الأمنُ نـعمةٌ كبرى-17-10-1445هـ مستفادةٌ من خطبةِ أحدِ الشيوخِ
محمد محمد
الأمنُ نـعمةٌ كبرى-17-10-1445هـ مستفادةٌ من خطبةِ أحدِ الشيوخِ
الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.
وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:
إنَّ فَضْـلَ اللهِ عَلَيْـنَا وَإِحْسَانَهُ إِلَيْـنَا لا يُعَدُّ ولا يُحْصَى، فَكَمْ شَمِلَنَا-سُبْحَانَهُ-بِكَرَمِهِ، وَأسبغَ علينا فَضْـلَهُ وَنِعَمَهُ، (أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّـهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً)، وَإِنَّ مِنْ أَجَلِّ نِعَمِ اللهِ عَلَيْـنَا نِعْمَةَ الأَمْنِ الَّتِي يَشْعُرُ مَعَهَا الفَرْدُ بِالطُّمَأْنِينَةِ، وَيَعْرِفُ حَقِيقَةَ السَّكِينَةِ، لِذَا امتَنَّ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-عَلَى المُؤْمِنِينَ بِأَنْ رَزَقَهُمُ الأَمْنَ، وَهَيَّأَ لَهُمْ أَسْبَابَهُ، فَقَالَ-سُبْحَانَهُ-: (وَاذْكُرُوا إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وَقَدْ وَعَدَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-أَولِيَاءَهُ فِي جَنَّتِهِ وَمُسْـتَقَرِّ كَرَامَتِهِ بِالأَمْنِ وَالأَمَانِ، لأَنَّهُ إذا فُقِدَ الأَمْنُ فُقِدَ النَّعِيمُ، قَالَ-سُبْحَانَهُ-: (ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ).
إِنَّ مَنْ حَازَ نِعْمَةَ الأَمْنِ تَهَنَّأَ بِعَيْـشِهِ، وَلَوِ افتَرَشَ الأَرْضَ وَالتَحَفَ السَّمَاءَ، وَمَنْ فَقَدَهُ تَنَغَّصَتْ أَيَّامُهُ وَلَوْ سَكَنَ القُصُورَ الشَّاهِقَةَ، وَجمعَ الثَّرَوَاتِ الفَائِقَةَ، لا يَهْـنَأُ بِنَوْمٍ، وَلا يَتَلَذَّذُ بِطَعَامٍ، فَالقَلَقُ حَلِيفُهُ، وَالخَوْفُ أَلِيفُهُ، الأَمْنُ مِنْ أَهَمِّ الأَولَوِيَّاتِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالحَاجَاتِ البَشَرِيَّةِ، هذا نَبِيُّ اللهِ يُوْسُفُ-عَلَيْهِ السَّلامُ-يَوْمَ آوى أَبَوَيْهِ وَإِخْوَتَهَ فِي مِصْرَ، ذَكَرَ لَهُمْ تَوَافُرَ نِعْمَةِ الأَمْنِ فِيهَا دُونَ غَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ، (فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِن شَاءَ اللَّـهُ آمِنِينَ)، فَمَعَ الأَمْنِ يَهْـنَأُ الفَرْدُ بِالسَّـكَنِ وَيَتَنَعَّمُ بِالوَطَنِ، وَنَبِيُّ اللهِ إِبْرَاهِيمُ-عَلَيْهِ السَّلامُ-قَدْ قَدَّمَ الأَمْنَ عَلَى الرِّزْقِ فقالَ: (رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ)، فَبَدَأَ بِالأَمْنِ قَبْـلَ الرِّزْقِ؛ لأَنَّ وُجُودَ الأَمْنِ سَبَبٌ لِلرِّزْقِ، وَلأَنَّهُ لا يَطِيبُ رِزْقٌ إِلاَّ فِي ظِلالِ الأَمْنِ، وَلَقَدِ استَجَابَ اللهُ دُعَاءَ عَبْدِهِ وَنَبِيِّهِ إِبْرَاهِيمَ-عَلَيْهِ السَّلامُ-فَجَعَلَ البَلَدَ آمِنًا، ثُمَّ امتَنَّ-سُبْحَانَهُ عَلَى-أَهْـلِ هَذَا البَلَدِ بِأَمْـنِهِ، وَذَكَّرَهُمْ بِفَضْـلِهِ العَظِيمِ فَقَالَ-سُبْحَانَهُ-: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّـهِ يَكْفُرُونَ)، وَذَكَّرَهُمْ بِمَا جَاءَ مَعَ هَذَا الأَمْنِ مِنْ سَعَةِ الرِّزْقِ فَقَالَ: (أَوَلَمْ نُمَكِّن لَّهُمْ حَرَمًا آمِنًا يُجْبَى إِلَيْهِ ثَمَرَاتُ كُلِّ شَيْءٍ رِّزْقًا مِّن لَّدُنَّا وَلَـكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ).
لَقَدْ أَرْخَى اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-عَلَيْـنَا فِي هَذَا البَلَدِ الكَرِيمِ ثَوْبَ أَمْـنِهِ، نِعْمَةً مِنْهُ وَمِنَّةً، فَتَفَيَّـأْنَا ظِلالَ الأَمْنِ، وَقَطَفْنَا ثِمَارَهُ، فِي وَقْتٍ يُتَخَطَّفُ النَّاسُ فِيهِ مِنْ حَولِنَا.
