الأسباب الشرعية لسعة ويسر الأرزاق 3ـ اليقين والتوكل علي الله
جابر السيد الحناوي
1431/05/01 - 2010/04/15 05:23AM
بسـم الله الرحمـن الرحـيم
الأســـباب الشــرعية لســـعة
و يســـر الأرزاق
[glint]3 ـاليقين والتوكل[/glint]
على الله عز وجل
عرفنا في الخطبة السابقة إن الكثير من الناس تشغلهم أعباء الحياة ومستلزماتها ، وتسيطرعليهم هموم الانشغال بالرزق ،لدرجة أن هناك من يعتقد أن التمسك بالإسلام والالتزام بأوامره ، من الأمور التي تؤثر علي حصوله علي الرزق ، وهذا سوء ظن بالله عز وجل والعياذ بالله ، وترجموا ذك إلي سلوكيات خاطئة بحجة تدبير المعاش ، ونسي هؤلاء أن الله سبحانه وتعالىشرع لعباده الأسباب التي تجلب الرزق وبيَّن لنا في مواطن عديدة من كتابه العزيز ، وعلي لسان نبيه صلي الله عليه وسلم، أن التمسك الحق بشرع الله من أعظم أسباب الرزق ، وتكفَّل لمن أخذ به بالنجاة مما يحذر، والرزق من حيث لا يحتسب.
وقد تناولنا في الخطب الماضية بعضا من الأسباب الشرعية من أسباب الرزق ( الاستغفار و التقوي ) واليوم ـ إن شاء الله تعالي ـ مع بقية من الأسباب الشرعية لسعة ويسر الأرزاق ، فنقول وبالله التوفيق :
من هذه الأسباب اليقين والتوكل
على الله عز وجل
اليقين والتوكل :خصلتان متلازمتان ، فاليقين هو قوة الإيمان والثبات ، حتي كأن الإنسان يري بعينه ما أخبر الله به ورسوله من شدة يقينه ، فاليقين هو ثبات وإيمان ليس معه شك بوجه من الوجوه ، فيري الغائب الذي أخبر الله ورسوله عنه كأنه حاضر بين يديه ، وهو أعلي درجات الإيمان .
هذا اليقين يثمر ثمرات جليلة ، منها التوكل علي الله عز وجل، والتوكل علي الله عز وجل : اعتماد الإنسان علي ربه عز وجل في ظاهره وباطنه في جلب المنافع ودفع المضار. ( [1] )
بمعني أن يعتمد القلب على الله وحده فيظهِر العبد عجزه ، ويعتمد علىخالقه حق الاعتماد ، ويفوض الأمر كله لله ، يقول تعالى : " وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى الله فَهُوَ حَسْبُهُ " ( ) أي : من يعتمد على الله في جلب ما ينفعه ودفع ما يضره ، في أمر دينه ودنياه ، ويثق بالله عز وجل في تسهيل ذلك " فَهُوَ حَسْبُهُ " أي: كافيه الأمر الذي توكل عليه فيه ؛ فالأمر في كفالة الغني القوي العزيز الرحيم ، ( [2] ) ، ومن كان الله حسبه فقد كفي كل شيء .
عن عبد الله بن عباس : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له:" يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ".( [3] )
فقوله : " يَحْفَظْكَ " أي يحفظك في الدنيا من الآفات والمكروهات ، وفي العقبى من أنواع العقاب والدركات
وقوله : " احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ " قال الطيبي : أي راع حق الله وتحر رضاه تجده تجاهك أي مقابلك وحذاءك ـ والتاء بدل من الواو كما في تقاة وتخمة ـ أي احفظ حق الله تعالى حتى يحفظك الله من مكاره الدنيا والآخرة .
وقوله : " إِذَا سَأَلْتَ " أي أردت السؤال " فَاسْأَلْ اللَّهَ " أي وحده ، لأن غيره غير قادر على الإعطاء والمنع ودفع الضر وجلب النفع .
وقوله : " وَإِذَا اسْتَعَنْتَ " أي أردت الاستعانة في الطاعة وغيرها من أمور الدنيا والآخرة " فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ " فإنه المستعان وعليه التكلان .
وقوله : " رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ " أي كتب في اللوح المحفوظ ما كتب من التقديرات ، ولا يكتب بعد الفراغ منه شيء آخر ، فعبر عن سبق القضاء والقدر برفع القلم وجفاف الصحيفة تشبيها بفراغ الكاتب في الشاهد من كتابته ( [4] )
ومن هنا فليسأل كل منا نفسه ، أيجري في هذا الكون شئ لا يريده الله ؟ أفينقص من رزقك شئ قدره لك الله ؟ وستكون الإجابة حتما : كلا ثم كلا ، وعليه فعلي الإنسان المسلم أن يراعي حق اللهعز وجلأولا ، ولا يسأل غير الله حاجته ، وهو علي يقين بأن الأمور كلها ـ ومنها الأرزاق ـ سبق تقديرها في علم الله ، فلا يستعين بغير الله في قضاء حوائجه ، فهوسبحانه وتعالىوحده القادر وغيره لا يقدر ، فيفوض الأمر كله لله ، ويتفرغ لأداء وظيفته التي خلق من أجلها ، وهي تحقيق العبودية الخالصة لله ، ويترك أمر الرزق لخالقهعز وجل ، ففي هاتين المرتبتين : اليقين والتوكل يحصل للإنسان مقصوده في الدنيا والآخرة ، ويستريح ويعيش مطمئنا سعيدا ؛ لأنه موقن بكل ما أخبر الله به ورسوله ، متوكل علي الله عز وجل، يقول المصطفي صلى الله عليه وسلم :" لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ لَرَزَقَكُمْ كَمَا يَرْزُقُ الطَّيْرَ تَغْدُو خِمَاصًا وَتَرُوحُ بِطَانًا " ( [5] ) " لَوْ أَنَّكُمْ تَوَكَّلْتُمْ عَلَى اللَّهِ حَقَّ تَوَكُّلِهِ " بأن لم يخطر ببالك مداخلة لغيره سبحانه وتعالى في الرزق أصلا وعملتم بمقتضاه " لَرَزَقَكُمْ " كل يوم رزقا جديدا من غير أن تحتاجوا إلى حفظ المال ، ولا يلزم منه ترك السعي في تحصيل ذلك بالخروج والحركة فإن السعي معتاد في الطير ، وقد ذكر في الحديث ؛ فالطير" تَغْدُو خِمَاصًا "أي تخرج من أول النهار جياعا " وَتَرُوح " أي آخره" بِطَانًا " أي ممتلئة الأجواف ... وفيه أن الحاجة في الإنسان إلى حفظ المال إنما جاءت من جهة ترك حق التوكل على الجليل المتعال . ( [6] )
[glint]4 ـ المتابعة بين الحج والعمرة[/glint]
وأيضاً من الأسباب في زيادة الرزق في الدنيا
المتابعة بين الحج والعمرة
المتابعة بين الحج والعمرة من أسباب سعة الرزق ويسر الحال ، و يقصد بذلك زيارة بيت الله الحرام كلما أمكن ذلك ، سواء كان ذلك لاداء الحج أو للعمرة ، قال رسول الله صلي الله عليه وسلم: " أديموا الحج والعمرة " ( [7] ) وفي رواية : " تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ..."( [8] )
والمراد بـ ( تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ) أي إذا اعتمرتم فحجوا وإذا حججتم فاعتمروا ، بمعني المداومة عليهما ( فَإِنَّهُمَا ) أي الحج والاعتمار ( يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ) أي يزيلان الفقر ، وهو يحتمل الفقر الظاهر بحصول غنى اليد ، والفقر الباطن بحصول غنى القلب ، أما ( َالذُّنُوبَ ) فيمحوانها ، وقيل المراد بها الصغائر ، و لكن صاحب تحفة الأحوذي يقول: ( [9] ) ولكن يأباه قوله : ( كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ ) وهو ما ينفخ فيه الحداد لاشتعال النار للتصفية ، ( خَبَثَ الْحَدِيدِ وَالذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ ) أي وسخها الذي يبعده الكير عن المعدن النقي ، والله على كل شيء قدير وفضله واسع .
فالحج والعمرة يبعدان عن صاحبهما الفقر المادي والمعنوي ، ويمحوان عنه الذنوب كبيرها وصغيرها ولا حرج علي فضل الله سبحانه وتعالى والله ذو الفضل العظيم يؤتيه من يشاء من عباده .
المتابعة بين الحج والعمرة إذن من فضائلها أنها تخلص صاحبها من الفقر والذنوب ، المتابعة بين الحج والعمرة تنفي الفقر عن المسلمين ، رغم أن ظاهرها أنها عبادة مكلفة ماديا ، ولكنها رغم أنف الماديين والعلمانيين المسلطين علي المسلمين .. تنفي الفقر عن المحتاجين ، وتزيد غني الموسرين .
المتابعة بين الحج والعمرة سبب من أسباب زوال الفقر عن المسلمين ، وهذا أمر قد لايتفطن له كثير من الناس ، أنهم إذا ذهبوا إلى الحج والعمرة كان ذلك سبباً بإذن الله لزيادة الرزق والمال ، رغم أنك حين تؤدي هذه العبادة تكلفك الآلاف .. ولكن الله عز وجليعيدها إليك مرة أخري في الدنيا بزوال الفقر ، وفي الآخرة بغفران الذنوب ومحوها .
والذي أريد أن أركز عليه هنا هو زوال الفقر ...
الذين يحسبونها بالورقة والقلم ، بالكمبيوتر والآلات الحاسبة ، لن يجدوا لهذه المعادلة حلا ، أما المؤمن الموقن بصدق نبيه صلي الله عليه وسلمفلا يفكر هكذا ، وإنما يقول سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير ، وصدق رسولنا الكريم الذى لا ينطق عن الهوي ، فيشعر بالنتيجة ويحس بها بل ويلمسها في كل حياته .
المتابعة بين الحج والعمرة إذن مصدر من مصادر الرزق الإلهي المبارك ، الذي لا يعلم كنهه إلا الله .. ولهذا لما سـئل ابن تيمية عن رجل يريد أن يحج تطوعا ، هل الأفضل له أن يحج أم يتصدق بمصاريف الحج علي الفقراء ؟ قال : لا ، بل يحج ؛ لأنه إذا حج سوف يزيد رزقه ، ويجد عنده فائضا دائما يتصدق به علي الفقراء ، بعكس ما إذا تصدق مرة واحدة بنفقات الحج ثم انقطع عن الانفاق .
بمثل هذا الإيمان ، وبهذا المنطق يجب أن يفهم المسلمون هذه الحكمة الاقتصادية من حكم المتابعة بين الحج والعمرة ، وأن هذه المتابعة مصدر من المصادر الشرعية للرزق الحلال الطيب ... " تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فَإِنَّهُمَا يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ ... " أما الذين يصدون عن سبيل الله بتعجيز الناس عن أداء الحج والعمرة بحجة توفير العملة الأجنبية ، هؤلاء لن يصلحوا اقتصاد البلاد بهذا المنع ، بل سيزيدونها خرابا فوق خراب ؛ لأنهم بذلك يحرمون اقتصاد البلاد من مصدر إلهي من مصادر الرزق المبارك ، الذي لايحس به إلا المؤمنون حقا ، ولا يخضع للمقاييس البشرية القاصرة ، في حساب الثروة القومية للبلاد .
وصلى اللهم وسلم على نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلي يوم الدين .
(جميع الحقوق متاحة لكافة المسلمين بمختلف الوسائل غير الربحية فإنها تحتاج إلي تصريح كتابي )