الإبل في الإسلام- دروس وأحكام (10) (أشهر ناقة في العالم)
محمد بن إبراهيم النعيم
الإبل في الإسلام- دروس وأحكام (10) (أشهر ناقة في العالم)
هل تعرفون أشهر ناقة في العالم؟
ليست تلك التي عرضت في مزادين الإبل، وإنما هي ناقة ليست كسائر النوق، فلا مثيل لها، بل ليس لها أب ولا أم، ناقة لن تقرأ سيرتها في كتاب الجينس للأرقام القياسية، فليست ملك أحد من البشر؛ لأنها خلقت بكلمة كن، ولذلك سماها الله ناقة الله، إنها ناقة جعلها الله فتنة لقوم من العرب، أمرهم أن يكون لهم شرب يوم، ولهذه الناقة شرب يوم آخر، وفي اليوم الذي تشرب فيه الناقة كانت تمد القوم كلهم بلبنها، كرما من الله وإعجازا، إنها آية ومعجزة لنبي الله صالح عليه السلام، إنها ناقة صالح التي سُطر ذكرها في القرآن الكريم، بل ذكرها الله تعالى في قصار السور كي يحفظ قصتها الصغير والكبير فيعتبر. ناقة صالح ذكرها الله تعالى في عدة مواضع من القرآن الكريم، فدعونا نستعرض موجز هذه القصة ونأخذ العبرة منها.
لقد كانت قبيلة من العرب تدعى ثمود تسكن في الحجر بين الحجاز وتبوك، أمدهم الله تعالى بالمال وسائر النعم، حتى أجادوا حفر الجبال وجعلوها بيوتا، فعاشوا طفرة اقتصادية وتنمية حضارية, ولما ضلَّ أولئك القوم فعبدوا الأصنام، أرسل الله تعالى لهم نبيه صالح عليه السلام مذكراً ومنذرا. وقد كانت ثمود بعد قوم عاد، ولذلك ذكرهم صالح عليه السلام بهلاك عاد لما كذبوا الرسل فقال: وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُوراً وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاَءَ اللَّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ.
فآمن به المستضعفون من قومه وكفر السادة والكبراء وقالوا: ِِأَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِن بَيْنِنَا بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ
وطالب المستكبرون من صالح عليه السلام آية تدل على صدق نبوته وقالوا له: لن نؤمن لك حتى تخرج لنا من هذه الصخرة ناقة من صفتها كذا وكذا، وتعنتوا في وصفها، فقالوا: مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ بِآيَةٍ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{154} قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ{155} وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ{156}، وأخبرهم بأن هذه الناقة فتنةً لهم وامتحاناً لمدى طاعتهم لله عز وجل، فأمرهم أن تشاركهم الناقة بمفردها شرب الماء، فلها يوم ولهم كلهم شرب يوم إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ{27} وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْمَاء قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُّحْتَضَرٌ، ولكنهم لم يستجيبوا لأمر الله عز وجل فعاندوا، واتفقوا على أن يعقروا هذه الناقة، ليستريحوا منها ويتوفر عليهم ماؤهم، وزين لهم الشّيْطان أعمالهم.
وقد بدأت المؤامرة من امرأتين، كانت الأولى ذات حسب ومال، فدعت ابن عم لها وعرضت عليه نفسها إن هو عقر الناقة.
وأما الأخرى فكانت عجوزاً لها بنات فعرضت بناتها الأربع على رجل يسمى قدار بن سالف، إن هو عقر الناقة بأن يختار أي بناتها شاء، فانتُدب هذان الشابان لعقر الناقة وسعوا في قومهم بذلك، فاستجاب لهم سبعة آخرون فصاروا تسعة، وهم المذكورون في قوله تعالى: وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ. فسعوا في بقية القبيلة يُحسِّنون لهم عقر الناقة والتخلص منها، فأجابوهم وطاوعوهم وأيدوهم في ذلك. فانطلقوا يرصدون الناقة، فابتدرهم أشقى القوم: قدار بن سالف، فلما صدرت من وردها فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَى فَعَقَرَ، وقال تعالى في موضع آخر إِذْ انْبَعَثَ أَشْقَاهَا، فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا أي احذروها فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا، وَلاَ يَخَافُ عُقْبَاهَا.
ولما كانت القبيلة راضية بفعله وعقره للناقة، اعتبرهم الله تعالى كلهم مشاركين في الجريمة، ولذلك قال تعالى بصيغة الجمع فَعَقَرُوا النَّاقَةَ وَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُوا يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنتَ مِنْ الْمُرْسَلِينَ، إنه تحد صارخ لأوامر الله عز وجل.
فماذا حصل لهم بعد ذلك العصيان الجماعي؟ لقد خسروا في الامتحان ولم يطيعوا الرحمن، فوعدهم صالح عليه السلام بنزول العذاب عليهم بعد ثلاثة أيام فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ.
فأصبح قوم ثمود في اليوم الأول ووجوههم مصفرة، ثم أصبحوا في اليوم الثاني ووجوههم محمرة، ثم أصبحوا في اليوم الثالث ووجوههم مسودة، فلما كان صبيحة اليوم الرابع جاءتهم صيحة من السماء من فوقهم، ورجفة من أسفل منهم، فهلكوا وأصبحوا في دارهم جاثمين، قال تعالى فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ {78} فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ{79}.
ماتوا وخلَّفوا ديارهم وبيوتهم شاهدة على عذابهم. فالحذر الحذر من الإعراض عن قبول الحق واتباع الهدى؛ وإلا فسنة الله واحدة في خلقه.
ولقد مر النبي على ديار ثمود ومساكنهم وهو ذاهب إلى غزوة تبوك، وهي المعروفة اليوم بمدائن صالح، فعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: نَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ بِالنَّاسِ عَامَ تَبُوكَ، نَزَلَ بِهِمْ الْحِجْرَ عِنْدَ بُيُوتِ ثَمُودَ، فَاسْتَسْقَى النَّاسُ مِنْ الآبَارِ الَّتِي كَانَ يَشْرَبُ مِنْهَا ثَمُودُ، فَعَجَنُوا مِنْهَا وَنَصَبُوا الْقُدُورَ بِاللَّحْمِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ فَأَرَاقُوا الْقُدُورَ، وَعَلَفُوا الْعَجِينَ الإِبِلَ، ثُمَّ ارْتَحَلَ بِهِمْ حَتَّى نَزَلَ بِهِمْ عَلَى الْبِئْرِ الَّتِي كَانَتْ تَشْرَبُ مِنْهَا النَّاقَةُ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَدْخُلُوا عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عُذِّبُوا، قَالَ: (إِنِّي أَخْشَى أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَهُمْ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ) رواه أحمد.
وفي حديث آخر قال : (لا تَدْخُلُوا عَلَى هَؤُلاءِ الْمُعَذَّبِينَ إِلاَّ أَنْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا بَاكِينَ فَلا تَدْخُلُوا عَلَيْهِمْ لا يُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ) متفق عليه.
إنها لمصيبة وحسرة أن يسأل القوم رسولهم آية، فلما رأوها ماثلة أمامهم موقنين بصدقه، استكبروا ولم يؤمنوا، ولذلك جاء عن جابر قَالَ: لَمَّا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ بِالْحِجْرِ قَالَ: لا تَسْأَلُوا الآيَاتِ، وَقَدْ سَأَلَهَا قَوْمُ صَالِحٍ، فَكَانَتْ تَرِدُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ – يعني الناقة- وَتَصْدُرُ مِنْ هَذَا الْفَجِّ، فَعَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ فَعَقَرُوهَا، فَكَانَتْ تَشْرَبُ مَاءَهُمْ يَوْمًا، وَيَشْرَبُونَ لَبَنَهَا يَوْمًا، فَعَقَرُوهَا فَأَخَذَتْهُمْ صَيْحَةٌ، أَهْمَدَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاءِ مِنْهُمْ، إِلاَّ رَجُلاً وَاحِدًا كَانَ فِي حَرَمِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ)، قِيلَ مَنْ هُوَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (هُوَ أَبُو رِغَالٍ، فَلَمَّا خَرَجَ مِنْ الْحَرَمِ أَصَابَهُ مَا أَصَابَ قَوْمَهُ) رواه أحمد
كم هي لحظات مؤثرة بل ومبكية، أن يقفَ المرءُ عند قبر صديق له كان يكثر له النصح، ولكنه أبى طريق الطاعة، فمات على شر معصية، كم هي محزنة تلك اللحظات، وأنت تقول له عند قبره: كنتُ أريد لك الخير، ولكنك آثرت الضلال، كنتُ أريد لك النصح، ولكنك لا تُحِبُ الناصحين.
هذا ما حصل لنبي الله صالح عليه السلام، حين هلك قومه وأصبحوا صرعى، خاطبهم متحسراً على مصيرهم، قال تعالى: فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُواْ فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ {78} فَتَوَلَّى عَنْهُمْ وَقَالَ يَا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسَالَةَ رَبِّي وَنَصَحْتُ لَكُمْ وَلَكِن لاَّ تُحِبُّونَ النَّاصِحِينَ{79}.
ولقد خاطب النبيُ صناديد قريش الذين قتلوا في بدر، بعد أن أنذرهم ودعاهم إلى الإسلام فأبوا إلا الكفر، خاطبهم متحسراً على موتهم كفارا. فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ، فَقَامَ عَلَيْهِمْ فَنَادَاهُمْ فَقَالَ: يَا أَبَا جَهْلِ بْنَ هِشَامٍ، يَا أُمَيَّةَ بْنَ خَلَفٍ، يَا عُتْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، يَا شَيْبَةَ بْنَ رَبِيعَةَ، أَلَيْسَ قَدْ وَجَدْتُمْ مَا وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فَإِنِّي قَدْ وَجَدْتُ مَا وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا)، فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النَّبِيِّ ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَسْمَعُوا، وَأَنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قَالَ: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ، مَا أَنْتُمْ بِأَسْمَعَ لِمَا أَقُولُ مِنْهُمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا)، ثُمَّ أَمَرَ بِهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا فِي قَلِيبِ بَدْرٍ، رواه مسلم.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني ...
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِيْنَ، وَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى الظَّالِمِيْنَ، وَأشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيْكَ لَهُ وَلِيُّ الصَّالِحِيْنَ، وأَشْهَدُ أَنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنَا مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ إِمَامُ الأَنبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِيْنَ، وَأَفْضَلُ خَلْقِ اللهِ أَجْمَعِيْنَ، صَلَوَاتُ اللهِ وَسَلاَمُهُ عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِيْنَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّيْنِ. أما بعد:
لقد جعل الله تعالى الناقة معجزة لنبيه صالح ودليلاً على صدق نبوته، ولكن تلك المعجزة كانت مؤقتة انتهت بموت صالح عليه السلام والجيل الذي عاش فيه، وهكذا بقية المعجزات التي أجراها الله عز وجل لبقية أنبيائه، إلا نبينا محمد الذي أيده بكتاب معجز باقٍ إلى قبيل قيام الساعة، فإذا كانت معجزة ناقة صالح قد انتهت، فإن الله تعالى ذكر قصتها في القرآن بطريقة مبهرة تدل على إعجاز من نوع آخر، وتدل على أن هذا القرآن كلام الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، تنزيل من حكيم حميد.
دعوني أستعرض معكم بعض هذا الإعجاز العجيب فيما يخص قصة ناقة صالح عليه السلام. فكلنا نعلم التكرار العجيب لرقم سبعة في كثير من الأشياء الشرعية والدنيوية، فقد اقتضت حكمته سبحانه وتعالى أن يجعل عدد السماوات سبع، ومن الأرض مثلهن، وأن يجعل أعظم سورة في القرآن السبع المثاني وهي فاتحة الكتاب وهي سبع آيات، وأن يجعل أيام الأسبوع سبعة، وأن يجعل لغة القرآن اللغة العربية ثمانية وعشرين حرفاً وهي من مضاعفات الرقم سبعة، والطواف حول البيت سبعاً ومثله في السعي حول الصفا والمروة، ورمي الجمرات بسبع حصيات، والنار لها سبعون ألف زمام، والذين يدخلون الجنة بغير حساب سبعون ألفا، ومن زار مريضاً صلى عليه سبعون ألف ملك، و(من تصبح سبع تمرات عجوة لم يضره ذلك اليوم سم ولا سحر)، و(إذا شرب الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا)، و(كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى)، وأشياء كثيرة يصعب حصرها.
وفيما يخص القرآن، فإن محور الإعجاز الرقمي لآيات القرآن وسوره يعتمد كثيراً على الرقم (7) ومضاعفاتها.
ولكي نزدادَ يقيناً بعظمة هذا النظام المُحْكَم للقرآن، دعونا ندقق النظر في بعض تفاصيل قصة ناقة صالح عليه السلام وبعض أسرار تكرارها في كتاب الله عز وجل.
فنجد أن هذه القصة ذُكرت تفاصيلها في عدة سور، بلغ إجمالي آياتها 49 آية، وهي من مضاعفات الرقم سبعة، وأن كلمة الناقة ذكرت في القرآن سبع مرات في ست سور متباعدة، وكلها تخص قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام، وهذه السور هي: ( 7-11-17-26-54-91)، والغريب أننا إذا قمنا بصف أرقام هذه السور بجوار بعض، يتشكل لنا عدد ضخم يقبل القسمة على سبعة، أو قل من مضاعفات السبعة.
ونلاحظ أيضا أن كلمة )الناقة) وردت بصيغة (ناقة) أي غير معرَّفة (من دون الـ التعريف) (4) مرات، والمذهل أن العدد الذي يمثل هذه السور الأربعة يبقى قابلاً للقسمة على (7) أيضا، أي من مضاعفات الرقم سبعة.
وإذا وقفنا على إعجاز آخر فنجد أن تحذير صالح عليه السلام لقومه بأن لا يمسوا الناقة، وإلا أخذهم العذاب؛ ورد ثلاث مرات في القرآن، كقوله تعالى وَلا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ فكلمة (لا تمسوها) وكلمة (فيأخذكم) لم ترد إلا في هذه الآيات الثلاث فقط، فهما كلمتان خاصة بقصة قوم ثمود، ولم ترد في أي موضع آخر، ودائماً على لسان صالح عليه السلام.
والعجيب أننا إذا قمنا بصف أرقام هذه السور الثلاثة بجوار بعضها، وهي السورة: (7-11-26)، يتشكل لنا عدد هو من مضاعفات الرقم سبعة.
فهل يستطيع أدباء البشر وشعراؤهم وعلماؤهم أن يؤلفوا كتاباً ضخماً مثل القرآن الكريم ويحددوا مسبقاً استخدام كل كلمة من كلماته بهذا الإعجاز؟ إننا نستغرب من أناس طمس على قلوبهم فادعوا بأن القرآن ناقص أو محرف.
أيها الأخوة في الله
وإذا وقفنا على إعجاز آخر في سرد هذه القصة، فنجد أن نبي الله صالح عليه السلام نهى قومه عن عقر الناقة ولكنهم لم يستجيبوا، ويأتي البيان الإلهي ليصف هذا التعدي على حدود الله وعاقبة ذلك، في ثلاث آيات: ففي هود قال تعالى: فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ [هود: 11/65].
وفي الشعراء قال: فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ[الشعراء: 26/157].
وفي سورة الشمس قال: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا.
وإن كلمة (عقروها) لم ترد في القرآن كله إلا في هذه الآيات الثلاث، ومع أن هذه الآيات متباعدة من حيث النزول، ومن حيث الترتيب في القرآن، إلا أننا إذا قمنا بصف أرقام هذه السور الثلاثة بجوار بعضها، سيتشكل لنا عدد يقبل القسمة على سبعة أيضاً، أي أنه من مضاعفات الرقم سبعة، مما يدل على أن تكرار بعض القصص في القرآن وبأساليب متغايرة له حكمة لأولي الأبصار. وهكذا الإعجاز في القرآن لا ينتهي ولكن أين المتبصرين والمتدبرين؟
اللهم فقهنا في أمر ديننا، وألهمنا رشدنا وزدنا يقينا-- اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا--اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت-- اللهم أحينا على أحسن الأحوال التي ترضيك عنا-- اللهم ارزقنا الثبات حتى الممات، اللهم أصلح لنا ديننا-- اللهم احفظ علينا أمننا واستقرارنا، وأصلح ولاة أمرنا...