الإثبات الإلكتروني في النكاح والطلاق (2/ 2) د. عبد العزيز بن إبراهيم الشبل
احمد ابوبكر
1438/08/03 - 2017/04/29 07:03AM
[align=justify][align=justify]المبحث الثاني: الإثبات الإلكتروني في النكاح.
المطلب الأول: طرق إثبات النكاح.
إذا ادعى الرجل أن فلانة امرأته، أو ادعت امرأة أن فلاناً زوجها، فما طرق إثبات هذه الدعوى؟
تثبت دعوى الزوجية بأمور:
1- شهادة شاهدين عدلين(1)، فإذا شهد رجلان أن فلاناً زوج فلانة ثبت به النكاح، سواء أكانا حضرا عقد النكاح، أم لم يحضراه، كأن يشهدا بالاستفاضة بين الناس أن فلاناً وفلانة زوجان(2).
2- الإقرار(3)، فإذا ادعى رجل على امرأة أنها زوجته فأقرت بالنكاح، أو ادعت امرأة على رجل أنه زوجها، فأقر بالزوجية، ثبت النكاح.
3- واختلفوا في النكول فعمل به أبو يوسف ومحمد بن الحسن(4)، وعمل به الشافعي مع يمين المدعي(5)، ولم يعمل به أبو حنيفة(6)، ومالك(7)، وأحمد(8).
وهناك بعض طرق الإثبات ينصّون على عدم العمل بها في إثبات الزوجية، وإن كانوا يعملون بها في أبواب أخرى، مثل الشاهد مع اليمين(9)، فهم يحتاطون في النكاح أكثر من احتياطهم في البيوع؛ لأن شأن النكاح أعظم(10).
المطلب الثاني: وسائل الإثبات الإلكتروني في مسائل النكاح.
المسألة الأولى: إثبات أصل النكاح بالوسائل الإلكترونية.
قبل البدء بمعرفة حكم إثبات أصل النكاح بالوسائل الإلكترونية يحسن بحث مسألة: عقد النكاح بالكتابة، فإذا كتب رجل إلى ولي امرأة يطلب منه تزويج موليّته، فكتب الولي بالقبول، وتوفّرت شروط النكاح الأخرى، فهل يصح هذا النكاح؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: صحة عقد النكاح بالكتابة، وهذا القول هو مذهب الحنفية(11)، ووجه عند الشافعية(12)، ووجه عند الحنابلة(13)(14).
القول الثاني: أن النكاح لا ينعقد بالكتابة من القادر على النطق، وهذا القول قال به من الحنفية: الحسن بن حي(15)، ومذهب المالكية(16)، والصحيح من مذهب الشافعية(17)، والحنابلة(18).
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي ليزوجه أم حبيب(19).
الاعتراض على الاستدلال بهذا الدليل: كتابة النبي صلى الله عليه وسلم للنجاشي ليزوجه أم حبيبة لم يثبت.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ الدعوة، وقد كتب إلى بعض الملوك يدعوهم إلى الإسلام(20)، وكان ذلك تبليغاً منه للرسالة، وشأن تبليغ الرسالة أعظم من النكاح، فيصح النكاح بالكتابة من باب أولى(21).
الدليل الثالث: أن الكتاب ممن نأى كالخطاب ممن دنا، فإن الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر(22).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: أن أمر النكاح خطير، وشأنه عظيم، فلهذا لا يصح أن يعقد النكاح كتابة، بل لا بد من المشافهة(23).
الاعتراض على هذا الدليل: أن تبليغ الرسالة أعظم من النكاح، ومع ذلك فقد بلّغ النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الملوك بالكتابة.
الدليل الثاني: أن الكتابة لها حكم الكناية فلا بد لها من نية، ولا يستطيع الشهود أن يطلعوا على النية، فلا يصح النكاح بالكتابة، حتى لو قالا بعد الكتابة: نوينا النكاح، كان شهادة على إقرارهما، لا على العقد نفسه، فلا يصح أيضاً لأن العقد خلا من الشهود(24).
الاعتراض على هذا الدليل: صحيح أن الشهود لا يستطيعون الجزم بنية الكاتب، ولكنهم يستدلون على هذه النية بالأمارات، ويأخذون بالظاهر، فكونه كتب كتاباً، ثم أرسله ليخطب امرأة من وليها، ثم أحضر الولي الشهود، وأطلعهم على الكتاب، وقال: اشهدوا أني زوجت فلاناً من موليّتي، كل هذا يدل على وجود النية من الكاتب على إرادة النكاح، فهم شهدوا على الظاهر، وقد جاءت الشريعة بالعمل بالظاهر، والأخذ بالقرائن والأمارات.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – هو صحة النكاح بالكتابة، وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول.
المسألة الثانية: إجراء عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة.
اختلف المعاصرون في حكم عقد النكاح بواسطة وسائل الاتصال المعاصرة، كالهاتف والجوال والفاكس وعن طريق الإنترنت، على قولين:
القول الأول: صحة عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، إذا توفرت شروطه المعتبرة شرعاً، وهذا القول قال به بعض الفقهاء المعاصرين(25).
القول الثاني: عدم صحة عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، وممن قال بهذا القول: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية(26)، وبه جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي(27)، ومجمع الفقه الإسلامي بالهند(28).
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
يستدل أصحاب القول الأول بما يستدل به الحنفية في مسألة جواز النكاح كتابة، كما أن هذا النكاح عقد تم بشروطه الشرعية، ففيه رضا الزوجين، والولي، والشهود يسمعون العقد أو يقرؤون المراسلات بين الطرفين، فما المانع من قبول هذا العقد؟
أدلة القول الثاني:
بالإضافة إلى الأدلة السابقة لمن منع عقد النكاح بالكتابة، فإنهم يستدلون أيضاً: بأن التزوير انتشر مع انتشار وسائل الاتصال المعاصرة، وقد احتاط الشرع في أمور الفروج، وسمّى النكاح ميثاقاً غليظاًن فلهذا ينبغي الاحتياط لعقد النكاح، فلا يعقد بهذه الوسائل، بل لا بد من اجتماع الزوج والولي والشهود، وعند عدم إمكان اجتماع الزوج مع الولي فإنه يمكنه أن يوكل من يقبل النكاح نيابة عنه.
الترجيح:
الذي يظهر لي – والعلم عند الله – قوة القول بصحة عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، إذا تمّ بشروطه المعتبرة شرعاً، كما أنه يجب أن يحتاط في وسائل الإثبات، فلا بد من التأكد من هوية العاقدين والشهود، ويمكن استثمار وسائل الإثبات الإلكترونية، كالتواقيع الرقمية، أو الدوائر التلفزيونية الخاصة بالجهات الحكومية، وغيرها من وسائل الإثبات المعتمدة عالمياً في المعاملات الإلكترونية والحكومية.
ومع أني أرى قوة القول بصحة النكاح، ولكني لا أرى مانعاً من المنع من النكاح الإلكتروني من قبيل السياسة الشرعية، وذلك لخطر النكاح، ولأن كثيراً من الناس لا يفرق بين الوسائل الموثوقة وغيرها، أو المنع من النكاح إلا بطرق اتصال محددة، يعلم الحاكم أنها وسائل موثوقة.
وأما المنظّم السعودي فقد نصّ في المادة (3) على عدم دخول الأحوال الشخصية في أحكام نظام التعاملات الإلكترونية، ولكنه لم ينصّ على أنها لا تصح بالوسائل الإلكترونية، ولعله بذلك أراد ألا يحسم الحكم في هذه المسألة، وإنما يتركها للجهات المختصة بالفتوى أو القضاء في المملكة.
المسألة الثالثة: الإثبات الإلكتروني في إيجاب النكاح وقبوله.
إذا عُقِدَ النكاح بوسيلة إلكترونية فهل يمكن إثبات الإيجاب أو القبول بالوسائل الإلكترونية؟
لا يخلو الإيجاب والقبول من أن يكون تم بوسيلة كتابية، كإرسال رسالة بالبريد الإلكتروني، أو كتابة رسالة بواسطة أحد برامج المحادثة كالماسنجر، أو عن طريق رسالة جوال.
أو أن يكون تم بوسيلة صوتية أو صوتية مرئية، كالمكالمات الصوتية، أو الصوتية المرئية بالجوال، أو بأحد برامج المحادثة كالماسنجر والسكايبي، وغيرها.
فإن كان الإيجاب أو القبول قد تم بوسيلة اتصال كتابية، فإن القول فيه يخرّج على مسألة عقد النكاح بالكتابة، وعقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، وعلى ذلك يمكننا القول بأن هناك قولين في هذه المسألة.
القول الأول: أن طرق الإثبات الإلكترونية لا تصلح للإثبات في هذه المسألة، وبناء على كلامهم السابق يمكن أن نقول: إنه يوجد اتجاهان في سبب عدم قبول الوسائل الإلكترونية في إثبات صيغة النكاح، وهما:
1- أن التعاقد بالكتابة كناية، والكناية تحتاج إلى نية، ولا يمكن لأي وسيلة إلكترونية أن تثبت أن كاتب الرسالة كان ينوي عقد النكاح، وعلى ذلك فلا يمكن إثبات الصيغة الكتابية بأي وسيلة إلكترونية مهما كانت.
2- أن عقد النكاح عقد عظيم، وميثاق غليظ، وعلى ذلك فلا بد من الاحتياط فيه، والوسائل الإلكترونية عرضة للتزوير والانتحال، فتكون غير صالحة لإثبات عقد النكاح، لا أنها لا تصلح لإثبات العقود، ولكن لأن عقد النكاح يحتاط له، ويتشدد في إجراءاته.
القول الثاني: أن صيغة عقد النكاح إذا تمت بوسيلة إلكترونية موثوقة يمكن إثباتها عن طريق الخبراء، يعمل بها، وتكون مثبتة لإصدار الإيجاب من الولي، أو القبول من الزوج، ولكن لا بد من الاحتياط فيها أكثر من الاحتياط في العقود المالية.
وأما إن صدر الإيجاب أو القبول بوسيلة صوتية، أو صوتية مرئية فإن الحكم فيها يختلف قليلاً عن سابقتها، حيث إن الصيغة القولية كافية بنفسها، ولا تحتاج إلى نية، ولكن تحمل المسألة على قولين:
الأول: من لا يصحح عقد النكاح إذا أجري بالوسائل المعاصرة؛ لأنه يحتاط فيه أكثر من غيره، والوسائل الإلكترونية عرضة للانتحال والتزوير، وعلى ذلك لا يمكن إثباته؛ لأنه لا يقول بمشروعية هذا النكاح.
الثاني: من يصحح عقد النكاح، وعلى ذلك يمكن إثباته بالوسائل الإلكترونية المعاصرة، ولكن يشترط الاحتياط فيه أكثر من غيره من العقود.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – صحة إجراء عقد النكاح بالوسائل الإلكترونية – كما سبق تقريره – ولكن لا بد من الاحتياط في عقد النكاح، وعلى ذلك فإذا عقد على امرأة بوسيلة اتصال معاصرة، فإن الأمر لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يقرّ الطرفان بأنهما أجريا النكاح، وأنه لم ينتحل أحد شخصيتهما، فعلى ذلك يكون النكاح صحيحاً، ولا تحتاج إلى التثبت من الوسيلة الإلكترونية، وذلك لأن الإقرار من طرق إثبات النكاح – كما سبق بيانه.
الحال الثانية: أن ينكر أحدهما إجراء عقد النكاح بالوسيلة الإلكترونية، أو أن يزعم أن شخصيته قد انتحلت، فهنا أرى تقسيم وسائل الإثبات الإلكتروني إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: فئة يسهل اختراقها، وتزويرها، أو انتحال الشخصية عن طريقها، كالبريد الإلكتروني، وبرامج المحادثة الفورية، والمنتديات، ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر، فهذه الطرق أرى أنها قرائن ضعيفة، لا تصلح لإثبات النكاح.
الفئة الثانية: فئة يصعب اختراقها، ولكن يسهل استخدامها من غير صاحبها، كالجوال، فاختراق شبكة الجوال صعب جداً، ولكن يمكن أن يستخدم الجوالَ غيرُ صاحبه، كأن يسرق منه الجوال، أو يأخذ الجوال أحد أصدقائه ثم يرسل رسالة بواسطته، فهذه الفئة أرى أنها من قبيل القرائن المتوسطة، ينظر إلى ما يحتف به من قرائن أخرى، فيعمل بها إن اقترنت بها قرينة تؤيدها، وترد إن اقترنت بها قرينة تضعفها.
فإذا كانت القرائن تدل على أن الجوال لم يسرق ولم يستخدمه غير صاحبه فإنه يعمل بها، كأن يثبت أن صاحب الجوال في ذلك الوقت وحده ومعه جواله، أو أن يشهد الشهود أن الجوال كان معه في وقت إرسال الرسالة، أو أن يقرّ بإرسال الرسالة التي قبلها، والرسالة التي بعدها، وليس بين الرسائل إلا أقل من دقيقة.
وإذا كانت القرائن تشير إلى أنه يحتمل احتمالاً كبيراً أه قد ا ستخدم الجوال من غير صاحبه فإن الجوال لا يكون كافياً في الإثبات، كأن يكون الجوال قد سرق منه في ذلك اليوم، أو أن يكون صاحب الجوال شخصاً معروفاً بإهمال جواله، أو أن يقرّ شخص بإرسال الرسالة التي فيها الإيجاب أو القبول، أو أن يكون رقم الجوال فيه خاصية الشرائح المتعددة، بحيث يمكن استخدام الرقم في أكثر من جهاز، ويوجد أحد الأجهزة في يد شخص آخر، وفيه الرسالة المرسلة، أو فيه برنامج لمحاكاة الأصوات والإيجاب أو القبول كان صوتياً.
