الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَأَ شْهُرَ الْحَجّ

محمد البدر
1444/11/05 - 2023/05/25 03:32AM

الْخُطْبَةُ الأُولَى:

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا ، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا ، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ , وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾.﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللَّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾.﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا(70)يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ﴾.وَقَالَﷺ «:إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ، السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ؛ ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ»متفقٌ عَلَيْهِ.

فَاللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ يَصْطَفِي مِنَ الْأَزْمِنَةِ مَا يَشَاءُ، وَيَصْطَفِي مِنَ الْأَمْكِنَةِ مَا يَشَاءُ، وَمِنَ الْبَشَرِ مَا يَشَاءُ، وَمِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا يَشَاءُ وَيَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَيَحْكَمُ مَا يُرِيدُ فاللهُ -تَبَارَكَ وَتَعَالَى- اخْتَصَّ مِنْ هَذِهِ الْأَشْهُرِ أَرْبَعَةً جَعَلَهَا حُرُمًا،وَلَا يَجُوزُ فِيهَا الْقِتَالُ بِأَيْ حَالٍ ، بَلْ إِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ عَظَّمَ فِيهَا الذُّنُوبَ، فَمَنْ أَتَى فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ بِذَنْبٍ ضَاعَفَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لَهُ الْعُقُوبَةَ،فَجَعَلَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ مُعَظَّمَةَ الْقَدْرِ عِنْدَهُ، فَمَنِ اتَّقَى اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ فِيهَا؛ فَقَدْ أَتَى بِمَا أَوْجَبَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ عَلَيْهِ،وَمَنْ أَتَى فِيهَا بِمَا يَشِينُ وَظَلَمَ فِيهَا نَفْسَهُ كَمَا حَذَّرَ مِنْ ذَلِكَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وَتَعَالَى-فَإِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ يُضَاعِفُ لَهُ الْعُقُوبَةَ؛ لِأَنَّهُ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ،فَالْحَسَنَاتُ تُضَاعَفُ فِي كُلِّ مَكَانٍ وَزَمَانٍ فَاضِلَيْنِ، وَالسَّيِّئَاتُ تَعْظُمُ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ فَاضِلَيْنِ،قَالَ تَعَالَى:﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ﴾.وَقَالَ تَعَالَى فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ:﴿وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾.فَبَيَّنَ أَنَّ الْعُقُوبَةَ تُضَاعَفُ فِي الزَّمَانِ الْفَاضِلِ.

عِبَادَ اللَّهِ:إِنَّ اللهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ أَكْمَلَ لَكُمُ الدِّينَ، وَأَتَمَّ عَلَيْكُمُ النِّعْمَةَ، وَمِنْ تَمَامِهِ وَكَمَالِهِ أَنْ تُعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللهُ، وَأَنْ تُقَدِّرُوا مَا أَعْلَى اللهُ قَدْرَهُ، وَأَنْ تَحْتَرِمُوا شَعَائِرَ اللهِ، وَأَنْ تُعَظِّمُوهَا، وَأَلَّا تَظْلِمُوا أَنْفُسَكُمْ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ؛فَإِنَّ نَبِيَّكُمْﷺأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ:﴿الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ﴾.وَفِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ قَالَ:«إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللهُ السَّمَواتِ والأرْض... » متفقٌ عَلَيْهِ.وَاسْتَدَارَ الْمَكَانُ، فَيُهِلُّ النَّاسُ مِنْ حَيْثُ شَرَعَ لَهُمُ اللهُ عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ، وَالنُّسُكُ يَقَعُ كَمَا وَقَعَ مِنْهُ؛لِأَنَّهُﷺيَقُولُ:«لِتَأْخُذُوا مَنَاسِكَكُمْ، فَإِنِّي لَا أَدْرِي لَعَلِّي لَا أَحُجُّ بَعْدَ حَجَّتِي هَذِهِ»رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَﷺ:«قَالَ اللَّهُ:إِنَّ عَبْدًا صَحَّحْتُ لَهُ جِسْمَهُ، وَوَسَّعْتُ عَلَيْهِ فِي الْمَعِيشَةِ يَمْضِي عَلَيْهِ خَمْسَةُ أَعْوَامٍ لَا يَفِدُ إِلَيَّ لَمَحْرُومٌ»صَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«تَعْجَّلُوا إِلَى الْحَجِّ-يَعْنِي الْفَرِيضَةَ-فَإِنَّ أَحَدَكُمْ لاَ يَدْرِي مَا يَعْرِضُ لَهُ»رَوَاهُ أَحمَدُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«الْحُجَّاجُ وَالْعُمَّارُ وَفْدُ اللَّهِ إِنْ دَعَوْهُ أَجَابَهُمْ وَإِنِ اسْتَغْفَرُوهُ غَفَرَ لَهُمْ»رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.وَقَالَﷺ:«تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ؛فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ لِلْحَجَّةِ الْمَبْرُورَةِ ثَوَابٌ إِلاَّ الْجَنَّةُ»رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا..


الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ, وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلَى نَبِيِّنَا وَإِمَامِنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُم بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

عِبَادَ اللَّهِ:قَالَ تَعَالَى:﴿وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ﴾.وَقَالَ تَعَالَى:﴿وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ البَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا، وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ﴾. السَّبِيلُ:الزَادٌ وَالرَاحِلَةٌ"فمن وفقه الله للحج وعزم على أداء هذه الفريضة عليه أن يبادر لسداد ما عليه من ديون وحقوق للآخرين،قَالَﷺ:«مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ مَظْلِمَةٌ لِأَخِيهِ فَلْيَتَحَلَّلْهُ مِنْهَا، فَإِنَّهُ لَيْسَ ثَمَّ دِينَارٌ وَلاَ دِرْهَمٌ، مِنْ قَبْلِ أَنْ يُؤْخَذَ لِأَخِيهِ مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ أَخِيهِ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ»رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.فَرَضَ اللَّهُ عَلَى عِبَادِهِ أنْ يَحُجُّوا إلَى بَيْتِ اللهِ الحَرَامِ فِي الْعُمُرِ مَرَّةً وَاحِدَةً فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ الأَقْرَعَ بْنَ حَابِسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَأَلَ النَّبِيِّﷺفَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ الْحَجُّ فِي كُلِّ سَنَةٍ أَوْ مَرَّةً وَاحِدَةً قَالَ«بَلْ مَرَّةً وَاحِدَةً فَمَنْ زَادَ فَهُوَ تَطَوُّعٌ»رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ.فَعَلَى مَنْ تَوَفَّرَتْ فِيهِ شُّرُوطُ الْوُجُوبِ وَانْتَفَتْ الْمَوَانِعُ أَنْ يَتَّقِيَ اللَّهَ وَليُبَادِرَ إِلَى أَدَاءِ فَرِيضَةَ الْحَجِّ وَلَا يُؤَخِّرُهُ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ شَرْعِيٍّ ،وَأَشْهُرٌ الْحَجّ هِيَ:شَوَّال وَذُو الْقِعْدَةِ وَتِسْعٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ،أوَعَشْرٌ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ،فلا يَجُوزُ لأحدٍ أن يُحْرِمَ بالحجِّ فِي غيرِها. وعلى الحاج أن يلتزم بالأنظمة التي وضعتها الدولة وفقها الله مراعاة للمصلحة العامة،منها اخذ تصريح بالحج لكل خمسة سنوات واياكم والتحايل في ذلك او دفع رشوة فلا ينبغي ارتكاب معصية لفعل طاعة ، كذلك الالتزام بعدم الافتراش والحذر من المدافعة والمزاحمة.

عِبَادَ اللهِ:إِنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَمَرَنَا بِأَمْرٍ بَدَأَ فِيهِ بِنَفْسِهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيد.وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن صحابته أجمعين، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين. واحفظ اللّهمّ ولاةَ أمورنا، وأيِّد بالحق إمامنا ووليّ أمرنا، اللّهمّ وهيّئ له البِطانة الصالحة التي تدلُّه على الخير وتعينُه عليه، واصرِف عنه بطانةَ السوء يا ربَّ العالمين، واللهم وفق جميع ولاة أمر المسلمين لما فيه صلاح الإسلام والمسلمين يا ذا الجلال والإكرام.﴿رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ﴾.

عِبَادَ اللَّهِ:اذكروا الله يذكركم ، واشكروه على نعمه يزدكم ﴿وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ﴾.

المرفقات

1684974709_الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ وَأَ شْهُرَ الْحَجّ.pdf

المشاهدات 1394 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا