الأخلاق وطرق تحصيلها
خالد خضران الدلبحي العتيبي
خطبة جمعة : عن فضل الأخلاق الحسنة وطرق تحصيلها كتبها : خالد بن خضران الدلبحي العتيبي الجمش – الدوادمي
------------------------------------
الخطبة الأولى :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
عباد الله إن من الأعمال التي يؤجر عليها الإنسان أن يكون على خلق حسن فقد يبلغ الإنسان بحسن خلقه مبلغاً عظيماً عند الله سبحانه وتعالى أكثر مما يبلغه كثير من الناس بكثرة الصيام والقيام
وفي سنن أبي داود عن عائشة رضي الله عنها الله قالت سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن المؤمنَّ ليدركَ بحسن خلقه درجة الصائم القائم )
وفي سنن أبي داود عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَا زَعِيمٌ بِبَيْتٍ فِي رَبَضِ الْجَنَّةِ [أي في أسفل الجنة ] لِمَنْ تَرَكَ الْمِرَاءَ [أي الجدال ] وَإِنْ كَانَ مُحِقًّا وَبِبَيْتٍ فِي وَسَطِ الْجَنَّةِ لِمَنْ تَرَكَ الْكَذِبَ وَإِنْ كَانَ مَازِحًا وَبِبَيْتٍ فِي أَعْلَى الْجَنَّةِ لِمَنْ حَسَّنَ خُلُقَهُ )
وقد عرف ابن المبارك رحمه الله الخلق الحسن بعبارة مختصرة فقال : هو بذل الندى أي - المعروف للخلق - وكف الأذى وطلاقة الوجه .
والخلق الحسن هناك طرق كثيرة لتحصيله من هذه الطرق كثرة دعاء الله سبحانه وتعالى فهذا نبينا صلى الله عليه وسلم الذي زكاه الله تعالى ووصفه بحسن الخلق فقال تعالى ((وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم : 4 ) تجد أنه يكثر من دعاء الله أن يرزقه حسن الخلق فقد جاء في صحيح مسلم أنه صلى الله عليه وسلم في دعاء الاستفتاح في قيام الليل يقول : وَاهْدِنِي لِأَحْسَنِ الْأَخْلَاقِ لَا يَهْدِي لِأَحْسَنِهَا إِلَّا أَنْتَ، وَاصْرِفْ عَنِّي سَيِّئَهَا لَا يَصْرِفُ عَنِّي سَيِّئَهَا إِلَّا أَنْتَ .
فعليك أيها المسلم أن تكثر من دعاء الله أن يرزقك الخلق الحسن .
ومن أسباب تحصيل الأخلاق الحسنة أن يحرص المسلم على تقوية إيمانه بكثرة الأعمال الصالحة والابتعاد عن الأعمال السيئة يقول صلى الله عليه وسلم (أكمل المؤمنين إيماناً أحسنها خلقاً )
فكل ما قوي إيمانُ العبدِ انشرح صدره فتجده يصبر ويكظم غيظه ويكثر من التبسم ويتواضع ولا يخرج من لسانه إلا الكلام الطيب وتجده يحتسب الأجر ويرحم الضعفاء ويحسن إليهم ولا يبخل إلى غير ذلك من الأخلاق الحسنة .
ومن أسباب تحصيل الأخلاق الحسنة مجاهدة النفس في تحصيلها فمثلاً كظم الغيظ بعض الناس لا يتمالك نفسه إذا غضب فتجده يلعن ويسب ويضرب فلا بد أن يربي نفسه على كظم الغيظ ويجاهد النفس على ذلك فمع المجاهدة التي لله سيحصل هذه الخلق الحسن وهو كظم الغيظ قال تعالى ((وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) (العنكبوت : 69 )
ومن أسباب تحصيل الأخلاق الحسنة معرفة آثار الأخلاق السيئة فمثلاً من الأخلاق السيئة الشدة في غير موضعها والفظاظة والغلظةُ في التعامل فهذا الخلق السيء ينفر الناس من حولك حتى أقرب الناس إليك يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ ) (آل عمران : 159 )
وكما قال الماوردي في كتابه أدب الدنيا والدين : من حَسُنت أخلاقه كثر مصافوه وقل معادوه وتسهلت له الصعاب ولانت له القلوب الغضاب .
إذا لم تتسعْ أخلاقُ قومٍ تضيقُ بهم فسيحاتُ البلادِ .
ومن أسباب تحصيل الأخلاق الحسنة النظر في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم فقد كان على قمة الأخلاق الحسنة في تعامله مع الخلق ومهما عددنا أخلاقه لا نستطيع أن نأتي عليها فمن أخلاقه الحسنة حسن عشرته مع زوجاته فقد كان يعاملهن بخلق حسن فيبذل ويصبر ويحلم ويتغافل ويشفق ويرحم ويعدل ويتبسم ويمازح تقول عائشة رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ قَالَتْ فَسَابَقْتُهُ فَسَبَقْتُهُ عَلَى رِجْلَيَّ فَلَمَّا حَمَلْتُ اللَّحْمَ سَابَقْتُهُ فَسَبَقَنِي فَقَالَ هَذِهِ بِتِلْكَ السَّبْقَةِ ) .
وكان من أخلاقه التواضع فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أمراة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت له إن لي إليك حاجة فقال اجلسي في أي طرق المدينة شئت أجلس إليك . أخرجه أبو داود .
وكان من تواضعه عليه الصلاة والسلام إذا مر بالصبيان يسلم عليهم.
وكان من أخلاقه الحسنة مراعاة مشاعر الناس فما كان يجرج المشاعر ففي الصحيحين عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى فِي خَمِيصَةٍ لَهَا أَعْلاَمٌ، فَنَظَرَ إِلَى أَعْلاَمِهَا نَظْرَةً، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: «اذْهَبُوا بِخَمِيصَتِي هَذِهِ إِلَى أَبِي جَهْمٍ وَأْتُونِي بِأَنْبِجَانِيَّةِ أَبِي جَهْمٍ، فَإِنَّهَا أَلْهَتْنِي آنِفًا عَنْ صَلاَتِي»
الخميصة كساء فيه خطوط بخلاف الأنبجانية فهي كساء ليس له خطوط فالنبي صلى الله عليه وسلم قبل الهدية وهي الخميصة من أبي جهم ولكنه لما اشغلته في الصلاة بخطوطها ردها عليه وحتى لا يجرح مشاعره برد الهدية طلب منه الأنبجانية وهي الكساء الذي ليس فيه خطوط وبين سبب رد الهدية وهي أنها اشغلته عن الصلاة .
فنسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو .
أقول ما تسمعون واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .
الخطبة الثانية :
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أما بعد :
عباد الله لا بد أن نحاسب أنفسنا في أخلاقنا فنسعى لفعل كل خلق حسن واجتناب كل خلق سيء ولنعلم عباد الله أن الذي يتعبد لله بأخلاقه يرجى الثواب من الله ستجده مع جميع الخلق يعاملهم معاملة حسنة فيعطي كل ذي حق حقه فمن التناقضات عند بعض من يظن أنه على أخلاق حسنة أنك تجده مع زملائه يعاملهم بأخلاق حسنة بينما تجده مع زوجته لا يعاملها إلا بالأخلاق السيئة !
سبحان الله أليس النبي صلى الله عليه وسلم يقول ( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )
وتجده كذلك مع والديه الذي هم أحق الناس بالمعاملة الحسنة تجده فظاً غليظاً خاصةً عند كبرهما في السنة والله تعالى يقول (وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيماً - وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُل رَّبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيراً) (الإسراء : 24 )
وتجده مع العمال والأجراء والفقراء متكبراً لا ينظر إليهم إلا بعين الاحتقار وهذا والله ليس على خلق حسن ولو تصنع الأخلاق الحسنة .
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدينا إلى الأخلاق الحسنة لا يهدي إليها إلا هو وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عن سيئها إلا هو .
المرفقات
1724930911_خطبة الأخلاق الحسنة وطرق تحصيلها.doc