الأنانية بين الأزواج
عدنان الدريويش
إنَّ الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، مَنْ يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، وقال تعالى ﴿ قالَ ما مَنَعَكَ أَلّا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ قالَ أَنا خَيرٌ مِنهُ خَلَقتَني مِن نارٍ وَخَلَقتَهُ مِن طينٍ ﴾ سورة الأعراف .
أما بعدُ: فالأنانية مأخوذة من كلمة "أنا" ويقصد بها حب الذات والأَثَرَة للنفس وهي عكس الإيثار، والشخص الأناني هو الذي يعتقد أنه مركزُ العالم، وأن كل ما يقوله ويفعله يجب أن يكون موضعَ اهتمام كلِّ الناس، وأن كلَّ ما يحدُث له وما يُحبه ويحتاجه، سيكون دائمًا فوق احتياجات الآخرين، وعادة ما يرفُضه الناس بسبب عدم احترامه ومراعاته للآخرين.
قال صلى الله عليه وسلم: "لا يؤمن أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه"؛ متفق عليه ، والله سبحانه أثنى على أهل الإيثار، فقال عنهم: ﴿ وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [الحشر: 9]، والأثرة هي حب النفس وتفضيلها على الآخرين.
يا عباد الله : إن الأسرة قد تُبتلى بزوج أناني أو زوجة أنانية، مما يفقدها العطاء والتضحية ، وأصل الزواج أن يكون علاقة مشتركة بين طرفين، تبنى على الاحترام المتبادل وعلى المودة والمحبة، ومشاركة القرارات التي تخص الأسرة سويًّا.
تقول فتاة: زوجي يغضب بشدة عند عدم حصوله على ما يريد، ويتخذ قرارات بمفرده دون علمي، وإذا حدثته بما فعل لا يبادر ولا يعترف بخطئه، فهو يعتبر كل ما يفعله حقًّا مكتسبًا ولا يستحق الاعتذار.
ويقول شاب: منذ اليوم الأول من زواجي تفاجأت من سلوكيات زوجتي، فهي لا تحب إلا نفسها ومصلحتها الشخصية، فهي ترى نفسها أهمَّ من الجميع، وكلمة الأنا هي أكثر كلمة تستخدمها عند الحديث، ولا تتنازل عن رغباتها مهما حدث، ولا تشكرني مهما فعلت لها.
يا عباد الله : قد تكون هذه صفة متأصلة في سلوك الزوج أو الزوجة أو ربما منذ طفولتهما بسبب تربيتهما وبيئتهما التي تربيا عليها ، لذا عند التعامل مع الشخص الأناني الانتباه للتالي:
• لا تَصفه بالأنانية مهما كانت ردةَ فِعله تجاهك فهذا يزيده سوءًا.
• حاورِه في المهام التي يجب عليه المشاركة فيها، أو تحمُّلها بالكامل؛ مثل تربية الأطفال ، أو النفقة عليهم.
• ركِّز على الإيجابيات التي تصدُر منه، فلا يخلو إنسان من محاسن في حياته الأسرية، ولا تركز على السلوك الأناني؛ لأن هذا سيجعل نفسيتك سيئة جدًّا تجاهه.
• توزيع المسؤوليات بينكما، وعدم تحمُّل المسؤولية عنه، خاصة إذا قصر فيها أو تردَّد بالقيام بها؛ لأن هذا السلوك سيجعله يعتمد عليك في كل شيء.
• اهتمّ بنفسك واحتياجاتك ورغباتك وسعادتك وطموحاتك، مع الوفاء بمسؤولياتك تجاه شريك حياتك وأسرتك؛ لأن إهمالك لنفسك يعطيه المبرر بأنك لا تستحق التضحية.
• انتبه من العدوانية والانتقام وإهمال مسؤولياتك؛ حتى لا تدخل في مشاكل أكبر من السلوك الأناني عند الزوج أو الزوجة.
• الفِت انتباهه لهذا السلوك وصارِحه بالأمر، واسأله إن كان هناك شيء يضايقه أو يزعجه؛ لأن بعض النساء قد تفعل ذلك للفت الانتباه أو التلميح لشيء يزعجها.
