الأشهر الحرم / أنواع الظلم / صور من الظلم في المجتمع

عبدالإله بن سعود الجدوع
1437/11/01 - 2016/08/04 22:42PM
الخطبة الأولى :
تعلمون رعاكم الله أن الأشهر الحرم قد خصصت في الكتاب والسنة بالخصائص العظيمة يقول الله عز وجل في سورة التوبة {إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَات وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلاَ تَظْلِمُواْ فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ} وقد خطب النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع فقال: (إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السموات والأرض، السنة اثنا عشر شهرا منها أربعة حرم ثلاث متواليات ذو القَعدة وذو الحجة والمحرم ورجبُ مضر الذي بين جمادى وشعبان) أخرجه البخاري ومسلم ، وهذه الأشهر الأربعة قال الله عنها في الآية السابقة { فلا تظلموا فيهن أنفسكم }
وليُعلم -ياكرام- أن الظلم محرّم في جميع الأزمنة والأمكنة، ولكنه في الأشهر الحرم
أشد تحريماً من غيره؛ كما قال قتادة - رحمه الله - في قوله: {فلا تظلموا فيهن أنفسكم}
إن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئة ووزراً من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيماً، ولكن الله يعظم من أمره مايشاء.قال القرطبي: خص الله - تعالى- الأشهر الحرم بالذكر، ونهى عن الظلم فيها تشريفاً لها، وإن كان منهياً عنه في كل زمان .
وليُعلم -حرسكم ربي – أن الظلم ثلاثة أنواع فأولها وأعظمها: ظلم الإنسان لربه: وذلك بألايؤمن الإنسان بخالقه أو أن يشرك به يقول تعالىفي سورة لقمان: {يا بنى لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم)
( وثاني:أنواع الظلم :ظلم الإنسان لنفسه: وذلك بارتكاب المعاصي والآثام، والبعد عن طريق الله واتباع طريق الشيطان ، قال تعالى ( ومن يعمل سوءاً أو يظلم نفسه ثم يستغفر الله يجد الله غفورا رحيما )
وثالث أنواع الظلم: ظلم الإنسان للخلق وذلك مثلاً بأن يعتدي على الناس في أنفسهم أو أموالهم أوأعراضهم. يقول الحسن "رحمه الله": الظلم ثلاثة: ظلم لا يُغفر،وظلم يُغفر، وظلم لا يُترك، فأما الظلم الذي لا يغفر فالشرك بالله، وأما الظلم الذي يغفر فظلم العبد نفسه فيمابينه وبين ربه، وأما الظلم الذي لا يترك فظلم الناس بعضهم بعضا .

أيها الكرام : إن ظلمنا لأنفسنا هي بمعصية ربنا ، وانتهاك ماحرمه علينا .
-
إن ظلمنا لأنفسنا أن تمربنا مواسم الخير فلا نستغلها ،
ونكون في غفلة عن حقيقة موازينحسناتنا يوم القيامة.
-إن ظلماً لأنفسنا أن نقابل نعم الله علينا بالكفرانوالنكران ، وبعيدا عن الشكر والعرفان .
لنتأمل أيها المباركون كم أنعم الله علينا من نعم ظاهرة وباطنه ؟! ، ثم لننظر .. هل سخرنا كل نعمة فيما يرضيه سبحانه وتعالى وكنا له عابدين شاكرين ، أم أننا استعنا بنعم الله علينا في معصية من لا تخفى عليه خافيه ، والله سبحانه يقول في سورة الرحمن : {هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ}.ويقول تعالى: {وَمَا بِكُم مِّن نِّعْمَةٍ فَمِنَ اللّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ}ويقول تعالى{وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ}

أيها الفضلاء : ثبَتَ في صَحيح مسلمٍ عنِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم فيما يَروِيه عن ربِّه جلَّ وعلا في الحديث القدسيِّ أنَّ الله جلَّ وعلا يقول: ((يا عِبادي، إني حرَّمتُ الظلمَ على نفسِي، وجعلتُه بينَكم محرَّمًا فلا تَظَالموا)).
فهنا حديثٌ جَليل يحذِّر الأفرادَ حين يُغرِيها الجشَعُ . وهو تَوجيهٌ ربَّاني يحذِّر فيه الربّ جلَّ وعلا خلقَه من أن يتَهَارَشوا ويتغَالبوا ويأكلَ قويُّهم ضعيفَهم ويعتَدي كبيرُهم على صغيرهم. إنه توجيهُ إِلَهيٌّ ينبِّه القلب والعقلَ من أن يزلَّ به الهوَى فيَقَع في الظلم على الضّعَفَاء. وإنه وصيةٌ من البارِي جلّ وعلا يسوقها رسولُه المجتبَى ، فليتحاشَى الخلقُ كلُّهم الظلمَ والعدوانَ والطّغيان، ويتجنَّبوا ظلمَ العباد والتعدِّي على الحقوق في أنفسِهم وأموالهم وأعراضِهم. يقول شيخُ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله: "عاقبة الظلم وخيمَةٌ، وعاقبة العدلِ كريمة"، ويقول ابنُ القيّم رحمه الله: "أصلُ كلِّ خيرٍ العلم والعَدل، وأصلُ كلِّ شرٍّ الجهل والظلم".
فأيّها المسلمون العقلاء ، لا فلاحَ مع الظلمِ، ولا بقاءَ للظالم، ولا استقرارَ للمعتَدِي مهمَا طالَ الزمان ومهما بلَغ به الشأن، يقولُ ربنا جلّ وعَلا: ( إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ ) ويَقول عزّ شأنُه: ( فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) ويَقول عزَّ في عُلاه: (هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ) وقال تعالى ( وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا ) فاحذر يامن تظلم من عاقبة الظلم أو من أن يسلط الله عليك من يظلمك .

بارك الله فيما سمعتم ، ولي ولكم أستغفر الله فاستغفروه إنه الغفور الرحيم

الخطبة الثانية :

معاشرَ المؤمنين، مظالِمُ العباد لا بدَّ من التحلّل منها والتخلّص من عواقبِها، فرسولُنا صلى الله عليه وسلميقول: ((إذا خَلَصَ المؤمِنون منَ النّار حُبِسوا بقنطرةٍ بين الجنّة والنّار، فيتقاصّون مظالِمَ كانت بَينهم، حتى إذا نُقُّوا وهُذِّبوا أُذِن لهم بِدخولِ الجنّة)) رواه البخاريّ،
وأَخرَج أيضًا عنِ النّبي صلى الله عليه وسلم أنّه قالَ ( مَن كانَت له مَظلَمةٌ لأخيهِ مِن عِرضِه أو شَيءٍ فليتحلّله منه اليومَ قبل أن لا يكونَ دِرهمٌ ولا دِينار، إن كان له عَمَلٌ صالح أُخِذ منه بقدرِمظلمته، وإن لم تَكن له حسنات أخِذَ من سيّئات صاحبه فحُمِل عليه ) نعوذ بالله من ذلك
ويتنوع أنواع الظلم في المجتمع فمن ذلك الظلم ، الظلم في الأعراض فيُتهم الأشخاص جزافاً بغير بينة أوتنشر عنهم الشائعات والمقاطع والأحاديث في المجالس ونحو ذلك من الظلم في الأعراض
ومن الظلم في الأموال : التطاوُلُ على أموالِ اليتامى والاعتداءُ على حقوقِهم والله تعالى يقول(إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا ) ومن الظلم أيضا ما قاله رسول الله صلى الله عليه وسلم ( مَن اقتَطَع أَرضًا ظلمًا لقِيَ الله وهو عليه غَضبان)رواه مسلم.وقال أيضا( مَن أخَذَ شبرًا من الأرض ظلمًا طُوِّقه إلى سبعِ أراضين وقال أيضا ( مَن أخَذَ مِن طَريقِ المسلِمين شِبرًا جاء يومَ القيامة يحمِله من سبع أراضين (
ومن صور الظلم : ظلم المرأة ، كمثل أن تزوج قسرا بمن لا تريده أو بمن ليس مقبولا في ديانته ، أو أن يظلمها ويرد الخطاب عنها ظلما أو طمعا في مالها ، وكأن تظلم المرأة ويؤخذ حقها من الميراث ، أو يقتطع جزء من راتبها بدون طيب نفس منها ، وكأن تضرب ضربا مبرحا ، وكمثل أن تُهمَل في نفقتها ، أو أن يلقي الأب عاتق أمور البيت على المرأة وهو مشغول هنا وهناك ، والنبي صلى عليه وسلم قال : ( إني أحرج حق الضعيفين ، اليتيم والمرأة )
ومن صور الظلم : عدم إعطاء من له حق حقه ، ففي الحديث ( ثلاثةٌ أنا خَصمُهُم يَومَ القيامة-وذكر مِنهم: -( ورجلٌ استأجَرَ أجيرًا فاستَوفى مِنه ولم يعطِهِ أجرَه ).
وليتق الله من تولى أمرا ، فرسولُ الله صلى الله عليه وسلم : قال : مَا مِن أميرِ عَشَرةٍ إلا يؤتى به يومَ القيامة مغلولا، لا يفكُّه إلاّ العدل أو يوبقه الجور)) رواه أحمد وإسناده حسن
)، وفي الحديث أيضا أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنَّ الله يعَذِّب الذين يعذِّبون الناسَ في الدّنيا)) رواه مسلم.
وليحذر الظلمة وليضعوا نصب أعينهم قولُ رسولُنا صلى الله عليه وسلم ( اتَّق دعوةَ المظلومِ، فإنه ليس بينها وبين الله حِجاب))، وفي الحديث: ((ثلاثةٌ لا تردّ دعوتهم))، وذكَر منهم:(ودَعوةالمظلوم، يرفعها الله فوقَ الغَمامِ، ويَفتَح لها أَبوابَ السّماء،ويَقولُ الرّبّ جلّ وعلا: وعِزّتي، لأنصُرَنّك ولو بعدَ حين (
ولايغرنك إمهال الله لك يامن يظلم فقد قال الله تعالى )وَلَوْيُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ )
المشاهدات 1997 | التعليقات 0