(الأمطار ونعيم الجنة) خطبة من اختيار الشيخ د.صالح العصيمي

أبوبصير الحازمي
1436/02/11 - 2014/12/03 17:04PM
الخطبة الأولى
إن الحمد لله،نحمده،ونستعينه،ونستغفره،ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا،من يهد الله فلا مضل له،ومن يضلل فلا هادي له،وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،تعظيما لشأنه،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،وخليله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وسلم تسليما كثيرا أما بعد ... فاتقوا الله- عباد الله- حق التقوى؛واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. واعلموا بأن خير الهدي هدي محمد،صلى الله عليه وسلم،وأن شر الأمور محدثاتها،وكل محدثة بدعة،وكل بدعة ضلالة،وكل ضلالة في النار .
أيها الناس: حين يغيث الله تعالى البلاد والعباد؛ يفتح لهم أبواب السماء؛ فيستبشر الناس برحمتة تعالى، ويفرحون بفضله، ويلهجون بحمده وشكره، ويمتعون أبصارهم بالمطر وهو ينزل، وبالسيل وهو يجري، وبالأودية وهي تتلاطم، وحين تتزيا الأرض بحلتها الخضراء؛ يخيم بعض من الناس في البراري، حتى لا تكاد توجد بقعة خضراء، ولا غدير ماء؛ إلا بعض من الناس يحيطون به .
فعلى أهل الإيمان-وهم يستمتعون بهذه الأجواء الطيبة،وبمناظر الماء المتدفق حولهم،والخضرة التي تكسو أرضهم - أن يأخذوا من ذلك عبرة وتذكرة لنعيم أعظم من ذلك وأبقى؛دائم لا ينقطع،ولا يحول عنه صاحبه ولا يزول.. إنه نعيم الجنة الذي وعد الله تعالى به عباده المؤمنين.
إن الله تعالى جعل إنزال الغيث،وإنبات الزرع؛آية من آياته: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ البَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ﴾،ولو اجتمع البشر كلهم،وبكل ما أوتوا من قوة،وما فتح لهم من علوم ومعارف على فعل ذلك،أو رده،أو تحويله عن محله؛لما استطاعوا؛ فالقادر سبحانه هو من يقدره ويصرفه كيف يشاء :﴿وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا * لِنُحْيِيَ بِهِ بَلْدَةً مَيْتًا وَنُسْقِيَهُ مِمَّا خَلَقْنَا أَنْعَامًا وَأَنَاسِيَّ كَثِيرًا * وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلَّا كُفُورًا﴾.فالقادر على إرواء الأرض اليابسة،وإنبات الصحارى القاحلة،وملء الآبار الفارغة،وإحياء المزارع الميتة،وإنعام البشر بعد إبلاسهم،وإفراحهم بعد قنوطهم؛هو القادر على أن يديم نعمتهم،ويزيد رغدهم،وينقلهم من دار إلى أخرى،نعيمها أعظم؛فمن خلق أولا قادر على أن يعيد الخلق تارة أخرى. إن المؤمن حقا هو المتذكر المعتبر،الذي إن رأى عذابا في الدنيا خاف عذاب النار؛ فاجتنب أسبابه،وإن رأى نعيما؛تذكر نعيم الجنة فأتى بموجباته،ولا نعيم في الدنيا مهما بلغ أمام نعيم الجنة،ولا يدوم دوامها،ولا عذاب في الدنيا إزاء عذاب النار،. إن في الدنيا جمالا نراه،وفي الأرض خضرة نضرة تتخللها المياه تأخذ بالألباب،وفي الدار الآخرة جنات تجري من تحتها الأنهار .
وفي الدنيا قصور أحكم بناؤها،وزين فناؤها،يعجب الناظر إليها من صنعها، ويتمنى من يمر بها أنه يملكها. وفي الجنة قصور لا تتقادم،ولا تحتاج إلى تجديد وترميم وصيانة،وليس بناؤها من الحديد والخرسانة،وإنما تبنى بالذهب والفضة، قال النبي،صلى الله عليه وسلم،: «بناء الجنة لبنة من ذهب، ولبنة من فضة»
ولعظم قصور الجنة؛ دعت امرأة فرعون ربها سبحانه؛ فقالت: ﴿رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾.
قال جبريل للنبي،صلى الله عليه وسلم،: «أقرأ خديجة السلام من ربها ومني،وبشرها ببيت في الجنة من قصب،لا صخب فيه، ولا نصب» رواه الشيخان. والقصب: هو اللؤلؤ المجوف .
عباد الله،يتخذ الناس في الدنيا غرفا لنومهم أو جلوسهم في قصورهم وبيوتهم ومزارعهم، ويهيئونها بما يليق بهم، ويجلب الراحة لهم. وفي الجنة غرف ليست كغرف الدنيا ﴿ أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا﴾. وقال تعالى:﴿لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِهَا غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ﴾. والغرفة هي: البيت المعتلي يصعد إليه بدرج .
عباد الله،ثمة أعمال صالحة يبنى لمن أتى بها بيوت في الجنة؛فلنبذل الجهد للحصول عليها؛فمن حافظ على السنن الرواتب-وهي ثنتي عشرة ركعة- بني له بيت في الجنة،وإذا مات ولد المؤمن فحمد الله تعالى واسترجع؛ قال الله تعالى:«ابنوا لعبدي بيتا في الجنة،وسموه بيت الحمد»،و«من بنى مسجدا للـه تعالى بنى الله له بيتا في الجنة» كل ذلك ثبتت به الأحاديث. وفي الدنيا ينصب الناس خياما في مزارعهم وأمكنة استرواحهم للمتعة والتغيير، وإذا اخضرت الأرض بعد الأمطار خيم الناس في الرياض، وحول الغدران، يستمتعون بالخضرة والنضرة مدة الشتاء والربيع .
وفي الجنة خيام،ولكنها ليست كخيام الدنيا: لا في بنائها،ولا في جمالها،ولا في سعتها،ولا فيما يحيط بها؛ فهي خيام لهم فيها حوريات مقصورات عليهم؛ قال تعالى:﴿حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الخِيَامِ﴾، ، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه،أن رسول الله،صلى الله عليه وسلم، قال: «في الجنة خيمة من لؤلؤة مجوفة، عرضها ستون ميلا،في كل زاوية منها أهل،ما يرون الآخرين،يطوف عليهم المؤمن» متفق عليه. وتنصب خيام الجنة لأهلها على حواف الأنهار،قال رسول اللـه،صلى الله عليه وسلم:«دخلت الجنة،فإذا أنا بنهر حافتاه خيام اللؤلؤ،فضربت بيدي إلى ما يجري فيه الماء،فإذا مسك أذفر،قلت: ما هذا يا جبريل؟ قال: هذا الكوثر الذي أعطاكه الله» رواه أحمد. ومن نظر إلى مخيمات الناس في الرياض المربعة،وحول الغدران، والأودية؛فعليه أن يتذكر أن في الجنة ما هو أعظم من ذلك؛ألا وهي خيام اللؤلؤ على حواف الأنهار،تنتظرهم فيها الحور العين الحسان؛ليكتمل نعيمهم، وتعظم لذتهم؛ فمن تذكر ذلك قوي إيمانه ويقينه،ونشط للعمل الصالح،وكان مع استمتاعه بالمطر وآثاره معتبرا بما أمامه،مستعدا للقاء ربه؛فهو في بيته في عبادة،وفي نزهته في عبادة،وفي كل أحواله في عبادة؛ذلك لأن عبادة التفكر والاعتبار من أعظم العبادات،وأكثرها أثرا في صلاح العبد واستقامته،وهي لا تحتاج إلى عمل ومئونة .
بارك الله لي ولكم ....
الخطبة الثانية
الحمد لله على إحسانه،والشكر له على عظم نعمه وامتنانه،وأشهد أن لا إله إلا الله،وحده لا شريك له،تعظيما لشأنه،وأشهد أن محمدا عبده ورسوله،وخليله،صلى الله عليه وعلى آله وصحبه،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين،وسلم تسليما كثيرا ... أما بعد
فاتقوا الله-عباد الله-حق التقوى،واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى،واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى
أيها المسلمون،ما نراه من جمال في الدنيا،وما نجده من نعيمها؛جعل الإنسان أكثر تشبثا بها،وحبا للحياة،وكرها للموت؛لأنه إذا مات فقد نعيم الدنيا،فإذا كان من أهل الجنة؛ففيها نعيم أكبر من نعيم الدنيا،ومساكن أعظم من مساكن الدنيا ﴿وَعَدَ اللهُ المُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّـهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الفَوْزُ العَظِيمُ﴾، فهي مساكن حسنة البناء،طيبة القرار،كما جاء في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، قال: قال رسول اللـه،صلى الله عليه وسلم:«جنتان من ذهب آنيتهما وما فيهما، وجنتان من فضة آنيتهما وما فيهما،وما بين القوم وبين أن ينظروا إلى ربهم إلا رداء الكبرياء على وجهه في جنة عدن» متفق عليه .
فحري بالمؤمن وهو يرى جمال الأرض إذا ارتوت بالماء،ويحس جمال الأجواء وقد تطهرت بالأمطار، وينتعش بريح الطل والندى أن يجعل من ذلك تذكرة له لبناء آخرته بالإيمان والعمل الصالح؛فإن جمال الأرض بالأمطار لا يدوم؛ ولذا يهتبل الناس فرصته للنزهة والاسترواح،ويعدون العدة لذلك،وينفقون الأموال عليه. والدنيا بأسرها ليست دار خلد ولا إقامة. وللعبد دار أخرى تنتظره،فليعد لنفسه فيها بناء وغراسا بالعمل الصالح؛ليجد ذلك أمامه .
وأول ذلك:شكر اللـه تعالى على ما أنزل من الغيث المبارك،وتسخيره في طاعة اللـه تعالى،والبعد عن معصيته،ونشر شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في أماكن الفرجة والاسترواح،وألا تستخف هذه النعم عقول الناس فيستهينوا بالمحرمات،ويرتكبوا الموبقات،وهم يستمتعون بما أغدق الله تعالى عليهم من النعم،وما أنزل عليهم من الغيث الذي كانوا يرجونه. وشكرهم يزيد نعمهم،كما أن كفرهم يسبب عقوبتهم،﴿مَا يَفْعَلُ اللهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾،﴿وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ﴾..
اللهم اجعلنا ممن خافك واتقاك،واتبع رضاك،وسار على نهج خليلك محمد،صلى الله عليه وسلم .
المرفقات

الأمطار ونعيم الجنة مشكولة.docx

الأمطار ونعيم الجنة مشكولة.docx

الأمطار ونعيم الجنة غير مشكولة.docx

الأمطار ونعيم الجنة غير مشكولة.docx

الأمطار ونعيم الجنة مشكولة.pdf

الأمطار ونعيم الجنة مشكولة.pdf

المشاهدات 2427 | التعليقات 0