إِنَّ فِي بُلْدَانِ هَذَا العَالَمِ اليَوْمَ مَنْ لا أَمْنَ لَهُ وَلا أَمَانَ، لِلْجَرَائِمِ المُنْتَشِرَةِ، أَوِ الحُرُوبِ المُدَمِّرَةِ؛ يَخْرُجُ رَبُّ الأُسْرَةِ طَالِبًا لُـقْمَةَ العَيْـشِ فِي الصَّبَاحِ، ثُمَّ يَكُونُ المَوْتُ أَقْرَبَ إِلَيْهِ مِنْ لُقْمَةِ عِيَالِهِ، أَوْ رُبَّمَا يَعُودُ إِلى دارِهِ فَرِحًا بِمَا جَمَعَ لِصِغَارِهِ فَلا يَجِدُ الدَّارَ وَلا الصِّغَارَ.
كَمْ مِنْ بُيُوتٍ هُدِّمَتْ فَوْقَ سَاكِنِيهَا، وَكَمْ مِنْ مُدُنٍ خَلَتْ مِنْ قَاطِنِيهَا، كَمْ مِنْ أُسَرٍ تَمَزَّقَتْ، وَمُجْـتَمَعَاتٍ تَشَتَّتَ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا"، شُكْرُ اللهِ بالعَمَلِ الصَالحِ يكونُ سببًا للبَرَكَةِ وَالزِّيَادَةِ، وكُفْرُهُ بِضِدِّ ذَلِكَ، قالَ-سُبْحَانَهُ-: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...
الخطبة الثانية
الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:
فإِنَّ الإِسْلامَ قَدِ اهْـتَمَّ بِالمُحَافَظَةِ عَلَى الأَمْنِ غَايَةَ الاهتِمَامِ، فَنَهَى عَنْ كُلِّ مَا يُخِلُّ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ نَهْـيُهُ عَنْ تَرْوِيعِ المُسْـلِمِ أَخَاهُ المُسْـلِمَ، قالَ رسولُ اللهِ-صلى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ رَوَّعَ مُسْلِمًا رَوَّعَهُ اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ"، ورَتَّبَ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-مِنَ النَّكَالِ والعَذَابِ، عَلَى مَنْ يَسْعَوْنَ بِالفَسَادِ وَيُهَدِّدُونَ الأَمْنَ مَا لَمْ يُرَتِّبُهُ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الإِجْرَامِ، فَقَالَ-سُبْحَانَهُ-: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ).
لَقَدْ حَرَّمَ اللهُ كُلَّ مَا يُزَعْـزِعُ الاستِقْرَارَ، وَيَنْشُرَ الفَوْضَى، وَيُؤَدِّيَ إِلَى التَّفَرُّقِ وَالاختِلافِ، لِمَا لَهُ مِنْ عَوَاقِبَ وَخِيمَةٍ، يَقُولُ-سُبْحَانَهُ-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَـئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)، فَمَتَى مَا تَسَلَّلَ الخَلَلُ إِلَى التحامِ الصَّفِّ، وَاتِّحَادِ الكَلِمَةِ، وَرَابِطَةِ الأُخُوَّةِ، انعَدَمَ الأَمْنُ، وَحَلَّ مَحَلَّهُ الفَوْضَى الَّتِي تُهْـلِكُ الحَرْثَ وَالنَّسْـلَ، يَقُولُ اللهُ-عَزَّ وَجَلَّ-: (وَأَطِيعُوا اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّـهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) وقَالَ-سُبْحَانَهُ-: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّـهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّـهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّـهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ).
إخواني: حَافِظُوا عَلَى أَمْنِ بَلَدِكُمْ بِأَدَاءِ أَمَانَاتِكُمْ، وَتَحْـقِيقِ وَاجِبَاتِكُمْ، وَإِعَانَةِ القَائِمِينَ عَلَى صَلاحِ البَلَدِ فِي مُحَارَبَةِ الفَسَادِ وَالإِفْسَادِ بِكُلِّ صُوَرِهِ، وَمُوَاجَهَةِ الظُّلْمِ بِكُلِّ أَشْكَالِهِ، لِنَكُونَ بِإِذْنِ اللهِ جَمِيعًا مِنَ الآمِنِينَ المُفْـلِحِينَ، وَيَشْـمَلَنَا قَولُ رَبِّ العَالَمِينَ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَـٰئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ).
اللَّهمَّ إنِّا نسألُكَ بأنَّ لَكَ الحمدُ، وأَنَّا نَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ، لا إلَهَ إلَّا أنتَ، الْأَحَدُ، الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، المنَّانُ، بديعُ السَّمواتِ والأرضِ، ياذا الجلالِ والإِكرامِ، يا حيُّ يا قيُّومُ.
اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، ووفقهمْ لرضاكَ، ونَصرِ دِينِكَ، وإعلاءِ كَلمتِكَ.
اللَّهُمَّ الطفْ بنا وبإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بنا وبهم على كلِ حالٍ، وبَلِّغْنا وإياهُم من الخيرِ والفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.
اللَّهُمَّ يا شافي اِشْفِنا وأهلَنا والمسلمينَ والمسالِمين.
اللَّهُمَّ ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.
اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.
اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.
اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.
اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا ولوالدِينا وأهلِنا والمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.
اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.
.
المرفقات
1714115732_الأمنُ نـعمةٌ كبرى-17-10-1445هـ مستفادةٌ من خطبةِ أحدِ الشيوخِ.docx
1714115733_الأمنُ نـعمةٌ كبرى-17-10-1445هـ مستفادةٌ من خطبةِ أحدِ الشيوخِ.pdf