• إذا فشل الحوار بينكما لا تسمح بأن يتعدى على حقوقك وحقوق الأسرة، واجعله يعرف أنك مهتم به، لكن هذا لا يعني أن يتعامل معك بهذا السلوك الأناني.
• استشِر أهل الخبرة والاختصاص ليساعدوك في تخطي هذه المشكلة، واطلب من زوجتك كذلك استشارة المختصين التربويين لعلاج هذا السلوك عندها.
نفعني الله وإيَّاكم بهدي نبيه وبسنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، أقول قُولِي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم، ولسائر المسلمين والمسلمات، من كل خطيئة وإثم، فاستغفروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفور رحيم.
الخطبة الثانية :
الحمد لله، خلَق فسوَّى، وقدَّر فهَدَى، وَصَلَّى الله وسلم على نبي الرحمة والهدى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى.
قال الله تعالى : (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) سورة الحشر .
يا عباد الله : إن السعادة الحقيقية بين الزوجين تكمن في خلق الإيثار بينهما ، والإيثار هو تقديم الغير على النَّفس وحظوظها الدُّنيوية رغبةً في الحظوظ الأخروية ، مثل أن ينشغل أحدهما بسعادة شريك حياته ويؤثره على نفسه أكثر من انشغاله بحقوقه وواجباته ، وأن يكون في قلبه مكانا للتسامح والصبر على نقائص شريك الحياة ، وأن يحتمل كل منهما الآخر همه وألمه ويسانده في تخطي مشاكله ويدخل البهجة في حياته .
أيها المسلمون : حث ديننا الإسلامي على ترك خلق الأنانية وحب الذات والتحلي بخلق الإيثار وحب الخير للناس والتآلف معهم ومساعدتهم ، ومن أبرز القصص في السيرة النبوية هي قصة الأنصار مع المهاجرين إلى المدينة، الذين قدّموا كل ما لديهم من متاع وطعام ومأوى إلى المهاجرين .
هذا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله، على نبيكم؛ استجابة لأمر ربكم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهم صلِّ وسلِّم على محمد، وعلى آل محمد، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم.
اللهم أَعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأعلِ بفضلكَ كلمةَ الحق والدين، اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا وولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، اللهم وَفِّقْه لِمَا تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، وإلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين، اللهم ارزقهما البطانة الصالحة، يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، يا ذا الطول والإنعام، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، واحقن دماءهم، يا حي يا قيوم، يا ذا الجلال والإكرام.
اللهم احفظ على هذه البلاد عقيدتها، وقيادتها، وأمنها، ورخاءها واستقرارها، وسائرَ بلاد المسلمين، اللهم اجعلها دائمًا حائزة على الخيرات والبركات، سالمة من الشرور والآفات، اللهم اصرف عَنَّا شر الأشرار وكيد الفجار، وشرَّ طوارق الليل والنهار، رُدَّ عَنَّا كيدَ الكائدين، وعدوانَ المعتدين، ومكرَ الماكرين، وحقدَ الحاقدينَ، وحسدَ الحاسدينَ، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.
اللهم أبرم لأمة الإسلام أمرًا رشدًا، يعز فيه أهل طاعتك، ويهدى فيه أهل معصيتك، ويأمر فيه بالمعروف، وينهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء.
اللهم اغفر للمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وألف ذات بينهم، وأصلح قلوبهم وأعمالهم، واجمعهم يا حي يا قيوم على العطاء والسنة، يا ذا العطاء والفضل والمنة.
اللهم انصر جنودنا، ورجال أمننا، المرابطين على ثغورنا وحدودنا، اللهم تقبل شهداءهم، اللهم اشف مرضاهم، وعاف جرحاهم، وردهم سالمين غانمين.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[الْبَقَرَةِ: 201]، (رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 127]، (وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)[الْبَقَرَةِ: 128]، واغفر لنا ولوالدينا ووالديهم، والمسلمين والمسلمات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات، (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].