الأمن والرزق، من متطلبات الخلق

الغزالي الغزالي
1434/05/02 - 2013/03/14 20:54PM
الأمن والرزق، من متطلبات الخلق الجمعة 3 جمادى الأولى 1434 هـ / 14 مارس 2013

الْحَمْدُ للهِ الدائم برُّه، النافذ أمرُه، الغالب قهرُه، الواجب حمدُه وشكرُه، وهو الحكيم الخبير، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في الملك والتدبير، جلَّ ذكرُه، وإليه يُرجع الأمر كلّه، علانيته وسرُّه، لا رادّ لقضائه، ولا معقب لحكمه، سبحانه وبحمده، جعل لكلِّ أجلٍ كتاباً، وللمنايا آجالاً وأسباباً، وهو على كل شيء قدير. ونشهد أن نبينا محمداً عبد الله ورسوله الهادي البشير، والسراج المنير، صلّى الله عليه وعلى آله الأبرار، وصحابته الأخيار، ما جن ليل وبزغ نهار، وسلَّم تسليماً كثيراً.. أَمَّا بَعْدُ: فَأُوصِيكُمْ -أيُّهَا النَّاسُ- وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ تَعَالَى، فهي النجاة غداً، والمنجاة أبداً، {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ}. ثم اعلموا عباد الله! أن الكائنات في حاجة دائمة وملحة؛ للأمن والأمان، والرزق من شراب وطعام، فملأ الخالق سبحانه الأرض التي نعيش عليها أمنا وأرزاقا أكثر من حاجة الكائنات، فما على المخلوقات إلا السعيُ للكسب، والبحثُ عن وسائل السلام والأمن. فالأمن والرزق نعمتان من المنعم سبحانه، قصرنا في حمد الله تجاههما، وتكاسلنا عن شكره نحوهما، وقد قال ربنا جل وعلا: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ، وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} .أما عكس ذلك من الخوف والجوع؛ فهو ابتلاءٌ للمؤمنين، واختبارٌ للمسلمين، قال سبحانه: {وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ، وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}. وقد يكون الخوف والجوع عقوبةً وعذابًا من الله سبحانه للمفسدين المترفين، الكافرين بنعم الله تعالى، التاركين شكرها، قال سبحانه: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ، فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ، فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}. وإذ نذكر من نعم الله على العرب قبيل الإسلام وبعده؛ نذكر قبيلة قريش، التي اختصها الله تعالى بنعمتي الرزق والإطعام من الجوع، والأمنِ والأمان من الخوف، قال تعالى: {لإِيلافِ قُرَيْشٍ، إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ، فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ، الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ، وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ}. فعجبا لشأن الناس في ذلك الزمان! عجبا لأمر قريش؛ {أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا، وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ، أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ، وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ}. ومن الملاحظ أن سورة قريش التي فيها الإطعامُ من الجوع، والأمنُ من الخوف؛ سبقتها سورة الفيل، التي فيها الحديث عن نعمة رب العالمين، بحفظ بلده الأمين، وإهلاك عدوِّه المبين، دون تدخلٍ من البشر أجمعين، بل بتدخل الطير الأبابيل، التي {تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ}. وبعد سورة قريشٍ ذاتِ الرزقِ والأمن؛ كانت سورةُ الماعون، التي فيها الحثُ على إطعام اليتيم من رزق الله، وإعارةِ الآلات والأدوات والمواعين؛ التي هي سبب في الحصول على الأرزاق. قال البقاعي: [{رحلة الشتاء} التي يرحلونها إلى الشام =وقال غيره: الصيف= في زمنه، لأنها بلاد باردة، ينالون فيها منافع الشمال, وهم آمنون من سائر العرب، لأجل عزِّهم بالحرم المكرم المعظم، ببيت الله، والناس يتخطفون من حولهم، ففعل الله تعالى بأصحاب الفيل ما فعل؛ ليزدادَ العربُ لهم هيبةً وتعظيماً، فتزيد في إكرامِهم لما رأت من إكرام الله تعالى لهم، فيكون لهم غاية التمكن في رحلتهم.. وكانوا معذورين لذلك؛ لأن بلدهم لا زرعَ به ولا ضرع، فكانوا إذا ضربوا في الأرض قالوا: نحن سكان حرمِ الله، وولاةُ بيته، فلا يعرض أحد بسوء، فلولا الرحلتان؛ لم يكن لهم مقام بمكة، ولولا الأمن بجوار البيت؛ لم يقدروا على التصرف، وأول من سن لهم الرحلة هاشم بن عبد مناف، وكان يقسم ربحهم بين الغني والفقير، حتى كان فقيرُهم كغنيهم..] نظم الدرر فى تناسب الآيات والسور. و قال كثير من المفسرين: إن الجارَّ والمجرورَ =في لإيلاف قريش= متعلقٌ بالسورة التي قبلها =وهي سورة الفيل= أي: فعلنا ما فعلنا بأصحاب الفيل؛ لأجل قريش وأمنهم، واستقامةِ مصالحهم، وانتظامِ رحلتهم في الشتاء لليمن، والصيفِ للشام، لأجلِ التجارةِ والمكاسب. فأهلك الله من أرادهم بسوء، وعظَّم أمرَ الحرمِ وأهلِه في قلوب العرب، حتى احترموهم، ولم يعترضوا لهم في أي سفر أرادوا، ولهذا أمرهم الله بالشكر، فقال: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ} أي: لِيُوحِّدوه ويُخلصوا له العبادة، {الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} فَرَغَدُ الرزقِ والأمنُ من المخاوف؛ من أكبر النعم الدنيوية، الموجبةِ لشكر الله تعالى. فلك اللهم الحمدُ والشكرُ على نعمك الظاهرة والباطنة، وخصَّ الله بالربوبية البيت لفضله وشرفه، وإلا فهو ربُّ كلِّ شيءٍ] ومليكُه. عِبَادَ اللهِ: وعند فقد الأمن، وانعدام الأمان؛ تحدثُ الفوضى، وينتشر الخوف، وتكثرُ الشائعات، وتشيعُ القلاقل، وتزلزلُ القلوب، فيصبحُ الطعامُ بلا رغبة، والنكاحُ بلا شهوة، والعبادةُ بلا طمأنينة، يسيطرُ على القلوب ترقُّبُ الفرج، ويحيك في الصدور الخوفُ من المجهول. سؤال: من تسبَّبَ في اضطراب أمنِ المؤمنين، وسعى في خوفِ الآمنين، ما حكمه في شريعة ربِّ العالمين، وعلى لسان سيد المرسلين؟ الجواب: إن له العذابَ الأليم: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ}. هذا فيمن أحب إشاعة الفاحشة، التي تسبب القلق، وتثير الفزع في الأبرياء، فكيف بمن يسعى في ذلك؟! من تسبب في ذلك هو صاحب فتنة، ففي الحديث، عَنْ حُذَيْفَةَ ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ النَّبِيِّ فَذَكَرَ الدَّجَّالَ، فَقَالَ: "لَفِتْنَةُ بَعْضِكُمْ أَخْوَفُ عِنْدِي مِنْ فِتْنَةِ الدَّجَّالِ، إِنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ فِتْنَةٍ صَغِيرَةٍ وَلا كَبِيرَةٍ إِلا تَتَّضِعُ لِفِتْنَةِ الدَّجَّالِ، فَمَنْ نَجَا مِنْ فِتْنَةِ مَا قَبْلَهَا نَجَا مِنْهَا.." صحيح ابن حبان. إن مَنْ أَخَافَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ ملعون؛ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنْ رَسُولِ الله أَنَّهُ قَالَ:"اللَّهُمَّ مَنْ ظَلَمَ أَهْلَ المَدِينَةِ وَأَخَافَهُمْ فَأَخِفْهُ، وَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللهِ وَالمَلاَئِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ، وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلاَ عَدْلٌ ". رواه الطبراني بإسناد جيّد. أي: ما من أحدٍ جلب على أهل المدينة الخوف والهلع، وأدخل عليهم الفزع، إلاّ أذلّه الله وصغّره، وكساه ثوب مهانة وحقّره، وتتابعت عليه لعنات الخلق أجمعين، ولا يجدُ له من وليّ ولا نصير أو مُعين. إن من يروِّع الآمنين ملعون، وترويع المسلمين حرام، عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: حدثنا أصحاب محمد؛ أنهم كانوا يسيرون مع النبي، فنام رجل منهم، فانطلق بعضهم إلى حبل معه فأخذه، ففزع، فقال رسول الله: "لا يحل لمسلم أن يروع مسلما". صحيح الترغيب. فكيف ما يحدث في هذا الزمان، والناس في أمن وأمان؛ وإذا بالأمر يتغير فجأة وتحدث الفتن، ويضطرب الناس، فيخرب العامر، ويخوف الآمن، ويتهم البريء، ويتدخل الأعداء، ويتنفسون الصعداء، ويساعدهم في ذلك كثير من العامة والدهماء، أجسامهم أجسام البغال، وأحلامهم أحلام العصافير. فهل جاء الوقت لحصار بلاد المسلمين؟ وهل آن الأوان لتمزيقها دويلات، على أيدي أبنائها، وبتخطيط من أعدائها؟! والناس في غفلة عن هذا معرضون؟ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: "مَنَعَتْ الْعِرَاقُ دِرْهَمَهَا وَقَفِيزَهَا، وَمَنَعَتْ الشَّأْمُ مُدْيَهَا وَدِينَارَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ إِرْدَبَّهَا وَدِينَارَهَا، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ، وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ"، شَهِدَ عَلَى ذَلِكَ لَحْمُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَدَمُهُ. صحيح مسلم. قَال النووي: قَوْلُهُ: (مَنَعَتِ الْعِرَاقُ قَفِيزَهَا، وَمَنَعَتِ الشَّامُ مُدْيَهَا، وَمَنَعَتْ مِصْرُ أَرْدَبَّهَا..) هذه مكاييل مَعْرُوفة لِأَهْلِ تلك الْبلدان.. وَفِي مَعْنَى مَنَعَتِ الْعِرَاقُ وَغَيْرهَا.. قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ : أَحَدُهُمَا لِإِسْلَامِهِمْ، فَتَسْقُطُ عَنْهُمُ الْجِزْيَةُ، وَهَذَا قَدْ وُجِدَ. وَالثَّانِي وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعَجَمَ وَالرُّومَ يَسْتَوْلُونَ عَلَى الْبِلَادِ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَيَمْنَعُونَ حُصُولَ ذَلِكَ لِلْمُسْلِمِينَ.. -وهو الحصار- وَقَدْ رَوَى مُسْلِمٌ بَعْدَ هَذَا.. بِوَرَقَاتٍ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: "يُوشِكُ أَلَّا يَجِيءَ إِلَيْهِمْ قَفِيزٌ وَلَا دِرْهَمٌ قُلْنَا: مِنْ أَيْنَ ذَلِكَ؟ قَالَ مِنْ قِبَلِ الْعَجَمِ، يَمْنَعُونَ ذَاكَ. وَذَكَرَ فِي مَنْعِ الرُّومِ ذَلِكَ بِالشَّامِ مِثْلَهُ، وَهَذَا قَدْ وُجِدَ فِي زَمَانِنَا فِي الْعِرَاقِ، وَهُوَ الْآنَ مَوْجُودٌ. وَأَمَّا قَوْلُهُ:"وَعُدْتُمْ مِنْ حَيْثُ بَدَأْتُمْ "فَهُوَ بِمَعْنَى الْحَدِيثِ الْآخَرِ: " بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ"..
أصلح الله أحوالنا، وجعل بطاعته اشتغالنا، وإلى الخيرات مآلنا.. (آمين) وَأقُولُ قَوْلي هَذَا..

الْحَمْدُ للهِ معز الإسلام بنصره، ومذل الكفر بقهره، ومصرف الأمور بأمره، القوي فوق عباده فلا يدافع، الحاكم بما يريد فلا يراجع، نحمدك ربنا على ما أخذت وأعطيت، وعلى ما أبليت وابتليت، ونستغفرك مما أحاط به علمك، وأحصاه كتابك، ونشهد أن لا إله إلا الله، شهادةً ندخرها لهول يوم القيامة، ونشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله، أرسله الله على فترة من الرسل، وقلة من العلم و دنو من الساعة وقرب من الأجل، صَلَّى اللهُ وسلَّم عَلَيْهِ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَ على رسل الله و أنبيائه.. أَمَّا بَعْدُ: معاشر الصالحين: يقول الله-تعالى- مُنكِراً أفعالَ الظالمين، ومُحذِّراً مِن أحوالِ المُفسدِين-: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيِهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ، وَالله لاَ يُحِبُّ الفَسَاد}. وقال-سُبحانه- حِكايةً عن وصيَّةِ لُقمانَ لابنِهِ -تَوجيهاً، وإرشاداً، وتربيةً-: {وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ الله الدَّارَ الآخِرَةَ، وَلاَ تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا، وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ الله إِلَيْكَ، وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ الله لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين}. ولقد ذمَّ الله -تباركَ وتعالى- في كِتابِهِ– أعداءَ الرُّسُلِ والأنبياءِ، واصِفاً إيَّاهُم -ضمنَ أوصافٍ شنيعةٍ يُحَذِّرُ منها! ويُنَفِّرُ مِن أهلِها! والقائمِينَ بها!