الأمانة فضائلها ومجالاتها للشيخ سعد الشهاوى
الدكتورسعد الشهاوى
1437/01/15 - 2015/10/28 21:18PM
[FONT="]الأمانة فضائلها ومجالاتها للشيخ سعد الشهاوى [/FONT][FONT="][/FONT]
الحمد لله خالق كل شيء، ورازق كل حي، أحاط بكل شيء علماً، وكل شيء عنده بأجل مسمى يعطى ويمنع ، ويخفض ويرفع ويضر وينفع ، لا مانع لما أعطى ولا معطى لما يمنع . يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل. يعلم الأسرار ، ويقبل الأعذار ، وكل شئ عنده بمقدار سبحانه كُلُّ شَيْءٍ خَاشِعٌ لَهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ قَائِمٌ بِهِ: غِنى كُلِّ فَقِيرٍ، وَعِزُّ كُلِّ ذَلِيلٍ، وَقُوَّةُ كُلِّ ضَعِيفٍ، وَمَفْزَعُ كُلِّ مَلْهُوفٍ، مَنْ تَكَلَّمَ سَمِعَ نُطْقَهُ، وَمَنْ سَكَتَ عَلِمَ سِرَّهُ، وَمَنْ عَاشَ فَعَلَيْهِ رِزْقُهُ، وَمَنْ مَاتَ فَإِلَيْهِ مُنْقَلَبُهُ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير
من للعباد غيره يدبر الأمر ومن يعدل المائل من يشفى المريض ومن يرعى الجنين فى بطون الحوامل من يحمى العباد وهم نيام وهل لحمايته بدائل من يرزق العباد ولولا حلمه لأكلوا من المذابل من ينصر المظلوم ولولا عدله لسووا بين القتيل والقاتل ومن يظهر الحق ولولا لطفه لحكم القضاة للباطل من يجيب المضطر اذا دعاه وغيره استعصت على قدرته المسائل من يكشف الكرب والغم ومن يفصل بين المشغول والشاغل من يشرح الصدور ولولا هداه لنعدم الكوامل من كسانا.من أطعمنا وسقانا..من كفانا وهدانا من خلق لنا الأبناء والحلائل من سخر لنا جوارحنا ومن طوع لنا الأعضاء والمفاصل من لنا إذا انقضى الشباب وتقطعت بنا الأسباب والوسائل هو الله,,,هو الله...هو الله الإله الحق وكل ما خلا الله باطل
يا أيها الماء المهين من الذي سواك ومن الذي في ظلمة الأحشاء قد والاكا
ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها نجاكا
ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بالعقل قد حلاكا
ومن الذي تعصي ويغفر دائما ومن الذي تنسى ولا ينساكا
)أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (
ومن الذي غذاك من نعمائه ومن الكروب جميعها نجاكا
ومن الذي شق العيون فأبصرت ومن الذي بالعقل قد حلاكا
ومن الذي تعصي ويغفر دائما ومن الذي تنسى ولا ينساكا
)أإله مع الله تعالى الله عما يشركون (
نوح الحمام على الغصون شجانى ورأى العذول صبابتي فبكاني
إن الحمام ينوح من ألم النوى وأنا أنوح مخافة الرحمن
يا من يجيب العبد قبل سؤاله ويجود للعاصين بالغفران
أنا إن بكيت فلن ألام على البكا فلطالما استغرقت في العصيان
أنا ﻻ أضام وفي رحابك عصمتى أنا ﻻ أخاف وفي حماك أماني
يا من إذا قلت يا موﻻي لباني يا واحدا في ملكه ما له ثاني
أعصاك تسترني أنساك تذكرني فكيف أنساك يامن لست تنساني
يا من إذا وقف المسيء ببابه ستر القبيح وجاد بالإحسان
وأنا المسيء وقد عرفتك سيدي تعفو وتصفح للعبيد الجاني
أمسيت ضيف الله في دار الرضا وعلى الكريم كرامة الضيفان
تعفو الملوك عن النزيل بساحهم كيف النزيل بساحة الرحمن
يارب عبدك من عذابك مشفق بك مستجير من لظى النيران
فارحم تضرعه إليك وحزنه وامنن عليه اليوم بالغفران
يارب وفقني ﻷن أعيش موحدا ومهللا أدعوك بالقرآن
يارب أوردنا لحوض المصطفى نسقى هنيئا من يد العدنان
صلى عليك الله يا علم الهدى ما ناح قمري على الأغصان
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على نبينا وسيدنا وقدوتنا وحبيبنا سيدنا محمد بن عبد الله، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين: أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعلي وعن أهل بدر والعقبة، وسائر الصحابة والتابعين، ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
يا أيها الراجون خير شفاعةٍ من أحمدٍ صلُّوا عليه وسلِّموا
صلَّى وسلَّم ذو الجلال عليه ما لبَّى مُلبٍّ أو تحلَّل مُحرِمُ
أما بعد سوف نتحدث إن شاء الله تعالى مع حضراتكم فى هذه العناصر المعدوة
لماذا نتحدث عن الأمانة
الأمانة فى القران
الترغيب في أداء الأمانة وبيان ما في ذلك من فضلٍ
معنى الأمانة ومجالاتها
جزاء من خان الأمانة
أولا :- لماذا نتحدث عن الأمانة
أحبَّتي في الله...إنَّ هذا الموضوع من الأهميَّة بمكان، خُصوصًا في هذا الزمان.عندما نرى كثيراً من أُمورِ الدينِ قد فُقِدتْ، ثم نسمعُ قولَه صلى الله عليه وسلم: "أَوَّلُ مَا تَفْقِدُونَ مِنْ دِينِكُمْ: الْأَمَانَةُ".نعلمُ أننا إذا تكلَّمنا عن الأمانةِ، فإننا سنتكلّمُ عن أمرٍ هو كَالشَّعْرَةِ الْبَيْضَاءِ فِي جِلْدِ الثَّوْرِ الْأَسْوَدِ، ولا نعلمُ هل بلغَ بنا الزمانُ الذي ذكره النبيُ -عليه الصلاة والسلام- حين ذكرَ رَفْعَ الأَمَانَةِ، فقالَ: " كما أخرج البخاري ومسلمٌ من حديث حُذيفة [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: ": ينامُ الرَّجلُ النومة فتُقبَضُ الأمانةُ من قلبه، الى أن قال عليه الصلاة والسلام- ، فيُصبحُ الناس يَتبايَعُون، فلا يَكادُ أحدهم يُؤدِّي الأمانة، فيُقالُ: إنَّ في بَني فُلانٍ رجلاً أمينًا، ويُقال للرجل: ما أعقَلَهُ، وما أظرَفَهُ، وما أجلدهُ! وما في قلبه مثقَالُ حبَّة خَردلٍ من إيمانٍ
