(الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل ) ألقيت بتأريخ 30 / 2 / 1413 هـ
د. عبدالله بن حسن الحبجر
بسم الله الرحمن الرحيم
( الأسباب الجالبة لمحبة الله عز وجل )
القيت بتأريخ 30 / 2 / 1413 هـ في جامع فيهق في محافظة حوطة بني تميم .
____________________
الحمد لله الذي خلق كل شيء فقدره تقديرا ، وجرت الأمور على ما يشاء حكمة وتدبيرا ، ولله ملك السماوات والارض وإليه يرجع الأمر كله ، ولن تجد من دونه وليا ولا نصيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وكان الله على كل شيء قديرا، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بين يدي الساعة بشيرا ونذيرا، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا .
(يا ايها الذين امنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا * يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما )
معاشر المسلمين: كان الحديث في الجمعة الماضية عن: محبه الله عز وجل، وبيان فضلها وأهميتها، وسيكون الحديث اليوم - بعون الله - عن الأمور الجالبة لها والموجبة لها ، فإليكم بيانها بشيء من الايجاز:
الأمر الاول: قراءة القرآن بالتدبر والفهم لمعانيه وما أريد به . (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرا كبيرا)
فتلاوة القرآن هي أحسن ما عمرت به الأوقات، بل وأطيب ما طيبت به المجالس .
ذلكم الكتاب الذي أنزله الله تعالى هداية ونورا يقود إلى دار السلام، فمن أحب الله تعالى محبة حقيقية أحب كلامه .
ألا يكفي شاهدا للإنس، أن الجن لما سمعت هذا القرآن العظيم آمنت وأقرَّت وصدقت فقالت: ( إنا سمعنا قرآنا عجبا)
فما مِنْ مؤمن لزم تلاوته والعمل به إلا انفتحت أغلاق قلبه وسطعت أنوار القرآن الكريم وبشاشته في آفاق نفسه (كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب) .
الأمر الثاني: التقرب الى الله بالنوافل بعد الفرائض ، فقد جاء في الحديث القدسي الذي رواه البخاري في صحيحه (إنَّ اللَّهَ تعالى قالَ: مَن عادَى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممَّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتَّى أُحِبَّهُ، فإذا أحْبَبْتُهُ، كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها، ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها، وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ، ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ )
فالمؤمن الموفق هو الذي يحرص على النوافل من العبادات كلما سنحت له فرصة من ليل او نهار .
والمقصود بالنافلة: عبادة التطوع من غير الفريضة صلاة أكانت أم صدقة أم صوما أم حجا أم عمرة أم غير ذلك .
الأمر الثالث من الأمور التي تجلب محبة الله : دوام ذكر الله على كل حال، باللسان والقلب والعمل، فنصيبه من المحبة على قدر نصيبه من هذا الذكر .
فالذكر معناه كما قال ابن القيم رحمه الله: التخلص من الغفلة والنسيان.
وعلى هذا المفهوم يشمل ذكر الله كل طاعة لله عز وجل ، وليس محصورا في التسبيح والتهليل فقط كما قال النووي رحمه الله .
يقول الله تعالى: ( فاذكروني اذكركم )
وروى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن ابي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أنا عند ظن عبدي بس وأنا معه حين يذكرني ، إن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه، وإن تقرب إلي شبرا تقربت اليه ذراعا، وإن تقرب إلي ذراعا تقربت اليه باعا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة )
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله: ( لكن مما هو كالإجماع بين العلماء بالله وأمره: أن ملازمة ذكر الله دائما هو أفضل ما شغل العبد به نفسه في الجملة )
الأمر الرابع: إيثار محاب الله على محابك عند غلبات الهوى، فإن اتباع الهوى من أعظم دواعي الظلال وأسباب الهلاك، فإنه يهوي بصاحبه إلى المهالك حتى يورده النار . عياذا بالله من النار .
قال ابن عباس رضي الله عنهما: ( ما ذكر الله عز وجل الهوى في كتابه إلا ذمه )
وقال الشاطبي رحمه الله: (سمي الهوى هوى؛ لأنه يهوي بصاحبه إلى النار)
والهوى: كل ما خالف الحق ولنفس فيه حظ ورغبة من الأقوال والأفعال والمقاصد ( فإن لم يستجيبوا لك فاعلم أنما يتبعون أهواءهم ومن أضل ممن اتبع هوه بغير هدى من الله ) (أرأيت من اتخذه إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا)
الأمر الخامس: مطالعة القلب لأسماء الله وصفاته ومشاهدتها ومعرفتها، وتقلبه في رياض هذه المعرفة وميادينها ، فمن عرف الله بأسمائه وصفاته وأفعاله أحبه لا محالة (ولله الاسماء الحسنى فادعوه بها)
وفي الصحيحين من حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة الا واحدا من أحصاها دخل الجنة ) أي: من حفظها وفهم معانيها ومدلوها ، وأثنى على الله وسأله بها واعتقدها دخل الجنة .
الأمر السادس: التفكر في الكون (إن في خلق السماوات والارض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب * الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب النار )
كذلك النظر في الإنسان نفسه، وما هو عليه من الصفات، فإن ذلك داع قوي للإيمان؛ لما في هذه الموجودات من عظمة الخلق الدالة على عظمة الخالق، وكذلك من تمام التفكر النظر إلى فقر المخلوقات كلها واضطرارها إلى ربها من كل الوجوه، وأنها لا تستغني عن الله طرفة عين، وذلك يوجب للعبد كمال الخضوع وكثرة الدعاء والافتقار الى الله في جلب ما يحتاجه من منافع دينه ودنياه، ودفع ما يضره من ذلك، كما يوجب قوة التوكل على الله وشدة الطمع في بره وإحسانه، وكمال الثقة بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم .....
الخطبة الثانية
الحمد لله وحده ..... اما بعد:
فالأمر السابع من الأمور التي تجلب محبة الله عز وجل : انكسار القلب بكليته بين يدي الله تعالى، وكيف لا تنكسر القلوب لجبار السماوات والارض، من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، سبحانه وبحمده ( له مقاليد السماوات والارض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون)
الأمر الثامن: الخلوة به سبحانه في الأوقات الفاضلة وأوقات تحري إجابة الدعاء عموما، وقي وقت النزول الإلهي خصوصا؛ لمناجاته وتلاوة كلامه، والوقوف بالقلب والتأدب بأدب العبودية بين يديه، ثم ختم ذلك بالاستغفار والتوبة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( ينزل ربنا الى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الاخر فيقول: من يدعوني فاستجيب له، من يسالني فأعطيه، من يستغفرني فاغفر له )
لئن كانت بعض الأوقات الفاضلة، ربما لا يقطع المؤمن بتحديدها ويجزم بذلك جزما، فإن هذا الوقت العظيم الفاضل لا يختلف عليه أحد، ومع ذلك فربما فرط كثير من الناس في استثماره ، لا سيما في مثل هذه الليالي من الصيف التي ربما يسهر الكثير من الناس فيها الى الفجر، فتمر عليهم هذه اللحظات العظيمة الفاضلة دون ان يستثمروها بدعاء الله وسؤاله واستغفاره، فاللهم لا تحرمنا خير ما عندك بسوء أو شر ما عندنا .
الأمر التاسع : مجالسة الصالحين المحبين الصادقين ، والتقاط أطايب ثمرات كلامهم كما ينتقي الإنسان أطايب الثمر، فلا تسمع منهم إلا خيرا ولا ترى منهم الا خيرا .
عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ( يقول الله عز وجل: أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ) رواه مسلم .
أما الأمر العاشر: فهو مباعدة كل سبب يحول بين القلب وبين الله عز وجل، فالمعاصي ولا شك مما يحول بين قلب العبد وبين ربه جل جلاله وتقدست اسماؤه، فالمسلم العاقل يلتمس عبر سنن الله الكونية الآثار الحميدة للطاعة والعاقبة السعيدة لها ، كما يلمس آثار المعصية القبيحة ، وعقوباتها السيئة، لا يجادل في ذلك الا مغرور بسلطته وسلطانه وماله وجاه وقوته ( ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس)
وهل دخول النار الا ثمره المعاصي ؟!!
اسال الله عز وجل أن يرزقنا جميعا حبه وحب من يحبه وحب كل عمل صالح يقربنا من حبه ؛ انه ولي ذلك والقادر عليه .
ثم صلوا وسلموا رحمكم الله ....