-: {..كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله، وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَالله لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِين}. قالَ ابنُ تيميَّة -رحمهُ اللهُ- في «مجموع الفتاوى»-ضابطاً،ومُوضِّحاً-:"وقد أثنَى اللهُ على الصلاحِ والمُصلِحِين، والذين آمنُوا وعملُوا الصالحات، وذمَّ المُفسدِين في غيرِ موضعٍ [مِن القُرآن الكريم]. فحيثُ كانت مَفسدةُ الأمرِ والنهيِ أعظمَ مِن مصلحتِهِ: لمْ تكن ممّا أَمَرَ اللهُ به -وإنْ كان قد تُرِكَ واجبٌ وفُعِلَ مُحرَّمٌ-؛ إذ المُؤمنُ عليه أنْ يتَّقِيَ اللهَ في عبادِهِ، وليس عليهِ هُداهُم".. فإذا كان هذا النهيُ عن الفسادِ والإفسادِ مُوجَّهاً-وبحَزمٍ وقُوَّةٍ- إلى مَنْ ظنَّ في نفسِهِ أنَّهُ قامَ بالشَّرعِ -أمراً أو نهياً-، ولكنْ؛ قد يترتَّبُ على فعلِهِ نَقيضُ قصدِه؛ فمِن بابِ أَوْلَى وأَوْلَى أنْ يكونَ النَّهيُ أعظمَ! والتحذيرُ أشدَّ! والإنكارُ أنكَى: فيمَن مارَسَ الفساد، وقامَ بالعُنفِ، وأشاع الفوضَى-تقتيلاً، وإساءةً، وإفساداً-؛ عصبيَّةً قبليَّةً! أو حَمِيَّةً أُسَرِيَّةً! أو ثأراً جاهليًّا! -ولو تحت أسماءٍ لامعةٍ! أو شِعاراتٍ برَّاقةٍ-! إنّ تنفيذَ الأحكام (العامَّةِ) -مِن عُقوباتٍ ونحوِها- مَنوطةٌ بأهلِ القُدرةِ عليها، والصَّلاحيَّةِ لها -مِن السُّلطان، أو مَن يُنيبُهُ-، ولا يجوزُ لأيِّ أحدٍ مِن النّاسِ -كائناً مَن كان- كيفما كان!- أنْ يَتجاوزَ قَدْرَهُ في التصدِّي لها، أو التصدُّرِ فيها؛ إذْ هو -هكذا -بلا ريب- مُخالِفٌ للشَّرعِ مِن جهةٍ، وللقانُونِ مِن جهةٍ أُخرَى. ونبيُّنا الكريمُ -صلواتُ الله وسلامُهُ عليه- يقولُ: «لا ينبغي للمؤمِن أنْ يُذِلَّ نَفسَهُ»، قالُوا: كيف يُذِلُّ المُؤمنُ نَفسَهُ -يا رسولَ الله-؟ قالَ: «يُحمِّلُها مِن البلاءِ ما لا تُطيق». فكيف الشَّأنُ -إذنْ- وهذا العُنفُ مُنتشِرٌ-اليومَ- جِدًّا- وفي مناطقَ شتَّى مِن الوطنِ العربيِّ-عُموماً- وللأسفِ الشديد-، ولأسبابٍ أكثرُها غيرُ شرعيٍّ صحيح، ولا عُرفيٍّ مَقبول. والأصلُ-إن كان هذا أو وُجِدَ ذاك-: إتيانُ البيوتِ مِن أبوابِها!! لا تَسلُّقُ أسوارِها!! واختراقُ جُدرانِها!! وكُلُّ هذه الأفاعيل-أو تلك-: يُترتَّبُ عليها مِن المَسؤوليَّات، والإساءات، والابتلاءات، والشُّرور: الشيءُ الكثيرُ الكثيرُ-ممّا هو محسوسٌ منظور-!؟ وممّا ينبغي المُسارعةُ إلى ذِكرِه، والمُفاخرةُ به: أنَّ بِلادَنا المُباركَةَ-هذه-بحمدِ الله وتوفيقِهِ- تملِكُ ثَروةً عُظْمَى لا تكادُ تُوجَدُ في غيرِها مِن البلادِ والدُّولِ! وهي-في هذه الثروة- موضعُ حسدٍ مِن كثيرٍ مِن البلادِ، والتي تضمُّ مِن الثَّروات الماليَّة والاقتصاديَّة الكَمَّ الكبير! في الوقت الذي هُم-جميعاً- يتمنَّونَ (!) لو تَزولُ أكثرُ ثرواتِهم-إن لم يكن جميعَها!-! مُقابلَ جُزء-ولو قليل!- مِن هذه الثروة الميمونةِ التي أكرمَنا اللهُ-تعالى- بها، وأظلَّنا بخيرِها، وهي: الأمن والأمان، والذي نسألُ الله-جلَّ وعَلا- أنْ يُجَمِّلَها بالهُدَى والإيمان-حتّى يكتملَ العِزُّ ويتمَّ البُنيان- إنَّهُ سميعٌ مُجيبٌ-. ولو أنَّنا-بَعْدُ- نَظَرْنا نظرةَ تأنٍّ فاحصةً في بعضِ الأحداثِ التي وقعَت هُنا، أو هُناك، أو هُنالك: فإنَّنا سنرَى أنَّ فيها-مِن حيثُ مُمارساتُها، ومَسالكُها؛ فضلاً عن نتائجها!