الْمُسْلِمِ، وَإِنْ لَمْ يَجِدِ اَلْمَاءَ عَشْرَ سِنِينَ، فَإِذَا وَجَدَ اَلْمَاءَ فَلْيَتَّقِ اَللَّهَ، وَلْيُمِسَّهُ بَشَرَتَهُ) رَوَاهُ اَلْبَزَّارُ، وَصَحَّحَهُ اِبْنُ اَلْقَطَّانِ وَالأَلْبَانِيُّ .

وَاعْلَمُوا: أَنَّ صِفَةَ التَّيَمُّمِ وَحُكْمَهُ وَاحِدٌ، سَوَاءٌ كَانَ الْحَدَثُ أَكْبَرَ أَوْ أَصْغَرَ، فَلَوْ أَصَابَتِ الإِنْسَانَ جَنَابَةٌ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْمَاءِ تَيَمَّمَ، لَكِنْ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَطَلَتْ طَهَارَتُهُ، وَوَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يَغْتَسِلَ بِالْمَاءِ، لَكِنَّ مَا أَدَّاهُ مِنَ الْعِبَادَاتِ بِالتَّيَمُّمِ فَإِنَّهُ صَحِيحٌ وَلا تُشْرَعُ لَهُ إِعَادَتُهَا.

وَمِنْ أَحْكَامِ السَّفَرِ التِي يَحْسُنُ مَعْرِفَتُهَا وَتَطْبِيقُهَا: الصَّلاةُ عَلَى الرَّاحِلَةِ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّى النَّافِلَةَ عَلَى الرَّاحِلَةِ, وَهَذَا مِنْ اسْتِغْلالِ الْوَقْتِ وَحِفْظِهِ بِالطَّاعَةِ، فَعَنْ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قَالَ: رَأَيْتُ رَسُولَ اَللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ. مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. زَادَ اَلْبُخَارِيُّ : يُومِئُ بِرَأْسِهِ، وَلَمْ يَكُنْ يَصْنَعُهُ فِي اَلْمَكْتُوبَةِ.

فَيَحْسُنُ بِنَا التَّنَفُّلُ عَلَى السَّيَّارَةِ أَوِ الطَّائِرَةِ أَوْ غَيْرِهَا، وَسَوَاءٌ كَانَ الإِنْسَانُ سَائِقاً أَوْ رَاكِباً ، وَبَعْضُ النَّاسِ يَسْتَصْعِبُونَ تَنَفُّلَ السَائِقِ لِأَنَّهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ كالْمُعْتَاد، وَهَذَا غَيْرُ صَحِيحٍ، لِأَنَّ رُكُوعَ وَسُجُودَ الْمُصَلِّي عَلَى الرَّاحِلَةِ بِالإِيمَاءِ بِالرَّأْسِ دُونَ البَدَنِ, وَيَجْعَلُ السُّجُودَ أَخْفَضَ بِقَلِيلٍ مِنَ الرُّكُوعِ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ عِلْمَاً نَافِعاً وَعَمَلاً صَالِحاً، أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فِإِنَّ مِنَ السُّنَّةِ أَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا شَرَعَ فِي سَفَرِهِ يَقُولُ دُعَاءَ السَّفَرِ، فَعَنِ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا اسْتَوَى عَلَى بَعِيرِهِ خَارِجًا إِلَى سَفَرٍ، كَبَّرَ ثَلَاثًا، ثُمَّ قَالَ (سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا، وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ، وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنْقَلِبُونَ، اللهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ فِي سَفَرِنَا هَذَا الْبِرَّ وَالتَّقْوَى، وَمِنَ الْعَمَلِ مَا تَرْضَى، اللهُمَّ هَوِّنْ عَلَيْنَا سَفَرَنَا هَذَا وَاطْوِ عَنَّا بُعْدَهُ، اللهُمَّ أَنْتَ الصَّاحِبُ فِي السَّفَرِ وَالْخَلِيفَةُ فِي الْأَهْلِ، اللهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ السَّفَرِ، وَكَآبَةِ الْمَنْظَرِ، وَسُوءِ الْمُنْقَلَبِ فِي الْمَالِ وَالْأَهْلِ)، وَإِذَا رَجَعَ قَالَهُنَّ وَزَادَ فِيهِنَّ (آيِبُونَ تَائِبُونَ عَابِدُونَ لِرَبِّنَا حَامِدُونَ) رَوَاهُ مُسْلِم.

