الأعمال الصالحة وعشر ذي الحجة  

فهد عبدالله الصالح
1438/11/25 - 2017/08/17 14:01PM

 

أمــا بعـــد : فأوصيكم - أيها الناس- ونفسي بتقوى الله عز وجل , فاتقوا الله رحمكم الله , وارغبوا فيما عنده , ولا تغرنكم الحياة الدنيا , فطالبها مكدود ، والمتعلق بما متعب مجهود , والزاهد فيها محمود , واستعيذوا بالله من هوى مطاع وعمر مضاع , ورحم الله عبداً أعطي قوة فعمل بها في طاعة الله , أو قصر به ضعف فكف عن محارم الله .

أيها المسلمون : للمسلم في كل ساعة من عمره وظيفة لربه , عليه أن يقوم بها حسب الاستطاعة وعلى قدر الطاعة , فاتقوا الله ما استطعتم (لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا), إنها وظائف ومطلوبات تستغرق الحياة كلها (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ), (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ), والعمل هو جوهر الحياة ، وكل إنسان لا بد له أن يعمل , فإما أن يعمل صالحاً ،  وإما أن يعمل سوءاً , والمؤمن بالله واليوم الأخر يتوجه للعمل الصالح بدافع من أمر ربه ورجاء لثوابه وخوفا من عقابه.

أيها الإخــوة : العمل الصالح ميدان العاملين وسمة المؤمنين , وديدن الموحدين , لا يطمئنون إلا إليه , ولا يتنافسون إلا فيه ولا يتسابقون إلا عليه , الأعمال الصالحة منزلتها في الدين عظيمة , ومرتبتها في الإسلام عالية , فهي قرينة الإيمان في كتاب الله الكريم وأثره وثمرته وجزاؤه اقرؤوا إن شئتم قول الله جلا الله (وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا يَخَافُ ظُلْمًا وَلَا هَضْمًا) (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

إن مفهوم الأعمال الصالحة ـ أيها الأحبة ـ مفهوم شامل في شريعة رب العالمين , يدخل فيها أعمال القلوب والجوارح ، في الظاهر والباطن , في القوى والملكات , وفي المواهب والمدركات , أعمال خاصة وأعمال عامة ، أعمال فردية ، وأخرى جماعية , فالشهادات والصلاة والزكاة والصوم والحج في مقدمة الأعمال الصالحة , وبقية الواجبات والفرائض والمندوبات والمستحبات من الأعمال الصالحات وفي الحديث (الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان , وسبحان الله والحمد لله تملأن أو تملأ ما بين السماء والأرض , والصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء والقران حجة لك أو عليك كل الناس يغدو , فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها).

وإذا أردتم ـ  أيها الأحبة ـ مزيداً من طرق الأعمال الصالحة , فبر الوالدين وصلة الأرحام وإكرام الضيف والجار والجهاد في سبيل الله وعيادة المرضى وإتباع الجنائز وإجابة الداعي ونصرة المظلوم ودعوة ترفعها تدعوا بها لإخوانك المسلمين في كل مكان .

ومن الأعمال الصالحة : أن تواسي فقيراً وتكفل يتيماً وتنقذ غريقاً وتساعد بائساً وتنظر معسراً وترشد ضالاً وتهدي حيراناً وتعين محتاجاً ،وتعفو عن مسيء ، وتصبر على ابتلاء ، وتحلم على جاهل ، مع الجود والكرم والسخاء والسماحة وحسن التعامل ،  بل ومن الأعمال الصالحة هذا السؤال من الصحابي , ثم هذا الجواب من النبي الكريم صلى الله عليه وسلم  يا رسول الله : وإن لنا في البهائم لأجراً؟ فقال (في كل ذات كبد رطب أجر) متفق عليه

وأعمال اللسان كثيرة : وهي تصب في نهر الأعمال الصالحة , ذكر ودعاء وأمر بالمعروف ونهي عن منكر وتعليم للعلم النافع ودعوة إلى الله ناهيكم عن الشفاعة الحسنة تفك بها أسيراً وتجري بها معروفاً وتدفع بها مكروهاً وفي التنزيل (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى) يضاف إليه التبسم في وجه الأخ المسلم , ورد السلام وتشميت العاطس وكل قول جميل وكلام طيب , منطوقاً أو مكتوباً .