نتكلمُ عن الأمانةِ؛ لأن الكلامَ عن الأمانةِ أمانةٌ أخذَها اللهُ -تعالى- على أهلِ العلمِ، وأصبحَ الحديثُ عن الأمانةِ ضرورةً في هذا الزمانِ. فعندما ترى الرجلَ قد عَلاهُ الغمُّ، وأنَقَضَ ظهرَه الهمُّ، قد طَأْطَأَ رأسَه، وتلعثمَ لسانُه، يطلبُ قَرْضاً ليُفرِّجَ عن نفسِه الكُربةَ الشديدةَ، ويعيشَ حياةً سعيدةً، فتتذكرَ حديثَ: "مَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤْمِنٍ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ الدُّنْيا نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ القِيامَة".فتُعطِيه ما يَردُّ البسمةَ إلى وجهِه، ويُعيدُ الفرحةَ إلى أهلِه، ثُمَّ بعد ذلك ينسى لك ما فاتَ، ولا يُجيبُ على الاتصالاتِ، ولا تنفعُ الشفاعاتُ، وينسى أنه: "يُغْفَرُ لِلشَّهِيدِ كُلُّ ذَنْبٍ إِلاَّ الدَّيْنَ".وعندما ترى الموظفَ قد تساهلَ في عملِه، وفَرَّطَ في وظيفتِه، وعَطَّلَ مصالحَ المسلمينَ، وكأنَه لم يسمعْ دعاءَ نبيِ الرحمةِ، على من شقَّ على أبناءِ الأُمَّةِ: "اللَّهُمَّ مَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَشَقَّ عَلَيْهِمْ فَاشْقُقْ عَلَيْهِ، وَمَنْ وَلِيَ مِنْ أَمْرِ أُمَّتِى شَيْئًا فَرَفَقَ بِهِمْ فَارْفُقْ بِهِ".بل ويتجاوزُ هذا إلى تعقيدِ الأمورِ، واختلاقِ الأعذارِ لتأخيرِ المعاملاتِ، لينالَ بذلك من متاعِ الدنيا القليلِ، ويُعَرِّضَ نفسَه للطردِ والإبعادِ عن رحمةِ ربِّ العبادِ؛ كما جاءَ في الحديثِ: "لَعَنَ رَسُول اللَّه -صلى الله عليه وسلم- الرَّاشِيَ وَالْمُرْتَشِيَ".نحتاجُ للحديثِ عن الأمانةِ، إذا رأيتَ كثيراً من الناسِ، يلهثونَ خلفَ تحصيلِ المالِ، من حرامٍ كانَ أم من حلالٍ، أكلٌ لأموالِ الناسِ بالباطلِ، سِلعٌ مغشوشةٌ، مساهماتٌ كاذبةٌ، وعِصاباتٌ، يتحكمونَ بالأسهمِ والعقاراتِ، لوحاتٌ على محلاتٍ قد عَشَّشَ فيها العنكبوتُ، أسعار وهميةٌ، كَذِبٌ وخِداعٌ، كأننا في غابةٍ لا يعيشُ فيها إلا السِباعُ، تحايلٌ على النظامِ، ومخالفةٌ لتعاليمِ الإسلامِ.
عندما ترى المِلياراتِ، تُصرفُ في الميزانيات ، ثم تُقَلِّبُ بصرَك في الواقعِ المريرِ، فيَنْقَلِبُ إِلَيْكَ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ: فترى المواطنَ لا يجرؤ حتى أن يحلُمَ بمسكنٍ فسيحٍ، ومستشفى مُريحٍ، ومدارسَ متطوَّرةٍ، وطُرُقٍ واسعةٍ.أيُعقلُ أن يتحولَ المطرُ في بلادِنا إلى شِبهِ كارثةٍ؛ تغرقُ فيه الشوارعُ، وتتساقطُ معه الأَسقُفُ، ويظهرُ فيه عُوارُ المشاريعِ السقيمةِ، والصَفقاتِ الأثيمةِ، والنتائجِ الأليمةِ، و واللهِ إن التلاعبَ بأرواحِ البشرِ لجريمةٌ؟. هل مستوى التعليمِ يَصلُ إلى تَّطَلُّعاتِنا؟
أين برامجُ تعزيزِ التربيةِ وتنميةِ الأخلاقِ في مدارسِنا؟لماذا أصبحنا فى المنزلة قبل الأخيرة فى التعليم على مستوى العالمرغم كثرة ما ينفق على التعليم من مليارات ؟لماذا طغت الدروس الخصوصية على بيوتنا وأثقلت كواهلنا وطغت على مجتمعاتنا ؟
الأمانة فى القران
من خلال تتبعنا للآيات الواردة فى القران الكريم عن «الأمانة»نرى أنها وردت على معان عدة منها
أولا: ما يؤتمن عليه الإنسان من ودائع ونحوها: ومن ذلك قوله تعالى(وَإِنْ كُنْتُمْ عَلى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كاتِباً فَرِهانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلا تَكْتُمُوا الشَّهادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْها فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (283) « البقرة: 283 مدنية »
و قوله تعالى (وَمِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلَّا ما دُمْتَ عَلَيْهِ قائِماً ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قالُوا لَيْسَ عَلَيْنا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (75) « آل عمران: 75 مدنية »
ثانيا: ما يؤتمن عليه الإنسان من الفرائض والتكاليف:ومن ذلك قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَماناتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ (27) وَاعْلَمُوا أَنَّما أَمْوالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (28) « الأنفال: 27- 28 مدنية »
و قوله تعالى ( إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولًا (72)لِيُعَذِّبَ اللَّهُ الْمُنافِقِينَ وَالْمُنافِقاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكاتِ وَيَتُوبَ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً (73) « الأحزاب: 72- 73 مدنية »
ثالثا: ما يؤتمن عليه الإنسان من الأعراض (العفة والصيانة):ومن ذلك قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ ماءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأَتَيْنِ تَذُودانِ قالَ ما خَطْبُكُما قالَتا لا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعاءُ وَأَبُونا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقى لَهُما ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقالَ رَبِّ إِنِّي لِما أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا فَلَمَّا جاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قالَتْ إِحْداهُما يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) « القصص: 20- 26 مكية »
رابعا: ما يؤتمن عليه الملائكة والرسل في التبليغ عن المولى- عز وجل-: قال - جلَّ وعلا - عن جبريل [FONT="][FONT="]u[/FONT][/FONT] أمينِ الوحي الذي ينزلُ بالوحي على أنبيائه: ﴿ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ ﴾ [الشعراء: 193].قال ابن كثير في "تفسيره" (3/336): هو جبريل- عليه السّلام- أمين الوحي، وقد وصفه اللّه بذلك في قوله- وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (الشعراء/ 192- 194).
لقد جاء جميعُ الرسل وأخبروا قومَهم بأمانَتِهم في تبليغ الرسالة إليهم:فالأمانة من أبرز أخلاق الرسل والأنبياء - عليهم أفضل الصلاة والسلام - فهذا نوحٌ وهودٌ وصالح ولوطٌ وشعيب .. كل واحدٍ منهم قد قال لقومه : إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ (سورة الشعراء الآيات 107 – 143- 125-162- 178 )
• وقال نبيُّ الله موسى عليه أفضل الصلاة والسلام لقومه: ﴿ أَنْ أَدُّوا إِلَيَّ عِبَادَ اللَّهِ إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ ﴾ [الدخان: 18].
وأمانة موسى وقوته هي التي دفعت إحدى ابنتي شعيب إلى استئجاره لرعي أغنامهم,{قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ}( القصص: 26)
ويوسف الصديق- عليه السلام -لم يرشح نفسه لإدارة شئون المال بنبوته وتقواه فحسب، بل بحفظه وعلمه وأمانته أيضاً، قال تعالى: { وَقالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي فَلَمَّا كَلَّمَهُ قالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنا مَكِينٌ أَمِينٌ (54)قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ (55) }(يوسف:54-55)
ورسولنا - صلى الله عليه وسلم - ما كان يُعْرَف في قومه قبلَ البعثة إلا بالصادق الأمين وهل كان النبيُّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] لا يمتلكُ إلا هاتين الصِّفتين؟ لابل كان النبيُّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] يجمعُ كلَّ الصفات الحسنة، ولكن لَمَّا كانت صفة الصِّدق وصفة الأمانة من أعظم الصِّفات البارزة فيه؛ لُقِّبَ النبيُّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] بالصادق الأمين، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- موضع ثقة عند أهل مكة جميعًا، وكان الناس يَختارُونه لحفْظ وَدائعهم، فكان كل من يملك شيئًا يخاف عليه من الضياع يودعه أمانة عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وكان عند الحبيب أمانات وودائع حتى لمن لم يؤمن به لمشركي أهل مكة، كان المشركون مع كفرهم بالله لا يستأمنون أحداً في مكة إلا الصادق الأمين الوفي الكريم، كانوا به كافرين، وكانوا في أمانته واثقين وكان النبي يحافظ على هذه الأمانة ويردها إلى صاحبها كاملة غير منقوصة حين يطلبها وعندما اشتد أذى المشركين له [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]أُذِن له بالهجرة من "مكة" إلى "المدينة"، وكان عند النبي أمانات كثيرة لهؤلاء الكفار الذين كانوا يدبرون له مؤامرة لقتله، فلم يهاجر النبي -صلى الله عليه وسلم- إلا بعد أن كلف ابن عمه عليَّ بن أبى طالب -رضي الله عنه- بردّ كل تلك الأمانات إلى أهلها، فقام علي -رضي الله عنه- بتلك المهمة على خير وجه.
وظل المشركون يشهدون بأمانته صلى الله عليه وسلم فهذا أبو سفيان فيل إسلامه يتحدث مع هرقل كما جاء عن عبد اللّه بن عبّاس- رضي اللّه عنهما- قال: «أخبرني أبو سفيان أنّ هرقل قال له:سألتك ماذا يأمركم فزعمت أنّه يأمر بالصّلاة والصّدق والعفاف والوفاء بالعهد وأداء الأمانة. قال: وهذه صفة نبيّ»)* « البخاري- الفتح 1 (6)، ومسلم (1773).».
ولم تكن أمانته صلى الله عليه وسلم له وحده بل كان يأمر الناس بها أخرج الإمام أحمدُ عن أمِّ سلمة - رضِي الله عنها - في حديث هجرة الحبَشة، ومن كلام جعفَرٍ في مُخاطَبة النجاشيِّ، فقال له: "أيُّها الملك، كُنَّا قومًا أهلَ جاهليَّة، نعبُد الأصنام، ونأكُل الميتَة، ونأتي الفواحِشَ، ونقطعُ الأرحام، ونُسِيءُ الجوار، يأكُل القويُّ منَّا الضعيف، فكُنَّا على ذلك حتى بعَث الله إلينا رسولاً منَّا، نعرفُ نسَبَهُ وصِدْقَهُ وأمانتَه وعَفافَه، فدعانا إلى الله، لنُوحِّدَهُ ونعبُدَه، ونخلع ما كُنَّا نعبدُ نحن وآباؤنا من دُونه من الحجارة والأوثان، وأمرَنا بصِدق الحديث وأداء الأمانة وصِلة الرَّحِم وحُسن الجوار، والكفِّ عن المَحارِم والدِّماء، ونَهانا عن الفَواحش، وقول الزُّور، وأكْل مال اليتيم، وقذْف المحصَنة، وأمَرَنا أنْ نعبُدَ الله وحدَه لا نشرك به شيئًا، وأمَرَنا بالصلاة والزَّكاةِ والصِّيامِ، قال: فعدَّد عليه أمُورَ الإسلام، فصَدَّقناهُ وآمَنَّا، واتَّبعناهُ على ما جَاءَ به..." الحديث. « أحمد (1/ 202) وقال المحقق الشيخ أحمد شاكر (3/ 180): إسناده صحيح، وهو في سيرة ابن هشام (217- 221) عن ابن إسحاق. والحديث بطوله في مجمع الزوائد (6/ 24- 27) وقال: رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح غير ابن إسحاق وقد صرح بالسماع.».
وكان [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] يقولُ عن نفسه: "أمَا والله إنِّي لأمينٌ في السَّماء وأمينٌ في الأرض" (الطبراني في "الكبير": 1/231)، (وهو في "صحيح الجامع": 1327) وعند البخاري بلفظ: "ألا تأمَنُوني وأنا أمينُ مَن في السماءِ، يأتيني خبرُ السماء صباحًا ومساءً؟ "
وأخرج الترمذيُّ والنسائيُّ ـ: عن عائشة - رضِي الله عنها - قالت: "كان على رسولِ الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] ثَوْبانِ قطريَّانِ غَلِيظانِ، فكـان إذا قعَد فعرقَ، ثَقُلا عليه، فقَدِم بَزٌّ (البَزُّ: الثِّياب. وقيل: ضربٌ من الثِّياب، انظر: "لسان العرب"، (بزز).) من الشام لفلانٍ اليهوديِّ، فقلت: لو بَعَثْتَ إليه فاشتريت منه ثوبين إلى الميسرةِ، فأرسل إليه فقال: قد علمْتُ ما يريد، إنما يريدُ أنْ يذهب بمالي أو بدَراهمي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كَذَبَ؛ قد عَلِمَ أنِّي من أتقاهُم لله وآداهُمْ للأمانَِة" « الترمذي 3 (1213) وقال: حديث حسن غريب صحيح، والنسائي 7/ 294)، البيوع: باب البيع إلى أجل معلوم، وقال محقق «جامع الأصول» (10/ 660): إسناده صحيح. صحَّحه الألباني في "صحيح سنن الترمذي")».
الترغيب في أداء الأمانة وبيان ما في ذلك من فضلٍ
1- الأمانة سببٌ لمحبَّة الله ورسوله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: أخرج البيهقي في "شعب الإيمان" عن رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال: "مَن سَرَّهُ أن يُحِبَّهُ الله ورسوله فليَصْدُق حَدِيثَهُ إذا حدَّث، وليُؤَدِّ أمانَتَه إذا اؤتُمِن" (حسَّنه الألباني في "تحقيق المشكاة": 4990)
2- الأمين كالغازي في سبيل الله: أخرج الإمام أحمدُ وأبو داود عن رافع بن خَدِيجٍ [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]:
"العامِلُ على الصدَقة بالحقِّ كالغازي في سبيل الله حتى يرجعَ إلى بيتهِ" ("صحيح الجامع": 4117 )
3- وبيَّن الرسولُ الأمين [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] أنَّ الخازن الأمين هو أحد المتصدِّقين:أخرج البخاري ومسلمٌ عن أبي مُوسى الأشعري [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "الخازنُ الأمين الذي يُؤَدِّي ما أُمِرَ به طيِّبَةً نفسُهُ أحَدُ المتصدِّقين".
وفيهما أيضًا قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "الخازن المسلم الأمينُ الذي يُعْطِي ما أُمِرَ به كاملاً مُوفَّرًا طيِّبَة به نفسُه فيدفعُهُ إلى الذي أُمِرَ لَهُ به، أحدُ المُتصدِّقين".
4- الأمانة سبب البركة والنماء:فقد أخرج البخاري ومسلمٌ أنَّ النبيَّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال: "البيِّعان بالخِيار ما لم يتفرَّقا، فإنْ صَدَقَا وبيَّنا بُورِكَ لهما في بيعهما، وإنْ كتَما وكذَبا مُحِقتْ بركةُ بيعهما".
- فإذا ذهبت الأمانة وكانت الخيانة فقد ذهَبت البركة؛ فقد أخرج أبو داود بسندٍ ضعيف أنَّ النبيَّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال: قال الله تعالى: "أنا ثالثُ الشريكين ما لم يخنْ أحدهما صاحبَه، فإذا خانَه خرجتُ من بينهما".
5- الأمانة سبب للرزق والسعادة في الدنيا:عن نافعٍ مولى ابنِ عمر [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: "خرج عبد الله بن عمر - رضِي الله عنهما - في بعض نواحي المدينة، ومعه أصحابٌ لهُ، ووضَعُوا السفرة لَهُ، فمَرَّ بهم راعي غنمٍ، فسلَّم، فقال ابن عمر: هَلُمَّ يا راعٍ فأصِبْ من هذه السفرة، فقال له: إنِّي صائم، فقال ابن عمر: أتصومُ في مثل هذا اليوم الحارِّ الشديد سمومُه وأنت في هذه الحال ترعى الغنم؟! فقال: والله إنِّي أبادر أيامي الخالية، فقال لهُ ابن عمر وهو يريد أنْ يختبر ورعه - وأمانته -: فهل لك أنْ تبيعنا شاةً من غنمك هذه فنُعطِيَك ثمنها ونُعطِيَك من لحمِها ما تفطر عليه؟ قال: إنها ليست لي بغنمٍ، إنها غنمُ سيدي، فقال له ابنُ عمر: فما يفعلُ سيدك إذا فقَدَها؟ فولَّى الراعي عنه، وهو يرفعُ أصبعَه إلى السَّماء، وهو يقول: فأين الله؟ قال: فجعل ابن عمر يُردِّدُ قولَ الراعي، يقول: قال الراعي: أين الله؟ قال: فلمَّا قدم المدينة بعَث إلى مولاه، فاشترى منه الغنم والراعي، فأعتَقَ الراعي ووهَبَ له الغنم " ("أسد الغابة"؛ لابن الأثير (3/341)
6- الأمانة سببٌ لحِفظ الأهل والمال:قال الخضرُ لموسى [FONT="][FONT="]u[/FONT][/FONT] مُبيِّنًا سبب بنائه للجدار: ﴿ وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا ﴾ [الكهف: 82].
وكان سعيد بن جبير يقول في قوله تعالى: ﴿ وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا ﴾: "كان يُؤدِّي الأمانات والودائع إلى أهلها، فحَفِظَ الله تعالى له كنزَه، حتى أدرَكَ ولداه، فاستخرجا كنزهما" ("حلية الأولياء" (4/287).
- وقد سأل بعضُ خُلَفاء بني العبَّاس بعضَ العلمَاء أنْ يُحدِّثه عمَّن أدرَكَ، فقال: "أدرَكتُ عمر بن عبد العزيز، قيل له: يا أمير المؤمنين، أقفرَتْ أفواه بنيك من هذا المال، وتركتهم فقراء لا شيءَ لهم! - وكان في مرض موته - فقال: أدخِلُوهم عليَّ، فأدخَلوهم، وهم بضعة عشر ذكرًا، ليس فيهم بالغٌ، فلمَّا رآهم ذرفت عيناه، ثم قال: يا بنيَّ، والله ما منعتُكم حقًّا هو لكم، ولم أكن بالذي آخُذ أموالَ الناس فأدفعها إليكم، وإنما أنتم أحد رجلين: إمَّا صالح؛ فالله يتولَّى الصالحين، وإمَّا غير صالح؛ فلا أخلف لَهُ ما يستعينُ به على معصية الله تعالى، قُوموا عنِّي، قال: فلقد رأيت بعض بنيه حمل على مائة فرس في سبيل الله؛ يعني: أعطاها لِمَن يغزو. ("مجموع الفتاوى" (28/219).
7 - الأمانة دليلٌ على إيمان العبد:فقد أثنَى الله [FONT="][FONT="]U[/FONT][/FONT] في أكثر من آيةٍ على رعاية المؤمنين للأمانة، وفي هذا إعلاءٌ لشَأنها، من هذا الثَّناء قولُه تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]، فجعَلَها صفةً بارزةً للمؤمنين.
• قال ابن كثيرٍ - رحمه الله - في تفسيره لهذه الآية: "إنَّ المؤمنين إذا اؤتمنوا لم يخونوا، بل يؤدُّونها إلى أهلها، وإذا عاهَدُوا أو عاقَدُوا أَوْفوا بذلك".وجمَع الله الأمانات باعتبار تَعدُّد أنواعها وتعدُّدِ القائمين بحِفظها؛ وذلك تنصيصٌ على العُموم، والحِكمة في جمْع الله تعالى الأمانةَ دُون العهد - والله أعلم - أنَّ الأمانة أعمُّ من العهد؛ ولذا فكُلُّ عهدٍ أمانةٌ" ("فتح القدير"؛ للشوكاني :3/646).
والأمانة متلازمة مع الإيمان فإذا فقد أحدهما فقد الآخر ولذلك ربط النبي عليه الصلاة والسلام الأمانة بالإيمان كما جاء في الحديث الصحيح فقد أخرج الإمام أحمدُ وابن حبان عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَا خَطَبَنَا نَبِيُّ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ )) [و(لا) كما تعلمون نافية للجنس، أي تنفي جنس الإيمان عن الذي لا أمانة له، تنفي عنه أصل الإيمان، خرج من الإيمان كله..
عن أبي هريرة- رضي اللّه عنه- قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: « المسلمُ مَن سَلِمَ المسلمون من لسانه ويده والمؤمن مَن أَمِنَه على دمائهم وأموالهم»)* « الترمذي 5 (2627) وقال: هذا حديث حسن صحيح، النسائي (8/ 104، 105)، وقال محقق جامع الأصول (1/ 240): إسناده قوي وأخرجه ابن حبان في صحيحه رقم (26) وأورد من حديث أنس بلفظ نحوه ».
وأخرج ابن ماجه وأحمد وابن حبَّان عن فضالة بن عُبَيْدٍ قال: قال [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]:"المؤمنُ مَن أَمِنَهُ الناس على أموالهم وأنفسهم، والمهاجر مَن هَجَر الخطايا والذُّنوب" ("صحيح الجامع": 6658)
لذلك قالَ عمرُ -رضي الله عنه-: "لا تغرُّني صلاةَ امرئ ولا صومَه، مَن شاءَ صامَ، ومَن شاءَ صلى، لا دينَ لمن لا أمانةَ له".
وكان عُروة بن الزبير - رضِي الله عنهما - يقول: ما نقصَتْ أمانةُ الرجل إلا نقَص إيمانُه.
وبهذا تعلمُ أخي الحبيب أنَّ المؤمن صادقَ الإيمان لا يُتصوَّر منه خِيانةٌ، وهذا ما أخبر به النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] فقد أخرج البيهقيُّ في "سننه" وأبو يَعلى في "مسنده" عن سعد بن أبي وقاصٍ [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] أنَّ النبيَّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال: "يُطبَعُ المؤمِنُ على كُلِّ خلَّةٍ غيرَ الخيانة والكذب" (قال الحافظ: سنده قوي (10/508)
8- الأمانة سببٌ للنجاة والمرور على الصراط: فلعِظَمِ الأمانة والرَّحِمِ فإنَّ النبيَّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] أخبر أنَّ الأمانة والرَّحِمَ تَقُومان يومَ القيامة على جنبتي الصراط عندما يمرُّ الناس على الصراط الذي وُضِعَ فوق جهنَّم يا له من موقفٍ عصيبٍ! فكلُّ مَن ضيَّع الأمانة وقطع الأرحام فلن يثبت على الصراط، أمَّا مَن وصَل رحمَه وأدَّى الأمانة فسيثبت - إنْ شاء الله - على الصراط، ويمرُّ إلى جنَّة الخلد حيث النعيم المقيم، يتمتَّع فيها بلذَّة النَّظر إلى وجه الله الكريم.
أخرج الإمام مسلمٌ عن حُذيفةَ [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "يجمعُ الله - تبارك وتعالى - الناس، فيقوم المؤمنون حتَّى تُزْلَفَ (تُزْلف: تُقرَّب) لهم الجنَّةُ، فيأتون آدم فيقولون: يا أبانا، استفْتحْ لنا الجنَّة، فيقول: وهل أخرجكم من الجنَّة إلاَّ خطيئةُ أبيكم آدم، لستُ بصاحِبِ ذلك، اذهَبُوا إلى ابني إبراهيم خليل الله، قال: فيقول إبراهيمُ: لستُ بصاحب ذلك، إنما كُنت خليلاً من وراءَ وراءَ (وراءَ وراءَ: كلمة مُؤكِّدة؛ كشذر مذر، وشغر مغر، فرَكَّبَها وبَناهما على الفتح.)، اعمدوا إلى موسى [FONT="][FONT="]u[/FONT][/FONT] الذي كلَّمَهُ الله تكليمًا، فيأتون موسى [FONT="][FONT="]u[/FONT][/FONT] فيقول: لستُ بصاحبِ ذلك، اذهبوا إلى عيسى كلمة الله وروحِهِ، فيقول عيسى [FONT="][FONT="]u[/FONT][/FONT]: لستُ بصاحبِ ذلك، فيأتون محمَّدًا [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] فيقوم فيُؤذَن له، وتُرسَل الأمانَةُ والرحمُ فتقومان جنبتي الصِّراطِ يمينًا وشمَالاً، فيمُرُّ أولكم كالبرقِ، قال: قلت: بأبي أنت وأمي أي شيءٍ كمرِّ البرقِ؟ قال: ألم تروا إلى البرق كيف يمُرُّ ويرجعُ في طرفِة عينٍ؟ ثمَّ كمرِّ الرِّيحٍ، ثمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وشدِّ الرِّحالِِ(شد الرِّحال: الشدُّ هو العدو البالغ الجرْي.) تَجْري بهم أعمَالهم(تجري بهم أعمالُهم: هو تفسيرٌ لقوله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "فيمرُّ أوَّلكم كالبرق، ثم كمَرِّ الرِّيح")، ونبيُّكم قائمٌ على الصِّراطِ يقول: ربِّ سلِّمْ سلِّمْ، حتى تعجزَ أعمَالُ العبادِ حتى يَجِيءَ الرَّجُلُ فلا يستطيع السير إلاَّ زحفًا، قال: وفي حافتي الصِّرَاط كلالِيبُ معلَّقةٌ مأمورةٌ بأخْذ مَن أُمرتْ به؛ فمخْدُوشٌ ناجٍ، ومكْدُوسٌ في النَّار (مكدوس في النار؛ أي: مدفوعٌ فيها) ".