وَمِنَ السُّنَّةِ أَنَّكَ إِذَا دَخَلْتَ قَرْيَةً (أَوْ : مَدِينَةً) دَعَوْتَ بِدُعَاءِ دُخُولِ الْقَرْيَةِ فَتَقُولَ (اللَّهُمَّ رَبَّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَمَا أَظْلَلْنَ، وَرَبَّ الْأَرَضِينَ السَّبْعِ وَمَا أَقْلَلْنَ، وَرَبَّ الشَّيَاطِينِ وَمَا أَضْلَلْنَ، وَرَبَّ الرِّيَاحِ وَمَا ذَرَيْنَ، فَإِنَّا نَسْأَلُكَ خَيْرَ هَذِهِ الْقَرْيَةِ، وَخَيْرَ أَهْلِهَا، وَنَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَشَرِّ أَهْلِهَا، وَشَرِّ مَا فِيهَا) رَوَاهُ الْحَاكِمُ مَرْفُوعَاً وَصَحَّحَهُ هُوَ وَالذَّهَبِيُّ وَحَسَّنَهُ ابْنُ حَجَرٍ وَابْنُ بَازٍ رَحِمِهُمُ اللهُ.

وَإِذَا نَزَلْتَ مَنْزِلاً فِي بَرٍّ أَوْ بَلَدٍ كَالْفَنَادِقِ وَالشُّقَقِ، قُلْتَ دَعَاءَ النُّزُولِ، فَإِنَّهُ حِصْنٌ لَكَ بِإِذْنِ اللهِ، عَنْ خَوْلَةَ بِنْتِ حَكِيمٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قالت: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ (مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَيَنْبَغِي لَنَا الْمُحَافَظَةُ عَلَى هَذِهِ الْأَذْكَارِ وَتَعْلِيمُهَا لِأَهْلِنَا.

أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: وَمِمَّا يَحْسُنُ لِطُلَّابِ الْعِلْمِ أَنْ يَسْتَغِلُّوا إِجَازَاتِهِمْ أَوْ بَعْضِهَا فِي طَلَبِ الْعِلْمِ وَفِي الدَّعْوَةِ إِلَى اللهِ فِي الْهُجَرِ وَالْقُرَى وَيُرْشِدُوا النَّاسَ إِلَى مَا يُصْلِحُ دِينَهُمْ وَدُنْيَاهُمْ، وَكَذَلِكَ حُضُورِ الدَّوْرَاتِ الْعِلْميَّةِ التِي تُقَامُ لِلْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ.

وَمِمَّا يَجْدُرُ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ الدَّوْرَاتُ الْعِلْمِيَّةُ التِي تُقَامُ هَذَا الأُسْبُوعَ فِي الْحَرَمِ الْمَكِّيِّ وَالْمَسْجِدِ النَّبَويِ لِثُلَّةٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ، نَفَعَ اللهُ بِهِمْ وَبَارَكَ فِي جُهُودِهِمْ.

اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ، وَمِنْ نُفُوسٍ لا تَشْبَعُ وَمِنْ عُيُونٍ لا تَدْمَعُ وَمِنْ دُعَاءٍ لا يُسْمَع، اللَّهُمَّ آتِ نُفُوسَنَا تَقْوَاها وَزَكِّهَا أَنْتَ خَيْرُ مَنَّ زَكَّاهَا أَنْتَ وَلِيُّهَا وَمَوْلاهَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا. رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أَمْرِنَا وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَاجْعَلْهُمْ هُدَاةً مُهْتَدِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَالَ الْمُسْلِمِينَ فَي كُلِّ مَكَانٍ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار.

المرفقات

وَأَحْكَامٌ-تَهُمُّ-النَّاسَ-فِي-أَث-2

وَأَحْكَامٌ-تَهُمُّ-النَّاسَ-فِي-أَث-2

المشاهدات 2297 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا