الأشهر الحرم والدم الحرام ومصرع القذافي

د مراد باخريصة
1432/11/27 - 2011/10/25 06:00AM
الأشهر الحرم والدم الحرام ومصرع القذافي
يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العظيم {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ}.
إن هذه الآية آية عظيمة يؤكد الله سبحانه وتعالى فيها على حرمة الأشهر الحرم وتعظيم شأنها أشد التعظيم والأشهر الحرم هي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم ورجب فثلاثة متواليات وهي ذو القعدة وذو الحجة ومحرم وواحد فرد وهو رجب.
يقول النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته الشهيرة في حجة الوداع ((أيها الناس إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، السنة اثنا عشر شهراً، منها أربعة حرم، ثلاثة متواليات : ذو القعدة وذو الحجة والمحرم، ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان)).
لقد كان العرب في جاهليتهم يعظمون هذه الأشهر ويقدسونها وهذا فيهم من بقايا دين إبراهيم الخليل عليه الصلاة والسلام وكانوا يرون أن القتال فيها يعد انتهاكاً كبيراً وعظيماً لحرمتها فجاء الإسلام ونزل القرآن مؤكداً على حرمتها ومبيناً أن القتال فيها كبيرة من أعظم الكبائر وذنب عظيم من أعظم الذنوب يقول الله جل جلاله وعز كماله {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ}.
إن هذه الأشهر الحرم ماسميت حرماً إلا لحرمة القتال فيها إلا أن يبدأ العدو ولهذا كان العرب يسمون رجب بالأصم لأنه لا يسمع فيه صوت السلاح ويسمون ذو القعدة بذي القعدة لأنهم يقعدون فيه عن القتال وحرم شهر ذو الحجة لأنهم يوقعون فيه الحج وينشغلون فيه بأداء المناسك وحرم بعده شهر المحرم ليرجعوا فيه بعد الحج إلى بلادهم آمنين وحرم رجب وسط الحول لأجل زيارة البيت والاعتمار به والعودة إلى أوطانهم آمنين
وسميت حرماً كذلك لأن ارتكاب المعاصي وانتهاك المحارم فيها يكون إثمه اشد وأعظم من غيرها من الأشهر يقول ابن عباس رضي الله عنهما "خصّ اللّه من شهور العام أربعة أشهرٍ فجعلهنّ حرماً، وعظّم حرماتهنّ، وجعل الذّنب فيهنّ والعمل الصّالح والأجر أعظم".
ويقول ابن كثير رحمه الله في تفسير قوله تعالى : {فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ} أي: في هذه الأشهر المحرمة؛ لأنه آكد وأبلغ في الإثم من غيرها، كما أن المعاصي في البلد الحرام تضاعف كذلك الشهر الحرام تغلظ فيه الآثام"
{الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} ويقول سبحانه وتعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ وَلَا الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَلَا الْهَدْيَ وَلَا الْقَلَائِدَ وَلَا آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ…}.
عباد الله
إن أهل الجاهلية مع جاهليتهم وعنجهيتهم وإلحادهم وعنادهم خير من حكامنا اليوم فأهل الجاهلية كانوا يعظمون الأشهر الحرم ويمسكون فيها عن سفك الدماء المحرمة ويكفون عن الاقتتال والأخذ بالثارات أما هؤلاء الحكام فقد فعلوا ما لم يفعله عبدة الأصنام فأولغوا في القتل والوحشية والإجرام ولم يراعوا حرمة للشهر الحرام كل ذلك من أجل الحفاظ على كراسيهم التي ما شيدت إلا بالدماء وما قامت إلا على الأشلاء وقطع الرءوس والأعضاء.
إن الجاهليين في زمن الجاهلية كانوا يرون أن سفك الدماء في هذه الأشهر الحرم يعد كبيرة من أكبر الكبائر وأعظم العظائم أما هؤلاء الحكام الطغاة فإنهم قد تخلوا عن كل القيم والأخلاق وتجاوزوا كل الحدود واستباحوا كل الأشياء فقتلوا الأنفس وخربوا البنيان وقطعوا الطرق ووضعوا الخطط لقتل الناس وشجعوا أزلامهم وبلاطجتهم وشبيحتهم على ذلك.
لقد طالت المحنة وعصفت الفتنة وسالت الدماء وتفاقم الشر وتعطلت المصالح وأرهق الناس وحل الخوف والترقب والقلق بسبب فساد هؤلاء الحكام وإفسادهم وسكوتنا أزمة طويلة عن شرورهم وفسادهم يقول النبي صلى الله عليه وسلم " لتأمرون بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطراً أو ليضربن الله قلوب بعضكم ببعض" رواه أبو داود وحسنه الترمذي ويقول صلى الله عليه وسلم «وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله ويتحروا فيما أنزل الله إلا جعل الله بأسهم بينهم شديد».
أنظر إلى جميع الأطراف المتصارعة هنا في اليمن ستجدهم جميعاً يتبارون في استرضاء أعداء الله والتنكر الصريح لتطبيق شرع الله ثم يوحون إلى أوليائهم في السفارات ويوعدونهم بأنهم سيكون خدماً وجنوداً طائعين لهم محافظين على مصالحهم مقدمين أسمى الخدمات لهم وصدق الله سبحانه وتعالى إذ يقول {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا الَّذِينَ كَفَرُوا يَرُدُّوكُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ بَلِ اللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ خَيْرُ النَّاصِرِينَ}.
لقد تنكر معظمهم للهدف الأعلى والمطلب الأسمى الذي هو جدير بأن يخرج اليمن من محنته وفتنته ويشفيه من جميع علله وأسقامه ألا وهو شرع الله والتحاكم إليه في كل صغيرة وكبيرة فلذلك لم يحظوا بنصر الله وتأييده لأن الله سبحانه وتعالى قد تعهد بأن ينصر من ينصره {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.
الخطبة الثانية
عباد الله
إن الأشهر الحرم التي تمثل ثلث شهور العام جاءت لمنع التعدي على الدماء ووضع حدٍ لاسترخاص الأنفس التي تزهق اليوم في عالم يموج بالدم الذي يسفك صباح مساء في الشوارع والطرقات.
فمن استهان في هذه الأشهر بحرمات الله وتطاول على حدود الله وتجرأ على معصية الله وأحل ما حرم الله وسفك الدماء التي لا يجوز أن تسفك في أي وقت من الأوقات فسفكها في الأشهر الحرم فإن الله له بالمرصاد وسيذله الله ويخزيه ويهينه كما استهان بشعائر الله وحرماته.
وليعتبر هؤلاء الطغاة بطاغوت ليبيا الذي أهلك الحرث والنسل وأحرق ليبيا وقتل أهلها وأشعل الحرب والنيران فيها فأهانه الله شر إهانه وأذله أيما إذلال وعذبه عذاباً أليماً في نفسه وأهله وأولاده وماله الحرام.
هذه هي نهاية الطغيان وجزاء الاستهتار والنكران لسنن الله وأحكامه في هذا الكون فاعتبروا يا أولي الأبصار
سقط العقيد فلا تسل عن وجهه - - وعليه من دمه الرخيص بيان
سقط العقيد فلا كتاب أخضر - - يجدي ولا جند ولا أعوان
ظن الكتائبَ سوف تحرس عرشَه - - أنّى لها ، والقائدُ الشيطان
عَميَتْ بصيرته فساق ركابَه - - نحو الهلاك ، وخرّت الأركان
سقط العقيدُ ، نهاية محتومةٌ - - للظلم مهما طالت الأزمان
يقول النبي صلى الله عليه وسلم " إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه الله لم يفلته" وقرأ {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ}.
المشاهدات 2019 | التعليقات 0