الأسرة الناجحة-10-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

محمد بن سامر
1445/05/09 - 2023/11/23 08:46AM

الأسرة الناجحة-10-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري

الحمدُ للَّهِ حمدًا كثيرًا طيِّبًا مبارَكًا فيهِ مبارَكًا عليْهِ كما يحبُّ ربُّنا ويرضى.

 وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ-صلى اللهُ وَسَلَّمَ وبَارَكَ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ-.

 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَـمُوتُنَّ إلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)، أَمَّا بَعْدُ: فيا إخواني الكرامُ:

في التَّقريرِ الصَّادرِ عَنْ هَيأةِ الأُمَّمِ المُتحِدَةِ في عَامِ 1975 م، وبمُنَاسبةِ اليَومِ العَالميِّ للمَرأةِ، جَاءَ فِيهِ هَذهِ العِبَارةُ: "إنَّ الأُسرَةَ بِمَعنَاهَا الإنسَانيِّ المُتَحَضِّرِ، لم يَعُدْ لَها وُجُودٌ إلا في المُجتَمَعَاتِ الإسلاميَّةِ، رُغْمَ التَّخَلفِ الذي تَشهَدُهُ هَذهِ المُجتَمَعَاتُ في شَتَّى المَجَالاتِ الأُخرَى"، وَهَذا الإعلانُ الصَّادِرُ عن هَذهِ الجِهَةِ الرَّسمِّيةِ قَبلَ خَمسِينَ عَامًا تَقرِيبًا، يُعطِي انطِبَاعًا لِجَميعِ العَالمِ أنَّ استِقرَارَ الأُسرَةِ المَسلِمَةِ، هُو في حَدِّ ذَاتِهِ حَضَارةٌ تُحَافِظُ عَلَى هَويَّةِ المَجتَمعِ وحَضَارتِهِ، حَتى لَو لَمْ يَكُنْ في البِلادِ تَطَوِّرٌ أو رُقِيٌّ بِالمَعنى الذي يُريدونَ.

ولا شَكَ أنَّ هَذا الإعلانَ سَيَكونُ لَهُ رَدَّةُ فِعلٍ مَعَاكِسةٌ مِمن لا يُحبونَ للإسلامِ والمُسلِمينَ أيَّ خَيرٍ أو مدحٍ، كَمَا قَالَ-تَعَالى-: (مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)، فَمَكَروا وَخَطَّطوا مِن أَجلِ هَدمِ الأُسرةِ المَسلِمَةِ بِكُلِّ وَسيلةٍ، وبأَي طَريقةٍ، فَهَل استَطَاعَ الأعدَاءُ، بِكُلِّ ما أوتوا مِن مَكرٍ ودَهَاءٍ، أن يَهدِموا البِناءَ؟

والحَقِيقةُ أنَّ الحَديثَ عَن الأُسرةِ المُسلِمَةِ كَثُرَ فِيهِ الخِصامُ، وَعَظُمَ فِيهِ الصِّدَامِ، وأَصبَحَ رَبُّ الأُسرةِ يَبحَثُ عَن الزِّمَامِ، ويَا لَيتَنَا رَدَدْنا الأَمرَ إلى شَريعَةِ الإسلامِ، لَعَرَفنَا مُقَوِّمَاتِ الأُسرةِ المُسلِمَةِ في أَخصَرِ الكَلامِ.

وَبَعيدًا عَن التَّفَاصِيلِ المُمِلَةِ، احفَظوا هَذِهِ الجملةَ:

الأُسرَةُ المُسلِمَةُ النَّاجِحَةُ تساوي اختِيَارًا حَسَنًا ومَعَامَلةً حَسَنَةً وتَربيَةً حَسَنَةً.

فالاختِيارُ الحَسَنُ: كَما قَالَ الرسولُ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-في المَرأة: "تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ: لِمَالِهَا، وَلِحَسَبِهَا، وَلِجَمَالِهَا، وَلِدِينِهَا، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ"، وَقَالَ في الرَّجلِ: "إِذَا خَطَبَ إِلَيْكُمْ مَنْ تَرْضَوْنَ دِينَهُ وَخُلُقَهُ فَزَوِّجُوهُ، إِلَّا تَفْعَلُوا تَكُنْ فِتْنَةٌ فِي الأَرْضِ، وَفَسَادٌ عَرِيضٌ"، فَهَذا الأَساسُ الذي تَقُومُ عَليهِ الأُسرةُ المُسلِمَةُ لِيَتَحقَّقَ فِيها قَولُ اللهِ-تَعالى-: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً).