وأما الأعمال الصالحة القلبية : فبابها أوسع من أن يغلق دون أحد الإيمان بالغيب وحب وبغض في الله , والغضب والرضا لله , والخوف منه والرجاء فيه , والخشية والصبر ومحبة الخير للناس , وطهارة القلب من الغل والحقد والحسد والتذلل للمولي جلا وعلا والانكسار بين يديه وتعلق القلب بالمساجد , والتفكير في قضايا الإسلام ومعاناة المسلمين ومعرفة أسباب ذلك والمساهمة في حلها , بل إن النيات والمقاصد لها في الإسلام شأن عظيم فإنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى , ويمتد العمل الصالح لما بعد الموت من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له ، فاغتنموا وفقني الله وإياكم لصالح العمل ما تبقى من سنوات العمر وأيامه و سويعاته وقد قال الحسن البصري رحمنا الله وإياه (  يا ابن آدم : إنما أنت أيام كلما ذهب يوم ذهب بعضك ) وفي الحديث عنه صلى الله عليه وسلم ( الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت ، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني ) رواه الترمذي ومعنى دان نفسه أي حاسبها ، اتقوا الله جميعا أيها المؤمنون وأكثروا من الأعمال الصالحة (وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم  )

 

 

الخطبة الثانية

عباد الله :  لا شك بأن الأعمال الصالحة كلها خير , وأي باب سلكه المسلم فهو إن شاء الله على خير , لكن لا بد أن يعلم بأن بين الأعمال الصالحة تفاوتاً وتفاضلاً , فالعمل الصالح المتعد نفعه للآخرين أفضل من العمل الصالح المقتصر على صاحبه ، ولذا كان العالم أفضل من العابد .

ومن فقه العمل الصالح - أيها الأحبة - أن الزمان والمكان له أفضلية على غيره , فالصدقة مثلاً في زمن الفقر والحاجة أفضل من وقت الرخاء وفي كل خير , ومثلها يقال في الأماكن والبلدان , ومما خصه الله أيام عشر ذي الحجة والتي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم  ( ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام , يعني أيام العشر , قالوا : يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال ولا الجهاد في سبيل الله , إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء) رواه البخاري .

ومن أجل الأعمال الصالحة التي تشرع في هذه العشر  أداء مناسك الحج الذي أوجبه الله تعالى على كل مسلم قادر وهو أفضل الأعمال بعد الجهاد في سبيل الله وفي الحديث الصحيح (الحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة), والصيام من أجل الأعمال الصالحات , فيستحب صيام هذه الأيام التسع أو ما يتيسر منها وبالذات يوم عرفة , وأما ذبح الأضاحي فهو عبادة جليلة وقربة إلى الله وإحياء لمعاني التضحية والفداء , وهي سنة الخليلين إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة السلام , ويجوز التوكيل في ذبحها .

 ويشرع في هذه العشر المباركات أيضاً التكبير المطلق والذي يكون في الأسواق والبيوت ونحوها والتكبير المقيد هو ما يكون بعد الصلوات المفروضات ويكون لغير الحاج من فجر يوم عرفة وحتى أخر أيام التشريق , وكل عمل صالح مشروع في كل وقت وحين وفي هذه العشر أفضل وأعظم فاستغلوا رحمني الله وإياكم هذه الأوقات الفاضلة بكل عمل صالح واحرصوا على البذل والعطاء بما تجود به أنفسكم على الفقراء والمحتاجين في مجتمعكم وفي العالم الإسلامي كله ولا تنسوا من حلت بهم الحروب والكوارث فقتلت وشردت وهدمت وخربت ثم صلوا وسلموا ...............

المشاهدات 602 | التعليقات 0