9- أداء الأمانة سببٌ لدُخول الجنَّة: أخرج الإمام أحمد وابن حبان والحاكم عن عبادة بن الصامت [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "اضمَنُوا لي سِتًّا من أنفسِكُم أضمنْ لكم الجنَّة؛ اصدقُوا إذا حدَّثُتم، وأوفوا إذا وعدتم، وأدُّوا إذا اؤتمنتُم، واحفَظُوا فُروجكم، وغضُّوا أبصاركم، وكفُّوا أيديكُمْ"("الصحيحة": 1470، "صحيح الجامع": 1018)
وأخيرًا أخي الحبيب، لا عليك ما فاتَك من الدُّنيا إنْ كنت أمينًا:روى أحمد والحاكم عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "أربعٌ إذا كُنَّ فيك فلا عليك ما فاتَك من الدنيا: صِدْقُ الحديث، وحِفْظُ الأمانِة، وحُسن الخُلُقِ، وعِفَّةُ مَطْعَم" ("الصحيحة": 733، "صحيح الجامع" 873)
ويقول عبد الله بن عمرو بن العاص - رضِي الله عنهما -:"أربعُ خِلالٍ إذا أُعطيتَهُنَّ فلا يَضُرُّك ما عُزل عنك من الدُّنيا: حُسْنُ خَلِيقةٍ، وعَفافُ طُعمة، وصِدْق حديثٍ، وحِفظ أمانة" ("الأدب المفرد" صـ109)
معنى الأمانة ومجالاتها
أيها الإخوة الكرام: معنى الأمانة واسع وهناك آية في كتاب الله، تبين ذلك حيث وضحت أن الأمانة تدور مع الإنسان حيثما تحرك في بيته وفي عمله، في إقامته وفي سفره، فينبغي أن نعلم بادئ ذي بدئ أن مفهوم الأمانة في القرآن الكريم أوسع بكثير مما يتوهم بعض الناس، ليس أن تضع مبلغاً عند إنسان فإذا طالبته به أداه إليك بالتمام والكمال، هذا بعض مفهوم الأمانة، لكن مفهوم الأمانة أوسع من هذا بكثير.
يقول الله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً ﴾سورة النساء آية58 فأول شيء يلفت النظر في هذه الآية، أن الأمانة جاءت جمعاً.﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ﴾
أيها الإخوة الأحباب: لو سألنا كل الحاضرين ما هي الأمانة؟ لأجاب الجميع أنها رد الودائع والأمانات إلى أصحابها، وهذا فهم قاصر لمعنى الأمانة، فالأمانة ليست كما يعتقده كثير من الناس أنها تتعلق بالودائع وحفظ الأمتعة والأموال لحين عودة صاحبها ثم يردها له أو ينكرها، لكن الأمانة أشمل من ذلك وأعظم منه بكثير، فالدين الذي منَّ الله به عليكم أمانة في أعناقكم، جسدك أمانة، أبناؤك أمانة، زوجتك أمانة، مالك أمانة، وظيفتك وعملك أمانة، وطنك أمانة،كل ما يتعلق بك أمانة.
الصلاة والصيام والزكاة والحج وغيرها من شعائر الدين أمانة، من فرط في شيء منها أو أخل به فهو مفرط فيما ائتمنه عليه ربه تبارك وتعالى، البصر أمانة، والسمع أمانة، واليد أمانة، والرجل أمانة، واللسان أمانة، والفرج والبطن وغير ذلك أمانة عندك، فلا تأتي الحرام من قبل ذلك، وإلا أصبحت مفرطاً فيما ائتمنت عليه، واحذر أن تكون هذه الجوارح شاهدة عليك يوم القيامة إن فرطت فيها، يقول الحق تبارك وتعالى:{يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ (النور: 24).
وكل إنسان مؤتمن فيما بينه وبين ربه على هذه الحقوق التي لا يطلع عليها إلا رب العباد، فلا أحد يراقبك سوى ربك الذي ائتمنك على هذه العبادات: ووكّل كل ذلك إلى قلبك ومعتقدك، ولا يطّلع عليه أحد سوى الله ـ تعالى ـ فالناس لا يعرفون عنك شىء، ولكنك تعرف من نفسك أن ربك لا يخفى عليه شيء.
* فلو صليت بلا وضوء لم يشعر بك أحد من الناس، لكن الله هو الذي يشعر بك، فالوضوء هو الطهارة، وهو أمانة بينك وبين ربك.
* ولو صففت في الصلاة، وأخذت تنحني مع الناس وترفع، وأنت لا تسبح، ولا تقرأ، ولا تذكر، ولا تأتي بشيء من واجبات الصلاة السرية ولا أركانها؛ فإن الناس لا يدرون عنك، ولكن الله يدري، فهذه الأذكار التي في الصلاة أمانة بينك وبين ربك.
* ولو أكلت في رمضان سرًّا، لم يشعر بك أحد؛ لأن الناس لا يراقبونك في كل حال، ولكن الله -تعالى- هو الذي يطلع عليك، فهذا الصيام أمانة بينك وبين ربك.
* ولو بخست الحقوق الواجبة لله من الزكاة ونحوها، ولم تؤدِّ زكاة المال السرية، لم يطّلع عليك إلا ربك، فالناس ليس لهم إلا الظاهر، فهذه أمانة مالية بينك وبين ربك.
* وكذلك لو خلوت بالمعاصي والذنوب، لم يطلع عليك إلا ربك.
* ولو أكلت الحقوق المالية للناس مثلًا لم يطلع عليك أحد من الناس.
* ولو أضمرت في نفسك أي شيء من الشك، أو من الشرك، أو من الكفر، أو من الوسوسة، لكان ذلك فيما بينك وبين الله، ولن يطلع الناس عليك إلا أن تخبرهم، فالله هو الذي ائتمنك على هذا.
وبهذا نعرف أن الأمانة عامة لكل العبادات التي فرضها الله على الناس، وإنما كانت تلك أمثلة، وهي على سبيل الاختصار وليست على سبيل الحصر.
مـجـــالات الأمــانـة
· فمن الأمانة: حفظ الأسرار:
فالمسلم يحفظ سر أخيه ولا يخونه ولا يفشي أسراره، فعن جابر بن عبد اللّه- رضي اللّه عنهما- عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: « إذا حدَّث الرَّجُلُ الحديثَ ثم التَفَتَ فهي أمانَةٌ »)* « الترمذي 4 (1959) وقال: هذا حديث حسن. أبو داود 4 (4868) وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود (3/ 922): حسن وهو في الصحيحة برقم (1089) وفي صحيح الجامع (486).».
وأخرج الإمام أحمد وأبو داود عن جابرٍ [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "إنما المجالسُ بالأمانة".فالمجالس تُعقَد بالأمانة على ما يَجرِي فيها من أمورٍ، ويجب أنْ تحفظ أسرارها، ولا يحلُّ للمرء أنْ يفشي من أسرار إخوانه ما لا يحبُّون أنْ يخرج عنهم.
قال المباركفوري ـ رحمه الله ـ في شرحه للحديث: حُسْنُ المجالس وشرَفُها بأَمانة حاضِريها على ما يقعُ فيها من قولٍ وفعل؛ فكأنَّ المعنى ليكن صاحب المجلس أمينًا لما يسمعه ويراه" ("تحفة الأحوذي" (6/93).
ويُؤكِّد هذا المعنى العظيم الحسن البصري ـ رحمه الله ـ بقوله: "إنما تُجالسوننا بالأمانة، كأنَّكم تظنُّون أنَّ الخِيانة ليست إلاَّ في الدِّينار والدِّرهم، إنَّ الخيانة أشدَّ الخيانة أنْ يُجالسنا الرجل، فنطمئن إلى جانبه، ثم ينطلق فيسعى بنا.."("إحياء علوم الدين" (4/125).
قال الكفويُّ ـ رحمه الله ـ: "كلُّ ما افتُرِضَ على العباد فهو أمانةٌ؛ كصلاةٍ وزكاة وصيام وأداء ديْن، وأَوْكدها الودائع، وأوكد الودائع كتمُ الأسرار" ("الكُليات" صـ187)
أبو بكر الصديق الحافظ الأمين لِسِرِّ رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]أخرج البخاري عن عبد الله بن عمر - رضِي الله عنهما -: أنَّ عمر بن الخطاب حين تأيَّمت حَفصةُ بنت عمر من خُنَيْس بن حذافة السَّهمي - وكان من أصحاب رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] فتُوُفِّي بالمدينة - فقال عمر بن الخطاب: أتيتُ عثمَان بن عفَّان، فعرضتُ عليه حفصةَ فقال: سأنظُر في أمري، فلبث ليالي، ثم لقيني فقال: قد بدَا لي ألا أتزوَّج يومي هذا، قال عمر: فلقيت أبا بكرٍ الصِّدِّيق فقلت: إنْ شئتَ زوَّجتُك حَفصةَ بنت عمر، فصَمَتَ أبو بكر، فلم يَرجِعْ إليَّ شيئًا، وكنتُ أَوْجَدَ عليه منِّي على عثمان فلبثتُ ليالي، ثم خطبها رسولُ الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] فأنكَحتُها إيَّاه، فلقيني أبو بكرٍ فقال: لعلَّك وجدتَ عليَّ حين عَرضتَ عليَّ حفصةَ، فلم أرجعْ إليك شيئًا، قال عمر: قلتُ: نعم، قال أبو بكرٍ: فإنَّه لم يمنَعْني أنْ أرجعَ إليك فيما عرضتَ عليَّ إلا أنِّي كنتُ قد علمتُ أنَّ رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قد ذكَرَها، فلم أكن لأُفشي سِرَّ رسول الله، ولو تركها رسول الله قبِلْتُها".
[FONT="]([/FONT]معنى وكنتُ أَوْجَد" قال الحافظ في "الفتح" (9/221): يعني: أشدُّ موجدة؛ أي: غضبًا على أبي بكر من غضبي على عثمان، وذلك لأمْرَيْن: أحدهما: ما كان بينهما من أكيد المودَّة؛ وذلك لأنَّ النبيَّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] آخَى بينهما، والثاني: لكون عثمان أجابَه أوّلاً ثم اعتذر له. ثانيًا: لكون أبي بكر لم يعدْ عليه جوابًا. ووقَع في رواية ابن سعد: "فغضب عليَّ أبو بكرٍ، وقال فيها: كُنت أشدَّ غضبًا حين سكت منِّي على عثمان"، اهـ.[FONT="])[/FONT]
حُذيفة بن اليمان [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] أكتَم الناس أمين ِسِرَّ رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]كان حذيفة [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] أمينًا على سِرِّ رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] على المنافقين، وكان يُقال له: "صاحب السِّرِّ الذي لا يعلمه أحدٌ غيره" (البخاري)
أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمَّة:وحيث إننا نتكلم عن الأمانة فلا ننسى أنْ نُذكِّر بأمين هذه الأمَّةفقد أخرج البخاري ومسلمٌ عن حُذَيفة بن اليمان [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] أنَّ النبيَّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قال لأهل نجْران: "لأبعَثنَّ إليكم رجلاً أمينًا حقَّ أمين، فاستشرف لها أصحاب النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] فبعث أبا عبيدة"( قال العلماء: الأمانة مشتركةٌ بينه وبين غيرِه من الصَّحابة، ولكنَّ النبيَّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] خَصَّ بعضَهم بصفاتٍ غلبَتْ عليهم، وكانوا بها أخصَّ. ("شرح النووي لمسلم" (15/273).)