- تَهاوُناً عظيماً، وانفِلاتاً شديداً، وتعصُّباً مَقيتاً.. كُلُّ ذلك-وغيره مِن مِثلِهِ- ممّا يُخالِفُ الشَّرعَ الحكيمَ، ويُناقِضُ أُصولَهُ الكريمةَ؛ مِن أُناسٍ {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا}، حتّى وَصَلَ الأمرُ-في بعضِ الأحوالِ- إلى إتلافِ المُنشآتِ! وإفسادِ المُمتلكات!! بل إزهاق النُّفوس المَعصومة-مِن غيرِ أدنَى خيرٍ تُخَلِّفُهُ! مع كثيرٍ مِن الشرِّ والأذى تُثْمِرُهُ!! فإلى متَى سيستمرُّ هذا البلاءُ والإفسادُ نازِلاً في الأُمَّةِ، واقعاً في أهلِها، مُؤثِّراً عليها-وطناً وأفراداً- دون إحساسٍ بالواجبات، أو إدراكٍ للمسؤوليَّات؟! وأينَ أينَ ستأخُذُنا تلكُمُ الآثارُ السلبيَّةُ المريرةُ الخطيرةُ التي لا يستفيدُ منها إلاّ الشَّيطانُ الرَّجيم، وأعوانه، وإخوانه-مِن عَدُوٍّ مُتربِّص، أو خَصمٍ مُتلصِّص؟! ورحِمَ اللهُ مَن قال:
أرَى خَلَلَ الرَّمادِ وَميضَ نارٍ *** ويُوشِكُ أنْ يَكونَ لها ضِرَامُ
فإنْ لمْ يُطْفِها عُقلاءُ قومِي*** ففي آثارِها فِتَنٌ عِظامُ
{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى، لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيد}.. اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَ آلِ مُحَمَّدٍ.. اَللّـهُمَّ اجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَنَا، وَاجْعَلْ فِي طَاعَتِكَ قُوَّتَنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَسَدِّدْ أَلْسِنَتَنَا، اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا، وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا، وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا، وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا، وَاهْدِنَا وَيَسِّرِ الْهُدَى لَنَا، وَانْصُرْنَا عَلَى مَنْ بَغَى عَلَيْنَا، اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي هذا الْوَطَنِ، وَادْفَعْ عَنَّا الْفِتَنَ وَالْنقم وَالْمِحَنَ؛ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ، ومَا خفي وَمَا علَنَ. اللَّهُمَّ وَفِّقْنا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَأَلْبِسْنا لِبَاسَ الصِّحَّةِ وَالْعَافِيَةِ وَالإِيمَانِ والتقوى، وَأَصْلِحْ الْعِبَادَ، وَاحم هذه الْبِلاَدَ، وَارْزُقْهَا الْرعيةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ يَا كريم يَا جواد. اللهم تَقَبَّلْ دعاءَنا، وَأَهْلِكْ أَعْدَاءَنا، وَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الكافرينَ، وَاشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَاجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً مُطْمَئِنًّا سَخَاءً رَخَاءً دَارَ أَمْنٍ وَأَمَانٍ، وَعَدْلٍ وَإِيمَانٍ، وَسَائِرَ بِلاَدِ الْمُسْلِمِينَ. اللَّهُمَّ اغفِرْ للمسلمينَ والمسلماتِ، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياءِ منهُمْ والأمواتِ، الذينَ انتقلُوا إلَى رحمتِكَ.. اللَّهُمَّ اشْمَلْ بعفوِكَ وغفرانِكَ ورحمتِكَ آباءَنَا وأمهاتِنَا وجميعَ أرحامِنَا ومَنْ كانَ لهُ فضلٌ علينَا.. ربنا اغفر لنا ولوالدينا ولمن.. ربنا آتنا في .. آللّهُمَ (آمين).. عبادَ اللهِ! اذْكُرُوا اللَّهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشكرُوهُ علَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ، ﴿ وَأَقِمِ الصَّلاةَ، إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ﴾.
المشاهدات 2367 | التعليقات 1

جمع و ترتيب