الْأَمْنُ الْفِكْرِيُّ.
حسام الحجي
إِنَّ الْحَمْدَ للهِ ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَتُوبُ إِلَيْهِ ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ. وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاّ وأَنتُم مُّسْلِمُونَ)
أَمَّا بَعْدُ: مِنَ الْمِنَحِ الرَّبَّانِيَّةِ الْكَرِيمَةِ ، وَمِنَ النِّعَمِ الْعَظِيمَةِ ، الَّتِي يُنْعِمُ بِهَا اللهُ عَلَى عِبَادِهِ ؛ نِعْمَةُ الْأَمْنِ ، أَنْ لَا يَخَافَ النَّاسُ فِي مُجْتَمَعَاتِهِمْ .. يَسْعَوْنَ فِي طَلَبِ أَرْزَاقِهِمْ ، وَيُؤَدُّونَ عِبَادَاتِهِمْ ، وَهُمْ فِي أَمْنٍ عَلَى أَعْرَاضِهِمْ وَأَمْوَالِهِ وَأَنْفُسِهِمْ.
فَالْأَمْنُ نِعْمَةٌ عَظِيمَةٌ لَا تُقَدَّرُ بِثَمَنٍ ، لَوْ وُزِنَتْ لَعَادَلَتِ الدُّنْيَا بِأَكْمَلِهَا ، يَقُولُ النَّبِيُّ ﷺ فِي الْحَدِيثِ الْحَسَنِ : [ مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا بِحَذَافِيرِهَا ] فَالَّذِي يَعِيشُ فِي بَيْتِهِ ، بَيْنَ أَهْلِهِ وَأَبْنَائِهِ ، صَحِيحًا سَالِمًا مِنَ الْعِلَلِ وَالْأَسْقَامِ، عِنْدَهُ مَا يَكْفِيهِ مِنْ قُوتِهِ لِيَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا أُعْطِيَ الدُّنْيَا بِأَسْرِهَا ، وَوَاللهِ ثُمَّ وَاللهِ ، لَوْ خُيِّرَ الْعَاقِلُ ، بَيْنَ الدُّنْيَا بِأَكْمَلِهَا ، بِمَلَذَّاتِهَا وَشَهَوَاتِهَا ، وَبَيْنَ أَنْ يُعْتَدَى عَلَى عِرْضِهِ ، لَاخْتَارَ سَلَامَةَ عِرْضِهِ ، وَلَوْ خَسِرَ الدُّنْيَا بَأَجْمَعِهَا ، حَتَّى لَوْ كَانَ ذَلِكَ عَلَى حِسَابِ حَيَاتِهِ.
.أَيُّهَا الْإِخْوَةُ: نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَمْنِ ، يَجِبُ الِاعْتِنَاءُ بِهِ ، وَالِاهْتِمَامُ لِأَجْلِهِ ، وَالْحِرْصُ عَلَيْهِ ، وَهُوَ أَمْنُ أَفْكَارِنَا ، وَأَفْكَارِ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا ، فَإِذَا اخْتَلَّ الْأَمْنُ الْفِكْرِيُّ ، اخْتَلَّ الْأَمْنُ كُلُّهُ ، فَلَا تُحْفَظُ نَفْسٌ وَلَا عَقْلٌ وَلَا نَسَبٌ وَلَا مَالٌ.
الْأَمْنُ الْفِكْرِيُّ مَطْلَبٌ شَرْعِيٌّ ، وَضَرُورَةٌ دِينِيَّةٌ ، وَصِمَامُ أَمَانٍ بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى، وَلَنْ تَسْتَقِيمَ الْحَيَاةُ بِدُونِهِ ، وَلَنْ يُوجَدَ وَلَنْ يَقُومَ بُنْيَانُهُ ، إِلَّا بِالدِّينِ وَشَعَائِرِهِ ، وَعَلَى رَأْسِ ذَلِكَ التَّوْحِيدُ (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ)
وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ؛ أَيْ : بِشِرْكٍ ، وَهُوَ ضِدُّ التَّوْحِيدِ، يَقُولُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي مُسْنَدِهِ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَى النَّاسِ وَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَأَيُّنَا لَا يَظْلِمُ نَفْسَهُ؟ قَالَ : [ إِنَّهُ لَيْسَ الَّذِي تَعْنُونَ ! أَلَمْ تَسْمَعُوا مَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ ( يَا بُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ ، إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) إِنَّمَا هُوَ الشِّرْكُ]
فَتَوْحِيدُ اللهِ ، بِرُبُوبِيَّتِهِ وَبِأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ ، وَتَوْحِيدُ الْعَبْدِ للهِ بِأَفْعَالِهِ ، يُسَلِّمُ الْفِكْرَ مِنَ الاِنْحِرَافِ وَالزَّيْغِ وَالضَّلَالِ ، وَمَا ضَلَّ مَنْ ضَلَّ إِلَّا بِسَبَبِ إِهْمَالِ جَانِبِ التَّوْحِيدِ ، وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ ،
عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ [ افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ ، وَافْتَرَقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، فَإِحْدَى وَسَبْعُونَ فِي النَّارِ وَوَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ ، لَتَفْتَرِقَنَّ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً ، وَاحِدَةٌ فِي الْجَنَّةِ وَثِنْتَانِ وسَبْعُونَ فِي النَّارِ، قِيلَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ هُمْ ؟ قَالَ: الْجَمَاعَةُ].
.وَالْمَقْصُودُ بِالْجَمَاعَةِ ؛ هِيَ مَا كَانَ عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وَأَصْحَابُهُ ، فِي الْعَقِيدَةِ وَالْعَمَلِ
فَلْنَتَّقِ اللهَ عِبَادَ اللهِ ، وَلْنَشْكُرِ اللهَ عَلَى نِعْمَةِ الْأَمْنِ ، وَلْنَعْمَلْ مَا بِوُسْعِنَا لِلْمُحَافَظَةِ عَلَى أَمْنِ أَفْكَارِنَا وَأَفْكَارِ أَبْنَائِنَا وَبَنَاتِنَا ، وَلْنَحْذَرْ مِمَّنِ اخْتَلَّتْ أَفْكَارُهُمْ ،َ وفَسَدَتْ مَنَاهِجُهُمْ.
ومَنْ رَعَى غَنَمًا في أَرْضِ مَسْبَعَةِ**ونامَ عَنْها تَوَلَّى رَعْيَها الأَسَدُ
.أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ ، فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ
:الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ ، وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
أَيُّهَا الْمُؤمِنُونَ: إِنَّ لِلْأَمْنِ الْفِكْرِيِّ؛ سُبُلًا وَأَسْبَابًا ، مِنْهَا التَّمَسُّكُ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ
:وَمِنَ السُّبُلِ وَالْأَسْبَابِ
.طَاعَةُ وُلَاةِ الْأَمْرِ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ للهِ
:وَمِنْ أَسْبَابِ الْأَمْنِ الْفِكْرِيِّ
الْبُعْدُ عَنِ السُّوءِ وَمَجَالِسِهِ ، وَعَنْ قَنَوَاتِهِ وَمَوَاقِعِهِ ، عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشعَرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ قَالَ : [إِنَّمَا مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَجَلِيسِ السُّوءِ : كَحَامِلِ المِسْكِ ، وَنَافِخِ الْكِيرِ ، فَحَامِلُ المِسْكِ إِمَّا أَنْ يُحْذِيَكَ ، وَإِمَّا أَنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ ، وَإِمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبةً ، ونَافِخُ الْكِيرِ ، إِمَّا أَنْ يُحْرِقَ ثِيَابَكَ ، وإمَّا أَنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا مُنْتِنَةً ]
.أَسْأَلُ اللهَ لِي وَلَكُمْ عِلْمًا نَافِعًا ، وَعَمَلًا لِوَجْهِهِ خَالِصًا ، وَرِزْقًا وَاسِعًا إِنَّهُ سَمِيعٌ مُجِيبٌ
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا ، وَاسْتَعْمِلَ عَلَيْنَا خِيَارَنَا ، وَاجْعَلْ وِلَايَتَنَا فِي عَهْدِ مَنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ وَاتَّبَعَ رِضَاكَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ
اللَّهُمَّ انْصُرْ جُنُودَنَا عَلَى حُدُودِنَا ، اللَّهُمَّ انْصُرْهُمْ نَصْرًا مُؤَزَّرًا ، اللَّهُمَّ كُنْ لَهُمْ عَوْنًا وَنَصِيرًا ، وَمُعِينًا وَظَهِيرًا ، اللَّهُمَّ عَلَيْكَ بِأَعْدَائِهِمْ ، اللَّهُمَّ مَنْ كَادَ لِبِلَادِنَا ، وَأَضْمَرَ شَرًّا لِوَحْدَتِنَا ، وَطَمِعَ فِي تَمْزِيقِ صَفِّنَا ، اللَّهُمَّ عَلَيْكِ بِهِ ، اللَّهُمَّ شَتِّتْ شَمْلَهُ ، وَأَوْهِنْ عَزْمَهُ ، وَاجْعَلْ كَيْدَهُ فِي نَحْرِهِ ، وَتَدْبِيرَهُ سَبَبًا لِتَدْمِيرِهِ ، يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ
عِبَادَ اللهِ : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) فَاذْكُرُوا اللهَ الْعَظِيمَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى وَافِرِ نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُون