الْأَمَانَةُ وَمُحَارَبَةُ الْفَسَادِ 3 جمادى الأولى 1442هـ

محمد بن مبارك الشرافي
1442/05/01 - 2020/12/16 16:44PM

الْأَمَانَةُ وَمُحَارَبَةُ الْفَسَادِ 3 جمادى الأولى 1442هـ

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا}

أَمَّا بَعْدُ: فَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (... فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنِ النَّارِ، وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) رَوَاهُ مُسْلِم.

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: اعْلَمُوا أَنَّ دِينَنَا دِينٌ شَامِلٌ دِينٌ كَامِلٌ، نَظَّمَ عَلاقَةَ الْعَبْدِ بِرَبِّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى – وَهِيَ الْأَصْلُ – وَنَظَّمَ عَلَاقَةَ الْعَبْدِ مَعَ مَنْ حَوْلَهُ مِنَ النَّاسِ مِنَ الْأَقَارِبِ أَوْ غَيْرِهِمْ، بَلْ نَظَّمَ عَلاقَتَهُ حَتَّى مَعَ نَفْسِهِ قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} تَأَمَّلْ هَذَا !! وَقَالَ {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِي}. وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ (خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لِأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لِأَهْلِي) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيّ.

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ - أَوْ قَالَ: لِجَارِهِ - مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رَوَاهُ مُسْلِم.

 فَهَذَهِ الآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ وَالْأَحَادِيثُ النَّبَوِيَّةُ كُلُّهَا تَدُلُّ عَلَى شُمُولِ الدِّينِ وَعَلَى كَمَالِهِ وَأَنَّهُ أَتَى بِكُلِّ خَيْرٍ وَنَهَى عَنْ كُلِّ شَرٍّ, وَمَعَ ذَلِكَ فَنَجِدُ أَنَّهُ يَنْتَشِرُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ مُعَامَلاتٌ وَأَفْعَالٌ مِنَ الْغِشِّ وَالتَّحَايُلِ وَالرَّشَاوَى وَأَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ, وَكُلُّ ذَلِكَ لَيْسَ مِنْ دِينِ اللهِ فِي شَيْءٍ, وَلا تَلِيقُ بِمُسْلِمٍ يَرْجُو اللهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ.

 أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ انْتِشَارِ هَذِهِ الْمُعَامَلاتِ الْمُحَرَّمَةِ وَالْأَفْعَالِ الْمُخَالِفَةِ لِلشَّرْعِ قِلَّةَ الْإِيمَانِ، وَقِلَّةَ مُرَاقَبَةِ الرَّحْمَن، وَالْأَمْنَ مِنْ عُقُوبَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَنْ أَخْذِهِ، وَهَذَا خَطَرٌ عَظِيمٌ.

وَمِنَ الْأَسْبَابِ تَقْلِيدُ النَّاسِ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ، وَتَهْوِينُ الْمُخَالَفَاتِ وَأَنَّ فِي المسأَلةِ خِلافاً أَوْ أَنَّ هَذَا ضَرُورَةٌ أَوْ لِلْمَصْلَحَةِ, وَلِذَلِكَ انْتَشَرَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُخَالَفَاتِ التِي بَعْضُهَا شَابَ عَلَيْهَا الصَّغِيرُ وَهَرِمَ عَلَيْهَا الْكَبِيرُ.

فَمِنْ ذَلِكَ: الْغِشُّ, سَوَاءٌ فِي الْبَيْعِ أَوِ الدِّرَاسَةِ وَالامْتِحَاناَتِ أَوِ السِّلَعِ النَّاقِصَةِ أَوْ غَيْرِ الْأَصْلِيَّةِ أَوْ غَيْرِهَا, وَكُلُّ ذَلِكَ حَرَامٌ بَلْ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (مَنْ غَشَّ فَلَيْسَ مِنِّي) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

 فَاعْلَمْ يَا مُسْلِمُ أَنَّكَ إِذَا غَشَشْتَ وَلَوْ كَانَ غِشًّا يَسِيرًا فَقَدْ تَبَرَّأَ مِنْكَ خَيْرُ الْأَنَامِ مُحَمَّدٌ عَلْيِه أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ، فَمَنِ الْغِشِّ – وَنَحْنُ مُقْبِلُونَ عَلَى الامْتَحَانَاتِ – الْغِشُّ فِي الامْتِحَانَاتِ، وَحَدَّثْ وَلا حَرَجَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمَدَارِسِ عِنْدَمَا كَانُوا فِي الْمَدَارِسِ، فَكَيْفَ وَهُمْ وَالآنِ فِي الْبُيُوتِ، وَقَدْ بَلَغَنَا – وَاللهِ - مِنْ بَعْضِ الْمُدَرِّسِينَ الْخُصُوصِيِّينَ أَنَّهُمْ يُسْتَأْجَرُونَ أَيَّامَ الامْتِحَانَاتِ فَيَأْتِي عِنْدَ الْمَنَصَّةِ وَيَحُلُّ بَدَلَ الطَّالِبِ, وَنَقُولُ: هَذَا حَرَامٌ حَرَامٌ حَرَامٌ، اتَّقُوا اللهَ فِي أَنْفُسُكِمْ وَفِي أَوْلادِكُمْ.

وَمِنَ الْغِشِّ: الْغَشِّ فِي الْبُيُوعِ، وَلَهُ صُوَرٌ عَنْ حَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ, عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا، فَإِنْ صَدَقَا وَبَيَّنَا بُورِكَ لَهُمَا فِي بَيْعِهِمَا، وَإِنْ كَذَبَا وَكَتَمَا مُحِقَ بَرَكَةُ بَيْعِهِمَا) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

 وَمِنَ الْغِشِّ فيِ الْخُضَارِ وَفِي التُّمُورِ : أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ الْجَيِّدَ فَوْقَ البِضَاعَةِ وَالسَّيِّءَ تَحْتَهَا, وَرُبَّمَا عَلَّلَ بِأَنَّهُ اشْتَرَاهُ هَكَذَا, أَوْ هَذَا تَوْجِيهٌ لِلْبِضَاعَةِ, وَكُلُّ ذَلِكَ غِشٌّ.

وَمِنَ الْغِشِّ : الْغِشُّ فِي تَلْبِينِ الْأَعْلَافِ, فَيُنْقِصُونَهُ عَنِ الْحَجْمِ الْمُعْتَادِ، وَهَذَا حَرَامٌ وَلَوْ يَسِيرًا، فَلا بُدَّ أَنْ تُبَيِّنَ تَمَامًا: هَذِهِ اللِّبْنَةُ مِقْدَارُهَا كَذَا وَهَذِهِ مِقْدَارُهَا كَذَا ، وَمِنَ الْغِشِّ فِي الْأَعْلَافِ كَذَلِكَ: أَنْ يَكُونَ الذِي بِدَاخِلِ لِبْنَةِ الْعَلَفِ غَيْرَ جَيِّدٍ، كَأَنْ يَكُونَ رَطْبًا لَمْ يَنْشَفْ أَوْ دَاخِلَهُ حَشَائِشُ رَدِيئَةٌ, أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ, وَكُلُّ ذَلِكَ مِنَ الْغِشِّ وَمِنْ أَكْلِ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ, وَمَا أَسْرَعَ أَنْ تُصِيبَ مِثْلَ هَذَا دَعْوَةُ الْمَظْلُومِ, فَيَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ الْغَمَامِ وَتُفْتَحُ لَهَا أَبْوَابُ السَّمَاءِ وَيَقُولُ الرَّبُّ: وَعِزَّتِي لَأَنْصُرَنَّكِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ.

وَلَمَّا بَعَثَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُعَاذَ بْنَ جَبَلٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ إِلَى الْيَمَنِ قَالَ لَهُ بَعْدَ أَنْ أَوْصَاهُ عِدَّةَ وَصَايَا (وَاتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللهِ حِجَابٌ).

وَمِنَ الْمُعَامَلاتِ الْمُحَرَّمَةِ، الْمُعَامَلاتُ مَعَ الْعُمَّالِ أَوْ مِنَ الْعُمَّالِ أَيْضًا، فَالْعَامِلُ قَدْ يَغُشُّ وَقَدْ يُخِلُّ بِالْعَمَلِ، وَالْكَفِيلُ قَدْ يَظْلِمُ الْعَامِلَ.

فَمِنْ ذَلِكَ : مَنْ يَأْتِي بِالْعُمَّالِ بِعَقْدٍ ثُمَّ يُخِلُّ بِهِ، فَإِذَا وَصَلَ الْعَامِلُ بَعْدَ أَنِ اشْتَرَى الْفِيزَا وَأَتَى بِالتَّذَاكِرِ وَبَاعَ حَاجِيَاتِ أَهْلِهِ الضَّرُورِيَّةَ، ثُمَّ إِذَا جَاءَ قَالَ لَهُ : رَاتِبُكَ كَذَا أَوْ اذْهَبْ إِلَى السُّوقِ، أَوِ الإِقَامَةُ عَلَيْكَ وَالتَّأَمْينُ عَلَيْكَ ، وَتُعْطِينِي كُلَّ شَهْرٍ كَذَا وَإِلَّا أُبَلِّغُ عَنْكَ (هُرُوب) ، فَلا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، أَيْنَ هَذَا الظَّالِمُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ ؟ كَيْفَ تَظْلِمُ هَذَا العَاملَ الْمِسْكِينَ الضَّعِيفَ الذِي أَتَى يَبْحَثُ عَنْ رِزْقِ أَوْلادِهِ وَأُمِّهِ الْمِسْكِينَةِ وَزَوْجَتِهِ الضَّعِيفَةِ، ثُمَّ أَنْتَ تَضْغَطُ عَلَيْهِ هُنَا إِمَّا بِقُوَّتِكَ أَوْ بِقُوَّةِ النِّظَامِ أَوْ لِأَنَّ الْمِسْكِينَ مُحْتَاجٌ، أَمَا تَخْشَى أَنْ تَدُورَ الدَّوَائِرُ عَلَيْكَ حَتَّى تُذَلَّ أَنْتَ, كَمَا أَذْلَلْتَ هَذَا الْمِسْكِينَ.

وَمِنَ الْمُعَامَلاتِ الْمُحَرَّمَةِ : التَّلَاعُبُ بِشَرِكَاتِ التَّأْمِينِ، فَيَقُومُ صَاحِبُ سَيَّارَةٍ قَدْ أَمَّنَ عِنْدَ شَرِكَةٍ مُعَيَّنَةٍ، ثُمَّ يَعْمَدُ إِلَى سَيَّارَةٍ مِثْلَ سَيَّارَتِهِ تَمَامًا قَدْ حَصَلَ لَهَا حَادِثٌ وَتَلِفَتْ, فَيَأْخُذَ لَوْحَاتِ سَيَّارَتِهِ وَيَجْعَلُهَا عَلَيْهَا وَيُصَوِّرُهَا وَيَذْهَبُ لِلشَّرِكَةِ، وَيَقُولَ: أَنَا سَيَّارَتِي مَصْدُومَةٌ أَوِ انْقَلَبَتْ، فَيُعَوِّضُونَهُ، فَأَيْنَ يَذْهَبُ هَذَا الْمُتَحَايِلُ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ؟ أَيْنَ هُوَ مِنْ نَزْعِ الْبَرَكَةِ وَلَوْ بَعْدَ حِينٍ ؟ فَيَا مِسْكِينُ! قَدْ يَبْتَلِيكَ اللهُ بِأَمْرَاضٍ فِي بَدَنِكَ أَوْ بِظَالِمٍ يَأْخُذُ مَالَكَ أَوْ بِخَرَابٍ بَيْتْ أَوْ فَسَادِ الْأَوْلادِ أَوِ الزَّوْجَةِ أَوْ الْبَنَاتِ؛ لِأَنَّكَ غَشَّاشٌ وَلَمْ تَخَفْ رَبَّ الْعَالَمِينَ. أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ.

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

الْحَمْدُ للهِ الْبَرِّ الرَّحِيمِ, الْحَلِيمِ الْعَظِيم, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى النَّبِيِّ الْكَرِيم, وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ مِنَ الْمُعَامَلَاتِ الْمُحَرَّمَةِ : الْغِشَّ فِي السَّلَفِيَّاتِ، وَأَخْذِهَا بِدُونِ أَنْ يَبْنِيَ بَيْتًا حَقِيقِيًّا وَإِنَّمَا كَتَبَ بَيْتَ أَخِيهِ أَوْ صَدِيقِهِ بِاسْمِهِ, حَتَّى اسْتَوْفَي أَقْسَاطَ السَّلَفِيَّةِ ثُمَّ رَدَّهُ إِلَيْهِ.

وَمِنْهَا : التَّحَايُلُ عَلَى الضَّمَانِ، فَيَذْهَبُ هُوَ وَزَوْجَتُهُ وَيُطَلِّقَهَا فِي الْمَحْكَمَةِ صُورِيًّا، ثُمَّ يَذْهَبُ يَسْتَخْرِجُ لَهَا الْمُسَاعَداتِ التِي جَعَلَتْهَا الدَّوْلَةُ لِمِثْلِ هَؤُلاءِ، ثُمَّ يَأْكُلُهَا وَيُرْجِعُهَا مَرَّةً أُخْرَى، وَهَذَا تَلَاعُبٌ بِالطَّلَاقِ، وَتَلَاعُبٌ بِالْحَرَامِ، وَرُبَّمَا يُطِلُّقَهَا مَرَّتَيْنِ وَثَلاثًا وَيَبْقَى مَعَهَا، وَالطَّلَاقُ لا لَعِبَ فِيهِ، فَجَدُّهُ جَدٌّ وَهَزْلُهُ جَدٌّ, فَاتَّقُوا اللهَ عَزَّ وَجَلَّ.

