الأسد واستثمار الحرب على داعش / بشير عبد الفتاح
احمد ابوبكر
1436/01/08 - 2014/11/01 04:12AM
[align=justify]في مسعى منها لحشد أكبر عدد ممكن من الحلفاء الإقليميين السنة ضمن التحالف الدولي لمحاربة "داعش" (تنظيم الدولة الإسلامية) ومن شايعه، لم تتورع واشنطن عن توجيه رسائل طمأنة بشأن عدم إشراك نظام الأسد في هذا التحالف أو حتى السماح له بالاستفادة من العمليات والإجراءات التي سيضطلع بها للقضاء على "داعش" وأعوانه في العراق وسوريا.
تطمينات أميركية
وفي هذا الإطار، أكد مسؤول بإدارة أوباما أن بلاده لن تعمل مع نظام الأسد، لملاحقة "داعش"، لأنه ليس لديه أي شرعية لدى السنة، واستبعد المسؤول تمكن النظام السوري من ملء الفراغ بالمناطق التي سيتم إنهاء وجود الإرهابيين فيها، نظرا لأنها ذات أغلبية سنية، على حد تعبيره، لافتا إلى أن المعارضة السورية المعتدلة هي التي ستتولى ملأ هذا الفراغ، حال تراجع قوة "داعش" بهذه المناطق.
في غضون ذلك، أكدت مصادر غربية مسؤولة أن دولا عربية حصلت على ضمانات خطية من واشنطن بأن النظام الأسدي لن يستفيد من الحرب على "داعش" ولن يسمح له بالتقدم لملء الفراغ الناجم عن قصف مواقعه، وهو الأمر الذي أعاد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تأكيده للمعارضة السورية في نيويورك.
هواجس المعارضة
غير أن مثل هذه التطمينات والضمانات الأميركية للحلفاء الإقليميين السنة بعدم السماح للأسد باستثمار الحرب على "داعش" لتحقيق مآربه، لم تكن لتحول دون استبداد طوفان من الهواجس والشكوك بالمعارضة السورية.
فمن جهة، ما برحت تلك التطمينات والضمانات تفتقر لأية ترتيبات محددة أو إجراءات واضحة لتنفيذها على أرض الواقع، فرغم تأكيد مسؤول في الإدارة الأميركية لصحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية أن بلاده لا تنوي تسهيل الأمور للأسد لاستعادة السيطرة على المناطق التي يخليها الإرهابيون، فإنه شدد على أنه ليست هناك خطط محددة حتى الآن لمنع نظام الأسد من تحقيق ذلك، كما لا توجد نيات أميركية واضحة لمواجهة قواته إذا ما أقدمت على خطوة من هذا النوع.
وفى حين أبى أوباما الانتفاض لإسقاط نظام الأسد رغم تجاوزه الخط الأحمر نهاية أغسطس/آب عام 2013 عندما استخدم الغاز السام ضد المدنيين في الغوطة بريف دمشق، ما أسفر عن مقتل 1400 مدنى سوري، ومضى الرئيس الأميركي في تجاهل طلب من السيناتورين الأميركيين ليندسي غراهام وجون ماكين، بضرورة التحرك لضرب نظام الأسد، جاء التحرك الدولي متأخرا وهزيلا ضد "داعش"، متلافيا التعرض لأية أهداف تخص النظام السوري، رغم أنه مسؤول عن ظهور التنظيمات الإرهابية ومقتل أكثر من 170 ألف مواطن سوري وتشريد الملايين في دول الجوار وأوروبا.
وكان من شأن اختزال الأزمة برمتها في "داعش" وحده أن أفسد ما تبقى من إرادة سياسية غربية للإطاحة بنظام الأسد، خصوصا مع إصرار أوباما وحلفائه على رفض المطلب التركي بأن تشمل الحرب على "داعش" إسقاط الأسد باعتباره السبب الرئيس لظهور التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية وتوسعها.
وقد كشف نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عن عمق الخلاف بهذا الخصوص عندما اتهم حلفاء إقليميين كالسعودية وتركيا والإمارات، بأنهم المسؤولون قبل إيران والنظام السوري، عن تفشي التنظيمات الإرهابية في سوريا (رغم اعتذاره لاحقا عن تلك التصريحات).
ومن جانبها، لا تعول المعارضة السورية كثيرا على غارات التحالف الدولي، حيث ندد رياض الأسعد، أحد مؤسسي الجيش الحر، بتلك الغارات معتبرا أنها تجهز على المدنيين وقوات المعارضة، إذ تستهدف الغارات الليلية منها في محافظتي إدلب وحلب الشماليتين كتائب إسلامية تقاتل الأسد ضمن صفوف الجيش الحر، وحذر من إمكانية استفادة قوات الأسد منها عبر استعادة ما فقدته من الأراضي خلال العامين الماضيين، علاوة على ملء الفراغ الذى سيتمخض عن سقوط "داعش "، الأمر الذى يجعل من التحالف الدولي في نظر الشعب السوري منقذا لنظام الأسد.
ولكم تعددت الإشارات التي تضفي غموضا على الموقف الأميركي إزاء الأسد، فمن رفض التدخل عسكريا لإسقاطه رغم فداحة جرائمه، مرورا بشائعات التنسيق معه في حرب "داعش".
ومع بدء الغارات الجوية أعلنت الخارجية السورية أن الوزير وليد المعلم تلقى قبل بدء الضربات بساعات قليلة رسالة من نظيره الأميركي جون كيري عن طريق وزير خارجية العراق قال فيها إن واشنطن وحلفاءها سيقصفون تنظيم الدولة في سوريا، كما نقلت وكالة "رويترز" عن سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري قوله إن سفيرة واشنطن لدى المنظمة الدولية سامانثا باور أبلغته بضربات جوية وشيكة ضد تنظيم الدولة في سوريا.
ورغم أن واشنطن قد نفت ذلك بشدة، فإنها عادت واعترفت لاحقا بأنها أخطرت النظام السوري سابقا باعتزامها توجيه ضربات لـ"داعش" بغية تحذيره فقط من مغبة التعرض للمقاتلات الأميركية.
وفى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، أطلق أوباما قذيفة من العيار الثقيل حينما أبدى عدم ممانعته اضطلاع قوات الأسد بمهمة ملء الفراغ الناجم عن سقوط "داعش" وأنصاره، مشددا على أن حل الأزمة السورية سياسي بامتياز.
كما أكدت مصادر أميركية عقب ذلك موافقة واشنطن على أن يكون الجيش والنظام السوريين شركاء مستقبليين لدى الوصول إلى الحل السياسي حتى أنها طالبت بعدم قصف مواقع النظام أو المراكز والأهداف العسكرية بالمناطق الخاضعة لسيطرته، وهوما تزامن مع إشادة قيادات عسكرية أميركية بعدم تعرض الدفاعات الجوية السورية للطيران الحربى الدولي الذى يوجه الضربات لـ"داعش".
ورغم موافقته المتأخرة على برنامج لتدريب وتجهيز آلاف من المعارضة السورية المعتدلة بالسعودية وتركيا، وتخصيص إدارته نصف بليون دولار لهذا الغرض على مدى عام كامل، لم يبد أوباما أية التزامات فيما يخص التسليح، ما يشي بأن أوباما يرى أن "داعش" أكثر خطرا على بلاده والعالم أجمع من النظام السوري وروسيا وإيران وميليشياتها الشيعية المنتشرة في ربوع العراق وسوريا بل وغالبية دول المنطقة.
وفى حين يرى الأتراك أنه لا يمكن منع النظام السوري من استثمار الحرب على "داعش" من دون تحييد سلاحه الجوي عبر فرض منطقة آمنة وحظر جوى بشمال سوريا، لا تزال إدارة أوباما مصرة على تجاهل هذا المطلب، رغم أن هناك قرارا أمميا لمجلس الأمن الدولي، بالإجماع، برقم 2178، تحت بند الفصل السابع، يمهد لذلك إذ يقضي بالتصدي للمجموعات الإرهابية بسوريا، كـ"داعش" وجبهة النصرة وحزب الله، وكافة الميليشيات الشيعية التي تقاتل دفاعا عن الأسد.
رهانات الأسد
لعل الأسد يركن في مساعيه للاستفادة من الحرب على "داعش" إلى عدة اعتبارات أهمها: أن تفاقم خطر التنظيم وإعلانه دولة خلافة إسلامية تمتد إلى فلسطين يغذى مخاوف إسرائيل وحلفائها الغربيين، وهنا تكمن أهمية استبقاء نظامه بوصفه حام لإسرائيل وضامن لبقائها.
فمع بدء الثورة السورية، أعلن رامي مخلوف -ابن خالة بشار الأسد- بأنه إذا اهتز أمن النظام الأسدي فإن إسرائيل لن تنعم بالأمن، وبعد ثلاثة أعوام كرر مساعد وزير خارجية إيران للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان ذات التصريح بكلمات أخرى، حيث حذر قبل أيام من أن "أي عمل خبيث وأسلوب خاص بذريعة مكافحة "داعش" والذي من شأنه أن يؤدي إلى تغيير جذري في سوريا سيرتب على التحالف وأميركا والصهاينة عواقب وخيمة"، الأمر الذى يطوى بين ثناياه إقرارا إيرانيا، بأن الأسد وإيران يلعبان دورا محوريا في ضمان أمن إسرائيل بغض النظر عن خطاب "الممانعة" و"المقاومة" الذى طالما تشدقا به.
ويحاول الأسد كذلك الاستفادة من استمرار انتصارات "داعش" العسكرية في العراق وسوريا، وتزايد أعداد مقاتليه محليا ودوليا رغم ما يخسره في المعارك، ورسوخ حكمه وسيادته في المدن والبلدات التي يسيطر عليها مع قبول سكان الكثير منها العيش في ظل حكمه، رغم ملاحقته من قوى التحالف الدولي والقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا وإيران إضافة للمجموعات المسلحة الكردية وغير الكردية، من أجل إفزاع المجتمع الدولي من مخاطر التنظيم وتهديداته وصرف أنظار العالم عن جرائم الأسد.
وبينما يستند رفض واشنطن للتنسيق مع الأسد في الحرب على "داعش" إلى تطلع لأنْ تشكل المعارضة السورية المعتدلة "بديلا" للأسد وأن تملأ الفراغ المترتب على سقوط "داعش" وأن تدفع الإستراتيجية الأميركية في مرحلة لاحقة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع المكونات الطائفية والعرقية والسياسية السورية، أسوة بالنموذج العراقي وفق معادلة "لا غالب ولا مغلوب"، تطل برأسها تحديات تحول دون تنفيذ هذا السيناريو أبرزها: تشكيك دوائر أميركية في توفر عناصر المعارضة السورية المعتدلة التي يمكن الاعتماد على قدراتها والوثوق بولاءاتها وتوجهاتها.
وفيما يشكل ضعف المعارضة السورية وانقسامها تحديا أمام توفير "القوة الثالثة" التي اقترحتها تركيا كفصيل ثالث ما بين "داعش" وقوات الأسد، لا يزال الدعم الروسي والإيراني للأخير مستمرا، كما تلوح روسيا والصين بمعارضة إقامة منطقة عازلة أو "آمنة" على الحدود السورية التركية، الأمر الذى يدفع أوباما للاعتماد على بدائل أخرى كأكراد سوريا والعراق أو ربما استبقاء الأسد نفسه باعتباره أفضل الخيارات السيئة المتاحة أمام واشنطن.
وفى خضم تلك الحسابات المعقدة، تسنى للأسد انتزاع مكاسب عديدة من الحرب على "داعش"، فإلى جانب الترويج لأن سقوطه سيهدد أمن إسرائيل ويعطل مساعي التقارب الأميركية الإيرانية ويفخخ المنطقة برمتها، تساعد هذه الحرب على إنجاح إستراتيجيته القائمة على تفنيد ادعاءات خصومه ومعارضيه بأنه مصدر كل الشرور، إضافة إلى التخلص من أي معارضة معتدلة لحكمه عبر وصمها بالإرهاب، وإقناع العالم بأنه لا يواجه ثورة شعبية وإنما إرهابا إسلاميا يشكل عدوا مشتركا له وللغرب في آن، ومن ثم هرع الأسد لإعلان دعمه لأي جهد دولي يصب في محاربة الإرهاب مهما كانت مسمياته سواء "داعش" أو "جبهة النصرة" أو غيرهما.
ميدانيا، نجح الأسد في استغلال الغارات لتكثيف عدوانه على المدنيين العزل توخيا لتغيير مجريات المعارك على الأرض مع المعارضة لمصلحته، حيث ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنه بدأ يزيد من ضرباته الجوية ضد معاقل الجيش الحر كما بدأ ينجح في استعادة بعض المواقع التي فقدها في السابق، ما من شأنه أن يساعده على تقليص الانتقادات اللاذعة من جانب أتباعه جراء فقدان أراضي أو مقتل جنود نظاميين أو أسرهم من قبل المعارضة المسلحة.
وفى مسعى منه لخلط الأوراق توطئة لافتعال فرصة للتصالح مع المجتمع الدولي، عمد نظام الأسد إلى الترويج لوجود تنسيق بينه وبين التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، حيث أوردت صحيفة "الوطن" السورية الموالية للأسد أن "القيادة العسكرية الأميركية باتت في خندق واحد مع قيادة الجيش السوري في الحرب على الإرهاب داخل سوريا وعلى حدودها الشرقية والجنوبية الشرقية، حتى لو رفضت واشنطن ودمشق مثل هذا التشبيه، لأنه يتعارض مع توجهات رأيهما العام، إلا أنه واقعي وحقيقي".
وأضافت الصحيفة أن "الجيش السوري سيستفيد حتما من الضربات الجوية الأميركية، خاصة أنه الأقوى على الأرض ولديه قدرة ومرونة في التحرك الميداني، وهو الذي سيقيم نتائج الضربات الجوية الأميركية وما إذا كانت حققت هدفها أم لا".
المصدر : الجزيرة نت
[/align]
تطمينات أميركية
وفي هذا الإطار، أكد مسؤول بإدارة أوباما أن بلاده لن تعمل مع نظام الأسد، لملاحقة "داعش"، لأنه ليس لديه أي شرعية لدى السنة، واستبعد المسؤول تمكن النظام السوري من ملء الفراغ بالمناطق التي سيتم إنهاء وجود الإرهابيين فيها، نظرا لأنها ذات أغلبية سنية، على حد تعبيره، لافتا إلى أن المعارضة السورية المعتدلة هي التي ستتولى ملأ هذا الفراغ، حال تراجع قوة "داعش" بهذه المناطق.
في غضون ذلك، أكدت مصادر غربية مسؤولة أن دولا عربية حصلت على ضمانات خطية من واشنطن بأن النظام الأسدي لن يستفيد من الحرب على "داعش" ولن يسمح له بالتقدم لملء الفراغ الناجم عن قصف مواقعه، وهو الأمر الذي أعاد الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند تأكيده للمعارضة السورية في نيويورك.
هواجس المعارضة
غير أن مثل هذه التطمينات والضمانات الأميركية للحلفاء الإقليميين السنة بعدم السماح للأسد باستثمار الحرب على "داعش" لتحقيق مآربه، لم تكن لتحول دون استبداد طوفان من الهواجس والشكوك بالمعارضة السورية.
فمن جهة، ما برحت تلك التطمينات والضمانات تفتقر لأية ترتيبات محددة أو إجراءات واضحة لتنفيذها على أرض الواقع، فرغم تأكيد مسؤول في الإدارة الأميركية لصحيفة "النيويورك تايمز" الأميركية أن بلاده لا تنوي تسهيل الأمور للأسد لاستعادة السيطرة على المناطق التي يخليها الإرهابيون، فإنه شدد على أنه ليست هناك خطط محددة حتى الآن لمنع نظام الأسد من تحقيق ذلك، كما لا توجد نيات أميركية واضحة لمواجهة قواته إذا ما أقدمت على خطوة من هذا النوع.
وفى حين أبى أوباما الانتفاض لإسقاط نظام الأسد رغم تجاوزه الخط الأحمر نهاية أغسطس/آب عام 2013 عندما استخدم الغاز السام ضد المدنيين في الغوطة بريف دمشق، ما أسفر عن مقتل 1400 مدنى سوري، ومضى الرئيس الأميركي في تجاهل طلب من السيناتورين الأميركيين ليندسي غراهام وجون ماكين، بضرورة التحرك لضرب نظام الأسد، جاء التحرك الدولي متأخرا وهزيلا ضد "داعش"، متلافيا التعرض لأية أهداف تخص النظام السوري، رغم أنه مسؤول عن ظهور التنظيمات الإرهابية ومقتل أكثر من 170 ألف مواطن سوري وتشريد الملايين في دول الجوار وأوروبا.
وكان من شأن اختزال الأزمة برمتها في "داعش" وحده أن أفسد ما تبقى من إرادة سياسية غربية للإطاحة بنظام الأسد، خصوصا مع إصرار أوباما وحلفائه على رفض المطلب التركي بأن تشمل الحرب على "داعش" إسقاط الأسد باعتباره السبب الرئيس لظهور التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية وتوسعها.
وقد كشف نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن عن عمق الخلاف بهذا الخصوص عندما اتهم حلفاء إقليميين كالسعودية وتركيا والإمارات، بأنهم المسؤولون قبل إيران والنظام السوري، عن تفشي التنظيمات الإرهابية في سوريا (رغم اعتذاره لاحقا عن تلك التصريحات).
ومن جانبها، لا تعول المعارضة السورية كثيرا على غارات التحالف الدولي، حيث ندد رياض الأسعد، أحد مؤسسي الجيش الحر، بتلك الغارات معتبرا أنها تجهز على المدنيين وقوات المعارضة، إذ تستهدف الغارات الليلية منها في محافظتي إدلب وحلب الشماليتين كتائب إسلامية تقاتل الأسد ضمن صفوف الجيش الحر، وحذر من إمكانية استفادة قوات الأسد منها عبر استعادة ما فقدته من الأراضي خلال العامين الماضيين، علاوة على ملء الفراغ الذى سيتمخض عن سقوط "داعش "، الأمر الذى يجعل من التحالف الدولي في نظر الشعب السوري منقذا لنظام الأسد.
ولكم تعددت الإشارات التي تضفي غموضا على الموقف الأميركي إزاء الأسد، فمن رفض التدخل عسكريا لإسقاطه رغم فداحة جرائمه، مرورا بشائعات التنسيق معه في حرب "داعش".
ومع بدء الغارات الجوية أعلنت الخارجية السورية أن الوزير وليد المعلم تلقى قبل بدء الضربات بساعات قليلة رسالة من نظيره الأميركي جون كيري عن طريق وزير خارجية العراق قال فيها إن واشنطن وحلفاءها سيقصفون تنظيم الدولة في سوريا، كما نقلت وكالة "رويترز" عن سفير سوريا لدى الأمم المتحدة بشار الجعفري قوله إن سفيرة واشنطن لدى المنظمة الدولية سامانثا باور أبلغته بضربات جوية وشيكة ضد تنظيم الدولة في سوريا.
ورغم أن واشنطن قد نفت ذلك بشدة، فإنها عادت واعترفت لاحقا بأنها أخطرت النظام السوري سابقا باعتزامها توجيه ضربات لـ"داعش" بغية تحذيره فقط من مغبة التعرض للمقاتلات الأميركية.
وفى كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة الشهر الماضي، أطلق أوباما قذيفة من العيار الثقيل حينما أبدى عدم ممانعته اضطلاع قوات الأسد بمهمة ملء الفراغ الناجم عن سقوط "داعش" وأنصاره، مشددا على أن حل الأزمة السورية سياسي بامتياز.
كما أكدت مصادر أميركية عقب ذلك موافقة واشنطن على أن يكون الجيش والنظام السوريين شركاء مستقبليين لدى الوصول إلى الحل السياسي حتى أنها طالبت بعدم قصف مواقع النظام أو المراكز والأهداف العسكرية بالمناطق الخاضعة لسيطرته، وهوما تزامن مع إشادة قيادات عسكرية أميركية بعدم تعرض الدفاعات الجوية السورية للطيران الحربى الدولي الذى يوجه الضربات لـ"داعش".
ورغم موافقته المتأخرة على برنامج لتدريب وتجهيز آلاف من المعارضة السورية المعتدلة بالسعودية وتركيا، وتخصيص إدارته نصف بليون دولار لهذا الغرض على مدى عام كامل، لم يبد أوباما أية التزامات فيما يخص التسليح، ما يشي بأن أوباما يرى أن "داعش" أكثر خطرا على بلاده والعالم أجمع من النظام السوري وروسيا وإيران وميليشياتها الشيعية المنتشرة في ربوع العراق وسوريا بل وغالبية دول المنطقة.
وفى حين يرى الأتراك أنه لا يمكن منع النظام السوري من استثمار الحرب على "داعش" من دون تحييد سلاحه الجوي عبر فرض منطقة آمنة وحظر جوى بشمال سوريا، لا تزال إدارة أوباما مصرة على تجاهل هذا المطلب، رغم أن هناك قرارا أمميا لمجلس الأمن الدولي، بالإجماع، برقم 2178، تحت بند الفصل السابع، يمهد لذلك إذ يقضي بالتصدي للمجموعات الإرهابية بسوريا، كـ"داعش" وجبهة النصرة وحزب الله، وكافة الميليشيات الشيعية التي تقاتل دفاعا عن الأسد.
رهانات الأسد
لعل الأسد يركن في مساعيه للاستفادة من الحرب على "داعش" إلى عدة اعتبارات أهمها: أن تفاقم خطر التنظيم وإعلانه دولة خلافة إسلامية تمتد إلى فلسطين يغذى مخاوف إسرائيل وحلفائها الغربيين، وهنا تكمن أهمية استبقاء نظامه بوصفه حام لإسرائيل وضامن لبقائها.
فمع بدء الثورة السورية، أعلن رامي مخلوف -ابن خالة بشار الأسد- بأنه إذا اهتز أمن النظام الأسدي فإن إسرائيل لن تنعم بالأمن، وبعد ثلاثة أعوام كرر مساعد وزير خارجية إيران للشؤون العربية والأفريقية حسين أمير عبد اللهيان ذات التصريح بكلمات أخرى، حيث حذر قبل أيام من أن "أي عمل خبيث وأسلوب خاص بذريعة مكافحة "داعش" والذي من شأنه أن يؤدي إلى تغيير جذري في سوريا سيرتب على التحالف وأميركا والصهاينة عواقب وخيمة"، الأمر الذى يطوى بين ثناياه إقرارا إيرانيا، بأن الأسد وإيران يلعبان دورا محوريا في ضمان أمن إسرائيل بغض النظر عن خطاب "الممانعة" و"المقاومة" الذى طالما تشدقا به.
ويحاول الأسد كذلك الاستفادة من استمرار انتصارات "داعش" العسكرية في العراق وسوريا، وتزايد أعداد مقاتليه محليا ودوليا رغم ما يخسره في المعارك، ورسوخ حكمه وسيادته في المدن والبلدات التي يسيطر عليها مع قبول سكان الكثير منها العيش في ظل حكمه، رغم ملاحقته من قوى التحالف الدولي والقوات الحكومية السورية المدعومة من روسيا وإيران إضافة للمجموعات المسلحة الكردية وغير الكردية، من أجل إفزاع المجتمع الدولي من مخاطر التنظيم وتهديداته وصرف أنظار العالم عن جرائم الأسد.
وبينما يستند رفض واشنطن للتنسيق مع الأسد في الحرب على "داعش" إلى تطلع لأنْ تشكل المعارضة السورية المعتدلة "بديلا" للأسد وأن تملأ الفراغ المترتب على سقوط "داعش" وأن تدفع الإستراتيجية الأميركية في مرحلة لاحقة إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع المكونات الطائفية والعرقية والسياسية السورية، أسوة بالنموذج العراقي وفق معادلة "لا غالب ولا مغلوب"، تطل برأسها تحديات تحول دون تنفيذ هذا السيناريو أبرزها: تشكيك دوائر أميركية في توفر عناصر المعارضة السورية المعتدلة التي يمكن الاعتماد على قدراتها والوثوق بولاءاتها وتوجهاتها.
وفيما يشكل ضعف المعارضة السورية وانقسامها تحديا أمام توفير "القوة الثالثة" التي اقترحتها تركيا كفصيل ثالث ما بين "داعش" وقوات الأسد، لا يزال الدعم الروسي والإيراني للأخير مستمرا، كما تلوح روسيا والصين بمعارضة إقامة منطقة عازلة أو "آمنة" على الحدود السورية التركية، الأمر الذى يدفع أوباما للاعتماد على بدائل أخرى كأكراد سوريا والعراق أو ربما استبقاء الأسد نفسه باعتباره أفضل الخيارات السيئة المتاحة أمام واشنطن.
وفى خضم تلك الحسابات المعقدة، تسنى للأسد انتزاع مكاسب عديدة من الحرب على "داعش"، فإلى جانب الترويج لأن سقوطه سيهدد أمن إسرائيل ويعطل مساعي التقارب الأميركية الإيرانية ويفخخ المنطقة برمتها، تساعد هذه الحرب على إنجاح إستراتيجيته القائمة على تفنيد ادعاءات خصومه ومعارضيه بأنه مصدر كل الشرور، إضافة إلى التخلص من أي معارضة معتدلة لحكمه عبر وصمها بالإرهاب، وإقناع العالم بأنه لا يواجه ثورة شعبية وإنما إرهابا إسلاميا يشكل عدوا مشتركا له وللغرب في آن، ومن ثم هرع الأسد لإعلان دعمه لأي جهد دولي يصب في محاربة الإرهاب مهما كانت مسمياته سواء "داعش" أو "جبهة النصرة" أو غيرهما.
ميدانيا، نجح الأسد في استغلال الغارات لتكثيف عدوانه على المدنيين العزل توخيا لتغيير مجريات المعارك على الأرض مع المعارضة لمصلحته، حيث ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية أنه بدأ يزيد من ضرباته الجوية ضد معاقل الجيش الحر كما بدأ ينجح في استعادة بعض المواقع التي فقدها في السابق، ما من شأنه أن يساعده على تقليص الانتقادات اللاذعة من جانب أتباعه جراء فقدان أراضي أو مقتل جنود نظاميين أو أسرهم من قبل المعارضة المسلحة.
وفى مسعى منه لخلط الأوراق توطئة لافتعال فرصة للتصالح مع المجتمع الدولي، عمد نظام الأسد إلى الترويج لوجود تنسيق بينه وبين التحالف الدولي لمحاربة "داعش"، حيث أوردت صحيفة "الوطن" السورية الموالية للأسد أن "القيادة العسكرية الأميركية باتت في خندق واحد مع قيادة الجيش السوري في الحرب على الإرهاب داخل سوريا وعلى حدودها الشرقية والجنوبية الشرقية، حتى لو رفضت واشنطن ودمشق مثل هذا التشبيه، لأنه يتعارض مع توجهات رأيهما العام، إلا أنه واقعي وحقيقي".
وأضافت الصحيفة أن "الجيش السوري سيستفيد حتما من الضربات الجوية الأميركية، خاصة أنه الأقوى على الأرض ولديه قدرة ومرونة في التحرك الميداني، وهو الذي سيقيم نتائج الضربات الجوية الأميركية وما إذا كانت حققت هدفها أم لا".
المصدر : الجزيرة نت
[/align]