الفئة الثالثة: فئة يصعب اختراقها، واستخدامها من قبل شخص آخر، كالتواقيع الرقمية، أو الدوائر التلفزيونية في المحاكم أو الإدارات الحكومية، فهذه الطرق تعد طرقاً صحيحة للإثبات.
المسألة الرابعة: إثبات الإقرار بالنكاح إلكترونياً.
قد يتزوج الشخص زواجاً شرعياً، ولكنه يفتقد إلى التوثيق الرسمي، ولا يوجد شهود لهذا النكاح، إما لأن النكاح عقد في بلد آخر يتعذر معه استدعاء الشهود، أو لأن الشهود ماتوا، أو غير ذلك من الأسباب، فهل يمكن إثبات هذا النكاح عن طريق إقرار الزوج بوسيلة إلكترونية؟
مثال ذلك: ينفي الزوج النكاح، وتحضر الزوجة مراسلات إلكترونية يقرّ فيها الزوج بالنكاح، وكذلك العكس: لو ادّعى الزوج النكاح، وأنكرت الزوجة النكاح، ثم أحضر الزوج مراسلات إلكترونية بينهما تقرّ فيها بالنكاح.
لا يخلو هذا الإقرار من أن يكون إقراراً كتابياً أو صوتياً، فمثال الإقرار الكتابي: أن يرسل لها الزوج بريداً إلكترونياً يقر فيه بالنكاح، أو يرسل لها رسالة جوال، أو يكتب لها في أحد برامج المحادثات الكتابية.
ومثال الإقرار الصوتي أو الصوتي المرئي: الإقرار عن طريق برامج المحادثة الصوتية، أو يسجل مقطعاً وينتشر في المواقع الإلكترونية.
وبعد أن اتضحت صورة المسألة يأتي السؤال الذي يحتاج إلى إجابة، وهو: هل يمكن إثبات الإقرار بالنكاح إلكترونياً؟
هذه المسألة قريبة من المسألة السابقة، وهي: الإثبات الإلكتروني في إيجاب النكاح وقبوله، إلا أنها تختلف عنها في النقاط التالية:
1- العلماء الذين خالفوا في مسألة عقد النكاح بالكتابة، أكثرهم أجاز إثبات الإقرار بالكتابة(29)، وعلى ذلك فلا يمكننا أن نخرّج قولاً لهم بعدم قبول الإقرار بالنكاح كتابياً.
2- العلماء الذين منعوا من عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، لا ينطبق كلامهم، وأدلة منعهم على إثبات الإقرار بالنكاح عبر الوسائل المعاصرة، والذي يظهر لي أنهم – أو أكثرهم – لا يمانعون من إثبات النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة.
3- أن شروط إثبات صيغة النكاح أكثر من شروط إثبات الإقرار بالنكاح، فعلى سبيل المثال: إذا أخذ الشهادة كوسيلة متفق عليها لإثبات النكاح، فإن الشهود في إثبات صيغة النكاح يجب أن يحضروا عقد النكاح فيشهدوا بأن فلاناً زوّج ابنته فلانة من فلان، بينما في الإقرار بالنكاح: يجوز أن يشهد الشاهد الأول بأن فلاناً أقرّ بالزواج في يوم السبت، ثم يشهد عليه شاهد آخر بأنه أقر بالنكاح يوم الأحد.
إذا تقرر ما سبق فإنه يمكننا القول: بأن الإقرار بالنكاح بوسيلة إلكترونية، سواء أكانت الوسيلة كتابية أم صوتية، ينقسم إلى ثلاث فئات، هي الفئات السابقة في مسألة إثبات صيغة النكاح إلكترونياً:
- فإذا كانت الوسيلة سهلة الاختراق أو التزوير فإنها تعد قرينة ضعيفة.
- وإن كانت الوسيلة صعبة الاختراق والتزوير لكن يسهل استخدامها من قبل شخص آخر، فإنها تعد قرينة متوسطة ينظر إلى ما يحتف بها من قرائن.
- وإن كانت الوسيلة يصعب اختراقها أو تزويرها أو استخدامها من قبل شخص آخر، فإنها تعد طريقاً صحيحاً لإثبات دعوى النكاح.
الإثبات الإلكتروني للطلاق:
المطلب الأول: طرق إثبات الطلاق.
إذا ادعت الزوجة أن زوجها قد طلقها، أو ادعى أنه قد طلقها ليتخلص من النفقة أو غيرها من الحقوق، فكيف تثبت هذه الدعوى؟
تثبت دعوى الطلاق بأمور:
1- الإقرار، فإذا أقر الزوج أنه قد طلق، أو ادعى الطلاق فصدّقته المرأة، ثبت الطلاق(30).
2- الشهادة، فلو شهد عدلان أن فلاناً طلق زوجته ثبت الطلاق(31).
3- واختلفوا في طرق أخرى: كالشاهد واليمين مع نكول الرجل عن الحلف(32).
المطلب الثاني: الإثبات الإلكتروني للطلاق.
الطلاق الإلكتروني إما أن يكون طلاقاً مكتوباً، وإما أن يكون طلاقاً لفظياً، وسأذكر بعون الله حكم كل نوع.
المسألة الأولى: الطلاق المكتوب.
قد يرسل الزوج إلى زوجته رسالة جوال يطلقها فيها، أو يرسل بريداً إلكترونياً، أو يكتب لها في أحد برامج المحادثة الطلاق، فهل يقع هذا الطلاق؟ وإذا جحده الزوج كيف يتم إثبات هذا الطلاق؟
وقبل الحكم في هذه المسألة نحتاج إلى بيان حكم المسألتين التاليتين:
1- هل يقع الطلاق بالكتابة؟
2- لو أنكر الزوج الرسالة التي فيها الطلاق، فما العمل؟.
الفرع الأول: الطلاق بالكتابة:
إذا كتب الزوج لزوجته كتاباً يطلقها فيه، فهل يقع هذا الطلاق؟
اختلف العلماء في طلاق القادر على النطق بالكتابة على أقوال:
القول الأول: إن الطلاق بالكتابة يقع إن نواه الزوج وكانت الكتابة مستبينة(33)، وهذا هو قول الإمام الشافعي(34)، ورواية عن الإمام أحمد(35)، وهذا هو مذهب الحنفية إلا أنهم قالوا: إن كانت الكتابة المستبينة على وجه المخاطبة والرسالة يقع بها الطلاق، مثل أن يكتب: أما بعد يا فلانة فأنت طالق، أو إذا وصل كتابي إليك فأنت طالق، ولو قال: ما أردت به الطلاق أصلاً لا يصدق إلا أن يقول: نويت طلاقاً من وثاق فيصدق فيما بينه وبين ربه، لا قضاء(36).
القول الثاني: إن كتب الطلاق عازماً عليه، أو لم يكن له نية، وقع الطلاق، وأما إن كتب الطلاق متردداً في الطلاق أو مستشيراً فيه فإنه لا يقع حتى يخرجه عازماً على الطلاق، أو بوصوله للزوجة أو لوليها، وهذا القول هو مذهب المالكية(37).
القول الثالث: أن كتابة الطلاق ليست بشيء، فلا يقع بها الطلاق، وهذا القول قو للشافعي(38)، وقول للحنابلة(39)، وهو مذهب ابن حزم(40).
القول الرابع: أن كتابة الطلاق تعدّ طلاقاً صريحاً، وهذا القول وجه عند الشافعية(41)، ورواية عن الإمام أحمد، قال بها كثير من الأصحاب(42).
أدلة الأقوال:
دليل القول الأول:
أن الكتابة قد تكون لتحسين الخط، وتجربة القلم، وقد تكون لإرادة الطلاق، فلمّا كانت الكتابة يراد بها الطلاق وغيره دخلت في الكنايات، والكنايات لا بد فيها من النية(43).
أما دليل وقوع الطلاق إذا نواه: فلأنها طريق في إفهام المراد كالعبارة، وقد اقترنت بالنية، فيعمل بها(44).
وبعبارة أخرى: الكتابة كناية ولا يقع بها الطلاق إن تجردت عن النية؛ لأنها نقصت عن الكلام لاحتمالها، وتخالف الأفعال لإفهام المخاطب بها، ولأن العرف في استعمالها أنها بدل من الكلام، تقتضي أن يتعلق عليها بعض أحكام الكلام، فصارت كالمحتمل فيه من اعتبار النية فيه(45).
وأما دليل الحنفية في وقوع الطلاق بالكتابة المستبينة إذا كانت على وجه المخاطبة: لأن هذه الكتابة جارية مجرى الخطاب، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ بالخطاب مرة والكتاب أخرى وبالرسول ثالثاً، وكان التبليغ بالكتاب والرسول كالتبليغ بالخطاب، فدل على أن الكتابة المرسومة بمنزلة الخطاب، فصار كأنه خاطبها بالطلاق عند الحضرة، فإذا قال: ما أردت به الطلاق فقد أراد صرف الكلام عن ظاهره فلا يصدق(46).
وأما الكتابة غير المرسومة فلم يجرِ العرف بإظهار الطلاق بهذه الطريقة(47).
دليل القول الثاني:
اما دليل وقوع الطلاق إذا كان عازماً عليه أو لا نية له فيستدل لهم بأدلة القائلين بوقع الطلاق بمجرد الكتابة، وأما دليلهم على عدم وقوع الطلاق إن كتب متردداً أو مستشيراً حتى يرسله، فقد استدلوا بما يلي: أن إخراج الكتاب من يده بمنزلة الإشهاد، فهو كمن كتب كتاباً بصدقة، فهو مخير فيه حتى يخرج من يده، فإذا خرج من يده كان بمنزلة ما لو أشهد عليه(48).
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: لأنه فعل من قادر على القول فلم يعتد به(49).
الدليل الثاني: لا يقع في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم اسم تطليق على كتابة الطلاق، وإنما يقع التطليق على التلفظ به، فعلى ذلك الكتابة ليست طلقاً حتى يلفظ به(50).
أدلة القول الرابع:
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتبليغ الرسالة، وقد بلغها بكتبها، فالطلاق من باب أولى(51).
الدليل الثاني: أن الإنسان يعبر عما في نفسه بكتابته، كما يعبر عما في نفسه بلسانه، ولهذا قيل: القلم أحد اللسانين، وقد ثبت أنه لو عبر عن الطلاق باللسان لوقع، فكذلك إذا عبر بالكتابة(52).
الدليل الثالث: أن العادة جارية باستعمال الكتابة في موضع الكلام(53).
الترجيح:
يصعب الترجيح في هذه المسألة، فليس فيها دليل نصي، والأدلة متقاربة، ولكن الذي يظهر لي – والعلم عند الله – أن الراجح هو قول الحنفية، وذلك لأن الأصل بقاء النكاح، فإذا كتب ونوى الطلاق وقع الطلاق، وأما إن لم ينوِ الطلاق فالأصل بقاء النكاح؛ إذ الأعمال بالنيات، والنية لا يعلم بها إلا صاحبها، ولكن قد تظهر بعض القرائن التي يمكن أن نعرف بها النية، ومن أهم تلك القرائن: أن يرسل رسالة مرسومة إلى زوجته يطلقها فيها، فهذه الرسالة الذي يظهر فيها إرادة الطلاق، فنعمل بالظاهر، ونوقع الطلاق حتى لو زعم الزوج أنه لم يرد الطلاق؛ لأن الظاهر إيقاع الطلاق، وهذا الظاهر قوي جداً، وإرادة غيره معدومة أو نادرة فلا عبرة بها، ومما يؤيد ما سبق أنه قد حكي الاتفاق على تقديم الأصل على الظاهر في الدعاوى(54)، فيقدم الأصل وهو عدم الطلاق، لكن إذا تقوّى الظاهر بقرائن وعوائد وشواهد تدلّ عليه فإنه يقدم على الأصل(55)، ومن تلك القرائن التي يقدم بها الظاهر على الأصل: اطراد العادة على وفاق الظاهر، والعادة الآن أن من أرسل إلى زوجته رسالة مرسومة يطلقها فيها فإنه يريد الطلاق، ولا يريد شيئاً آخر، فيعمل بتلك العادة، وتطلق امرأته.
الفرع الثاني: العمل عند إنكار الزوج للطلاق الكتابي.
إذا ادعت الزوجة على زوجها أنه طلقها، وأحضرت رسالة بخطه فهل يحكم عليه بالطلاق بالخط المجرد عن الشهود؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: لا يقبل العمل بالخط المجرد عن الشهود، بل لا بد أن يشهد عدلان أنهما رأيا فلاناً يكتب هذا الكتاب لزوجته، وهو مذهب الحنفية(56)، وبعض المالكية(57)، ومذهب الحنابلة(58).
القول الثاني: لا يعمل بالكتاب حتى يرى الشاهدان الرجل يكتب الطلاق، ولا يغيب الكتاب عن أيعنهما حتى يشهدا به، وهذا هو مذهب الشافعية(59)، وقول القاضي أبي يعلى من الحنابلة(60).
القول الثالث: إذا شهد عدلان أن هذا خط الزوج فإنه يعمل بتلك الشهادة إذا كانا فطنين عارفين بالخطوط، وهذا هو مذهب المالكية(61)، ورواية عن الإمام أحمد، وهو قول الإمام البخاري إذا كان مختوماً(62)، واختيار ابن القيم، لكنهم لم يقيدوا ذلك بشاهدين(63).
أدلة الأقوال:
دليل القول الأول: أن الخطوط قد تشتبه، وقد يقع فيها التزوير، ولهذا لا بد أن يشهد شاهدان على أن هذا الكتاب هو كتاب الزوج(64).
دليل القول الثاني: لا يجوز أن يشهدا على الخط؛ لأن الخط قد يشتبه بغيره، وإن رأياه قد كتبه وغاب الكتاب عنهما لم يجز أن يشهدا به؛ لجواز أن يكون مزوراً فيشتبه بكتابه(65).
الاعتراض على هذين الدليلين: غاية ما في الأمر أن الخطوط قد تتشابه، وكذلك الصور والأصوات قد تتشابه، ومع ذلك لم يمنع ذلك من قبول الشهادة على الصوت والصورة، بل قد دلت الأدلة المتظافرة على قبول شهادة الأعمى فيما طريقه السمع إذا عرف الصوت، مع أن الأصوات قد تتشابه(66).
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على الخط في تبليغ الدعوة، من غير إشهاد على الرسالة(67).
الدليل الثاني: أن الله أمر بكتابة الدين في آية الدين، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بكتابة الوصية(68)، فلو لم يكن للخط فائدة لما أمر بكتابة الحقوق(69).
الدليل الثالث: لم يزل الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال يعتمدون على كتب بعضهم إلى بعض، ولا يشهدون حاملها على ما فيها، ولا يقرؤونها عليها(70).
الاعتراض على هذا الدليل: أن هذا كان مقبولاً عندما كان الصدق فاشياً في القرن الأول، وأما بعد فشو الكذب والتزوير فإنه لا يقبل.
الدليل الرابع: أن الله قد جعل في خط كل كاتب ما يتميز به عن خط غيره كتميز صورته وصوته عن صورة وصوت غيره، والناس يشهدون شهادة لا يستريبون فيها أن هذا خط فلان، وإن جازت محاكاته ومشابهته فلا بد من فرق، وأهل الخبرة يفرقون بين الخطوط(71).
الترجيح:
لعل الراجح – والله أعلم – هو القول الثالث؛ لقوة أدلتهم، والعلم الحديث يقوّي قولهم، فخبراء الخطوط يستطيعون التمييز بين الخطوط.
الفرع الثالث: الإثبات الإلكتروني للطلاق المكتوب.
إذا أرسل الزوج لزوجته الطلاق مكتوباً بوسيلة إلكترونية، فلا يخلو من ثلاث أحوال:
الحال الأولى: أن يقرّ بالطلاق، ويقرّ بأنه أراد الطلاق، فهنا يقع الطلاق بلا إشكال، إلا عند من يقول إن الطلاق المكتوب لا يعدّ طلاقاً إلا إن تلفظ به، وقد سبق الترجيح في هذه المسألة.
الحال الثانية: أن يقرّ بكتابة الرسالة، ولكن ينكر أنه كان يريد الطلاق، فيقع في هذه المسألة الخلاف السابق، ويكون في المسألة أربعة أقوال:
القول الأول: أن الطلاق يقع؛ لأن كتابة الطلاق في حكم الطلاق الصريح.
القول الثاني: أن الطلاق لا يقع؛ وهذا على قول من يقول إن كتابة الطلاق كناية ولا بد في الكناية من النية، أو من يقول إن الطلاق بالكتابة لا يعد شيئاً.
القول الثالث: إن وصلت الرسالة إلى الزوجة وقع الطلاق.
القول الرابع: إن كانت الكتابة مرسومة وقع الطلاق، وإلا فلا، ومن الكتابة المرسومة الآن: إرسال رسالة جوال، أو بريد إلكتروني، ومن غير المرسومة أن يكتب في أحد المنتديات، أو في أثناء محادثة مع أحد زملائه.
والذي أراه راجحاً – والعلم عند الله – هو القول الرابع، كما سبق بيانه.
الحال الثالثة: أن ينكر كتابة الطلاق من أساسه، فهل يقبل قوله في ذلك؟
يخرج في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا بد أن يشهد عدلان بأنه كتب الرسالة، وإلا فإنه يقبل إنكاره.
القول الثاني: لا بد أن يشهد عدلان على كتب الرسالة، ويعرفان ما كتب، ويعلمان بوصول الرسالة من غير تحريف إلى الزوجة.
القول الثالث: يعمل بالقرائن(72)، فإن كان يغلب على الظن أنه أرسل الرسالة فإنه لا يقبل قوله، ويقع الطلاق، وإن كان يغلب على الظن عدم كتابته للرسالة فإن الطلاق لا يقع، وهذا القول هو الراجح، كما سبق تقريره.
وإذا أردنا تطبيق هذا القول على واقع الوسائل الإلكترونية، فإنه يسعنا القول بما تقدم بيانه من تقسيم وسائل الإثبات الإلكتروني من حيث قوتها وضعفها إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: فئة يسهل اختراقها، وتزويرها، أو انتحال الشخصية عن طريقها، كالبريد الإلكتروني، وبرامج المحادثة الفورية، والمنتديات، ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر، فهذه الطرق أرى أنها قرائن ضعيفة، ولا تصلح لإثبات الطلاق؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ولا يترفع هذا الأصل بالقرائن الضعيفة، فإن الأصل لا يرتفع بمجرد الاحتمال(73).
الفئة الثانية: فئة يصعب اختراقها، ولكن يسهل استخدامها من غير صاحبها، كالجوال، فاختراق شبكة الجوال صعب جداً، ولكن يمكن أن يستخدم الجوالَ غيرُ صاحبه، فهذه الفئة أرى أنها من قبيل القرائن المتوسطة، ينظر إلى ما يحتف بها من قرائن أخرى، فيعمل بها إن اقترنت بها قرينة تؤيدها، وترد إن اقترنت بها قرينة تضعفها.
فإذا كانت القرائن تدل على أن الجوال لم يسرق ولم يستخدمه غير صاحبه فإنه يعمل بها، كأن يثبت أن صاحب الجوال في ذلك الوقت وحده ومعه جواله، أو أن يشهد الشهود أن الجوال كان معه في وقت إرسال الرسالة، أو أن يقرّ بإرسال الرسالة التي قبلها، والرسالة التي بعدها، وليس بين الرسائل إلا أقل من دقيقة.
وإذا كانت القرائن تشير إلى أنه يحتمل احتمالاً كبيراً أنه قد استخدم الجوال من غير صاحبه فإن الجوال لا يكون كافياً في الإثبات، كأن يكون الجوال قد سرق منه في ذلك اليوم، أو أن يكون صاحب الجوال شخصاً معروفاً بإهمال جواله، أو أن يقرّ شخص بإرسال الرسالة التي فيها الطلاق، أو أن يكون رقم الجوال فيه خاصية الشرائح المتعددة، بحيث يمكن استخدام الرقم في أكثر من جهاز، ويوجد أحد الأجهزة في يد شخص آخر، وفيه الرسالة المرسلة.
الفئة الثالثة: فئة يصعب اختراقها، واستخدامها من قبل شخص آخر، كالتواقيع الرقمية، أو الدوائر التلفزيونية في المحاكم أو الإدارات الحكومية، فهذه الطرق تعد طرقاً صحيحة لإثبات الطلاق، فيقع الطلاق بها، ولا يلتفت إلى إنكاره الزوج.
المسألة الثانية: الطلاق الملفوظ.
قد يتلفظ الزوج بالطلاق عن طريق الجوال، أو عن طريق أحد برامج المحادثة، ثم ينكر الزوج الطلاق، وتدّعي الزوجة أنه طلقها، فهل يقبل إنكار الزوج للطلاق؟
لإثبات الطلاق بهذه الوسائل تحتاج إلى إثبات أمرين:
الأمر الأول: إثبات أن المرأة قد سمعت الطلاق بهذه الوسيلة، كأن نثبت أنها سمعت الطلاق بواسطة الجوال، وهذا الأمر يقال فيه ما قيل في الإثبات الإلكتروني للطلاق المكتوب، من تقسيم الوسائل إلى ثلاث فئات، ولكل فئة حكمها.
الأمر الثاني: إثبات أن الصوت هو صوت الرجل، وأنه تلفظ بالطلاق من غير تركيب أو تزوير للصوت، وهذا الإثبات صعب جداً؛ إذ إن برامج تعديل الأصوات وتغييرها كثيرة، وأصبح استخدامها شائعاً، فلا يقبل مجرد التسجيل لصوت الرجل؛ إذ الأصل بقاء النكاح، ولا ننتقل عن الأصل إلا بدليل، ومجرد تسجيل الصوت لا يعدّ كافياً في إثبات الطلاق، إلا إن أمكن إثبات أن الصوت صوت الرجل، وأنه لم يدخله أي تعديل أو تغيير، فهنا يمكن أن يقبل هذا الدليل، ولكن هذا صعب جداً.
الخاتمة:
أسأل الله حسنها.
بعد هذه الجولة في أحكام الإثبات الإلكتروني للنكاح والطلاق، أحب أن ألخص أهم نتائج البحث:
1- وسائل الإثبات هي الطرق التي تقام بها الحجة أمام القضاء.
2- اختلف العلماء في حصر وسائل الإثبات، وقد ذكرت أوجه الاتفاق والاختلاف بين القولين؛ لأن بعض المتأخرين فهم كلام المتقدمين على خلاف ما قصدوا.
3- الفقهاء يعملون ببعض القرائن دون بعض، ويحكمون على كل قرينة على حدة.
4- طرق إثبات النكاح والطلاق: الشاهدان والإقرار، وهناك طرق أخرى مختلف فيها.
5- إثبات أصل النكاح بالوسائل الإلكترونية ينبني على عدة مسائل، منها: صحة عقد النكاح بالكتابة، وإجراء عقد النكاح بالوسائل المعاصرة.
6- الإثبات الإلكتروني للإقرار بالنكاح أخف شروطاً من إثبات أصل النكاح.
7- إثبات الطلاق المكتوب بالوسائل الإلكترونية يتخرج على مسألة حكم الطلاق بالكتابة.
8- النكاح والطلاق إما أن يكون مكتوباً، وإما أن يكون ملفوظاً، ولكلٍّ حكم.
9- يمكن تقسيم وسائل الإثبات إلى ثلاث فئات، وقد ذكرتها في البحث، وبينت حكم كل قسم.
وهذه التوصيات التي أحب أن أنوّه بها:
1- إلحاق أحكام الأحوال الشخصية بنظام التعاملات الإلكترونية، وإضافة مواد تناسب الأحكام الخاصة بها، وعدم تركها لاجتهادات الناس، خاصة أن مسائل النكاح أهم من المسائل المالية، وإن لم يمكن ذلك فليوضع لها نظام يخصها.
2- توعية الناس بعظم أمور النكاح والطلاق وعدم الاستهانة بها؛ إذ إن بعض الناس يستهين بهذه الأمور، ويقدم على الزواج أو الطلاق عبر الوسائل المعاصرة من غير أن يعرف تبعات ما يفعله.
3- كما أوصي من يتسرع بالفتيا ويتهافت على التصريحات الإعلامية في وسائل الإعلام إلى التمهل قبل الحكم في هذه الأمور؛ إذ إن هذه المسائل فيها من الصعوبة والتعقيد ما يستدعي التريث والتأمل ممن يخاف الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
_________
(1) انظر: المبسوط (5/20)، وفتح القدير (3/206 و252)، والمدونة (2/174) و(4/39)، ومواهب الجليل (3/533)، والأم (5/51)، وحاشية عميرة (3/221)، والمغني (14/276)، وكشاف القناع (6/347).
(2) انظر: المبسوط (16/154)، والعناية (7/391)، والتاج والإكليل (5/277)، ومواهب الجليل (3/533)، وأسنى المطالب (4/367)، وتحفة المحتاج (10/263)، ومغني المحتاج (6/378)، والمغني (14/276)، والفروع (6/552).
(3) انظر: المبسوط (5/20) و(18/142)، والهداية مع العناية (8/180 و248)، وتبصرة الحكام (1/193)، والمغني (14/276)، وكشاف القناع (6/347)، وفي التبصرة وعنه في مواهب الجليل أن الزوجين إن كانا غريبين عن البلد قبل قولهما، وإن كانا من أهل البلد وادعيا الزوجية في البلد كلفهما الحاكم إثبات أصل النكاح.
(4) انظر: المبسوط (5/5)، والعناية (8/180)، وفي مجمع الأنهر (2/255).
(5) الأم (6/246)، وتحفة المحتاج (10/289).
(6) انظر: المبسوط (5/5)، والعناية (8/180).
(7) انظر: المدونة (2/96)، وشرح الخرشي (3/294).
(8) انظر: المغني (14/275)، وكشاف القناع (6/347)، وذكر البهوتي أن هذا بالنسبة إلى النكاح وأما بالنسبة إلى النفقة والمهر ونحوها فلا.
وذكر في المغني أنه رواية واحدة، وذكر أنه يتخرج أنه يستحلف فيه الزوج، وأما في شرح الزركشي (7/398) فذكر رواية أخرى أنه يستحلف ويقضى عليه بالنكول.
(9) انظر: المدونة (2/96)، والموطأ مع المنتقى (5/214)، والأم (7/3)، وأسنى المطالب (4/360)، والمغني (14/128)، والطرق الحكمية (157)، وذكر القاضي والموفق في المقنع أن ذلك رواية واحدة عن الإمام أحمد، وانظر في الإنصاف (30/15) تحقيق ذلك، وهل روي عن الإمام أحمد رواية أخرى في العمل بالشاهد واليمين في النكاح.
وأما الحنفية فهم لا يحكمون أصلاً باليمين مع الشاهد. انظر: المبسوط (17/29)، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين (5/401).
(10) انظر: المدونة (2/174)، ومواهب الجليل (4/88)، وتحفة المحتاج (10/297)، والمغني (14/276).
(11) انظر: المبسوط (5/15)، والفروق للكرابيسي (1/115)، وبدائع الصنائع (2/230).
(12) انظر: روضة الطالبين (5/283 طبعة دار عالم الكتب)، والأشباه والنظائر (308)، وأسنى المطالب (3/119).
(13) انظر: المحرر (2/115)، والإنصاف (20/94 و103).
(14) بعض العلماء حكى القول بالجواز مقيداً بما إذا كانا غائبين، وأما إن كانا حاضرين فلا يصح.
انظر: حاشية ابن عابدين (3/12)، والأشباه والنظائر (308)، والإنصاف (20/103).
(15) انظر: المبسوط (5/15).
(16) انظر: مواهب الجليل (3/419)، والشرح الصغير (2/349 و386)، ومنح الجليل (3/267).
(17) انظر: روضة الطالبين (5/383)، والأشباه والنظائر (308)، وأسنى المطالب (3/119)، ومغني المحتاج (4/230).
(18) انظر: المحرر (2/151)، والإنصاف (10/103)، وشرح المنتهى (2/632).
(19) عند الحاكم (4/20)، قال الزهري: وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه وساق عنه أربعين أوقية. ثم ذكر الحاكم بعد قول الزهري قصة لزواج أم حبيبة، وهذا اللفظ ضعيف؛ لانقطاعه.
وروى أبو داود (2108)(6/97) عن الزهري: أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل، وهو بهذا اللفظ ضعيف؛ لإرسال الزهري. وعند أحمد (45/398) (27408) وأبي داود (2107) (6/96)، والنسائي (3350) (6/428) عن عروة عن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل ابن حسنة.
والحديث بهذا اللفظ صحيح، ولكن ليس فيه ذكر الكتابة إلى النجاشي.
(20) ممن كاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم هرقل عظيم الروم.
انظر: صحيح البخاري كتاب بدء الوحي حديث رقم (7) (1/42)، وفي كتاب الجهاد والسير باب دعوة اليهود والنصارى.. حديث رقم (2941) (6/128)، ومسلم كتاب الجهاد والسير باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل (1773) (12/447).
(21) انظر: المبسوط (5/15).
(22) المصدر السابق.
(23) انظر المصدر السابق.
(24) انظر: الأشباه والنظائر (308)، ومواهب الجليل (3/419).
(25) ممن اختار هذا القول من المشايخ والباحثين: مصطفى الزرقا، ووهبة الزحيلي، وبدران أبو العينين، وإبراهيم فاضل الدبو، ومحمد عقلة الإبراهيم، ومحمد النجيمي، وعبد الرزاق الهيتي، وأسامة الأشقر.
انظر: حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة.. محمد عقلة الإبراهيم (113)، وحكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة للهيتي (75)، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق (109)، وحكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية عبر الوسائل الإلكترونية للنجيمي (15).
(26) فتوى رقم (1216) (18/91) برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز، وقد جاء في الفتوى: "رأت اللجنة أنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب والقبول والتوكيل على المحادثات التليفونية؛ تحقيقاً لمقاصد الشريعة، ومزيد عناية في حفظ الفروج والأعراض حتى لا يعبث أهل الأهواء ومن تحدثهم أنفسهم بالغش والخداع". فيلحظ أن اللجنة عبّرت "ينبغي ألا يعتمد".
وفي فتوى للشيخ ابن باز نقلها موقع الإسلام سؤال وجواب في الفتوى رقم (105531) رأى جواز عقد النكاح بالهاتف إذا تم بشروطه.
(27) قرار رقم (54/3/6) في دورة مؤتمره السادس بجدة عام 1410هـ.
(28) قرار رقم (54) (3/16) في ندوته الثالثة عشرة عام 1422هـ.
(29) الإقرار بالكتابة صحيح عند الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وخالف في ذلك بعض الحنفية وجمع من الشافعية ووجه عند الحنابلة فلم يقبلوا الإقرار الكتابي من قادر على الكلام، وقالوا: إن كان قادراً على الكلام فلا بد من التلفظ بالإقرار.
واستدل الجمهور بأدلة من أقواها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" [الحديث أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وصية الرجل مكتوبة" (2738) (5/419) ومسلم كتاب الوصية (1627) (245)].
انظر في المسألة: المبسوط (18/172)، وبدائع الصنائع (7/49)، والفوائد الزينية لابن نجيم (42)، والفتاوى الهندية (4/166)، ومجلة الأحكام العدلية (م1606)، وتبصرة الحكام (2/51)، والشرح الكبير للدردير (4/192)، وشرح الخرشي (6/90)، وأسنى المطالب (2/298)، وتحفة المحتاج (5/365)، ونهاية المحتاج (5/76)، وشرح الخطيب الشربيني على متن أبي شجاع (3/147)، وفتاوى الرملي (2/227)، ومنهج الطلاب (3/428)، والاختيارات الفقهية (190)، والفروع مع تصحيح الفروع (5/385)، والنكت على المحرر (2/359)، والإنصاف (30/142)، وشرح المنتهى (3/617)، وكشاف القناع (4/337).
(30) انظر: المبسوط (18/144)، والمدونة (2/93)، وأسنى المطالب (4/484)، والمغني (10/529)، والفروع (5/433).
(31) انظر: الفروق للكرابيسي (1/356)، وفتح القدير (7/307)، والمدونة (7/95)، والأم (5/270)، وشرح الخرشي (7/161)، والمغني (10/529)، وكشاف القناع (5/337).
(32) انظر: تبصرة الحكام (2/199)، وشرح الخرشي (7/162)، والأم (6/246)، وأسنى المطالب (3/273 و298)، وأعلام الموقعين (1/78).
(33) الكتابة المستبينة هي: أن يكتب على ما يثبت عليه الخط، كالقرطاس والجدار واللوح والأرض، وضدها غير المستبينة: كأن يكتب على الماء أو الهواء.
انظر: بدائع الصنائع (3/109)، وحاشية البجيرمي على شرح الخطيب (2/494)، والشرح الكبير (22/230)، والمبدع (6/313).
وخالف في اشتراط كون الكتابة مستبينة من السلف عطاء ومن الحنابلة أبو حفص العكبري فإنهما لم يشترطا أن تكون مستبينة.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/34)، والشرح الكبير والمبدع (الموضعين السابقين).
(34) الأم (8/296)، ومختصر المزني مع الحاوي الكبير (13/23)، والأشباه والنظائر (295)، وأسنى المطالب (3/277)، والبهجة الوردية (4/252)، وشرح المحلي (3/329)، وتحفة المحتاج (8/21).
(35) تحرير مذهب الحنابلة في المسألة:
a. إن كتب طلاق امرأته ونوى طلاق امرأته فإن الطلاق يقع على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
b. إن كتب الطلاق وادعى أنه إنما أراد تجويد خطه أو غَمّ أهله لم يقع الطلاق، ولكن هل تقبل دعواه في الحكم أيضاً، أم يؤاخذ بكتابته؟ على رواتين، أصحهما: أنه تقبل حكماً.
c. إن لم ينوِ شيئاً، فعلى روايتين، أصحهما: أنه صريح فيقع من غير نية، وهو ما عليه أكثر الأصحاب، قال ناظم المفردات: أدخله الأصحاب في الصريح، وكثير من الأصحاب في الصريح، وكثير من الأصحاب يبحث المسألة في آخر مسائل صريح الطلاق وقبل الكناية، والرواية الثانية: أنه كناية، قال في الرعاية: وهو أظهر، وقال في الإنصاف: وهو الصواب.
انظر: المغني (10/503)، والكافي (3/120)، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (22/230)، والمبدع (6/313)، والفروع مع تصحيحه (5/382)، وشرح منتهى الإرادات (3/86)، وكشاف القناع (5/248).
(36) انظر: بدائع الصنائع (3/109)، والاختيار (3/139)، والجوهرة النيرة (2/39)، والبحر الرائق (3/267)، والفتاوى الهندية (1/378)، وحاشية ابن عابدين (3/246).
(37) المالكية لهم تفصيل هذا مختصره، فعندهم في المسألة تفصيل، وصور عديدة أوصلوها إلى ثمان عشرة صورة، وبعضهم زاد على ذلك، قال ابن رشد في البيان والتحصيل (5/371): "وتحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا كتب طلاق امرأته لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون كتبه مجمعاً على الطلاق، والثاني أن يكون كتبه على أن يستخير فيه، فإن رأى أن ينفذه أنفذه، وإن رأى ألا ينفذه لم ينفذه، والثالث أن لا تكون له نية. فأما إذا كتبه مجمعاً على الطلاق، أو لم تكن له نية، فقد وجب عليه الطلاق، طاهراً كانت أو حائضاً، فإن كانت حائضاً أجبر على رجعتها، وأما إذا كتبه على أن يستخيره ويرى رأيه في إنفاذه، فذلك له ما لم يخرج الكتاب من يده.."، وخالف اللخمي ابن رشد في مسألة إن لم تكن له نية، فقال: إن الطلاق لا يقع.
وانظر في المسألة: المدونة (2/78)، والتاج والإكليل (5/333)، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي (4/49)، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (2/384)، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي (2/568).
(38) انظر: الحاوي الكبير (13/25)، ومغني المحتاج (4/463).
(39) ذكره تخريجاً في: الفروع مع تصحيحه (5/385)، والمبدع (6/313)، والإنصاف (22/231).
(40) انظر: المحلى (9/454).
(41) انظر: الحاوي الكبير (13/24)، والبيان (10/104)، وشرح المحلي على المنهاج (3/329).
(42) على التفصيل الذي سبقت الإشارة إليه، انظر: الكافي (3/120)، والفروع مع تصحيحه (5/382)، والمبدع (6/313)، والإنصاف (22/230).
(43) انظر: البيان والبهجة الوردية وشرح المحلي والمبدع (المواضع السابقة).
(44) شرح المنهج (4/332).
(45) الحاوي الكبير (13/25).
(46) بدائع الصنائع (3/109).
(47) غمز عيون البصائر (3/448).
(48) البيان والتحصيل (5/370).
(49) انظر: مغني المحتاج (4/463).
(50) المحلى (9/454).
(51) انظر: الحاوي الكبير (13/24)، والمبدع (6/313).
(52) انظر: البيان (10/105).
(53) انظر: الحاوي الكبير (13/24).
(54) انظر: شرح تنقيح الفصول (357)، والبحر المحيط (8/124).
(55) انظر: قواعد الأحكام (2/54)، والمجموع (1/259)، والمنثور (1/311)، والأشباه والنظائر (64).
(56) انظر: المبسوط (6/143) و(18/172)، وفتح القدير (4/68)، والبحر الرائق (3/267)، والأشباه والنظائر مع غمز عيون البصائر (3/447).
(57) انظر: البيان والتحصيل (9/474)، والذخيرة (8/149)، ومنح الجليل (8/464)، فقد نقلوا عن بعض المالكية أنه لا تجوز الشهادة على الخط إلا في الأموال خاصة.
(58) انظر: المغني (10/506)، وشرح المنتهى (3/127)، والإقناع مع شرحه كشاف القناع (5/301)، ومطالب أولي النهى (5/426).
(59) انظر: الحاوي الكبير (13/28)، والبيان (10/107)، وعلى ذلك حملا كلام الإمام الشافعي في الأم (8/296)، ومختصر المزني (13/28 مع الحاوي): "وإن شهد عليه أن هذا خطه لم يلزمه حتى يقر به".
(60) انظر: المغني (10/507)، والطرق الحكمية (206).
(61) انظر: البيان والتحصيل (9/474)، والذخيرة (8/149)، وفتح العلي المالك (2/45)، ومنح الجليل (8/462).
(62) بوّب الإمام البخاري في صحيحه باب الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك وما يضيق عليه، وكتاب الحاكم إلى عامله، والقاضي إلى القاضي، ونقل عن جمع من السلف العمل بالخط المختوم (13/150).
(63) حكى ابن القيم عن الإمام أحمد قبول العمل بالخط في الوصية، ونقل قوله: "إن كان قد عرف خطه وكان مشهور الخط، ينفذ ما فيها"، فالإمام أحمد علق الحكم بالمعرفة والشهرة، من غير اعتبار معاينة الفعل، وأطال في الانتصار للعمل بالخط المجرد في الطرق الحكمية (204-210)، على أن ابن القيم لم يشترط عدلان، بل ذكر العمل بالخط المجرد.
(64) انظر: المغني (10/506).
(65) انظر: الحاوي الكبير (13/29).
(66) انظر: الطرق الحكمية (207).
(67) انظر: الطرق الحكمية (205).
(68) الحديث أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وصية الرجل مكتوبة" (2738) (5/419)، ومسلم كتاب الوص
المطلب الأول: طرق إثبات النكاح.
إذا ادعى الرجل أن فلانة امرأته، أو ادعت امرأة أن فلاناً زوجها، فما طرق إثبات هذه الدعوى؟
تثبت دعوى الزوجية بأمور:
1- شهادة شاهدين عدلين(1)، فإذا شهد رجلان أن فلاناً زوج فلانة ثبت به النكاح، سواء أكانا حضرا عقد النكاح، أم لم يحضراه، كأن يشهدا بالاستفاضة بين الناس أن فلاناً وفلانة زوجان(2).
2- الإقرار(3)، فإذا ادعى رجل على امرأة أنها زوجته فأقرت بالنكاح، أو ادعت امرأة على رجل أنه زوجها، فأقر بالزوجية، ثبت النكاح.
3- واختلفوا في النكول فعمل به أبو يوسف ومحمد بن الحسن(4)، وعمل به الشافعي مع يمين المدعي(5)، ولم يعمل به أبو حنيفة(6)، ومالك(7)، وأحمد(8).
وهناك بعض طرق الإثبات ينصّون على عدم العمل بها في إثبات الزوجية، وإن كانوا يعملون بها في أبواب أخرى، مثل الشاهد مع اليمين(9)، فهم يحتاطون في النكاح أكثر من احتياطهم في البيوع؛ لأن شأن النكاح أعظم(10).
المطلب الثاني: وسائل الإثبات الإلكتروني في مسائل النكاح.
المسألة الأولى: إثبات أصل النكاح بالوسائل الإلكترونية.
قبل البدء بمعرفة حكم إثبات أصل النكاح بالوسائل الإلكترونية يحسن بحث مسألة: عقد النكاح بالكتابة، فإذا كتب رجل إلى ولي امرأة يطلب منه تزويج موليّته، فكتب الولي بالقبول، وتوفّرت شروط النكاح الأخرى، فهل يصح هذا النكاح؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على قولين:
القول الأول: صحة عقد النكاح بالكتابة، وهذا القول هو مذهب الحنفية(11)، ووجه عند الشافعية(12)، ووجه عند الحنابلة(13)(14).
القول الثاني: أن النكاح لا ينعقد بالكتابة من القادر على النطق، وهذا القول قال به من الحنفية: الحسن بن حي(15)، ومذهب المالكية(16)، والصحيح من مذهب الشافعية(17)، والحنابلة(18).
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي ليزوجه أم حبيب(19).
الاعتراض على الاستدلال بهذا الدليل: كتابة النبي صلى الله عليه وسلم للنجاشي ليزوجه أم حبيبة لم يثبت.
الدليل الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ الدعوة، وقد كتب إلى بعض الملوك يدعوهم إلى الإسلام(20)، وكان ذلك تبليغاً منه للرسالة، وشأن تبليغ الرسالة أعظم من النكاح، فيصح النكاح بالكتابة من باب أولى(21).
الدليل الثالث: أن الكتاب ممن نأى كالخطاب ممن دنا، فإن الكتاب له حروف ومفهوم يؤدي عن معنى معلوم فهو بمنزلة الخطاب من الحاضر(22).
أدلة القول الثاني:
الدليل الأول: أن أمر النكاح خطير، وشأنه عظيم، فلهذا لا يصح أن يعقد النكاح كتابة، بل لا بد من المشافهة(23).
الاعتراض على هذا الدليل: أن تبليغ الرسالة أعظم من النكاح، ومع ذلك فقد بلّغ النبي صلى الله عليه وسلم لبعض الملوك بالكتابة.
الدليل الثاني: أن الكتابة لها حكم الكناية فلا بد لها من نية، ولا يستطيع الشهود أن يطلعوا على النية، فلا يصح النكاح بالكتابة، حتى لو قالا بعد الكتابة: نوينا النكاح، كان شهادة على إقرارهما، لا على العقد نفسه، فلا يصح أيضاً لأن العقد خلا من الشهود(24).
الاعتراض على هذا الدليل: صحيح أن الشهود لا يستطيعون الجزم بنية الكاتب، ولكنهم يستدلون على هذه النية بالأمارات، ويأخذون بالظاهر، فكونه كتب كتاباً، ثم أرسله ليخطب امرأة من وليها، ثم أحضر الولي الشهود، وأطلعهم على الكتاب، وقال: اشهدوا أني زوجت فلاناً من موليّتي، كل هذا يدل على وجود النية من الكاتب على إرادة النكاح، فهم شهدوا على الظاهر، وقد جاءت الشريعة بالعمل بالظاهر، والأخذ بالقرائن والأمارات.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – هو صحة النكاح بالكتابة، وذلك لقوة ما استدل به أصحاب هذا القول.
المسألة الثانية: إجراء عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة.
اختلف المعاصرون في حكم عقد النكاح بواسطة وسائل الاتصال المعاصرة، كالهاتف والجوال والفاكس وعن طريق الإنترنت، على قولين:
القول الأول: صحة عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، إذا توفرت شروطه المعتبرة شرعاً، وهذا القول قال به بعض الفقهاء المعاصرين(25).
القول الثاني: عدم صحة عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، وممن قال بهذا القول: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في السعودية(26)، وبه جاء قرار مجمع الفقه الإسلامي(27)، ومجمع الفقه الإسلامي بالهند(28).
أدلة الأقوال:
أدلة القول الأول:
يستدل أصحاب القول الأول بما يستدل به الحنفية في مسألة جواز النكاح كتابة، كما أن هذا النكاح عقد تم بشروطه الشرعية، ففيه رضا الزوجين، والولي، والشهود يسمعون العقد أو يقرؤون المراسلات بين الطرفين، فما المانع من قبول هذا العقد؟
أدلة القول الثاني:
بالإضافة إلى الأدلة السابقة لمن منع عقد النكاح بالكتابة، فإنهم يستدلون أيضاً: بأن التزوير انتشر مع انتشار وسائل الاتصال المعاصرة، وقد احتاط الشرع في أمور الفروج، وسمّى النكاح ميثاقاً غليظاًن فلهذا ينبغي الاحتياط لعقد النكاح، فلا يعقد بهذه الوسائل، بل لا بد من اجتماع الزوج والولي والشهود، وعند عدم إمكان اجتماع الزوج مع الولي فإنه يمكنه أن يوكل من يقبل النكاح نيابة عنه.
الترجيح:
الذي يظهر لي – والعلم عند الله – قوة القول بصحة عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، إذا تمّ بشروطه المعتبرة شرعاً، كما أنه يجب أن يحتاط في وسائل الإثبات، فلا بد من التأكد من هوية العاقدين والشهود، ويمكن استثمار وسائل الإثبات الإلكترونية، كالتواقيع الرقمية، أو الدوائر التلفزيونية الخاصة بالجهات الحكومية، وغيرها من وسائل الإثبات المعتمدة عالمياً في المعاملات الإلكترونية والحكومية.
ومع أني أرى قوة القول بصحة النكاح، ولكني لا أرى مانعاً من المنع من النكاح الإلكتروني من قبيل السياسة الشرعية، وذلك لخطر النكاح، ولأن كثيراً من الناس لا يفرق بين الوسائل الموثوقة وغيرها، أو المنع من النكاح إلا بطرق اتصال محددة، يعلم الحاكم أنها وسائل موثوقة.
وأما المنظّم السعودي فقد نصّ في المادة (3) على عدم دخول الأحوال الشخصية في أحكام نظام التعاملات الإلكترونية، ولكنه لم ينصّ على أنها لا تصح بالوسائل الإلكترونية، ولعله بذلك أراد ألا يحسم الحكم في هذه المسألة، وإنما يتركها للجهات المختصة بالفتوى أو القضاء في المملكة.
المسألة الثالثة: الإثبات الإلكتروني في إيجاب النكاح وقبوله.
إذا عُقِدَ النكاح بوسيلة إلكترونية فهل يمكن إثبات الإيجاب أو القبول بالوسائل الإلكترونية؟
لا يخلو الإيجاب والقبول من أن يكون تم بوسيلة كتابية، كإرسال رسالة بالبريد الإلكتروني، أو كتابة رسالة بواسطة أحد برامج المحادثة كالماسنجر، أو عن طريق رسالة جوال.
أو أن يكون تم بوسيلة صوتية أو صوتية مرئية، كالمكالمات الصوتية، أو الصوتية المرئية بالجوال، أو بأحد برامج المحادثة كالماسنجر والسكايبي، وغيرها.
فإن كان الإيجاب أو القبول قد تم بوسيلة اتصال كتابية، فإن القول فيه يخرّج على مسألة عقد النكاح بالكتابة، وعقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، وعلى ذلك يمكننا القول بأن هناك قولين في هذه المسألة.
القول الأول: أن طرق الإثبات الإلكترونية لا تصلح للإثبات في هذه المسألة، وبناء على كلامهم السابق يمكن أن نقول: إنه يوجد اتجاهان في سبب عدم قبول الوسائل الإلكترونية في إثبات صيغة النكاح، وهما:
1- أن التعاقد بالكتابة كناية، والكناية تحتاج إلى نية، ولا يمكن لأي وسيلة إلكترونية أن تثبت أن كاتب الرسالة كان ينوي عقد النكاح، وعلى ذلك فلا يمكن إثبات الصيغة الكتابية بأي وسيلة إلكترونية مهما كانت.
2- أن عقد النكاح عقد عظيم، وميثاق غليظ، وعلى ذلك فلا بد من الاحتياط فيه، والوسائل الإلكترونية عرضة للتزوير والانتحال، فتكون غير صالحة لإثبات عقد النكاح، لا أنها لا تصلح لإثبات العقود، ولكن لأن عقد النكاح يحتاط له، ويتشدد في إجراءاته.
القول الثاني: أن صيغة عقد النكاح إذا تمت بوسيلة إلكترونية موثوقة يمكن إثباتها عن طريق الخبراء، يعمل بها، وتكون مثبتة لإصدار الإيجاب من الولي، أو القبول من الزوج، ولكن لا بد من الاحتياط فيها أكثر من الاحتياط في العقود المالية.
وأما إن صدر الإيجاب أو القبول بوسيلة صوتية، أو صوتية مرئية فإن الحكم فيها يختلف قليلاً عن سابقتها، حيث إن الصيغة القولية كافية بنفسها، ولا تحتاج إلى نية، ولكن تحمل المسألة على قولين:
الأول: من لا يصحح عقد النكاح إذا أجري بالوسائل المعاصرة؛ لأنه يحتاط فيه أكثر من غيره، والوسائل الإلكترونية عرضة للانتحال والتزوير، وعلى ذلك لا يمكن إثباته؛ لأنه لا يقول بمشروعية هذا النكاح.
الثاني: من يصحح عقد النكاح، وعلى ذلك يمكن إثباته بالوسائل الإلكترونية المعاصرة، ولكن يشترط الاحتياط فيه أكثر من غيره من العقود.
الترجيح:
الراجح – والله أعلم – صحة إجراء عقد النكاح بالوسائل الإلكترونية – كما سبق تقريره – ولكن لا بد من الاحتياط في عقد النكاح، وعلى ذلك فإذا عقد على امرأة بوسيلة اتصال معاصرة، فإن الأمر لا يخلو من حالين:
الحال الأولى: أن يقرّ الطرفان بأنهما أجريا النكاح، وأنه لم ينتحل أحد شخصيتهما، فعلى ذلك يكون النكاح صحيحاً، ولا تحتاج إلى التثبت من الوسيلة الإلكترونية، وذلك لأن الإقرار من طرق إثبات النكاح – كما سبق بيانه.
الحال الثانية: أن ينكر أحدهما إجراء عقد النكاح بالوسيلة الإلكترونية، أو أن يزعم أن شخصيته قد انتحلت، فهنا أرى تقسيم وسائل الإثبات الإلكتروني إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: فئة يسهل اختراقها، وتزويرها، أو انتحال الشخصية عن طريقها، كالبريد الإلكتروني، وبرامج المحادثة الفورية، والمنتديات، ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر، فهذه الطرق أرى أنها قرائن ضعيفة، لا تصلح لإثبات النكاح.
الفئة الثانية: فئة يصعب اختراقها، ولكن يسهل استخدامها من غير صاحبها، كالجوال، فاختراق شبكة الجوال صعب جداً، ولكن يمكن أن يستخدم الجوالَ غيرُ صاحبه، كأن يسرق منه الجوال، أو يأخذ الجوال أحد أصدقائه ثم يرسل رسالة بواسطته، فهذه الفئة أرى أنها من قبيل القرائن المتوسطة، ينظر إلى ما يحتف به من قرائن أخرى، فيعمل بها إن اقترنت بها قرينة تؤيدها، وترد إن اقترنت بها قرينة تضعفها.
فإذا كانت القرائن تدل على أن الجوال لم يسرق ولم يستخدمه غير صاحبه فإنه يعمل بها، كأن يثبت أن صاحب الجوال في ذلك الوقت وحده ومعه جواله، أو أن يشهد الشهود أن الجوال كان معه في وقت إرسال الرسالة، أو أن يقرّ بإرسال الرسالة التي قبلها، والرسالة التي بعدها، وليس بين الرسائل إلا أقل من دقيقة.
وإذا كانت القرائن تشير إلى أنه يحتمل احتمالاً كبيراً أه قد ا ستخدم الجوال من غير صاحبه فإن الجوال لا يكون كافياً في الإثبات، كأن يكون الجوال قد سرق منه في ذلك اليوم، أو أن يكون صاحب الجوال شخصاً معروفاً بإهمال جواله، أو أن يقرّ شخص بإرسال الرسالة التي فيها الإيجاب أو القبول، أو أن يكون رقم الجوال فيه خاصية الشرائح المتعددة، بحيث يمكن استخدام الرقم في أكثر من جهاز، ويوجد أحد الأجهزة في يد شخص آخر، وفيه الرسالة المرسلة، أو فيه برنامج لمحاكاة الأصوات والإيجاب أو القبول كان صوتياً.
الفئة الثالثة: فئة يصعب اختراقها، واستخدامها من قبل شخص آخر، كالتواقيع الرقمية، أو الدوائر التلفزيونية في المحاكم أو الإدارات الحكومية، فهذه الطرق تعد طرقاً صحيحة للإثبات.
المسألة الرابعة: إثبات الإقرار بالنكاح إلكترونياً.