وأخرج الترمذي عن أنس بن مالكٍ [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "لكلِّ أمَّةٍ أمينٌ، وأمينُ هذه الأمَّةِ أبو عُبَيدة".
وأخرج البخاري ومسلمٌ عن أنس [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] قال: قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "لِكُلِّ أمَّةٍ أمينٌ، وأمين أمَّتي أبو عُبَيدة بن الجرّاح"..
فاطمة - عليها السلام ورضي الله عنها - تحفْظ لسِرِّ رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]كـانت - رضِي الله عنها - حافظةًًًًًًًًًًًً لسِرِّ أبيها رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] قالت أمُّ المؤمنين عـائشة - رضِي الله عنها -: "إنَّا كُنَّا أزواجَ النبيِّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] عنده جميعًا لم تُغادِرْ منَّا واحدةٌ، فأقبلت فاطمة تمشي ما تُخطِئ مِشيتها من مِشية رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] فلمَّا رَآها رَحَّبَ وقال: مرحبًا بابنتي، ثم أجلسَها عن يمينه - أو عن شماله - ثم سارَّها، فبَكَتْ بُكاءً شديدًا، فلمَّا رأى حُزْنَها سَارَّهَا الثانية، فإذا هي تضحَكُ، فقلت لها: أنا من نسائه - خَصًّك رسول الله بالسِّرِّ من بيننا ثم أنت تبكين، فلمَّا قام رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] سألتُها عمَّا سَارَّهَا؟ قالت: ما كُنتُ لأفشي على رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] سِرَّه، فلمَّا تُوفِّي قلتُ لها: عزمت عليك بما لي عليك من الحقِّ لَما أخبرتِني، قالت: أمَّا الآن فنَعَمْ، فأخبرَتْني قالت: أمَّا حين سارَّني في الأمر الأوَّل فإنَّه أخبرني أنَّ جبريل كان يُعارضه بالقُرآن كلَّ سنة مرَّة، وإنَّه قد عارَضَنِي به العام مرتين، ولا أرى الأجَلَ إلاَّ قد اقترب، فاتَّقِي الله واصبري، فإنِّي نعمَ السلفُ أنا لك، قالت: فبكيتُ بُكائي الذي رأيت، فلمَّا رأى جزَعِي سارَّني بالثانية: قال: يا فاطمة، ألا ترضين أنْ تكوني سيِّدةَ نساء المؤمنين؟ أو سيدة نساء هذه الأمَّة؟ " (البخاري)
حِفظ الغٍلمان لأسرار الكبار:ولا يتوقَّف الأمرُ على أمانة حِفظ الأسرار عند الرجال والنساء من الصَّحابة، بل حتى الغلمَان، فهذا أنسُ بن مالك [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT] الغُلام الصَّغير الذي يخدمُ رسولَ الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] يقول: "أَسَرَّ إلَيَّ النبي [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] سرًّا فمَا أخبرتُ به أحدًا بعدَه، ولقد سألتني أمُّ سُلَيم فمَا أخبرتُها به"[FONT="]([/FONT]البخاري، باب حِفظ السر)
وكلُّ امرئ عُهِدَ إليه بسرٍّ يجب أنْ يحفظه؛ سواء أكان حاكمًا أم طبيبًا أم مُوظَّفًا أم عاملاً، وكمَا قيل: "قلوب العقلاء حُصون الأسْرار" ("أدب الدنيا والدين" صـ296)
ومن الأمانة رعاية كلٍّ من الزوجين لحقِّ الآخَر:
والزوجان مُؤتَمنان على رِعاية مِيثاق الزواج الذي وصَفَه الله بالميثاق الغليظ؛ قال تعالى: (وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا ﴾ [النساء: 21]، فعقد الزواج أمانةٌ عظيمة، لا يجوز خِيانته والتفريط فيه.
وهذا ما يُؤكِّد عليه النبيُّ [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] ففي الحديث الذي أخرجه البخاريُّ ومسلم من حديث ابن عمر - رضِي الله عنهما - قال: قال رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT]: "كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسئولٌ عن رعيَّته؛ الإمام راعٍٍ ومسئولٌ عن رعيَّته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيَّته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيَّتها، والخادم راعٍ في مال سيِّده ومسئولٌ عن رعيَّته، وكلُّكم راعٍ ومسئولٌ عن رعيَّته".
أولاً: أمانة الزوج تجاه حقوق زوجته:
• فعلى الزوج أنْ يعرف أنَّ زوجته عنده أمانة، فليتَّقِ الله فيها:فقد أخرج الإمام مسلمٌ عن جابر بن عبد الله - رضِي الله عنهما - أنَّ رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] خَطَب في حَجَّة الوداع، فكان ممَّا قال: "اتَّقوا الله في النساء؛ فإنَّكم أخذتموهُنَّ بأَمَان الله، واستحللتم فُرُوجَهُنَّ بكلمة الله، وإنَّ لكم عليهنَّ ألا يُوطِئْنَ فُرُشكُم أحدًا تَكْرهُونَه... ".فعلى الزوج أنْ يُطعمها إذا طَعِم، ويكسوها في البيت إذا اكتسى، ولا يضرب الوجه، ولا يُقبِّح (لا يسمعها ما تكره؛ كقَّبح الله وجهك ونحوه)، ولا يهجر إلا في الفِراش، وأنْ ينفق على زوجته ولا يطعمها إلا من الحلال، ويحسن عِشرتها، وأنْ يعلمها، وأنْ يمنعها من التبرُّج والسفور ويأمرها بالحجاب، ويغار عليها، وعدم التماس عثرات الزوجة، والتجسُّس عليها وتخْوينها، وهو أمر منهيٌّ عنه؛ روى جـابر [FONT="][FONT="]t[/FONT][/FONT]: "نَهَى رسول الله [FONT="][FONT="]r[/FONT][/FONT] أن يطرقَ الرَّجُلُ أهله ليلاً يَتَخوَّنُهُم أو يلْتَمِسُ عَثَرَاتِهم" (مسلم)
ثانيا: أمان
المرفقات
الأمانة فضائلها ومجالاتها للشيخ سعد الشهاوى_.pdf
الأمانة فضائلها ومجالاتها للشيخ سعد الشهاوى_.pdf
الأمانة فضائلها ومجالاتها للشيخ سعد الشهاوى.doc
الأمانة فضائلها ومجالاتها للشيخ سعد الشهاوى.doc