الأنعام وتقديس الأصنام

الأنعام وتقديس الأصنام

صباح الموسوي

جاءت الأديان السماوية لتحرير الإنسان من عبادة الأصنام و رفع قيمته الإنسانية بالتأكيد على انه ولد حرا و يجب ان لا يكون عبدا لغير الله الواحد الخالق. وقد منح الله تبارك وتعالى الإنسان نعمة العقل وميزه عن سائر المخلوقات ‘ وجعل العقل أداة تقود الإنسان الى القدرة على التمييز بين الخير والشر ‘المنافع و المضار‘ الصحيح من الغلط وأمور عديدة أخرى . وجعل العقل وسيلة ترتقي بالإنسان وتسموا به على ان يحيي حياة كريمة تميزه عن حياة سائر المخلوقات بعد ان ميزه عن تلك المخلوقات بالعقل. و حسب رأي المفكرين الإسلاميين فان الإسلام قد تميز بالتركيز على العقل كضرورة ‘" حيث ان الإسلام بلغ درجة عالية من التفوق والتميز في احترام عقل الإنسان، فمقام العقل في الإسلام مكان عال وفريد ولا نظير له في الشرائع السابقة على الشريعة الإسلامية الخاتمة" ،. وقد وصف الله عز وجل في كتابه الكريم الذين لا يريدون أن يتفكروا بعقولهم ‘ بالإنعام بل هم أضل سبيلا ( آية 55سورة الأنفال ) ‘ والإنعام هي البهائم من الحيوانات ‘ و زاد تعالى على ذلك بان وصف الذين يعاندون منطق العقل ويصرون على الجهل بأنهم شر الدواب‘ " إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِندَ اللّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ " ( 22 الأنفال ) ‘ و ذلك لمخالفتهم وتصديهم لمنطق العقل الذي منحه إياهم. ولكن على الرغم من تأكيد القرآن الكريم والدين الإسلامي الحنيف على ضرورة استخدام منطق العقل في كل جوانب الحياة ‘ إلا ان البعض ممن يعدون أنفسهم أكثر الناس إيمانا و وطنية و دفاعا عن المقدسات ‘يرفضون منطق العقل و يسلكون الجهل والتخلف أسلوبا ‘ و التمسك بتقديس الأصنام منهجا .

لقد استبدل هؤلاء الأنعام ‘الأصنام الحجرية الجامدة التي كانت تُعبد في أيام الجاهلية ‘ بأصنام متحركة ‘ مرجعيات ‘أحزاب وحكومات ‘ تمارس الظلم وإشعال الفتن الطائفية وتصدير الإرهاب لتعيش برفاه على حساب مأساة الآخرين ‘ و أصبح تقديس هؤلاء الأنعام لأصنامهم ‘ اشد من تقديس قوم نبي الله إبراهيم (عليه السلام ) و كفار قريش لأصنامهم‘ وذلك على الرغم من ان بعض هؤلاء الأنعام التي غاضهما نقدنا لأصنامهم ‘ يعيش في بعض الدول الغربية التي هي متقدمة عقليا و علميا على أصنامهم بشكل غير قابل للمقارنة لكنهم لم يتعلموا في هذه الدول سوى كيفية جمع المال و الاستفادة من الرفاهية المعيشية ويا ليتهم تعلموا بقدر ذلك مبدأ احترام حرية الرأي والرأي الآخر و عودوا أنفسهم على تقبل مبدأ النقد المعول به في هذه الدول . ولكن أنا لهم ذلك وقد أغلقوا عقولهم و ارتضوا لأنفسهم ان يكونوا عبيدا لغيرهم .

لقد هاجت و ماجت هذه الأنعام معترضة على ما جاء في مقالنا السابق المعنون ( كم كان ثمن استقبل احمدي نجاد في لبنان؟ ) معتبرة ان فيه إساءة كبيرة لأصنامهم ‘ وعلى رأسها حزب الله و النظام الايراني . علما ان كل عاقل وصاحب رأي منصف قرأ ذلك المقال وجد فيه وبكل بساطة ان المقال لم يتجاوز حدود الصراحة الملتزمة بأدب الحوار البناء ‘ ولم يخرج عن أطار النقد المعقول ‘ ولكن غياب العقل عند عبدة الأصنام جعلهم يشتاطون غيضا وغضبا غير مدركين انه لا يحق لهم ان يفرضوا ما يعتقدون انه مقدس عندهم على غيرهم ‘ كما ان نقدنا لأصنامهم لم يأتي من فراغ فلو كانت تلك الأصنام جامدة‘ كللات والعزة و مناة الثالثة الأخرى ‘ ولم ترتكب أعمالا تخالف العقل والشرع ‘ و تحدث الفتن والقتل والدمار للبلاد و العباد ‘ لما كنا قد تطرقنا الى تلك الأصنام بالنقد أصلا .كما ان نقدنا الذي لم يتجاوز الكلام ‘ مهما كانت حدته لا يمكن ان يقارن بالأفعال والجرائم التي ارتكبتها وترتكبها تلك الأصنام التي اشرنا اليها في مقالنا السابق الذكر.

مشكلة هذه الأنعام انها لا تريد ان تعترف وهي تعلم علم اليقين ان وضع الشعوب الإيرانية في ظل نظام ولاية الأصنام أصبح جحيما لا يطاق وهو ما تسبب في هجرة أكثر من خمسة ملايين إيراني الى أوروبا وأمريكا و كندا ‘ وان الأخيرة أصبحت ملجئاً لأكثر من خمسين بالمئة من الكفاءات الإيرانية ‘ كما ان العديد من البلاد العربية والإسلامية أصبحت تعاني من تدخلات هذا النظام و الفتن التي يزرعها بين أبناءها . أما حزب الله و زعيمه الذي يتغنى بولائه وتابعيته للنظام الايراني ‘ فلا يحق له ان يطلب منا السكوت على تحويله لبنان الى ساحة إيرانية بحجة ان إيران تدعم المقاومة ‘كما ولا يحق أيضا له ان يقوم بتلميع صورة النظام الايراني و يكيل له المديح والثناء ويريدنا ان نسكت على ذلك ونحن أكثر من غيرنا معرفة بهذا النظام وأكثرنا تضررا من إجرامه .

ان قول كلمة الحق أمر فرضه علينا ديننا ( أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ) ‘ و ممارسة النقد وحرية الرأي‘ حق كفلته لنا دساتير ونظم هذه البلاد الغربية التي نعيش فيها بأمن و حرية بعيدا عن وصايا الأصنام المقدسة .

فمن شاء فليتعلم كيف يحترم حق الآخرين باستخدام حرية الرأي ‘ ومن لم يعجبه ذلك فليذهب الى العيش في جمهورية الأصنام .

المصدر: لجينيات
المشاهدات 1218 | التعليقات 0