قد يتزوج الشخص زواجاً شرعياً، ولكنه يفتقد إلى التوثيق الرسمي، ولا يوجد شهود لهذا النكاح، إما لأن النكاح عقد في بلد آخر يتعذر معه استدعاء الشهود، أو لأن الشهود ماتوا، أو غير ذلك من الأسباب، فهل يمكن إثبات هذا النكاح عن طريق إقرار الزوج بوسيلة إلكترونية؟
مثال ذلك: ينفي الزوج النكاح، وتحضر الزوجة مراسلات إلكترونية يقرّ فيها الزوج بالنكاح، وكذلك العكس: لو ادّعى الزوج النكاح، وأنكرت الزوجة النكاح، ثم أحضر الزوج مراسلات إلكترونية بينهما تقرّ فيها بالنكاح.
لا يخلو هذا الإقرار من أن يكون إقراراً كتابياً أو صوتياً، فمثال الإقرار الكتابي: أن يرسل لها الزوج بريداً إلكترونياً يقر فيه بالنكاح، أو يرسل لها رسالة جوال، أو يكتب لها في أحد برامج المحادثات الكتابية.
ومثال الإقرار الصوتي أو الصوتي المرئي: الإقرار عن طريق برامج المحادثة الصوتية، أو يسجل مقطعاً وينتشر في المواقع الإلكترونية.
وبعد أن اتضحت صورة المسألة يأتي السؤال الذي يحتاج إلى إجابة، وهو: هل يمكن إثبات الإقرار بالنكاح إلكترونياً؟
هذه المسألة قريبة من المسألة السابقة، وهي: الإثبات الإلكتروني في إيجاب النكاح وقبوله، إلا أنها تختلف عنها في النقاط التالية:
1- العلماء الذين خالفوا في مسألة عقد النكاح بالكتابة، أكثرهم أجاز إثبات الإقرار بالكتابة(29)، وعلى ذلك فلا يمكننا أن نخرّج قولاً لهم بعدم قبول الإقرار بالنكاح كتابياً.
2- العلماء الذين منعوا من عقد النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة، لا ينطبق كلامهم، وأدلة منعهم على إثبات الإقرار بالنكاح عبر الوسائل المعاصرة، والذي يظهر لي أنهم – أو أكثرهم – لا يمانعون من إثبات النكاح بوسائل الاتصال المعاصرة.
3- أن شروط إثبات صيغة النكاح أكثر من شروط إثبات الإقرار بالنكاح، فعلى سبيل المثال: إذا أخذ الشهادة كوسيلة متفق عليها لإثبات النكاح، فإن الشهود في إثبات صيغة النكاح يجب أن يحضروا عقد النكاح فيشهدوا بأن فلاناً زوّج ابنته فلانة من فلان، بينما في الإقرار بالنكاح: يجوز أن يشهد الشاهد الأول بأن فلاناً أقرّ بالزواج في يوم السبت، ثم يشهد عليه شاهد آخر بأنه أقر بالنكاح يوم الأحد.
إذا تقرر ما سبق فإنه يمكننا القول: بأن الإقرار بالنكاح بوسيلة إلكترونية، سواء أكانت الوسيلة كتابية أم صوتية، ينقسم إلى ثلاث فئات، هي الفئات السابقة في مسألة إثبات صيغة النكاح إلكترونياً:
- فإذا كانت الوسيلة سهلة الاختراق أو التزوير فإنها تعد قرينة ضعيفة.
- وإن كانت الوسيلة صعبة الاختراق والتزوير لكن يسهل استخدامها من قبل شخص آخر، فإنها تعد قرينة متوسطة ينظر إلى ما يحتف بها من قرائن.
- وإن كانت الوسيلة يصعب اختراقها أو تزويرها أو استخدامها من قبل شخص آخر، فإنها تعد طريقاً صحيحاً لإثبات دعوى النكاح.
الإثبات الإلكتروني للطلاق:
المطلب الأول: طرق إثبات الطلاق.
إذا ادعت الزوجة أن زوجها قد طلقها، أو ادعى أنه قد طلقها ليتخلص من النفقة أو غيرها من الحقوق، فكيف تثبت هذه الدعوى؟
تثبت دعوى الطلاق بأمور:
1- الإقرار، فإذا أقر الزوج أنه قد طلق، أو ادعى الطلاق فصدّقته المرأة، ثبت الطلاق(30).
2- الشهادة، فلو شهد عدلان أن فلاناً طلق زوجته ثبت الطلاق(31).
3- واختلفوا في طرق أخرى: كالشاهد واليمين مع نكول الرجل عن الحلف(32).
المطلب الثاني: الإثبات الإلكتروني للطلاق.
الطلاق الإلكتروني إما أن يكون طلاقاً مكتوباً، وإما أن يكون طلاقاً لفظياً، وسأذكر بعون الله حكم كل نوع.
المسألة الأولى: الطلاق المكتوب.
قد يرسل الزوج إلى زوجته رسالة جوال يطلقها فيها، أو يرسل بريداً إلكترونياً، أو يكتب لها في أحد برامج المحادثة الطلاق، فهل يقع هذا الطلاق؟ وإذا جحده الزوج كيف يتم إثبات هذا الطلاق؟
وقبل الحكم في هذه المسألة نحتاج إلى بيان حكم المسألتين التاليتين:
1- هل يقع الطلاق بالكتابة؟
2- لو أنكر الزوج الرسالة التي فيها الطلاق، فما العمل؟.
الفرع الأول: الطلاق بالكتابة:
إذا كتب الزوج لزوجته كتاباً يطلقها فيه، فهل يقع هذا الطلاق؟
اختلف العلماء في طلاق القادر على النطق بالكتابة على أقوال:
القول الأول: إن الطلاق بالكتابة يقع إن نواه الزوج وكانت الكتابة مستبينة(33)، وهذا هو قول الإمام الشافعي(34)، ورواية عن الإمام أحمد(35)، وهذا هو مذهب الحنفية إلا أنهم قالوا: إن كانت الكتابة المستبينة على وجه المخاطبة والرسالة يقع بها الطلاق، مثل أن يكتب: أما بعد يا فلانة فأنت طالق، أو إذا وصل كتابي إليك فأنت طالق، ولو قال: ما أردت به الطلاق أصلاً لا يصدق إلا أن يقول: نويت طلاقاً من وثاق فيصدق فيما بينه وبين ربه، لا قضاء(36).
القول الثاني: إن كتب الطلاق عازماً عليه، أو لم يكن له نية، وقع الطلاق، وأما إن كتب الطلاق متردداً في الطلاق أو مستشيراً فيه فإنه لا يقع حتى يخرجه عازماً على الطلاق، أو بوصوله للزوجة أو لوليها، وهذا القول هو مذهب المالكية(37).
القول الثالث: أن كتابة الطلاق ليست بشيء، فلا يقع بها الطلاق، وهذا القول قو للشافعي(38)، وقول للحنابلة(39)، وهو مذهب ابن حزم(40).
القول الرابع: أن كتابة الطلاق تعدّ طلاقاً صريحاً، وهذا القول وجه عند الشافعية(41)، ورواية عن الإمام أحمد، قال بها كثير من الأصحاب(42).
أدلة الأقوال:
دليل القول الأول:
أن الكتابة قد تكون لتحسين الخط، وتجربة القلم، وقد تكون لإرادة الطلاق، فلمّا كانت الكتابة يراد بها الطلاق وغيره دخلت في الكنايات، والكنايات لا بد فيها من النية(43).
أما دليل وقوع الطلاق إذا نواه: فلأنها طريق في إفهام المراد كالعبارة، وقد اقترنت بالنية، فيعمل بها(44).
وبعبارة أخرى: الكتابة كناية ولا يقع بها الطلاق إن تجردت عن النية؛ لأنها نقصت عن الكلام لاحتمالها، وتخالف الأفعال لإفهام المخاطب بها، ولأن العرف في استعمالها أنها بدل من الكلام، تقتضي أن يتعلق عليها بعض أحكام الكلام، فصارت كالمحتمل فيه من اعتبار النية فيه(45).
وأما دليل الحنفية في وقوع الطلاق بالكتابة المستبينة إذا كانت على وجه المخاطبة: لأن هذه الكتابة جارية مجرى الخطاب، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبلغ بالخطاب مرة والكتاب أخرى وبالرسول ثالثاً، وكان التبليغ بالكتاب والرسول كالتبليغ بالخطاب، فدل على أن الكتابة المرسومة بمنزلة الخطاب، فصار كأنه خاطبها بالطلاق عند الحضرة، فإذا قال: ما أردت به الطلاق فقد أراد صرف الكلام عن ظاهره فلا يصدق(46).
وأما الكتابة غير المرسومة فلم يجرِ العرف بإظهار الطلاق بهذه الطريقة(47).
دليل القول الثاني:
اما دليل وقوع الطلاق إذا كان عازماً عليه أو لا نية له فيستدل لهم بأدلة القائلين بوقع الطلاق بمجرد الكتابة، وأما دليلهم على عدم وقوع الطلاق إن كتب متردداً أو مستشيراً حتى يرسله، فقد استدلوا بما يلي: أن إخراج الكتاب من يده بمنزلة الإشهاد، فهو كمن كتب كتاباً بصدقة، فهو مخير فيه حتى يخرج من يده، فإذا خرج من يده كان بمنزلة ما لو أشهد عليه(48).
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: لأنه فعل من قادر على القول فلم يعتد به(49).
الدليل الثاني: لا يقع في اللغة التي خاطبنا الله تعالى بها ورسوله صلى الله عليه وسلم اسم تطليق على كتابة الطلاق، وإنما يقع التطليق على التلفظ به، فعلى ذلك الكتابة ليست طلقاً حتى يلفظ به(50).
أدلة القول الرابع:
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بتبليغ الرسالة، وقد بلغها بكتبها، فالطلاق من باب أولى(51).
الدليل الثاني: أن الإنسان يعبر عما في نفسه بكتابته، كما يعبر عما في نفسه بلسانه، ولهذا قيل: القلم أحد اللسانين، وقد ثبت أنه لو عبر عن الطلاق باللسان لوقع، فكذلك إذا عبر بالكتابة(52).
الدليل الثالث: أن العادة جارية باستعمال الكتابة في موضع الكلام(53).
الترجيح:
يصعب الترجيح في هذه المسألة، فليس فيها دليل نصي، والأدلة متقاربة، ولكن الذي يظهر لي – والعلم عند الله – أن الراجح هو قول الحنفية، وذلك لأن الأصل بقاء النكاح، فإذا كتب ونوى الطلاق وقع الطلاق، وأما إن لم ينوِ الطلاق فالأصل بقاء النكاح؛ إذ الأعمال بالنيات، والنية لا يعلم بها إلا صاحبها، ولكن قد تظهر بعض القرائن التي يمكن أن نعرف بها النية، ومن أهم تلك القرائن: أن يرسل رسالة مرسومة إلى زوجته يطلقها فيها، فهذه الرسالة الذي يظهر فيها إرادة الطلاق، فنعمل بالظاهر، ونوقع الطلاق حتى لو زعم الزوج أنه لم يرد الطلاق؛ لأن الظاهر إيقاع الطلاق، وهذا الظاهر قوي جداً، وإرادة غيره معدومة أو نادرة فلا عبرة بها، ومما يؤيد ما سبق أنه قد حكي الاتفاق على تقديم الأصل على الظاهر في الدعاوى(54)، فيقدم الأصل وهو عدم الطلاق، لكن إذا تقوّى الظاهر بقرائن وعوائد وشواهد تدلّ عليه فإنه يقدم على الأصل(55)، ومن تلك القرائن التي يقدم بها الظاهر على الأصل: اطراد العادة على وفاق الظاهر، والعادة الآن أن من أرسل إلى زوجته رسالة مرسومة يطلقها فيها فإنه يريد الطلاق، ولا يريد شيئاً آخر، فيعمل بتلك العادة، وتطلق امرأته.
الفرع الثاني: العمل عند إنكار الزوج للطلاق الكتابي.
إذا ادعت الزوجة على زوجها أنه طلقها، وأحضرت رسالة بخطه فهل يحكم عليه بالطلاق بالخط المجرد عن الشهود؟
اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال:
القول الأول: لا يقبل العمل بالخط المجرد عن الشهود، بل لا بد أن يشهد عدلان أنهما رأيا فلاناً يكتب هذا الكتاب لزوجته، وهو مذهب الحنفية(56)، وبعض المالكية(57)، ومذهب الحنابلة(58).
القول الثاني: لا يعمل بالكتاب حتى يرى الشاهدان الرجل يكتب الطلاق، ولا يغيب الكتاب عن أيعنهما حتى يشهدا به، وهذا هو مذهب الشافعية(59)، وقول القاضي أبي يعلى من الحنابلة(60).
القول الثالث: إذا شهد عدلان أن هذا خط الزوج فإنه يعمل بتلك الشهادة إذا كانا فطنين عارفين بالخطوط، وهذا هو مذهب المالكية(61)، ورواية عن الإمام أحمد، وهو قول الإمام البخاري إذا كان مختوماً(62)، واختيار ابن القيم، لكنهم لم يقيدوا ذلك بشاهدين(63).
أدلة الأقوال:
دليل القول الأول: أن الخطوط قد تشتبه، وقد يقع فيها التزوير، ولهذا لا بد أن يشهد شاهدان على أن هذا الكتاب هو كتاب الزوج(64).
دليل القول الثاني: لا يجوز أن يشهدا على الخط؛ لأن الخط قد يشتبه بغيره، وإن رأياه قد كتبه وغاب الكتاب عنهما لم يجز أن يشهدا به؛ لجواز أن يكون مزوراً فيشتبه بكتابه(65).
