الأمن المُجْتمعي

سالم بن محمد الغيلي
1441/07/20 - 2020/03/15 23:26PM

بسملة

إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له واشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه ما أزهرت النجوم وما أمطرت الغيوم.

  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ{ ]سورة آل عمران: 102[
  • }يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا{ ]سورة النساء:1[
  • }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا{ ]سورة الأحزاب:70[

عباد الله:

إن رسول الهدى صلى الله عليه وسلم اسس مفهوم السعادة والشعور بالطمأنينة وإرادة الحياة, فقال صلى الله عليه وسلم: (مَن أصبحَ آمنًا في سِرْبِهِ ، مُعَافًى في بدنِهِ ، عندَهُ قوتُ يَومِهِ ، فكأنَّما حِيزتْ لهُ الدُّنيا بحذافيرِها )صحيح الترغيب للالباني.

تأملوا هذه القيم , هذه المعاني, هذا البيان, إذا توفرت لديك ولدي ولديه فكأننا نملك الدنيا بما فيها, الأمن والعافية وقوت اليوم , ومن يستطيع العيش وهو خائف لا أفراد ولا أُسر ولا مجتمع ولا دول تستطيع العيش وقد نزع الأمن وحل الخوف, الأمن تأتي معه الطمأنينة والسعادة والهدوء والتفكير والتخطيط والبناء , يأتي مع الأمن حفظ الأنفس , حفظ الأعراض حفظ الممتلكات.

والعافية وما أجمل العافية , عافية البدن وعافية البيت وعافية المجتمع وعافية الدول والعافية من الأوبئة والزلازل والبراكين والفيضانات.

حديث يرسم مقومات الحياة الكريمة يرسم كيف يمكن قيام اقتصاد الأسر والمجتمعات والدول , ومن تتبع أحوال الناس والمجتمعات والدول يجدهم يسعون ويكدحون من أجل تحقيق هذه القيم الثلاث في حديث النبي صلى اله عليه وسلم, وإن اهمال شيء منها أو ضياعه أو التفريط فيه كفيل بأن يجعل الحياة في مهب الريح, ولن تأتي لفرد لوحده دون اسرته ومجتمعه ودولته, إن واجبنا جميعًا أن نسعى جاهدين لتحقيق الأمن الاجتماعي والأقتصادي والصحي من منظور حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي سلف ذكره, لأن الأمن والعافية والصحة والسلامة والقوت والأقتصاد لن تأتي بمفردها, لن تتحقق لفرد أو أسرة أو مجتمع إلا بتعاون الجميع وسعي الجميع إلى ايجاد السبل والوسائل التي تجلبها وتأتي بها وتحققها, ومنها على سبيل المثال:

تربية الأبناء والبنات على القيم والمبادئ والأخلاق, رسالة اجعلها أمانة في عنق كل أب وفي عنق كل مربي , لن تأمن أسرنا ولا مجتمعنا ولا دولتنا إلا إذا تربى أولادنا وبناتنا على القيم والثوابت التي جاء بها القرآن وسنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم, وعلى القيم والثوابت التي ورثها الآباء والأجداد والتي لا تخالف ولا تعارض سنة محمد صلى الله عليه وسلم, نربيهم على الاعتقاد الصحيح والفكر السليم والسلوك الحسن , نربيهم على احترام الآخرين وتقدير الناس, نربيهم على احترام الأعراض , نربيهم على الحذر من الاعتداء والظلم , نربيهم على الحذر من الذوبان في غيرهم والإنسلاخ من جلودهم, نربيهم على العفو والتسامح وصلة الأقارب والجيران والإحسان إلى الفقراء والضعفاء , نربيهم على الإقتصاد وترشيد الاستهلاك والحذر من الإسراف والتبذير وكفر النعم ومجاراة الآخرين, نحذرهم من الترف والتنعم والتلين والتميع الذي ذم الله أهله وصانعيه لأنه لا يأتي بخير لا يأتي إلا بالفساد وكفر النعم والطغيان.

فإذا تربى أبناؤنا وبناتنا على هذا فأبشروا بالخير , لن تجد في مجتمعنا ملحدين ولا تكفريين ولا صوفية ولا معطلة ولا مرجئة ولا عبدة شيطان, لن تجد في مجتمعنا من يقتل جاره ولا قريبه ولا أحد من الناس, لن تجد من يشهر سلاحه في وجه من يعارضه أو يسبه أو يختلف معه, لن تجد في مجتمعنا من يفضل لبس الجنز والربطة وقصة الديك ويرسم الخرائط في شعر رأسه ولحيته على الخنجر والثوب ولبس الآباء والأجداد.

ومن وسائل تحقيق الأمن المجتمعي : العمل وكسب الرزق ونبذ العجز والكسل, قال سبحانه وتعالى:} فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ ]سورة الجمعة:10[ ,لماذا يوجد في مجتمعنا عاطلون؟ لماذا لا يعملون؟ لماذا لا يقف مع العاطلين اباؤهم أوأمهاتهم أو إخوانهم أو مجتمعهم حتى يجدوا لهم عملًا يكسبون منه قوت يومهم ويكفون شرهم, لأن العطالة خطر تأتي بالفساد وبالاعتداء بالسطو وبالسرقة وبإدمان المخدرات وترويجها , وإن العجب والنضب من بعض الآباء الذي لديه استطاعة وجِدَةٌ وكنز ثم يترك أبناءه فريسةً لأهل الشر والترويج , لماذا لا نشغلهم؟ لماذا لا توجِد لهم تجارة أو اعمالاً ولو يسيره وتأمن عليهم وعلى سلوكهم؟

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يحفظ مجتمعنا وأبناءنا وبناتنا من كل مكروه.

وللحديث بقية , أقول ماتسمعون...

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدَا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربُنا ويرضى.

عباد الله:

ومن اسباب حفظ الأمن المجتمعي: الحذر والتحذير من الإسراف وقد ذكرنا سابقًا إن الاسراف والتبذير كفر للنِعم, وهذه الخصلة مصيبة في مجتمعنا يجب أن نجد لها حلاً عاجلًا حتى تدوم نعم الله وأمنه وأمانه وعافيته , }وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا{ ]سورة الفرقان:67[.

البيوت يطبخ فيها الغداء والعشاء فيؤكل نصفه فقط والنصف الآخر يرمى في صناديق القمامة... حرام واسراف وتبذير , ومثل ذلك في العزائم ومثل ذلك في الزواجات , وإلى متى وهذا الحال الآ نفيق الآ نتعلم الآ نعتبر الآ نتعظ؟ مال للناس؟ الجهال والصغار يظنون أن هذه النعم تولد معهم وما علموا بالعسر الذي مر على الأجداد ,وما علموا بالعاقبة التي ينتظرها المبذرون إخوان الشياطين ,

}وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ{ ]سورة النحل:112[, نقيد النعم بالشكر, نمنع صب الطعام في الزبالات , نصنع الطعام بما يكفي فقط, إذا زاد شيئًا نعطيه من يستحق أو نضعه للدواب في أماكن لا يُداس فيها ولا يُهان.

ومن اسباب الأمن المجتمعي:

الحفاظ على صحة الفرد والأسرة والمجتمع من الأمراض والعدوى وانتشار الأمراض , وكلها بيد الله عز وجل لكن فعل الاسباب مطلوب والله عز وجل علق الأمور بمسبباتها.

يجب على كل مسلم أن يهتم بصحته وصحة أهله ومجتمعه بقدر مايستطيع , يهتم بصحته من حيث الطعام ووقته ونوعه وكميته, يحذر من التخمة والشبع المفرط, يعود نفسه المشي والرياضة والجري والحركة , لا يكن كالماء الراكد الذي سرعان مايفسد ويتغير لونه وطعمه وريحته, والوقاية خير من العلاج, وقل مثل ذلك في حق النساء والأولاد.

الصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يراها إلا المرضى , يجب أن نحافظ على أنفسنا ومجتمعنا من السموم والمهلكات والمفسدات مثل الدخان والشمة والشيشة والمخدرات , فوالله ثم والله ما أفلح صاحبها وكل يوم وهو في انحدار وانحطاط وخسارة وتعاسة.

ربِّ أدم علينا نِعمك وسترك وعافيتك ,اللهم احفظ مجتمعنا ودولتنا وأمننا وصحتنا , اللهم اصرف عنا الوباء والغلاء والربا والزنا والخمور والفتن ماظهر منها وما بطن .

وصلوا وسلموا...

والله اعلم

جامع النور 1441/7/11هـ

المشاهدات 715 | التعليقات 0