الأخذ بالأسباب مطلب شرعي

الحمد لله رب العالمين ... إخوة الإيمان والعقيدة ... إن من السُّنن الرَّبانيَّة الَّتي تعامل معها النَّبيُّ ﷺ سنَّةُ الأخذ بالأسباب، وهي مقرَّرةٌ في الكون بصورةٍ واضحةٍ، فلقد خلق الله هذا الكون بقدرته، وأودع فيه من القوانين والسُّنن ما يضمن استقراره واستمراره، وجعل المسبّبات مرتبطةً بالأسباب بعد إرادته U، من أجل أن يوجِّه خلقه إلى ضرورة مراعاة هذه السُّنَّة في كل شؤونهم، الدُّنيويَّة والأخرويَّة على السَّواء؛ ليستقيم سير الحياة على النَّحو الَّذي يريده سبحانه ]وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ[ وقال تعالى]هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ[. ولقد أخبرنا القرآن الكريم: أنَّ من مريم عليها السلام طُلِب منها أن تباشر الأسباب، وهي في أشدِّ حالات ضعفها ]وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا[ وهكذا يؤكِّد الله U على ضرورة مباشرة الأسباب في كلِّ الأمور، والأحوال. ورسولُ الله ﷺ كان أوعى النَّاس بهذه السُّنَّة الرَّبانيَّة. عباد الله ... إن التَّوكُّل على الله تعالى لا يمنع من الأخذ بالأسباب؛ فالمؤمن يتَّخذ الأسباب من باب الإيمان بالله، وطاعته فيما يأمر به من اتِّخاذها، ولكنَّه لا يجعل الأسباب هي الَّتي تنشئ النَّتائج، فيتوكَّل عليها. إنَّ الَّذي ينشئ النَّتائج -كما ينشئ الأسباب- هو الله، ولا علاقة بين السَّبب والنَّتيجة في شعور المؤمن، اتِّخاذ السَّبب عبادةٌ بالطاعة، وتحقُّق النتيجة قدَرٌ من الله مستقلٌ عن السَّبب، لا يقدر عليه إلا الله، وبذلك يتحرَّر شعور المؤمن من التعبُّد للأسباب والتَّعلُّق بها، وفي الوقت ذاته هو يستوفيها بقدر طاعته؛ لينال ثواب طاعة الله في استيفائها. ولقد قرَّر النَّبيُّ ﷺ في أحاديث كثيرةٍ ضرورة الأخذ بالأسباب مع التَّوكُّل على الله تعالى، فعن أنس بن مالكٍ t: أنَّ رجلاً وقف بناقته على باب المسجد، وهمَّ بالدُّخول، فقال: يا رسول الله! أُرسلُ راحلتي، وأتوكل؟ فوجَّهه النَّبيُّ ﷺ إلى أنَّ مباشرة الأسباب أمرٌ مطلوبٌ، ولا ينافي بحالٍ من الأحوال التَّوكُّل على الله تعالى، فقال له ﷺ (بل قيِّدها وتوكَّل) وفي لفظ (اعقلها وتوكل) فلا تعارض بين التَّوكُّل والأخذ بالأسباب بشرط عدم الاعتقاد في الأسباب، أو الاعتماد عليها. قال رسول الله ﷺ (لو أنكم توكَّلتم على الله حـقَّ توكُّله؛ لرزقكم كما يرزق الطَّير، تغدو خِماصاً، وتروح بِطاناً) حثٌّ على التَّوكُّل، مع الإشارة إلى أهمِّية الأخذ بالأسباب؛ حيث أثبت الغدوَّ، والرَّواح للطَّير مع ضمان الله تعالى الرِّزق لها. اللهم ارزقنا التوكل عليك وبذل السبب يا رب العالمين، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.       الحمد لله على من توكل عليه كفاه، والصلاة والسلام على خيرِ المتوكلين ﷺ يصيبهُ المرضُ، ويَتداوَى بمثلِ العسلِ والحبةِ السوداءِ. فيُستفادُ منه أنَّ فعلَ الأسبابِ لا ينافيْ كمالَ التوكلِ على مسبِّبِ الأسبابِ. معاشر المؤمنين .. ونحنُ على أعتَابِ عامٍ دراسيٍّ جديد؛ يتَأكَّدُ على مَنسوبي التعليمِ خُصوصًا، مِنَ الطُّلابِ والطالبات، والمُعلِّمينَ والمُعلِّمات، وأعضَاءِ هيئاتِ التدريس= ضرورةَ الحُصولِ على جُرعَتينِ من لُقاحِ فَيروسِ كورونا؛ حِمايةً لأنفُسِهم، وحِفَاظًا على سَلامَةِ أُسَرِهم ومُجتمَعِهم، ولكي تكونَ المنشآتُ التعليميةُ بيئةً آمِنَةً بحِفظِ الله، ولِتُحقِّقَ رسالتَها التعليمية والتربويَّة على أكمَلِ وجَه. إنَ من التوقِّي من كورونا وتبعاتِها بأخذِ لِقاحِها بالجُرعتين؛ فيه منْ حفظِ النفسِ البشريةِ، وتحقيقِ المقاصدِ الشرعيةِ، وتنفيذِ الأوامرِ النظاميةِ الحازمةِ الراحمةِ الراميةِ للوقايةِ وحفظِ الصحةِ، لا سيما صحةَ فلذاتِ الأكبادِ، ومن الحرصِ المشكورِ من وزارِةِ الصحةِ أن فتحُوا لطلابِ المتوسطِ والثانوي أخذَ الجرعاتِ بلا حُجوزاتٍ. فلنحزِم مع أولادِنا لتَلَقي الجرعةِ الأولى قبلَ يومِ الاثنينِ القادمِ، ليتمكنوا من الثانيةِ قبل بدءِ الدراسةِ. نسألُ اللهَ أنْ يَدفعَ عنا البلاءَ والداءَ والوباءَ، وأنْ يُمتِّعَنا بأسماعِنا وأبصارِنا وقوتِنا. اللهم إنا نعوذُ بك مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ وَجَمِيعِ سَخَطِكَ. اللهم احفظْ دينَنا وبلادَنا وبلادَ المسلمينَ. اللهم احفظْ أمنَنا وتعليمَنا وصحتَنا وحدودَنا. واحفَظْ ثرواتِنا وثمراتِنا، واقتصادَنا وعتادَنا. اللهم وفَّقْ وليَّ أمرِنا ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضَى، وارزقهمْ بِطانةَ الصلاحِ والفلاحِ. واجزهم خيرًا على ما يبذلون لمصلحة الإسلام، ولخدمة المسلمين.
المرفقات

1628188290_الأخذ بالأسباب لا ينافي حقيقة التوكل.docx

1628188295_الأخذ بالأسباب لا ينافي حقيقة التوكل.pdf

المشاهدات 1498 | التعليقات 0