الاعتراض على هذين الدليلين: غاية ما في الأمر أن الخطوط قد تتشابه، وكذلك الصور والأصوات قد تتشابه، ومع ذلك لم يمنع ذلك من قبول الشهادة على الصوت والصورة، بل قد دلت الأدلة المتظافرة على قبول شهادة الأعمى فيما طريقه السمع إذا عرف الصوت، مع أن الأصوات قد تتشابه(66).
أدلة القول الثالث:
الدليل الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد على الخط في تبليغ الدعوة، من غير إشهاد على الرسالة(67).
الدليل الثاني: أن الله أمر بكتابة الدين في آية الدين، وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم بكتابة الوصية(68)، فلو لم يكن للخط فائدة لما أمر بكتابة الحقوق(69).
الدليل الثالث: لم يزل الخلفاء والقضاة والأمراء والعمال يعتمدون على كتب بعضهم إلى بعض، ولا يشهدون حاملها على ما فيها، ولا يقرؤونها عليها(70).
الاعتراض على هذا الدليل: أن هذا كان مقبولاً عندما كان الصدق فاشياً في القرن الأول، وأما بعد فشو الكذب والتزوير فإنه لا يقبل.
الدليل الرابع: أن الله قد جعل في خط كل كاتب ما يتميز به عن خط غيره كتميز صورته وصوته عن صورة وصوت غيره، والناس يشهدون شهادة لا يستريبون فيها أن هذا خط فلان، وإن جازت محاكاته ومشابهته فلا بد من فرق، وأهل الخبرة يفرقون بين الخطوط(71).
الترجيح:
لعل الراجح – والله أعلم – هو القول الثالث؛ لقوة أدلتهم، والعلم الحديث يقوّي قولهم، فخبراء الخطوط يستطيعون التمييز بين الخطوط.
الفرع الثالث: الإثبات الإلكتروني للطلاق المكتوب.
إذا أرسل الزوج لزوجته الطلاق مكتوباً بوسيلة إلكترونية، فلا يخلو من ثلاث أحوال:
الحال الأولى: أن يقرّ بالطلاق، ويقرّ بأنه أراد الطلاق، فهنا يقع الطلاق بلا إشكال، إلا عند من يقول إن الطلاق المكتوب لا يعدّ طلاقاً إلا إن تلفظ به، وقد سبق الترجيح في هذه المسألة.
الحال الثانية: أن يقرّ بكتابة الرسالة، ولكن ينكر أنه كان يريد الطلاق، فيقع في هذه المسألة الخلاف السابق، ويكون في المسألة أربعة أقوال:
القول الأول: أن الطلاق يقع؛ لأن كتابة الطلاق في حكم الطلاق الصريح.
القول الثاني: أن الطلاق لا يقع؛ وهذا على قول من يقول إن كتابة الطلاق كناية ولا بد في الكناية من النية، أو من يقول إن الطلاق بالكتابة لا يعد شيئاً.
القول الثالث: إن وصلت الرسالة إلى الزوجة وقع الطلاق.
القول الرابع: إن كانت الكتابة مرسومة وقع الطلاق، وإلا فلا، ومن الكتابة المرسومة الآن: إرسال رسالة جوال، أو بريد إلكتروني، ومن غير المرسومة أن يكتب في أحد المنتديات، أو في أثناء محادثة مع أحد زملائه.
والذي أراه راجحاً – والعلم عند الله – هو القول الرابع، كما سبق بيانه.
الحال الثالثة: أن ينكر كتابة الطلاق من أساسه، فهل يقبل قوله في ذلك؟
يخرج في المسألة ثلاثة أقوال:
القول الأول: لا بد أن يشهد عدلان بأنه كتب الرسالة، وإلا فإنه يقبل إنكاره.
القول الثاني: لا بد أن يشهد عدلان على كتب الرسالة، ويعرفان ما كتب، ويعلمان بوصول الرسالة من غير تحريف إلى الزوجة.
القول الثالث: يعمل بالقرائن(72)، فإن كان يغلب على الظن أنه أرسل الرسالة فإنه لا يقبل قوله، ويقع الطلاق، وإن كان يغلب على الظن عدم كتابته للرسالة فإن الطلاق لا يقع، وهذا القول هو الراجح، كما سبق تقريره.
وإذا أردنا تطبيق هذا القول على واقع الوسائل الإلكترونية، فإنه يسعنا القول بما تقدم بيانه من تقسيم وسائل الإثبات الإلكتروني من حيث قوتها وضعفها إلى ثلاث فئات:
الفئة الأولى: فئة يسهل اختراقها، وتزويرها، أو انتحال الشخصية عن طريقها، كالبريد الإلكتروني، وبرامج المحادثة الفورية، والمنتديات، ومواقع التواصل الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر، فهذه الطرق أرى أنها قرائن ضعيفة، ولا تصلح لإثبات الطلاق؛ لأن الأصل بقاء النكاح، ولا يترفع هذا الأصل بالقرائن الضعيفة، فإن الأصل لا يرتفع بمجرد الاحتمال(73).
الفئة الثانية: فئة يصعب اختراقها، ولكن يسهل استخدامها من غير صاحبها، كالجوال، فاختراق شبكة الجوال صعب جداً، ولكن يمكن أن يستخدم الجوالَ غيرُ صاحبه، فهذه الفئة أرى أنها من قبيل القرائن المتوسطة، ينظر إلى ما يحتف بها من قرائن أخرى، فيعمل بها إن اقترنت بها قرينة تؤيدها، وترد إن اقترنت بها قرينة تضعفها.
فإذا كانت القرائن تدل على أن الجوال لم يسرق ولم يستخدمه غير صاحبه فإنه يعمل بها، كأن يثبت أن صاحب الجوال في ذلك الوقت وحده ومعه جواله، أو أن يشهد الشهود أن الجوال كان معه في وقت إرسال الرسالة، أو أن يقرّ بإرسال الرسالة التي قبلها، والرسالة التي بعدها، وليس بين الرسائل إلا أقل من دقيقة.
وإذا كانت القرائن تشير إلى أنه يحتمل احتمالاً كبيراً أنه قد استخدم الجوال من غير صاحبه فإن الجوال لا يكون كافياً في الإثبات، كأن يكون الجوال قد سرق منه في ذلك اليوم، أو أن يكون صاحب الجوال شخصاً معروفاً بإهمال جواله، أو أن يقرّ شخص بإرسال الرسالة التي فيها الطلاق، أو أن يكون رقم الجوال فيه خاصية الشرائح المتعددة، بحيث يمكن استخدام الرقم في أكثر من جهاز، ويوجد أحد الأجهزة في يد شخص آخر، وفيه الرسالة المرسلة.
الفئة الثالثة: فئة يصعب اختراقها، واستخدامها من قبل شخص آخر، كالتواقيع الرقمية، أو الدوائر التلفزيونية في المحاكم أو الإدارات الحكومية، فهذه الطرق تعد طرقاً صحيحة لإثبات الطلاق، فيقع الطلاق بها، ولا يلتفت إلى إنكاره الزوج.
المسألة الثانية: الطلاق الملفوظ.
قد يتلفظ الزوج بالطلاق عن طريق الجوال، أو عن طريق أحد برامج المحادثة، ثم ينكر الزوج الطلاق، وتدّعي الزوجة أنه طلقها، فهل يقبل إنكار الزوج للطلاق؟
لإثبات الطلاق بهذه الوسائل تحتاج إلى إثبات أمرين:
الأمر الأول: إثبات أن المرأة قد سمعت الطلاق بهذه الوسيلة، كأن نثبت أنها سمعت الطلاق بواسطة الجوال، وهذا الأمر يقال فيه ما قيل في الإثبات الإلكتروني للطلاق المكتوب، من تقسيم الوسائل إلى ثلاث فئات، ولكل فئة حكمها.
الأمر الثاني: إثبات أن الصوت هو صوت الرجل، وأنه تلفظ بالطلاق من غير تركيب أو تزوير للصوت، وهذا الإثبات صعب جداً؛ إذ إن برامج تعديل الأصوات وتغييرها كثيرة، وأصبح استخدامها شائعاً، فلا يقبل مجرد التسجيل لصوت الرجل؛ إذ الأصل بقاء النكاح، ولا ننتقل عن الأصل إلا بدليل، ومجرد تسجيل الصوت لا يعدّ كافياً في إثبات الطلاق، إلا إن أمكن إثبات أن الصوت صوت الرجل، وأنه لم يدخله أي تعديل أو تغيير، فهنا يمكن أن يقبل هذا الدليل، ولكن هذا صعب جداً.
الخاتمة:
أسأل الله حسنها.
بعد هذه الجولة في أحكام الإثبات الإلكتروني للنكاح والطلاق، أحب أن ألخص أهم نتائج البحث:
1- وسائل الإثبات هي الطرق التي تقام بها الحجة أمام القضاء.
2- اختلف العلماء في حصر وسائل الإثبات، وقد ذكرت أوجه الاتفاق والاختلاف بين القولين؛ لأن بعض المتأخرين فهم كلام المتقدمين على خلاف ما قصدوا.
3- الفقهاء يعملون ببعض القرائن دون بعض، ويحكمون على كل قرينة على حدة.
4- طرق إثبات النكاح والطلاق: الشاهدان والإقرار، وهناك طرق أخرى مختلف فيها.
5- إثبات أصل النكاح بالوسائل الإلكترونية ينبني على عدة مسائل، منها: صحة عقد النكاح بالكتابة، وإجراء عقد النكاح بالوسائل المعاصرة.
6- الإثبات الإلكتروني للإقرار بالنكاح أخف شروطاً من إثبات أصل النكاح.
7- إثبات الطلاق المكتوب بالوسائل الإلكترونية يتخرج على مسألة حكم الطلاق بالكتابة.
8- النكاح والطلاق إما أن يكون مكتوباً، وإما أن يكون ملفوظاً، ولكلٍّ حكم.
9- يمكن تقسيم وسائل الإثبات إلى ثلاث فئات، وقد ذكرتها في البحث، وبينت حكم كل قسم.
وهذه التوصيات التي أحب أن أنوّه بها:
1- إلحاق أحكام الأحوال الشخصية بنظام التعاملات الإلكترونية، وإضافة مواد تناسب الأحكام الخاصة بها، وعدم تركها لاجتهادات الناس، خاصة أن مسائل النكاح أهم من المسائل المالية، وإن لم يمكن ذلك فليوضع لها نظام يخصها.
2- توعية الناس بعظم أمور النكاح والطلاق وعدم الاستهانة بها؛ إذ إن بعض الناس يستهين بهذه الأمور، ويقدم على الزواج أو الطلاق عبر الوسائل المعاصرة من غير أن يعرف تبعات ما يفعله.
3- كما أوصي من يتسرع بالفتيا ويتهافت على التصريحات الإعلامية في وسائل الإعلام إلى التمهل قبل الحكم في هذه الأمور؛ إذ إن هذه المسائل فيها من الصعوبة والتعقيد ما يستدعي التريث والتأمل ممن يخاف الله.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
_________
(1) انظر: المبسوط (5/20)، وفتح القدير (3/206 و252)، والمدونة (2/174) و(4/39)، ومواهب الجليل (3/533)، والأم (5/51)، وحاشية عميرة (3/221)، والمغني (14/276)، وكشاف القناع (6/347).
(2) انظر: المبسوط (16/154)، والعناية (7/391)، والتاج والإكليل (5/277)، ومواهب الجليل (3/533)، وأسنى المطالب (4/367)، وتحفة المحتاج (10/263)، ومغني المحتاج (6/378)، والمغني (14/276)، والفروع (6/552).
(3) انظر: المبسوط (5/20) و(18/142)، والهداية مع العناية (8/180 و248)، وتبصرة الحكام (1/193)، والمغني (14/276)، وكشاف القناع (6/347)، وفي التبصرة وعنه في مواهب الجليل أن الزوجين إن كانا غريبين عن البلد قبل قولهما، وإن كانا من أهل البلد وادعيا الزوجية في البلد كلفهما الحاكم إثبات أصل النكاح.
(4) انظر: المبسوط (5/5)، والعناية (8/180)، وفي مجمع الأنهر (2/255).
(5) الأم (6/246)، وتحفة المحتاج (10/289).
(6) انظر: المبسوط (5/5)، والعناية (8/180).
(7) انظر: المدونة (2/96)، وشرح الخرشي (3/294).
(8) انظر: المغني (14/275)، وكشاف القناع (6/347)، وذكر البهوتي أن هذا بالنسبة إلى النكاح وأما بالنسبة إلى النفقة والمهر ونحوها فلا.
وذكر في المغني أنه رواية واحدة، وذكر أنه يتخرج أنه يستحلف فيه الزوج، وأما في شرح الزركشي (7/398) فذكر رواية أخرى أنه يستحلف ويقضى عليه بالنكول.
(9) انظر: المدونة (2/96)، والموطأ مع المنتقى (5/214)، والأم (7/3)، وأسنى المطالب (4/360)، والمغني (14/128)، والطرق الحكمية (157)، وذكر القاضي والموفق في المقنع أن ذلك رواية واحدة عن الإمام أحمد، وانظر في الإنصاف (30/15) تحقيق ذلك، وهل روي عن الإمام أحمد رواية أخرى في العمل بالشاهد واليمين في النكاح.
وأما الحنفية فهم لا يحكمون أصلاً باليمين مع الشاهد. انظر: المبسوط (17/29)، والدر المختار مع حاشية ابن عابدين (5/401).
(10) انظر: المدونة (2/174)، ومواهب الجليل (4/88)، وتحفة المحتاج (10/297)، والمغني (14/276).
(11) انظر: المبسوط (5/15)، والفروق للكرابيسي (1/115)، وبدائع الصنائع (2/230).
