الأمانةَ أخي الموظف

عبدالله بن رجا الروقي
1435/02/06 - 2013/12/09 04:10AM
أما بعد فإن الأمانة خلق كريم عظّم الله شأنها وبين شرفها في قوله تعالى :
﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا ﴾
ومن الأمانة مايسمى بالوظيفة فيجب القيامُ بها وأداؤها على الوجه المطلوب والمتفقِ عليه في العقد أو النظام الوظيفي ، قال تعالى :
( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا )
وهذا يَعمُّ جميع الأمانات الواجبة على الإنسان من حقوق الله عزَّ وجلَّ وحقوق عباده.
وبقدر الإخلال بواجب الوظيفة يدخل المال الحرام فالواجب على الموظف أن يتقي الله وأن يؤدي الأمانة بغاية الإتقان وغاية النصح يرجو ثواب الله ويخشى عقابه.
وإن من خصال أهل النفاق الخيانةَ في الأمانات ، كما قال النبي ﷺ : ( آية المنافق ثلاث : إذا حدث كذب ، وإذا وعد أخلف ، وإذا اؤتمن خان ) متفق عليه.
معاشر المسلمين:
هذا بيانٌ لأحوال من التقصير في العمل وقع فيه كثير من الموظفين هداهم الله وقد ذكرت ضمن ذلك فتاوى العلماء الكبار الذين تثق الأمة بعلمهم.

فمن الإخلال بالوظيفة التأخر عن الدوام أو الانصراف قبل نهايته بغير عذر.
وبعضهم ربما أتى متأخراً ثم يوقع على أنه جاء قبل ذلك فيجمع بين التأخر والكذب وأكل الحرام .
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله سؤالاً هذا نصه:
ما رأيكم في بعض الموظفين الذين يأتون إلى دائرة أعمالهم في وقت متأخر ويكتبون وقت حضورهم في وقت مبكر من العمل في دفتر الحضور؟
فقال : هذا الذي كَتَبَ تضمن فعلُه ثلاثٓ جنايات: الكذب، والخيانة، وأكل المال بالباطل.
ثم قال رحمه الله: مديرُ العمل إذا وافق على هذا فيجب أن يعزل لأنه خائن ظالم لنفسه وظالم للموظف وظالم للدولة، وظالم لكل شخص ينتسب إلى هذه الحكومة، لأنه سوف يأخذ من بيت المال الذي هو للجميع ويعطي هذا الرجل بلا حق، فيجب أن يعزل عن مكانه. ا.هـ [ لقاء الباب المفتوح ]
وقال أيضاً رحمه الله: كما أن الموظف لا يرضى أن تنقص الدولة من راتبه شيئاً، فكذلك يجب ألا ينقص من حق الدولة شيئاً، فلا يجوز للإنسان أن يتأخر عن الدوام الرسمي ولا أن يتقدم قبل انتهائه. ا.هـ [ لقاء الباب المفتوح ]

وأشد من هذا أن يترك الدوام يوماً أو أكثر
ثم يأتي بإجازة مرضية مكذوبة لكي لا يخصم من راتبه شيء فيأكل الحرام ويكذب في أنه مريض ، والطبيبُ الذي وقع له كاذب آثم معين
له على الكذب وأخذ المال بغير حق.
ثم إذا جاء آخر الشهر أخذ راتبه كاملاً
ألا يخشى هؤلاء من قوله تعالى ﴿ وَيْلٌ لِّلْمُطَفِّفِينَ * الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُواْ عَلَى النَّاسِ يَسْتَوْفُونَ *وَإِذَا كَالُوهُمْ أَو وَّزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ ﴾

وكل ذلك إخلال بالأمانة التي أمره الله برعايتها قال تعالى :﴿ والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون ﴾

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : ما حكم تقدم الموظف لدائرة حكومية يعمل فيها بطلب إجازة مرضية وهو غير صادق ؟
فأجابوا : " إذا كان واقع الموظف كما ذكر فلا يجوز ذلك ؛ لما فيه من الكذب وغش الدولة ، وأخذ ما يقابل أيام الإجازة المرضية الكاذبة من المال بغير حق " ا.هـ
[ فتاوى اللجنة 15/152 ]
وفي فتوى أخرى لهم مانصه :
" الواجب على من وُكل إليه عمل يتقاضى في مقابله راتبا أن يؤدي العمل على الوجه المطلوب ، فإن أخل بذلك من غير عذر شرعي لم يحل له ما يتقاضاه من الراتب ؛ لأنه يأخذه في غير مقابل ، وعليه : يجب عليكم التوبة ، وعدم العودة إلى ما ذكرت ، والتزم الأمانة في أداء العمل الذي يوكل إليك ، والتصدق فيما يقابل ما أخذت من راتب بدون عذر شرعي. ا.هـ [ فتاوى اللجنة 15/153 ]

عباد الله:
ألا فليتق اللهَ الأطباءُ الذين يعينون هؤلاء الموظفين المقصرين على تقصيرهم ، فيكتبون لهم الأعذار وهم يعلمون أنها غير صحيحة ، فيكونون سببا في إهمال الموظفين وتقصيرهم وأكل أموال الناس بالباطل .

سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله:
هل يجوز للطبيب أن يعطي أحداً من الناس إجازة مرضية - وخاصة للموظفين - عندما يكون هذا الشخص لا يحتاج حقيقة إلى هذه الإجازة ، وهذا الطبيب لم يعاين هذا الشخص ولم يكشف عليه ، وهل يأثم الطبيب لو أعطى المريض إجازة مرضية أكثر مما يستحق ؟
فأجاب :
" في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : ( ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ قالوا : بلى يا رسول الله . قال : الإشراك بالله ، وعقوق الوالدين ، وكان متكئاً فجلس ، فقال : وقول الزور وشهادة الزور )
ولا شك أن الطبيب إذا أعطى شخصاً إجازة مرضية وهو ليس بمريض لا شك أنه قال الزور وشهد شهادة الزور ، وأنه آثم وأتى كبيرة من أكبر الكبائر ، وكذلك الذي أخذ هذه الإجازة آثم وكاذب على الجهات المسئولة ، وآكل للمال بالباطل ، فإن الراتب الذي يقابل هذه الإجازة أخذه بغير حق ، وكذلك إذا أعطاه أكثر مما يحتاج ، مثل أن يحتاج إلى ثلاثة أيام إجازة مرضية ويعطيه أربعاً ، فإن هذا حرام من أكبر الكبائر . انتهى. [ اللقاء الشهري ].
أقول ماتسمعون ، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم


الخطبة الثانية:
أما بعد ، فمن التقصير في أمانة العمل استعمالُ
بعض الموظفين أدوات الجهة التي يعمل بها لأغراضه الشخصية خصوصاً الدوائرَ الحكومية بحجة أن الدولة في غنى عنها فيقال لهؤلاء: أموال الدولة التي أنت مؤتمن عليها ستسأل عنها يوم القيامة فأعد للسؤال جوابا فاستخدام آلة التصوير الخاصة بالعمل لأغراض شخصية أو الاتصال بهاتف العمل مما يترتب عليه تكلفة مالية كل ذلك لا يجوز إلا لمصلحة العمل وهذا يتساهل فيه كثير من الناس وكذلك استخدام قسائم البنزين التي تعطى له من جهة عمله لايجوز استخدامها في أغراضه الشخصية إلا إذا أذن له من له صلاحية الإذن بها.
ومن أخذ شيئاً لايحق له من هذه الجهات الحكومية فإنه من الغُلول الذي يأتي به يوم القيامة قال تعالى: ﴿ وَمَن يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ ﴾

فليحذر المسلم من تَغذّيهِ بالحرام فقد جاء الوعيد على ذلك قال ﷺ : " إنه لا يربوا لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به " خرجه الترمذي .
وليُعلم أن أكل الحرام من موانع إجابة الدعاء
وأن من تصدق من حرام لم تقبل صدقته ، قال النبي ﷺ: إن الله طيب لا يقبل إلا طيبا . وإن الله أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين . فقال : { يا أيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا إني بما تعملون عليم } . وقال : { يا أيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم } . ثم ذكر الرجل يطيل السفر . أشعث أغبر . يمد يديه إلى السماء . يا رب ! يا رب ! ومطعمه حرام ، ومشربه حرام ، وملبسه حرام ، وغذي بالحرام . فأنى يستجاب لذلك. رواه مسلم.
فاحرص ياعبد الله على الحلال الطيب فإن الله يبارك فيه ولو كان قليلاً واحذر الحرام فإنه لابركة فيه ولو كان كثيرا.
اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك وبفضلك عمن سواك ، ياجواد ياكريم ، يابر يارحيم ...
المشاهدات 2702 | التعليقات 0