وَمِنْ ذَلِكَ : الْإِخْلَالُ بِالدَّوَامِ دُخُولًا وَخُرُوجًا، حَتَّى مَعَ وُجُودِ نِظَامِ الْبَصْمَةِ، فَيَأْتِي هَذَا الْغَشَّاشُ الْمُتَلاعِبُ وَيُبَصِّمُ ثُمَّ يَخْرُجُ، ثُمَّ إِذَا جَاءَ وَقْتُ انْتِهَاءِ الدَّوَامِ جَاءَ وَبَصَمَ وَخَرَجَ، وَالْمُدِيرُ قَدْ يُغَطِّي عَلَيْهِ, وَبَعْضُ الْمُدَرَاءِ أَسْوَأُ مِنْ مُوَظَّفِيهِ, فَنَعُوذُ بِاللهِ من الخذلان.

وَاعْلَمْ أَنَّ رَاتِبَكَ يَدْخُلُهُ الْحَرَامُ بِقَدْرِ مَا أَخْلَلْتَ مِنَ الدَّوَامِ، وَتُطْعِمُ زَوْجَتَكَ وَعِيَالَكَ الْحَرَامَ. أَلَا فَلْنَخَفْ وَلْنَتَّقِ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ وَنَحْذَرُ عُقُوبَتَهُ.

هَذِه أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ أَمْثِلَةٌ لِمَا يَحْدُثُ مِنْ بَعْضِ النَّاسِ، وَالْخَيْرُ مَوْجُودٌ, وَلَكِنَّ الشَّرَّ أَيْضًا مَوْجُودٌ بَلْ كَثِيرٌ، وَإِلَى اللهِ الْمُشْتَكَى.

أَيُّهَا الْإِخْوَةُ فِي الله: اعْلَمُوا أَنَّنَا جَمِيعًا مَسْؤُولُونَ، عَنْ مَنْعِ الْغِشِّ وَمَنْعِ التَّزْوِيرِ وَمَنْعِ التَّلَاعُبِ، وَالدَّوْلَةُ لَيْسَ لَهَا أَيْدٍ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَلا عُيُونٌ فِي أَيِّ مَكَانٍ، وَمَعَ أَنَّهَا أَنْشَأَتْ هَيْئَاتٍ لِلْمُرَاقَبَةِ وَالْمُتَابَعَةِ، لَكِنَّهَا لا تَنْفَعُ إِلَّا إِذَا تَعَاوَنَ الْمُوَاطِنُونَ، وَكَذَلِكَ غَيْرُ الْمُوَاطِنِينَ مِنْ إِخْوَانِنَا الْمُقِيمِينَ، فَإِذَا رَأَيْتَ مَنْ يَغِشُّ أَوْ يُزَوِّرُ، فَعَلَيْكَ أَنْ تُبَلِّغَ الْجِهَاتِ الْمُخْتَصَّةِ، وَهُنَاكَ أَرْقَامٌ جَعَلَتْهَا الدَّوْلَةُ -وَفَّقَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ- لِمُتَابَعَةِ مِثْلِ هَؤُلاءِ، لِأَنَّ الذِي يَغِشُّ لَيْسَتْ مَسْأَلَةَ غِشِّهِ نَفْسٍ، وَإِنَّمَا يَغِشُّ نَفْسَهُ وَيَغِشُّ مُجْتَمَعَهُ.

وَخِتَامَا : فَإِنَّ دِينَنَا لَمْ يَأْمُرْ بِشَيْءٍ إِلَّا وَكَانَ فِيهِ الْخَيْرُ وَالنَّفْعُ وَالْفِائِدَةُ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا وَكَانَ فِيهِ الضُرُّ وَالشَّرُّ وَالتَّعَاسَةُ. فَنَسْأَلُ اللهِ أَنْ يُرِيَنَا الْحَقَّ حَقَّاً وَأَنْ يَرْزُقَنَا اتِّبَاعَهُ وَأَنْ يَرِيَنَا الْبَاطِلَ بَاطِلَاً وَأَنْ يَرْزُقَنَا اجْتِنَابَهُ وَلا يَجْعَلُهُ مُلْتَبِسَاً عَلَيْنَا فَنَضِلَّ, اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا, وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا التِي فِيهَا مَعَاشُنَا وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا التِي فِيهَا مَعَادُنَا ! اللَّهُمَّ أَصْلِحْ شَبَابَ الْمُسْلِمِينَ وَاهْدِهِمْ سُبُلَ السَّلامِ وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ للْهُدَى وَالرَّشَادِ, وَجَنِّبْهُمْ الْفِتَنَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَما بَطَنْ, اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي دُورِنَا وَأَصْلِحْ وُلَاةَ أُمُورِنَا ! اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِن الغَلَا وَالوَبَا وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَلازِلَ وَالفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن! وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ وَالْحَمْدِ للهِ رَبِّ العَالَمِينْ.

المشاهدات 844 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا