الإبل في الإسلام – دروس وأحكام- (6) (مسائل فقهية متعلقة بالإبل) 

محمد بن إبراهيم النعيم
1442/04/29 - 2020/12/14 08:29AM

أيها الأخوة في الله

لا نزال في سلسلة من الخطب عن الإبل في الإسلام- عبرٌ وأحكام، ومع الخطبة السادسة من هذه السلسلة نستعرض فيها بعض ما جاء عن النبي  من أحاديث عن الإبل، نعرف بعض أحكامها وبعض ما يستفاد منها.

لقد كانت الإبل مرتبطة ارتباطاً وثيقاً في حياة الناس في العصور الغابرة، فقد كانت منها مأكلهم ومشربهم ومركبهم، وحين جاء الإسلام سن سنناً وتشريعات عديدة نظّم فيها حياة الناس الاقتصادية والاجتماعية وألغى التشريعات التي سنها أهل الجاهلية التي كانوا يحللون فيها ويحرمون وفقاً لأهواهم، خصوصاً تلك التي كانوا يتقربون بها إلى أصنامهم وطواغيتهم، وكان مما شرعوه لأنفسهم فيما يتعلق بالإبل، أن بعضهم كان ينذر إن تحقق له أمراً؛ أن يسيب ناقته فلا يستخدمها ولا يشرب لبنها ولا يركبها، وإنما يدعها للأصنام، وكان الناس لا يتعرضون لمثل هذه السوائب.

كما كانوا يشقون أذن الناقة التي تنتج خمسة بطون كلها إناث وتسمى بحيرة ويدعونها للأصنام، وأما فحل الإبل فإذا ضرب الضراب المعدود، وولد من ظهره عشرة أبطن، قالوا حمى ظهره، وتركوه للطواغيت وأعفوه من الحمل، فلم يحمل عليه شيء، وسموه الحامي.

ولذلك عاب الله صنيع أهل الجاهلية وتقربهم بإبلهم إلى أصنامهم فقال عز وجل، مَا جَعَلَ اللّهُ مِن بَحِيرَةٍ وَلاَ سَآئِبَةٍ وَلاَ وَصِيلَةٍ وَلاَ حَامٍ وَلَـكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَأَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ{103}

وقال تعالى وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَـذِهِ الأَنْعَامِ خَالِصَةٌ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَى أَزْوَاجِنَا وَإِن يَكُن مَّيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكَاء سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حِكِيمٌ عَلِيمٌ 

ومعنى الآية أنهم قالوا: ما في بطون هذه الأنعام المحرمة وهي السوائب والبحائر حلال للذكور ومحرم على النساء، وأما إن كانت ميتة فيشتركون جميعاً في أكلها. 

ولقد رأى النبي من سنَّ تلك السُنن يعذب في نار جهنم، حيث روى أبو هُرَيْرَةَ قال: قَالَ النَّبِيُّ : (رَأَيْتُ عَمْرَو بْنَ عَامِرِ بْنِ لُحَيٍّ الْخُزَاعِيَّ يَجُرُّ قُصْبَهُ فِي النَّارِ وَكَانَ أَوَّلَ مَنْ سَيَّبَ السَّوَائِبَ) متفق عليه.

أيها الأخوة في الله

ومن أحكام الإبل أن النبي  حرّمَ بعض البيوع التي كان المجتمع الجاهلي يتعامل بها وفيها غرر وجهالة، ومن ذلك فيما يخص الإبل، أنه نهى عن بيع ذرية جنين الناقة وهو ما يسمى بحبل الحبلة، فَعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ  نَهَى عَنْ بَيْعِ حَبَلِ الْحَبَلَةِ، وَكَانَ بَيْعًا يَتَبَايَعُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ، كَانَ الرَّجُلُ يَبْتَاعُ الْجَزُورَ إِلَى أَنْ تُنْتَجَ النَّاقَةُ ثُمَّ تُنْتَجُ الَّتِي فِي بَطْنِهَا، متفق عليه.

وجاء في حديث آخر نهْيه عن بيع ما في أصلاب الإبل أو ما في بطونها، لما فيه من الغرر وجهالة السلعة المشتراه، حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي  نهى عن بيع المضامين والملاقح، وحبل الحبلة رواه الطبراني.

والمضامين: ما في أصلاب الإبل، والملاقح: ما في بطونها ،وحبل الحبلة: ولد ولد هذه الناقة.

ومن أحكام الإبل أيضاً: أن النبي نهى عن بيع ضراب الإبل، فعن جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ عَنْ بَيْعِ ضِرَابِ الْجَمَلِ رواه مسلم.

والمشروع في هذا الأمر هو إعارة الفحل للإنزاء وإطراقه؛ لحديث جابر  أن رجلاً سأل النبي  فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا حَقُّ الإِبِلِ؟ قَالَ: (حَلَبُهَا عَلَى الْمَاءِ، وَإِعَارَةُ دَلْوِهَا، وَإِعَارَةُ فَحْلِهَا وَمَنِيحَتُهَا، وَحَمْلٌ عَلَيْهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) رواه مسلم. ومعنى حلبها على الماء: أي أن تحلب بموضع الماء. 

ويجوز للمستعير أن يُكرمَ صاحب الفحل بشيء دون اتفاق؛ لحديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَجُلاً مِنْ كِلابٍ، سَأَلَ النَّبِيَّ  عَنْ عَسْبِ الْفَحْلِ فَنَهَاهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا نُطْرِقُ الْفَحْلَ فَنُكْرَمُ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي الْكَرَامَةِ  رواه الترمذي.

أيها الأخوة في الله

ومن أحكام الإبل أن نعرف أن لها نصاباً لأداء زكاتها. ولقد حذر النبي  من عقوبة الامتناع عن أداء زكاة الإبل، فروى جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ  عَنْ النَّبِيِّ  قَالَ: (مَا مِنْ صَاحِبِ إِبِلٍ وَلا بَقَرٍ وَلا غَنَمٍ لا يُؤَدِّي حَقَّهَا إِلاَّ أُقْعِدَ لَهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَاعٍ قَرْقَرٍ، تَطَؤُهُ ذَاتُ الظِّلْفِ بِظِلْفِهَا، وَتَنْطَحُهُ ذَاتُ الْقَرْنِ بِقَرْنِهَا، لَيْسَ فِيهَا يَوْمَئِذٍ جَمَّاءُ وَلا مَكْسُورَةُ الْقَرْنِ) رواه مسلم.

وأما مقدار نصابها، فقد قَالَ : (لَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسٍ مِنْ الإِبِلِ صَدَقَةٌ، وَلا فِي الأَرْبَعِ شَيْءٌ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا فَفِيهَا شَاةٌ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعًا، فَإِذَا بَلَغَتْ عَشْرًا فَفِيهَا شَاتَانِ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسَ عَشْرَةَ فَفِيهَا ثَلاثُ شِيَاهٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعَ عَشْرَةَ، فَإِذَا بَلَغَتْ عِشْرِينَ فَفِيهَا أَرْبَعُ شِيَاهٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ أَرْبَعًا وَعِشْرِينَ، فَإِذَا بَلَغَتْ خَمْسًا وَعِشْرِينَ فَفِيهَا بِنْتُ مَخَاضٍ إِلَى خَمْسٍ وَثَلاثِينَ، فَإِذَا لَمْ تَكُنْ بِنْتُ مَخَاضٍ فَابْنُ لَبُونٍ ذَكَرٌ، فَإِنْ زَادَتْ بَعِيرًا فَفِيهَا بِنْت لَبُونٍ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَأَرْبَعِينَ، فَإِنْ زَادَتْ بَعِيرًا فَفِيهَا حِقَّةٌ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ سِتِّينَ، فَإِنْ زَادَتْ بَعِيرًا فَفِيهَا جَذَعَةٌ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ خَمْسًا وَسَبْعِينَ، فَإِنْ زَادَتْ بَعِيرًا فَفِيهَا بِنْتَا لَبُونٍ إِلَى أَنْ تَبْلُغَ تِسْعِينَ، فَإِنْ زَادَتْ بَعِيرًا فَفِيهَا حِقَّتَانِ، إِلَى أَنْ تَبْلُغَ عِشْرِينَ وَمِائَةً، ثُمَّ فِي كُلِّ خَمْسِينَ حِقَّةٌ، وَفِي كُلِّ أَرْبَعِينَ بِنْتُ لَبُونٍ) رواه ابن ماجه. 

ويعمل بهذه الأنصبة إذا كانت الإبل سائمة، أي ترعى معظم الحول من الكلأ، ولا يستخدمها صاحبها في حرث الأرض وسقي الزرع وحمل الأثقال ونحو ذلك من الأشغال، وأما إن كان صاحبها يعلفها معظم العام، فلا زكاة فيها. وأما إذا كانت معدة للتجارة كمشاريع تسمين وتربية، فهي تزكى كعروض تجارة. 

والإبل المعدة للسباق المباح لا زكاة فيها؛ لأنها معدة للاستعمال و هي معلوفة غير سائمة، لكن إذا حصل صاحبها على جوائز نقدية وبلغت نصاباً وحال عليها الحول وجبت في هذه النقود الزكاة.

ولنعلم أنه ليس مطلوب من كل مسلم أن يعرف نصاب زكاة الإبل، ولكن من كان لديه إبل أو يتاجر فيها، وجب عليه معرفة هذه الأنصبة وأن يسأل عنها ويفقه أحكامها، وهكذا كل صاحب حرفة يجب عليه أن يعرف أحكام الشرع فيها،  وما يباح فيها وما يحرم، حتى لا يقع في الحرام، فصاحب العقار عليه أن يعرف كيف يزكي أمواله، وصاحب الذهب عليه أن يعرف صور البيع الحلال والحرام في الذهب، حتى لا يقع في الربا، وهكذا.  

ولقد كان عمر لا يقبل أن يدخل في السوق إلا من فقه أحكام البيع والشراء، حيث روى العلاء بنُ عبد الرحمن بن يعقوب عن أبيه عن جده قال: قال عمرُ بن الخطاب : لا يَبِعْ فِي سُوقِنَا إِلاَّ مَنْ قَدْ تَفَقَّهَ فِي الدِّينِ" رواه الترمذي.

أسأل الله تعالى أن يفقهنا في الدين ويرزقنا اليقين، ويعلي راية المسلمين ويكبت أعداء الدين، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.

                                                                               الخطبة الثانية 

الحمد لله حق حمده والصلاة والسلام على خير خلقه وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد:  فاعلموا أن من أحكام الإبل أن النبي  نهى عن وسم البعير على وجهه، حيث روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان العباس يسير مع النبي  على بعير قد وسمه في وجهه بالنار، فقال: (ما هذا الميسم يا عباس)؟ قال: ميسم كنا نسمه في الجاهلية، فقال: (لا تسموا بالحريق)، يعني في الوجه ، رواه الطبراني. 

فلنعلم أن الإسلام كرم الإنسان فنهى عن ضربه في الوجه، لأنه مركز كرامته، وانظروا إلى بعض الآباء والمدرسين، ترونهم يضربون الطلاب كفوفاً على وجوههم ولا يبالون، وقد جاء عن أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ  أنه قَالَ: (إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَجْتَنِبْ الْوَجْهَ) رواه البخاري. وفي رواية مسلم قال: (إِذَا قَاتَلَ أَحَدُكُمْ أَخَاهُ فَلا يَلْطِمَنَّ الْوَجْهَ). 

بل نهى النبي  عن التعرض للوجه ليس بالضرب فحسب، بل حتى بالتقبيح أو السخرية، حيث روى مُعَاوِيَةَ بن حيدة  قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، نِسَاؤُنَا مَا نَأْتِي مِنْهُنَّ وَمَا نَذَرُ؟ قَالَ: (ائْتِ حَرْثَكَ أَنَّى شِئْتَ، وَأَطْعِمْهَا إِذَا طَعِمْتَ، وَاكْسُهَا إِذَا اكْتَسَيْتَ، وَلا تُقَبِّحْ الْوَجْهَ وَلا تَضْرِبْ) رواه أَبُو دَاوُد.

ومن أحكام الإبل سؤال الله خيرها عند شراءها، فعَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ عَنْ النَّبِيِّ قَالَ: (إِذَا تَزَوَّجَ أَحَدُكُمْ امْرَأَةً، أَوْ اشْتَرَى خَادِمًا، فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ خَيْرَهَا، وَخَيْرَ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا جَبَلْتَهَا عَلَيْهِ، وَإِذَا اشْتَرَى بَعِيرًا فَلْيَأْخُذْ بِذِرْوَةِ سَنَامِهِ، وَلْيَقُلْ: مِثْلَ ذَلِكَ) رواه أبو داود.  وهذه سنة مغفولة عند الكثير، فإذا اشتريت سيارة مثلاً فمن السُنة أن تضع يدك عليها ثم تسأل الله خيرها وتستعيذ من شرها.

ومن أحكام الإبل التأكيد على التسمية عند ركوبه، حيث روى حَمْزَةَ بن عويمر قال: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ  يَقُولُ: (عَلَى ظَهْرِ كُلِّ بَعِيرٍ شَيْطَانٌ، فَإِذَا رَكِبْتُمُوهَا فَسَمُّوا اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، ثُمَّ لا تُقَصِّرُوا عَنْ حَاجَاتِكُمْ) رواه أحمد. 

ومن أحكام الإبل أن بعض أصحاب الإبل كانوا يعلقون قلائد في رقاب إبلهم؛ لعله خوفاً عليهم من العين، فنهى النبي عن ذلك، فعَنْ عَبَّادِ بْنِ تَمِيمٍ أَنَّ أَبَا بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ أَخْبَرَهُ أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، قَالَ: عَبْدُ اللَّهِ حَسِبْتُ أَنَّهُ قَالَ وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ  رَسُولاً، أَنْ لا يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلادَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلادَةٌ إِلاَّ قُطِعَتْ، متفق عليه.

وهذا الأمر نلاحظه في بعض الناس الذين يخافون على سياراتهم أو حاجاتهم من العين، فتراهم يعلقون سلاسل أو خرزات وما شابه ذلك، معتقدين أنها تحفظ من العين، ولا شك أن هذا اعتقاد فاسد، لأن العين لا يردها إلا التعويذات الشرعية كقولك (أعوذ بكلمات التامة من كل شيطان وهامة ومن كل عين لامة) وقراءة المعوذتين.

أسأل الله تعالى أن يحفظنا من بين أيدينا ومن خلفنا، وعن أيماننا وشمائلنا. 

اللهم حبب إلينا الإيمان --اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق - اللهم أحينا على أحسن الأحوال- اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات - اللهم أصلح لنا ديننا-  اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا.....

المشاهدات 569 | التعليقات 0