الأشْهُرُ الحُرُمُ

مبارك العشوان 1
1441/11/04 - 2020/06/25 04:00AM

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِيْنُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْهِ، وَنَعُوْذُ بِهِ تَعَالَى مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى أيُّهَا النَّاسُ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ.

عِبَادَ اللهِ: شَهْرُنَا هَذَا أَحَدُ الْأَشْهُرِ الحُرُمِ، وَالَّتِي ذَكَرَهَا اللهُ عَزَّ وَجَلَّ بِقَولِهِ: { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ } التوبة 36

وَجَاءَ بَيَانُ هَذِهِ الأشْهُرِ الأَرْبَعَةِ الحُرُمِ فِيمَا رَوَاهُ أَبُو بَكْرَةَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ؛ قَالَ: ( السَّنَةُ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا، مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ، ثَلاَثَةٌ مُتَوَالِيَاتٌ: ذُو الْقَعْدَةِ، وَذُو الْحِجَّةِ، وَالْمُحَرَّمُ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ الَّذِي بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ... ) الخ وَهُوَ حَدِيثٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عِبَادَ اللهِ: هَذِهِ الأشْهُرُ الحُرُمُ عَظِيْمَةُ القَدْرِ؛ وَمِنْ تَوفِيقِ اللهِ تَعَالَى لِعَبْدِهِ أَنْ يُعَظِّمَ مَا عَظَّمَهُ الشَّرْعُ.

مِنْ عَلَامَاتِ تَقْوَى القُلُوبِ: تَعْظِيمُ حُرُمَاتِ اللهِ، وَتَعْظِيمُ شَعَائِرِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ } الحج 30  وَقَالَ تَعَالَى: { وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ } الحج 32

وَمِنْ تَعْظِيْمِ حُرُمَاتِ اللهِ جَلَّ وَعَلَا: الكَفُّ عَنِ المَعَاصِي فِي هَذِهِ الأشْهُرِ وَفِي غَيْرِهَا، الكَفُّ عَنِ الظُّلْمِ بِأَنْوَاعِهِ؛ قَالَ تَعَالَى: { فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ } قَالَ ابنُ زَيدٍ: الظُّلْمُ: العَمَلُ بِمَعَاصِي اللهِ، وَالتَّرْكُ لِطَاعَتِهِ.

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: ( فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَـــكُمْ )  قَالَ: فِي الشُّهُورِ كُلِّهَا.

وَقَالَ قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللهُ: إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَعْظَمُ خَطِيئَةً وَوِزْرًا مِنَ الظُّلْمِ فِيمَا سِوَاهَا، وَإِنْ كَانَ الظُّلْمُ عَلَى كُلِّ حَالٍ عَظِيمًا؛ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُعَظِّمُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى صَفَايا مِنْ خَلْقِهِ؛ اصْطَفَى مِنَ الْمَلَائِكَةِ رُسُلًا، وَمِنَ النَّاسِ رُسُلًا، وَاصْطَفَى مِنَ الْكَلَامِ ذِكْرَهُ، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَرْضِ الْمَسَاجِدَ، وَاصْطَفَى مِنَ الشُّهُورِ رَمَضَانَ وَالْأَشْهُرَ الْحُرُمَ، وَاصْطَفَى مِنَ الْأَيَّامِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، وَاصْطَفَى مِنَ اللَّيَالِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ؛ فَعَظِّمُوا مَا عَظَّمَ اللَّهُ؛ فَإِنَّمَا تعظيم الْأُمُورُ بِمَا عَظَّمَهَا اللَّهُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْفَهْمِ وَأَهْلِ الْعَقْلِ.

بَارَكَ اللهُ لِي وَلَكُمْ فِي القُرْآنِ العَظِيْمِ، وَنَفَعَنَا بِمَا فِيْهِ مِنَ الْآيِ وَالذِّكْرِ الحَكِيْمِ، وَأَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ العَظِيمَ الجَلِيْلَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ.

الخطبة الثانية:

الْحَمْدُ للَّهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى رَسُولِ اللهِ، أَمَّا بَعْدُ:

فَاتَّقُوا اللهَ - رَحِمَكُمُ اللهُ - وَالْتَزِمُوا شَرْعَهُ جَلَّ وَعَلَا؛ عَظِّمُوا شَعَائِرَهُ، عَظِّمُوا أَوَامِرَهُ فَامْتَثِلُوهَا، وَنَوَاهِيَهُ فَاجْتَنِبُوهَا، وَحُدُودَهُ فَلَا تَقْرَبُوهَا.

تَزَوَّدُوا مِنَ الأعْمَالِ الصَّالِحَةِ فَرَائِضِهَا وَنَوَافِلِهَا، تَخَلَّصُوا مِنَ المُخَالَفَاتِ صَغِيْرِهَا وَكَبِيْرِهَا، مُحَرَّمَاتِهَا وَمَكْرُوهَاتِهَا.

مَا كَسَبْتُمْ مِنْ حَسَنَةٍ فَحَافِظُوا عَلَيْهَا، وَسَلُوا اللهَ قَبُولَهَا، وَمَا اكْتَسَبْتُمْ مِنْ سَيِّئَةٍ فَاجْتَهِدُوا فِي مَحْوِهَا؛ وَسَلُوا اللهَ غُفْرَانَهَا.

ثُمَّ صَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى مَنْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ عَلَيْهِ؛ فَقَالَ سُبْحَانَهُ: { إِنَّ اللهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا } الأحزاب 56

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ ...حَمِيدٌ مَجِيدٌ.

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالمُسْلِمِينَ، اللَّهُمَّ وَانْصُرْ عِبَادَكَ المُوَحِّدِينَ، اللَّهُمَّ وَعَلَيْكَ بِأَعْدَئِكَ يَا قَوِيُّ يَا عَزِيزُ. اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، اللَّهُمَّ وَفِّقْ وُلَاةَ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى وَخُذْ بِنَوَاصِيهِمْ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى اللَّهُمَّ وَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِهُدَاكَ وَاجْعَلْ عَمَلَنَا فِي رِضَاكَ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ، اللَّهُمَّ تَقَبَّلَ مِنَّا صَالِحَ أعْمَالِنَا، وَاغْفِرَ لَنَا سَائِرَ ذُنُوبَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الغَفُورُ الرَّحِيْمُ.  

عِبَادَ اللهِ: اُذْكُرُوا اللهَ العَظِيمَ الجَلِيلَ يَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوهُ عَلَى نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

المشاهدات 1636 | التعليقات 0