الأدلة العقلية والنقلية على وجوب تغطية المرأة وجهها, والردّ على أهل الجهل والعلمنة.
أحمد بن ناصر الطيار
1436/02/28 - 2014/12/20 04:22AM
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمدا عبده ورسوله, صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه, ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، وسلم تسليما كثيراً. أما بعد:
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ من أعظم نعم الله علينا, أنْ جعلنا على المحجة البيضاء, ليلِها كنهارِها, {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى}.
ومَّما جاءت به شريعتنا السمحةُ: الحجاب, حيث أوجبت وألزمت نساء المؤمنين بستر جميع أبدانهنّ, إذا كُنّ أمام الرجال الأجانب, ويكون هذا الحجابُ بِـلُبْسِ الجلباب والخمار.
والجلباب: هو الملاءة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها, وهو ما يُسمى في وقتنا: العباءة, وهو يستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها.
والخمار: هو ما تغطي به المرأة رأسَها ووجَها وعنقها.
وهو ما نُسميه: الغِدْفَة، وهي كلمةٌ عربيةٌ فصيحة, قال صاحب القاموس: أغْدَفَتْ قِناعَها : أرْسَلَتْهُ على وجْهِها.
ويشترط لهذا الخمار: ألا يكون رقيقاً يُرى ما تحته من شعرها ووجهها وعنقها.
وبعضُ النساء يتساهلنَ في إخراج الكفَّين أو القدَمَيْن, وبعضُهنَّ يتوسَّعن في إظهار العينين, فالواجبُ الحذرُ من إخراج مفاتنهنَّ أمام الرجال الأجانب.
والأدلة على وجوب ستر المرأةِ كاملَ جسدها, كثيرةٌ وصريحة, منها قولُه تعالى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ}.
أي: لا يقصدنَ إظهار شيءٍ من زينتهن للأجانب, إلا ما ظهر منهنَّ اضطراراً لا اختياراً، وليس باسْتطاعتهنَّ إخفاؤه, كظاهر العباءة.
ثم أكّد عليهنَّ الستر بقوله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} أي يُلقين بالخمار إلقاءً محكماً, على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر.
ففي هذه الآية التصريح بوجوب ستر الزينة كلِّها, وعدمِ إظهار شيء منها أمام الأجانب, إلا ما ظهر بغير قصدٍ منهن, فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره.
ومن الأدلة قولُه تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِى ُّ قُل لاًّزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ)
فجعل الله تعالى من حِكَمِ الحجاب للنساء, ألا يُصَبْنَ بالأذى والْمُضايقة, وذلك لأنهن إذا لم يَحْتَجِبْنَ، فربما ظُنَّ أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن من في قلبه مرضٌ فيؤذِيَهُنّ، فالاحتجاب حاسمٌ لمطامع الطامعين فيهن.
وأما الأدلة من السنةِ الصحيحةِ فكثيرةٌ جدًّا, فمن ذلك ما روتْه عَائِشَةُ رضي الله عنها: " كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ".
وثبت عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نخمِّر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
فهذا صريحٌ بأنَّ الصحابيات المحرمات, يُغطين وجوههن عن الرجال, مع أنَّ الْمُحرمةَ يتأكد في حقها كشفُ وجهها.
وفي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ, لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: أي: غطين وجوههن. ا.ه
قال العلاَّمةُ الشنقيطيُّ رحمه الله تعالى: وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النِّسَاءَ الصَّحَابِيَّاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِيهِ, فَهِمْنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ، يَقْتَضِي سِتْرَ وُجُوهِهِنَّ ، وَأَنَّهُنَّ شَقَقْنَ أُزُرَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ ، أَيْ : سَتَرْنَ وُجُوهَهُنَّ بِهَا, امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} الْمُقْتَضِي سِتْرَ وُجُوهِهِنَّ.. فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ ، مِمَّنْ يَدَّعِي مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْعِلْمِ, أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ, مَا يَدُلُّ عَلَى سَتْرِ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنِ الْأَجَانِبِ، مَعَ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ فَعَلْنَ ذَلِكَ, مُمْتَثِلَاتٍ أَمْرَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ إِيمَانًا بِتَنْزِيلِهِ. ا.ه
ومن أصرح الأدلة على أنّ النساء كنَّ يحتجبن حجاباً كاملاً, ما ثبت عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ " قَالَ: " فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَخْتَبِئُ لَهَا, حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا ".
"فقد تكلَّف الخاطبُ جابرٌ رضي الله عنه بالاختباء لها، لينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها، ولو كُنَّ كاشفات الوجوه، لما احتاج إلى الاختباء لرؤية المخطوبة".
فهذه أدلة الكتاب والسنة صريحةٌ بذلك, ويُضاف إليها الإجماع, فقد نقل الجوينيُّ الإجماع على ذلك فقال: اتفق المسلمون على منع النِّساء من الخروج سافرات الوجوه.
وحكى ذلك أيضًا جمعٌ من الأئمة، منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم رحمهم الله تعالى.
بل وقد جرى الإجماعُ العمليُّ على ذلك:
قال الحافظُ ابن حجرٍ رحمه الله: لَمْ تَزَلْ عَادَة النِّسَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَسْتُرْنَ وُجُوههنَّ عَنْ الْأَجَانِب. ا.هـ
وقال الغزاليُّ رحمه الله: لَمْ تَزَلِ الرِّجَالُ عَلَى مَمَرّ الزَّمَان مَكْشُوفِي الْوُجُوه, وَالنِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مُنْتَقِبَات. ا. ه
فهذان الإمامان الكبيران, يحكيان إجماع الأمة الإسلامية إلى وقتهما, على العمل بالحجاب الكامل, وعلى تغطية النساء وجوههنَّ.
واسْتمرّ حال نساء المسلمين بتغطيةِ وجوههنّ, إلى بداياتِ القرن العشرين.
يقول الدكتور النصرانيُّ فيليب في كتابه: "تاريخ لبنان" متحدثًا عن أحوال بيروت, وهي أول مدينةٍ عربيةٍ دخلها السفور والتبرج, وقد عايشها أيَّام الاستعمارِ الغربيّ, يقول: (كانت المرأةُ النصرانيةُ تغطي وجهها بحجاب, كما تفعل المرأة المسلمة).
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله, متحدثًا عن زيارته للبنان وما شاهده فيها: إنَّمَا يَكُنّ مع الرجال, سادلاتٍ على وجوههنّ النقابَ الأسود لا سافرات). ا.ه
فهذه الأدلة كافيةٌ للردّ على مَن يدعو إلى سفور نسائنا, ونزعِ حجابهنّ وحيائهنّ.
فهل الأمةُ الإسلامية من لَدُنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم, إلى قُبيلِ الاستعمار الغربي الغاشم, كانت على خطأ وجهل, فعرفوا هم أنهم الذين على الحق, والأمةُ الإسلامية كلُّها على باطل؟.
أفلا يَسُعَنَا ما وسعهم؟ أفلا نيسر على خُطاهم وهُداهم؟
فوالله لن تستقيم أحوالنا, ولن تصلح وتنهض أُمَّتنا إلا بالسير على خُطاهم.
قَال الإِمامُ مالِكٌ رحمه الله: «لَنْ يَصْلُحَ آخرُ هَذهِ الأُمَّةِ، إِلَّا بِما صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا».
فالذي صلح به الصحابة والسلف الصالح, هو الذي يصلح به مَن بعدهم، ولا طريق ولا سبيل للآخرين أن يَصلحوا, غير الطريقة التي صلح بها سلفهم الصالح.
نسأل الله تعالى أنْ يُديم على نسائنا الحشمةَ والحياء, وأنْ يُجنبهنّ أسباب الفتن والبلاء, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه والأئمة الأعلام, أما بعد:
معاشر المسلمين: وأما الأدلة العقلية والفطريّةُ على وجوب ستر المرأة وجهها فكثيرةٌ منها: أنّ العلماء جميعًا, حتى من يرى جواز كشف الوجه, قد أجمعوا على ستر نحرها وقدمَيْها, "فإذا وجب ستر النحر والقدم, كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة. فإن الناس الذين يتطلَّبون جمال الصورة, لا يسألون إلا عن الوجه، فإذا كان جميلاً لم ينظروا إلى ما سواه نظراً ذا أهمية.
ولذلك إذا قالوا فلانةٌ جميلة, لم يفهم من هذا الكلام إلا جمالَ الوجه, فتبين أنَّ الوجهَ هو موضعُ الجمال، فإذا كان كذلك, فكيف يُفهم أنَّ هذه الشريعةَ الحكيمةَ تأمر بستر القدمِ والنحر, ثم ترخص في كشف الوجه".
والْتزامُ النساء للحجاب الكامل, أعظمُ سببٍ لحفظ الأعراض, فالحجاب حِرَاسةٌ شرعيةٌ لأعراض بناتنا وأخواتنا، وبه تُدفع أسبابُ الرِّيبة والفتنة والفساد.
والحجاب يدعو إلى صيانةِ مكارم الأخلاق, من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، فبقدر ما يُنزع الحجاب من المجتمعات, تتلاشى هذه القيمُ.
وهو وقايةٌ اجتماعية من الأذى، وأمراضِ قلوب الرجال والنساء، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكفُّ الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها.
وهو وقايةٌ من الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناءً لكل والِغ, ولا وجبةً سهلةً لكلّ زائغ.
معاشر المسلمين: هذا نزرٌ يسيرٌ من الأدلة على وجوب الحجاب الكامل للمرأة, وشيءٌ قليلٌ من فوائده وثماره, وهي كافيةٌ للعاقل في الانقياد لها, والأخذ بها.
وهي كافيةٌ أيضًا في الردّ على الشهوانيين من العلمانيين وغيرهم, الذين ما فتئوا يلمزون أهل العلم بالتزّمت والتشدّد, وأنهم اهتدوا بما لم يتهد به من قبلهم.
قال الشاطبي رحمه الله: لا يأتي آخرُ هذه الأمة بأهدى مِمَّاَ كان عليه أولها ، ولا هُمْ أعرف بالشريعة منهم. اهـ
نسأل الله تعالى أنْ يُثبتنا على دينه, وألا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, إنه على كلّ شيءٍ قدير.
فاتقوا الله عباد الله، واعلموا أنّ من أعظم نعم الله علينا, أنْ جعلنا على المحجة البيضاء, ليلِها كنهارِها, {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِى}.
ومَّما جاءت به شريعتنا السمحةُ: الحجاب, حيث أوجبت وألزمت نساء المؤمنين بستر جميع أبدانهنّ, إذا كُنّ أمام الرجال الأجانب, ويكون هذا الحجابُ بِـلُبْسِ الجلباب والخمار.
والجلباب: هو الملاءة التي تلتحف به المرأة فوق ثيابها, وهو ما يُسمى في وقتنا: العباءة, وهو يستعمل في الغالب إذا خرجت من دارها.
والخمار: هو ما تغطي به المرأة رأسَها ووجَها وعنقها.
وهو ما نُسميه: الغِدْفَة، وهي كلمةٌ عربيةٌ فصيحة, قال صاحب القاموس: أغْدَفَتْ قِناعَها : أرْسَلَتْهُ على وجْهِها.
ويشترط لهذا الخمار: ألا يكون رقيقاً يُرى ما تحته من شعرها ووجهها وعنقها.
وبعضُ النساء يتساهلنَ في إخراج الكفَّين أو القدَمَيْن, وبعضُهنَّ يتوسَّعن في إظهار العينين, فالواجبُ الحذرُ من إخراج مفاتنهنَّ أمام الرجال الأجانب.
والأدلة على وجوب ستر المرأةِ كاملَ جسدها, كثيرةٌ وصريحة, منها قولُه تعالى: {وَقُل لّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلاّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنّ عَلَىَ جُيُوبِهِنّ}.
أي: لا يقصدنَ إظهار شيءٍ من زينتهن للأجانب, إلا ما ظهر منهنَّ اضطراراً لا اختياراً، وليس باسْتطاعتهنَّ إخفاؤه, كظاهر العباءة.
ثم أكّد عليهنَّ الستر بقوله: {وليضربن بخمرهن على جيوبهن} أي يُلقين بالخمار إلقاءً محكماً, على المواضع المكشوفة، وهي: الرأس، والوجه، والعنق، والنحر، والصدر.
ففي هذه الآية التصريح بوجوب ستر الزينة كلِّها, وعدمِ إظهار شيء منها أمام الأجانب, إلا ما ظهر بغير قصدٍ منهن, فلا يؤاخذن عليه إذا بادرن إلى ستره.
ومن الأدلة قولُه تعالى: (يا أَيُّهَا النَّبِى ُّ قُل لاًّزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذالِكَ أَدْنَى أَن يُعْرَفْنَ فَلاَ يُؤْذَيْنَ)
فجعل الله تعالى من حِكَمِ الحجاب للنساء, ألا يُصَبْنَ بالأذى والْمُضايقة, وذلك لأنهن إذا لم يَحْتَجِبْنَ، فربما ظُنَّ أنهن غير عفيفات، فيتعرض لهن من في قلبه مرضٌ فيؤذِيَهُنّ، فالاحتجاب حاسمٌ لمطامع الطامعين فيهن.
وأما الأدلة من السنةِ الصحيحةِ فكثيرةٌ جدًّا, فمن ذلك ما روتْه عَائِشَةُ رضي الله عنها: " كَانَ الرُّكْبَانُ يَمُرُّونَ بِنَا وَنَحْنُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْرِمَاتٌ، فَإِذَا حَاذَوْا بِنَا سَدَلَتْ إِحْدَانَا جِلْبَابَهَا مِنْ رَأْسِهَا عَلَى وَجْهِهَا، فَإِذَا جَاوَزُونَا كَشَفْنَاهُ ".
وثبت عن فاطمة بنت المنذر أنها قالت: كنا نخمِّر وجوهنا ونحن محرمات، ونحن مع أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.
فهذا صريحٌ بأنَّ الصحابيات المحرمات, يُغطين وجوههن عن الرجال, مع أنَّ الْمُحرمةَ يتأكد في حقها كشفُ وجهها.
وفي صحيح البخاري عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ: يَرْحَمُ اللَّهُ نِسَاءَ الْمُهَاجِرَاتِ الأُوَلَ, لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} شَقَّقْنَ مُرُوطَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ بِهِ.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: أي: غطين وجوههن. ا.ه
قال العلاَّمةُ الشنقيطيُّ رحمه الله تعالى: وَهَذَا الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ صَرِيحٌ فِي أَنَّ النِّسَاءَ الصَّحَابِيَّاتِ الْمَذْكُورَاتِ فِيهِ, فَهِمْنَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ ، يَقْتَضِي سِتْرَ وُجُوهِهِنَّ ، وَأَنَّهُنَّ شَقَقْنَ أُزُرَهُنَّ فَاخْتَمَرْنَ ، أَيْ : سَتَرْنَ وُجُوهَهُنَّ بِهَا, امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} الْمُقْتَضِي سِتْرَ وُجُوهِهِنَّ.. فَالْعَجَبُ كُلُّ الْعَجَبِ ، مِمَّنْ يَدَّعِي مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ لِلْعِلْمِ, أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي الْكِتَابِ وَلَا السُّنَّةِ, مَا يَدُلُّ عَلَى سَتْرِ الْمَرْأَةِ وَجْهَهَا عَنِ الْأَجَانِبِ، مَعَ أَنَّ الصَّحَابِيَّاتِ فَعَلْنَ ذَلِكَ, مُمْتَثِلَاتٍ أَمْرَ اللَّهِ فِي كِتَابِهِ إِيمَانًا بِتَنْزِيلِهِ. ا.ه
ومن أصرح الأدلة على أنّ النساء كنَّ يحتجبن حجاباً كاملاً, ما ثبت عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِذَا خَطَبَ أَحَدُكُمُ الْمَرْأَةَ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ يَنْظُرَ مِنْهَا إِلَى مَا يَدْعُوهُ إِلَى نِكَاحِهَا، فَلْيَفْعَلْ " قَالَ: " فَخَطَبْتُ جَارِيَةً فَكُنْتُ أَخْتَبِئُ لَهَا, حَتَّى رَأَيْتُ مِنْهَا بَعْضَ مَا دَعَانِي إِلَى نِكَاحِهَا فَتَزَوَّجْتُهَا ".
"فقد تكلَّف الخاطبُ جابرٌ رضي الله عنه بالاختباء لها، لينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها، ولو كُنَّ كاشفات الوجوه، لما احتاج إلى الاختباء لرؤية المخطوبة".
فهذه أدلة الكتاب والسنة صريحةٌ بذلك, ويُضاف إليها الإجماع, فقد نقل الجوينيُّ الإجماع على ذلك فقال: اتفق المسلمون على منع النِّساء من الخروج سافرات الوجوه.
وحكى ذلك أيضًا جمعٌ من الأئمة، منهم الحافظ ابن عبد البر، والإمام النووي، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وغيرهم رحمهم الله تعالى.
بل وقد جرى الإجماعُ العمليُّ على ذلك:
قال الحافظُ ابن حجرٍ رحمه الله: لَمْ تَزَلْ عَادَة النِّسَاء قَدِيمًا وَحَدِيثًا يَسْتُرْنَ وُجُوههنَّ عَنْ الْأَجَانِب. ا.هـ
وقال الغزاليُّ رحمه الله: لَمْ تَزَلِ الرِّجَالُ عَلَى مَمَرّ الزَّمَان مَكْشُوفِي الْوُجُوه, وَالنِّسَاءُ يَخْرُجْنَ مُنْتَقِبَات. ا. ه
فهذان الإمامان الكبيران, يحكيان إجماع الأمة الإسلامية إلى وقتهما, على العمل بالحجاب الكامل, وعلى تغطية النساء وجوههنَّ.
واسْتمرّ حال نساء المسلمين بتغطيةِ وجوههنّ, إلى بداياتِ القرن العشرين.
يقول الدكتور النصرانيُّ فيليب في كتابه: "تاريخ لبنان" متحدثًا عن أحوال بيروت, وهي أول مدينةٍ عربيةٍ دخلها السفور والتبرج, وقد عايشها أيَّام الاستعمارِ الغربيّ, يقول: (كانت المرأةُ النصرانيةُ تغطي وجهها بحجاب, كما تفعل المرأة المسلمة).
ويقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله, متحدثًا عن زيارته للبنان وما شاهده فيها: إنَّمَا يَكُنّ مع الرجال, سادلاتٍ على وجوههنّ النقابَ الأسود لا سافرات). ا.ه
فهذه الأدلة كافيةٌ للردّ على مَن يدعو إلى سفور نسائنا, ونزعِ حجابهنّ وحيائهنّ.
فهل الأمةُ الإسلامية من لَدُنْ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم, إلى قُبيلِ الاستعمار الغربي الغاشم, كانت على خطأ وجهل, فعرفوا هم أنهم الذين على الحق, والأمةُ الإسلامية كلُّها على باطل؟.
أفلا يَسُعَنَا ما وسعهم؟ أفلا نيسر على خُطاهم وهُداهم؟
فوالله لن تستقيم أحوالنا, ولن تصلح وتنهض أُمَّتنا إلا بالسير على خُطاهم.
قَال الإِمامُ مالِكٌ رحمه الله: «لَنْ يَصْلُحَ آخرُ هَذهِ الأُمَّةِ، إِلَّا بِما صَلَحَ بِهِ أَوَّلُهَا».
فالذي صلح به الصحابة والسلف الصالح, هو الذي يصلح به مَن بعدهم، ولا طريق ولا سبيل للآخرين أن يَصلحوا, غير الطريقة التي صلح بها سلفهم الصالح.
نسأل الله تعالى أنْ يُديم على نسائنا الحشمةَ والحياء, وأنْ يُجنبهنّ أسباب الفتن والبلاء, إنه سميعٌ قريبٌ مُجيب.
الحمد لله ذي الإفضال والإنعام، وصلى الله تعالى وسلم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه والأئمة الأعلام, أما بعد:
معاشر المسلمين: وأما الأدلة العقلية والفطريّةُ على وجوب ستر المرأة وجهها فكثيرةٌ منها: أنّ العلماء جميعًا, حتى من يرى جواز كشف الوجه, قد أجمعوا على ستر نحرها وقدمَيْها, "فإذا وجب ستر النحر والقدم, كان وجوب ستر الوجه من باب أولى؛ لأنه موضع الجمال والفتنة. فإن الناس الذين يتطلَّبون جمال الصورة, لا يسألون إلا عن الوجه، فإذا كان جميلاً لم ينظروا إلى ما سواه نظراً ذا أهمية.
ولذلك إذا قالوا فلانةٌ جميلة, لم يفهم من هذا الكلام إلا جمالَ الوجه, فتبين أنَّ الوجهَ هو موضعُ الجمال، فإذا كان كذلك, فكيف يُفهم أنَّ هذه الشريعةَ الحكيمةَ تأمر بستر القدمِ والنحر, ثم ترخص في كشف الوجه".
والْتزامُ النساء للحجاب الكامل, أعظمُ سببٍ لحفظ الأعراض, فالحجاب حِرَاسةٌ شرعيةٌ لأعراض بناتنا وأخواتنا، وبه تُدفع أسبابُ الرِّيبة والفتنة والفساد.
والحجاب يدعو إلى صيانةِ مكارم الأخلاق, من العفة والاحتشام والحياء والغيرة، فبقدر ما يُنزع الحجاب من المجتمعات, تتلاشى هذه القيمُ.
وهو وقايةٌ اجتماعية من الأذى، وأمراضِ قلوب الرجال والنساء، فيقطع الأطماع الفاجرة، ويكفُّ الأعين الخائنة، ويدفع أذى الرجل في عرضه، وأذى المرأة في عرضها ومحارمها.
وهو وقايةٌ من الزنا والإباحية، فلا تكون المرأة إناءً لكل والِغ, ولا وجبةً سهلةً لكلّ زائغ.
معاشر المسلمين: هذا نزرٌ يسيرٌ من الأدلة على وجوب الحجاب الكامل للمرأة, وشيءٌ قليلٌ من فوائده وثماره, وهي كافيةٌ للعاقل في الانقياد لها, والأخذ بها.
وهي كافيةٌ أيضًا في الردّ على الشهوانيين من العلمانيين وغيرهم, الذين ما فتئوا يلمزون أهل العلم بالتزّمت والتشدّد, وأنهم اهتدوا بما لم يتهد به من قبلهم.
قال الشاطبي رحمه الله: لا يأتي آخرُ هذه الأمة بأهدى مِمَّاَ كان عليه أولها ، ولا هُمْ أعرف بالشريعة منهم. اهـ
نسأل الله تعالى أنْ يُثبتنا على دينه, وألا يُزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا, إنه على كلّ شيءٍ قدير.
المشاهدات 4266 | التعليقات 2
شبيب القحطاني
عضو نشطجزاك الله خيرا
أحمد السويلم
أجدتَ .. جزاك الله خيرًا
تعديل التعليق