والمُعَامَلةُ الحَسَنَةُ: وَصيَّةُ اللهِ-تَعَالى-لَكَ أيَّها الرَّجلُ: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ)، وكَمَا وَصَّاكَ الرسولُ-صَلَّى اللهُ عَليهِ وَسَلَّمَ-: "خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي"، فَأَفضَلُ الأخلاقِ وأَفضَلُ العَطاءِ هو مَا تُعطيهِ لأهلِكَ، لا مَا تُعطِيهِ للنَّاسِ، وأَمَّا الزوجةُ فما أسهلَ عملَها وأعظمَ أجرَها! قَالَ النبيُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "إذا صلَّتِ المرأةُ خَمْسَها، وَصَامَتْ شَهرَهَا، وَحَصَّنَتْ فَرجَهَا، وأَطَاعَتْ زَوجَهَا، قِيلَ لها: ادخُلي الجنَّةَ مِن أيِّ أبوابِ الجنَّةِ شِئتِ".

والتَّربيَّةُ الحَسَنَةُ: تَربيَةُ الزَّوجةِ والأولادِ عَلى طَاعةِ اللهِ-عزّ وجلَّ-، والعَملِ الصَّالحِ الذي يُدخِلُ الجَّنَّةَ ويُبَاعِدُ عَن النَّارِ، كَمَا قَالَ-سُبحَانَه-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ)، وأَعظَمُ التَّربيَّةِ هُو الأمرُ بالصَّلاةِ والصَّبرُ عَلى ذَلكَ، كَمَا قَالَ-تَعالى-: (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا)، فإذا أَقَاموها حَفِظَتْهُم من الفَحشَاءِ والمُنكَرِ، كَما قَالَ-عَزَّ وَجلَّ-: (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ)، وَيَكونُ بِكَثرةِ الدُّعاءِ، كَمَا هُو حَالُ عِبَادِ الرَّحمَانِ: (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ)، ويَكونُ بِالقُدوةِ الحَسَنةِ كَمَا هُو مَنهَجُ الأنبياءِ، (أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ)، أو سَتَكونُ التربيةُ خَاويَةً لَيسَ لَها أَثرٌ عَلى الذُّريَّةِ، وتَكُونُ سُخطًا عَليكَ مِن رَبِّ البَريَّةِ: (كَبُرَ مَقْتًا عِندَ اللَّهِ أَن تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ).

وبِاختِصَارٍ أن تَستَعِّدَ للسُّؤالِ: قَالَ النبيُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "كُلُّكُم رَاعٍ وَكُلُّكم مَسؤولٌ عَنْ رَعيتِهِ، وَالرَّجلُ رَاعٍ عَلى أَهلِ بَيتِهِ وَهو مَسؤولٌ عَنهُم".

أستغفرُ اللهَ لي ولكم وللمسلمينَ...

الخطبة الثانية

الحمدُ للهِ كما يحبُ ربُنا ويرضى، أَمَّا بَعْدُ:

فإذا تَوَافَرَتْ مُقَوِّماتُ نَجاحِ الأسرَةِ المُسلِمَةِ وَقَامَ كُلُّ فَردٍ مِنَ الأُسرةِ بِدَورِهِ، فَالأبُّ لِلسَّعيِّ والقِوَامَةِ ومَصدَرِ الأَمانِ، والأمُّ لِلتَّربيَّةِ والخِدمَةِ وَمَنبَعِ الحَنانِ، والأولادُ للسمعِ والطاعةِ في غيرِ معصيةِ الرحمنِ، حِينَها سَيَشعُرُ الأبناءُ والبَنَاتُ بالاستِقرَارِ والاطمِئنانِ، وسَيَعرِفونَ قَدرَ هَذهِ النِّعمَةِ التي لا تُقَدَّرُ بِالأثمَانِ، وسَيَتَمنَى كُلُّ واحدٍ مِنهُم أن يَبنيَ أُسرةً مِثلَ أُسرتِهِ السَّعِيدةِ، ويَستَمِرُ النَّجاحُ والفَلاحُ في الأُسرةِ الإسلاميَّةِ الجَديدةِ.

أَمَا إذا لَم تَتَحقَّقْ مُقَوِّمَاتُ النَّجاحِ في الأُسرةِ، وحَصَلَ التَّفريطُ من الأبِّ والأمِّ، ولَمْ يَقُمْ كَلٌّ مِنهُمَا بِالحُقُوقِ التي تَنبَغي عَليهِ، فَقَد قَالَ الرسولُ-عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ-: "كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَعُولُ"، فَعِندَها تَحدثُ المَشَاكلُ الأُسْريَّةُ، ويَقَعُ الظُّلمُ والاختِلافُ بينَ أَفرادِ الأُسرةِ، ويُؤثرُ ذَلِكَ سَلبًا على تَربيةِ الجِيلِ القَادمِ، فَلا يَعرِفُونَ للأُسرةِ تَقدِيرًا ولا احتِرَامًا، ولا يَرونَ في الزَّواجِ سَكَنًا ولا سَلامًا، فَكَيفَ لِمِثلِ هَؤلاءِ أن يُنشئوا أُسَرًا إسلاميَّةً نَاجِحةً؟

وَبِالنَّظرِ إلى الوَاقِعِ، تَستَطيعُ الآنَ أن تُجيبَ: هَل استَطَاعَ الأعدَاءُ، بِكُلِّ ما أوتوا مِن مَكرٍ ودَهَاءٍ، أن يَهدِموا البِناءَ؟

وَإذَا تَلَعثَمَتْ الحُروفُ فَعُذرُهَا*

                              أَنَّ الأَسَى فِيمَا تَراهُ كَبيرُ

كَمْ شَاعِرٍ فَذٍّ رَأَى مِنْ حَولِهِ*

                            عُمْقَ الجِرَاحِ فَخَانَهُ التَّعبَيرُ

يا حيُّ يا قيومُ، يا ذا الجلالِ والإكرامِ، نسألكَ بأسمائِك الحُسْنَى، وصفاتِك العُلَى، يا ولي الإسلامِ وأهلِه ثبتْنا والمسلمينَ به حتى نلقاكَ.

اللَّهُمَّ آتنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ.

اللَّهُمَّ الطفْ بإخوانِنِا المستضعفينَ في غزةَ وبلادِ الشامِ، وغيرِها من بلادِ المسلمينَ، الطفْ بهم على كلِ حالٍ، وبلغهم من الفرجِ والنصرِ منتهى الآمالِ.

اللَّهُمَّ كن لهم ناصرًا ومعينًا يا ربَّ العالمينَ.

اللَّهُمَّ أصلحْ وُلاةَ أُمورِنا وأُمورِ المسلمينِ وبطانتَهم، واجعلْ أَمرَهم لِنَصرِ دِينِكَ، ولإعلاءِ كَلمتِكَ، ووفقهمْ لما تحبُ وترضى.

اللَّهُمَّ أصلحْ لنا وللمسلمينَ الدِّينَ والدُنيا والآخرةَ، واجعلِ الحياةَ زيادةً في كلِّ خيرٍ، والموتَ راحةً منْ كلِّ شرٍ.

اللَّهُمَّ اهدنا والمسلمينَ لأحسنِ الأخلاقِ والأعمالِ، واصرفْ عنا وعنهم سيِئها.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألك لنا وللمسلمينَ من كلِّ خيرٍ، ونعوذُ ونعيذُهم بك من كلِّ شرٍ، ونسْأَلُكَ لنا ولهم العفوَ والْعَافِيَةَ في كلِّ شيءٍ.

اللَّهُمَّ يا شافي اشفنا واشفِ مرضانا ومرضى المسلمينَ والـمسالـمينَ.

اللَّهُمَّ اِكْفِنَا والمسلمينَ بحلالِكَ عن حرامِكَ، وأَغْنِنـَا بفضلِكَ عَمَّنْ سِواكَ.

اللَّهُمَّ إنَّا نسألُكَ مِنْ فَضْلِكَ ورَحْـمَتِكَ فإنَّهُ لا يـَمْلِكُها إلا أنتَ.

اللَّهُمَّ اجعلنا والمسلمينَ ممن نصرَك فنصرْته، وحفظَك فحفظتْه.

اللَّهُمَّ أنتَ حسبُنا ونِعْمَ الوكيلُ، عليك بأعداءِ الإسلامِ والمسلمينَ وعليكَ بالظالمينَ فإنهم لا يعجزونَك، اكفنا واكفِ المسلمين شرَّهم بما شئتَ، نجعلُكَ في نـُحورِهم، ونعوذُ بكَ مِنْ شرورِهم.

اللَّهُمَّ إِنَّا والمسلمينَ مَغْلُوبُونَ مُسْتَضْعَفُونَ فانتصرْ لنا يا قويُ يا عزيزُ.

اللَّهُمَّ انصرْ المسلمينَ وجنودَنا المرابطينَ، ورُدَّهُم سالـمينَ غانـمينَ.

اللَّهُمَّ صلِ وسلمْ وباركْ على نبيِنا محمدٍ، والحمدُ للهِ ربِ العالمينَ.

المرفقات

1700718447_الأسرة الناجحة-10-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.docx

1700718448_الأسرة الناجحة-10-5-1445هـ-مستفادة من خطبة الشيخ هلال الهاجري.pdf

المشاهدات 1397 | التعليقات 0