الأمن والإيمان

أحمد بن ناصر الطيار
1446/03/16 - 2024/09/19 14:07PM

الحمد لله واسِع العطاء، وكاشفِ البلاء، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، قضى ألا يقوم هذا الدين إلا بدماء الشهداء، وألسنةِ العلماء، وأقلامِ البلغاء، وأشهد أن نبينا محمداً عبدُ الله ورسوله، سَارَ بسيرة مَن قبله من الرسل والأنبياء، وفَضَلهم بشريعته الغراء، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الكرماء النجباء، وعلى التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً. أما بعد:

فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ تعالى وعد وعدًا فلن يُخلفه فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا}.

وعد الله من حقّق شرطَ الإيمان والعمل الصالح، أن يَستخْلِفَهم في الأرض، وأن يمكّن لهم دينهم، وأنْ ينْعموا بالأمن على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.

وحينما حقّق أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم هذين الشرطين، استخلفهم الله في الأرض، وملكوا كثيرًا من بلاد الفرس والروم، وهما أقوى قوَّتين في ذلك الزمان، ومكّن لهم دينهم، ونشرَ الأمن في ديارهم ومن فيها.

ولا يتحقّق الأمن التام إلا بالإيمان، كما قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}.

 وأعظم الأمن في الدنيا: الأمنُ النفسي, وسكونُ الروح، ولو كنت في أعظمِ بلاد الأرض أمنًا، ولم تنْعم بالأمن النفسي لعشت في شقاء ونكد وخوف وهمّ.

وهذه النعمةُ لن تنْعم بها إلا بإيمانك بالله، واستقامتك على دينه وشرعه، وحينها تدْخل جنةَ الدينا، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إنّ في الدنيا جنةً، من لم يدخلها لم يدخل جنةَ الآخرة.

معاشر المؤمنين: إنّ من أعظم النعم بعد نعمةِ الإيمان بالله سبحانه وتعالى وتوحيده، نعمةَ الأمن في الأوطان, والطمأنينةَ في الأهل والديار، ذلك الأمن الذي بدونه تفقد الحياةُ كلَّ معنىً جميل, وكلَّ طعمٍ رائق، وتصبح قطعةً من الجحيم الذي لا يطاق، لا يعرف المرءُ حين يصبح فيها هل يمسي؟ أو حين يمسي هل يصبح؟ فلا هو يأمن على مال ولا أهل ولا عِرض، تراه معذَّب القلب, مشتَّت البال, لا يَقَرُّ له قرار, ولا يهنأ له عيش, كما وصف الله تعالى حال المسلمين في مكة {وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.

وقد امتن الله سبحانه وتعالى على قريش في قوله جلّ مِن قائل: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاء وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ}.

فقد امتن الله عليهم بأمرين: الأمنِ والرزق، وهاتان هما أساس الحياة، وبهما يحصل الأمنُ النفسي والراحةُ القلبية، إذا انضافا إلى التوحيد والإيمان بالله.

نسأل الله تعالى أن يعمر قلوبنا بالإيمان، وبلادنا بالألفةِ والأمان، إنّ ربنا رؤوف رحيم.

***********************

الحمد لله رب العالمين, والصلاة والسلام على رسوله الكريم, ومن سار على سنته إلى يوم الدين, أما بعد:

أيها المسلمون: إنّ حُبّ الإنسان لبلده أمر فطري، قال النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ وَاقِفٌ فِي سُوقِ مَكَّةَ: "وَاللهِ إِنَّكِ لَخَيْرُ أَرْضِ اللهِ، وَأَحَبُّ أَرْضِ اللهِ إِلَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَوْلَا أَنِّي أُخْرِجْتُ مِنْكِ مَا خَرَجْتُ". [رواه الإمام أحمد والترمذي وابن ماجه, وصححه الترمذي والألباني].

والخروج من الوطن من أشدِّ المصائب, وأعظمِ الآلام, قال قوم لوط للوط عليه السلام: {لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَا لُوطُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمُخْرَجِينَ}، فهدّدوا بإخراجه من أرضه؛ لِعِلْمِهم بِثِقَلِ ذلك على نفسه.

ونحن في هذه البلاد المباركة, في أمنٍ وأمانٍ لا يجده أكثرُ مَن على وجه الأرض، وتُجبى إلينا الثمار والطعام واللباس من كل ناحية.

وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم عن الأمن الذي سيكون فيما بعدُ فقال: «وَاللَّهِ لَيَتِمَّنَّ هَذَا الأَمْرُ، حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ، لاَ يَخَافُ إِلَّا اللَّهَ وَالذِّئْبَ عَلَى غَنَمِهِ».

فحن اليومَ أعظم أمنًا من هذا, حيث نسير مسافاتٍ أبعد مما بين صَنْعَاءَ وحَضْرَمَوْتَ, من شمال هذه البلاد إلى جنوبها, ومن شرقها إلى غربها, لاَ نخَافُ إِلَّا اللَّهَ وحده, ولم نعُد نخاف الذئاب على أغنامِنا.

وقد كانت بلادنا في تفرّق واختلاف وتناحر، فقيّض اللهُ الملكَ عبد العزيز – رحمه الله – فوحّدها على راية التّوحيد، وانْتشر الأمن في ربوع هذه البلاد.

نسأل الله أنْ يحفظ بلادنا من كل سوء، وأن يوفّق ولاة أمرنا لما فيه صلاح العباد والبلاد، إنه سميع قريب مجيب.

 

عباد الله: أكثروا من الصلاة والسلام على نبي الهدى, وإمام الورى, فقد أمركم بذلك جل وعلا فقال: (إن الله وملائكته يصلون على النبي.. يا أيها الذين أمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).

اللهم صل وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بفضلك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء، والربا والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن.

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات, وخُصَّ منهم الحاضرين والحاضرات, اللهم فرِّج همومهم, واقض ديونهم, وأنزل عليهم رحمتك ورضوانك يا رب العالمين.

 عباد الله: إنَّ اللَّه يأْمُرُ بالْعدْل والْإحْسانِ وإيتاءِ ذي الْقُرْبى ويَنْهى عن الْفحْشاءِ والمنْكرِ والبغْيِ يعِظُكُم لَعلَّكُم تذكَّرُون، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المشاهدات 1078 | التعليقات 0