(12) انظر: روضة الطالبين (5/283 طبعة دار عالم الكتب)، والأشباه والنظائر (308)، وأسنى المطالب (3/119).
(13) انظر: المحرر (2/115)، والإنصاف (20/94 و103).
(14) بعض العلماء حكى القول بالجواز مقيداً بما إذا كانا غائبين، وأما إن كانا حاضرين فلا يصح.
انظر: حاشية ابن عابدين (3/12)، والأشباه والنظائر (308)، والإنصاف (20/103).
(15) انظر: المبسوط (5/15).
(16) انظر: مواهب الجليل (3/419)، والشرح الصغير (2/349 و386)، ومنح الجليل (3/267).
(17) انظر: روضة الطالبين (5/383)، والأشباه والنظائر (308)، وأسنى المطالب (3/119)، ومغني المحتاج (4/230).
(18) انظر: المحرر (2/151)، والإنصاف (10/103)، وشرح المنتهى (2/632).
(19) عند الحاكم (4/20)، قال الزهري: وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه وساق عنه أربعين أوقية. ثم ذكر الحاكم بعد قول الزهري قصة لزواج أم حبيبة، وهذا اللفظ ضعيف؛ لانقطاعه.
وروى أبو داود (2108)(6/97) عن الزهري: أن النجاشي زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل، وهو بهذا اللفظ ضعيف؛ لإرسال الزهري. وعند أحمد (45/398) (27408) وأبي داود (2107) (6/96)، والنسائي (3350) (6/428) عن عروة عن أم حبيبة: أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلف وبعث بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مع شرحبيل ابن حسنة.
والحديث بهذا اللفظ صحيح، ولكن ليس فيه ذكر الكتابة إلى النجاشي.
(20) ممن كاتبهم النبي صلى الله عليه وسلم هرقل عظيم الروم.
انظر: صحيح البخاري كتاب بدء الوحي حديث رقم (7) (1/42)، وفي كتاب الجهاد والسير باب دعوة اليهود والنصارى.. حديث رقم (2941) (6/128)، ومسلم كتاب الجهاد والسير باب كتاب النبي صلى الله عليه وسلم إلى هرقل (1773) (12/447).
(21) انظر: المبسوط (5/15).
(22) المصدر السابق.
(23) انظر المصدر السابق.
(24) انظر: الأشباه والنظائر (308)، ومواهب الجليل (3/419).
(25) ممن اختار هذا القول من المشايخ والباحثين: مصطفى الزرقا، ووهبة الزحيلي، وبدران أبو العينين، وإبراهيم فاضل الدبو، ومحمد عقلة الإبراهيم، ومحمد النجيمي، وعبد الرزاق الهيتي، وأسامة الأشقر.
انظر: حكم إجراء العقود بوسائل الاتصال الحديثة.. محمد عقلة الإبراهيم (113)، وحكم التعاقد عبر أجهزة الاتصال الحديثة للهيتي (75)، ومستجدات فقهية في قضايا الزواج والطلاق (109)، وحكم إبرام عقود الأحوال الشخصية والعقود التجارية عبر الوسائل الإلكترونية للنجيمي (15).
(26) فتوى رقم (1216) (18/91) برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز، وقد جاء في الفتوى: "رأت اللجنة أنه ينبغي ألا يعتمد في عقود النكاح في الإيجاب والقبول والتوكيل على المحادثات التليفونية؛ تحقيقاً لمقاصد الشريعة، ومزيد عناية في حفظ الفروج والأعراض حتى لا يعبث أهل الأهواء ومن تحدثهم أنفسهم بالغش والخداع". فيلحظ أن اللجنة عبّرت "ينبغي ألا يعتمد".
وفي فتوى للشيخ ابن باز نقلها موقع الإسلام سؤال وجواب في الفتوى رقم (105531) رأى جواز عقد النكاح بالهاتف إذا تم بشروطه.
(27) قرار رقم (54/3/6) في دورة مؤتمره السادس بجدة عام 1410هـ.
(28) قرار رقم (54) (3/16) في ندوته الثالثة عشرة عام 1422هـ.
(29) الإقرار بالكتابة صحيح عند الجمهور من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، وخالف في ذلك بعض الحنفية وجمع من الشافعية ووجه عند الحنابلة فلم يقبلوا الإقرار الكتابي من قادر على الكلام، وقالوا: إن كان قادراً على الكلام فلا بد من التلفظ بالإقرار.
واستدل الجمهور بأدلة من أقواها حديث ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما حق امرئ مسلم له شيء يوصي فيه، يبيت ليلتين إلا ووصيته مكتوبة عنده" [الحديث أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وصية الرجل مكتوبة" (2738) (5/419) ومسلم كتاب الوصية (1627) (245)].
انظر في المسألة: المبسوط (18/172)، وبدائع الصنائع (7/49)، والفوائد الزينية لابن نجيم (42)، والفتاوى الهندية (4/166)، ومجلة الأحكام العدلية (م1606)، وتبصرة الحكام (2/51)، والشرح الكبير للدردير (4/192)، وشرح الخرشي (6/90)، وأسنى المطالب (2/298)، وتحفة المحتاج (5/365)، ونهاية المحتاج (5/76)، وشرح الخطيب الشربيني على متن أبي شجاع (3/147)، وفتاوى الرملي (2/227)، ومنهج الطلاب (3/428)، والاختيارات الفقهية (190)، والفروع مع تصحيح الفروع (5/385)، والنكت على المحرر (2/359)، والإنصاف (30/142)، وشرح المنتهى (3/617)، وكشاف القناع (4/337).
(30) انظر: المبسوط (18/144)، والمدونة (2/93)، وأسنى المطالب (4/484)، والمغني (10/529)، والفروع (5/433).
(31) انظر: الفروق للكرابيسي (1/356)، وفتح القدير (7/307)، والمدونة (7/95)، والأم (5/270)، وشرح الخرشي (7/161)، والمغني (10/529)، وكشاف القناع (5/337).
(32) انظر: تبصرة الحكام (2/199)، وشرح الخرشي (7/162)، والأم (6/246)، وأسنى المطالب (3/273 و298)، وأعلام الموقعين (1/78).
(33) الكتابة المستبينة هي: أن يكتب على ما يثبت عليه الخط، كالقرطاس والجدار واللوح والأرض، وضدها غير المستبينة: كأن يكتب على الماء أو الهواء.
انظر: بدائع الصنائع (3/109)، وحاشية البجيرمي على شرح الخطيب (2/494)، والشرح الكبير (22/230)، والمبدع (6/313).
وخالف في اشتراط كون الكتابة مستبينة من السلف عطاء ومن الحنابلة أبو حفص العكبري فإنهما لم يشترطا أن تكون مستبينة.
انظر: مصنف ابن أبي شيبة (4/34)، والشرح الكبير والمبدع (الموضعين السابقين).
(34) الأم (8/296)، ومختصر المزني مع الحاوي الكبير (13/23)، والأشباه والنظائر (295)، وأسنى المطالب (3/277)، والبهجة الوردية (4/252)، وشرح المحلي (3/329)، وتحفة المحتاج (8/21).
(35) تحرير مذهب الحنابلة في المسألة:
a. إن كتب طلاق امرأته ونوى طلاق امرأته فإن الطلاق يقع على الصحيح من المذهب، وعليه جماهير الأصحاب.
b. إن كتب الطلاق وادعى أنه إنما أراد تجويد خطه أو غَمّ أهله لم يقع الطلاق، ولكن هل تقبل دعواه في الحكم أيضاً، أم يؤاخذ بكتابته؟ على رواتين، أصحهما: أنه تقبل حكماً.
c. إن لم ينوِ شيئاً، فعلى روايتين، أصحهما: أنه صريح فيقع من غير نية، وهو ما عليه أكثر الأصحاب، قال ناظم المفردات: أدخله الأصحاب في الصريح، وكثير من الأصحاب في الصريح، وكثير من الأصحاب يبحث المسألة في آخر مسائل صريح الطلاق وقبل الكناية، والرواية الثانية: أنه كناية، قال في الرعاية: وهو أظهر، وقال في الإنصاف: وهو الصواب.
انظر: المغني (10/503)، والكافي (3/120)، والمقنع مع الشرح الكبير والإنصاف (22/230)، والمبدع (6/313)، والفروع مع تصحيحه (5/382)، وشرح منتهى الإرادات (3/86)، وكشاف القناع (5/248).
(36) انظر: بدائع الصنائع (3/109)، والاختيار (3/139)، والجوهرة النيرة (2/39)، والبحر الرائق (3/267)، والفتاوى الهندية (1/378)، وحاشية ابن عابدين (3/246).
(37) المالكية لهم تفصيل هذا مختصره، فعندهم في المسألة تفصيل، وصور عديدة أوصلوها إلى ثمان عشرة صورة، وبعضهم زاد على ذلك، قال ابن رشد في البيان والتحصيل (5/371): "وتحصيل القول في هذه المسألة أن الرجل إذا كتب طلاق امرأته لا يخلو من ثلاثة أحوال: أحدها أن يكون كتبه مجمعاً على الطلاق، والثاني أن يكون كتبه على أن يستخير فيه، فإن رأى أن ينفذه أنفذه، وإن رأى ألا ينفذه لم ينفذه، والثالث أن لا تكون له نية. فأما إذا كتبه مجمعاً على الطلاق، أو لم تكن له نية، فقد وجب عليه الطلاق، طاهراً كانت أو حائضاً، فإن كانت حائضاً أجبر على رجعتها، وأما إذا كتبه على أن يستخيره ويرى رأيه في إنفاذه، فذلك له ما لم يخرج الكتاب من يده.."، وخالف اللخمي ابن رشد في مسألة إن لم تكن له نية، فقال: إن الطلاق لا يقع.
وانظر في المسألة: المدونة (2/78)، والتاج والإكليل (5/333)، وشرح الخرشي مع حاشية العدوي (4/49)، والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (2/384)، والشرح الصغير مع حاشية الصاوي (2/568).
(38) انظر: الحاوي الكبير (13/25)، ومغني المحتاج (4/463).
(39) ذكره تخريجاً في: الفروع مع تصحيحه (5/385)، والمبدع (6/313)، والإنصاف (22/231).
(40) انظر: المحلى (9/454).
(41) انظر: الحاوي الكبير (13/24)، والبيان (10/104)، وشرح المحلي على المنهاج (3/329).
(42) على التفصيل الذي سبقت الإشارة إليه، انظر: الكافي (3/120)، والفروع مع تصحيحه (5/382)، والمبدع (6/313)، والإنصاف (22/230).
(43) انظر: البيان والبهجة الوردية وشرح المحلي والمبدع (المواضع السابقة).
(44) شرح المنهج (4/332).
(45) الحاوي الكبير (13/25).
(46) بدائع الصنائع (3/109).
(47) غمز عيون البصائر (3/448).
(48) البيان والتحصيل (5/370).
(49) انظر: مغني المحتاج (4/463).
(50) المحلى (9/454).
(51) انظر: الحاوي الكبير (13/24)، والمبدع (6/313).
(52) انظر: البيان (10/105).
(53) انظر: الحاوي الكبير (13/24).
(54) انظر: شرح تنقيح الفصول (357)، والبحر المحيط (8/124).
(55) انظر: قواعد الأحكام (2/54)، والمجموع (1/259)، والمنثور (1/311)، والأشباه والنظائر (64).
(56) انظر: المبسوط (6/143) و(18/172)، وفتح القدير (4/68)، والبحر الرائق (3/267)، والأشباه والنظائر مع غمز عيون البصائر (3/447).
(57) انظر: البيان والتحصيل (9/474)، والذخيرة (8/149)، ومنح الجليل (8/464)، فقد نقلوا عن بعض المالكية أنه لا تجوز الشهادة على الخط إلا في الأموال خاصة.
(58) انظر: المغني (10/506)، وشرح المنتهى (3/127)، والإقناع مع شرحه كشاف القناع (5/301)، ومطالب أولي النهى (5/426).
(59) انظر: الحاوي الكبير (13/28)، والبيان (10/107)، وعلى ذلك حملا كلام الإمام الشافعي في الأم (8/296)، ومختصر المزني (13/28 مع الحاوي): "وإن شهد عليه أن هذا خطه لم يلزمه حتى يقر به".
(60) انظر: المغني (10/507)، والطرق الحكمية (206).
(61) انظر: البيان والتحصيل (9/474)، والذخيرة (8/149)، وفتح العلي المالك (2/45)، ومنح الجليل (8/462).
(62) بوّب الإمام البخاري في صحيحه باب الشهادة على الخط المختوم، وما يجوز من ذلك وما يضيق عليه، وكتاب الحاكم إلى عامله، والقاضي إلى القاضي، ونقل عن جمع من السلف العمل بالخط المختوم (13/150).
(63) حكى ابن القيم عن الإمام أحمد قبول العمل بالخط في الوصية، ونقل قوله: "إن كان قد عرف خطه وكان مشهور الخط، ينفذ ما فيها"، فالإمام أحمد علق الحكم بالمعرفة والشهرة، من غير اعتبار معاينة الفعل، وأطال في الانتصار للعمل بالخط المجرد في الطرق الحكمية (204-210)، على أن ابن القيم لم يشترط عدلان، بل ذكر العمل بالخط المجرد.
(64) انظر: المغني (10/506).
(65) انظر: الحاوي الكبير (13/29).
(66) انظر: الطرق الحكمية (207).
(67) انظر: الطرق الحكمية (205).
(68) الحديث أخرجه البخاري كتاب الوصايا باب الوصايا وقول النبي صلى الله عليه وسلم: "وصية الرجل مكتوبة" (2738) (5/419)، ومسلم كتاب الوص