الأحزاب الأمس واليوم

الحمد لله الذي أجرى بعظمته شتات السحاب, وهزم بقوته جموع الأحزاب, وأنزل برحمته آياتِ الكتاب, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الكريمُ الوهّاب, وأشهد أن محمدًّا عبده ورسولُه الْمُنيبُ الأوّاب. صلى الله عليه وعلى الآل والأصحاب, وعلى تابعيهم إلى يوم الحساب.
فاتقوا الله يا أمة الإسلام، امتثالاً وطاعة لله ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ )
إخوة الإيمان والعقيدة ... اعلموا أنّ الله تعالى جعل علاماتٍ واضحةً للنصر, وسننًا كونيّةً وشرعيّةً لانتصار الحقِّ على الباطل, ومِنْ هذه العلامات والسنن: تكالبُ الأعداء على أهل الحق والجهاد.
فما أقرب النصر والفرج عند اشْتدادِ الكربات, وتتابعِ الآلام والمصيبات, وانظروا إلى حال أنبياء الله ورُسِلِه, كيف لم يُنصروا إلا بعد بُلُوغ حدّ اليأس ( حَتَّى إِذَا اسْتَيْئَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا فَنُجِّيَ مَنْ نَشَاءُ وَلا يُرَدُّ بَأْسُنَا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ) ولنا عبرة عمّن قبلنا أنهم أُوذُوا واضْطُهِدُوا وَزُلْزِلُوا ( حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ).
اقرؤوا في تاريخ تكالب الأعداء على أمة الإسلام .. لا يُعلم تكالبٌ على المسلمين على مرّ الدهور والتاريخ، وإجماعُهم ومكرُهمُ الكُبّار ..كما حصل لإخوانِنا المسلمين في بلاد الشام الذين اجتمع عليهم رافضةُ العراق ولبنان وإيران, والخوارجُ الْمارقون, والمشركون والنصارى في الشرق والغرب, والصهاينةُ اليهود.
فهل تعلمون شعبًا مُنْذُ خلق الله آدم إلى يومنا هذا, اجتمع عليه جميع طوائفِ الكفر والشرك؟ وحُورِبُوا بأقوى أسلحةٍ عرفَتْها البشريّة كهذا الشعب؟ لا والله.
فهل هناك أملٌ أنْ ينتصر هذا الشعب المظلوم؟ وأنْ ينتصر أهل الحق على ما هم فيه من محنة؟
نعم .. إنّ النصر أقرب ما يكون اليوم, وإنّ الله تعالى قضى بأن تبقى هناك طائفةٌ منصورة, ولن يخذلهم على قلّة عتادهم وحيلتهم, قال صلى الله عليه وسلم ( لَا تَزَالُ عِصَابَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى أَمْرِ اللهِ، قَاهِرِينَ لِعَدُوِّهِمْ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ، حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ )
قَالَ مُعَاذٌ رضي الله عنه: وَهُمْ بِالشَّامِ.
وإن الله تعالى أوجد في أهل الشام هذه العصابة, فهم يُجاهدون في سبيل الله, غيرَ مائلين إلى الغلو والتشدد, وهم مُتمسّكون بالكتاب والسنة, اتّحدوا تحت رايةٍ واحدة, قلوبُهم مُتآلفة, وسيُوفهم من دماء المسلمين مَصُونة.
لقد اسْتقبلوا قدومِ جُيوشِ الروس والروافض - بريًّا وجويًّا - بالثبات والتوكل والإيمان, ولسان حالهم ومقالهم: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ, فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) فمثل هؤلاء لا يُخذلون، والنصر ينزل من حيث لا يعلمون.
ضاقت فلمَّا استحكمتْ حلقاتها *** فرجت وكنتُ أظنُّها لا تُفرجُ
ولنعتبر بما حل بالمسلمين يوم الأحزاب، لما سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدوم أحزاب الكفر إلى المدينة وما أجمعوا له من المكر، ضرَب الخندق على المدينة.
وتخلف بعض المنافقين يعتذرون بالضعف، ومنهم من ينسلَّ خفية بغير إذن ولا علم. فازدادت المصائب على المسلمين واشتد الأمر عليهم. فقد أقبلت قريش في عشرة آلاف من أحابيشهم وتابعوهم أناس من قبائل معادية للنبي صلى الله عليه وسلم حتى نزلوا إلى جانب جبل أُحُد، وخج النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون حتى جعلوا ظهورهم إلى الجبل في ثلاثة آلاف من المسلمين، فضَرَبَ هنالك عسكرَه والخندقُ بينه وبين المشركين
وأحاط المشركون بالمسلمين حتى جعلوهم في مثل الحِصْن بين كتائبهم، فحاصروهم قريبًا من عشرين يومًا، وأخذوا بكل ناحية، وضيَّقوا الخناق عليهم، حتى لا يدري الرجل أتمَّ صلاته أم لا !! وظهر ما يكنَّ المنافقون في صدورهم، فقَالَ بعض المنافقين: كَانَ مُحَمَّدٌ يَعِدُنَا أَنْ نَأْكُلَ كُنُوزَ كِسْرَى وَقَيْصَرَ، وَأَحَدُنَا الْيَوْمَ لَا يَأْمَنُ عَلَى نَفْسِهِ أَنْ يَذْهَبَ إِلَى الْغَائِطِ. وقال بعضهم: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ مِنَ الْعَدُوِّ, فَأْذَنْ لَنَا أَنْ نَرْجِعَ إِلَى دَارِنَا؛ وهي في خارجِ مِنَ الْمَدِينَةِ.
عباد الله ... فقد عظُم البلاء، واشتد الخوف وقلَّ الرجاء، وأتاهم الأعداء من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى ظن المؤمنون كلَّ ظنٍّ. فقال تَعَالَى واصفًا حال المسلمين ( إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا ) فأيُّ تصويرٍ للحالة العصيبة التي مروا بها أعظمُ من هذا التصوير .. فالأبصار مِن الترقب والهول زاغت، والقلوب من الخوف والوجل كادت تبلُغ الحناجر.
فما كان من النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلا أنْ دعا ربه, وألَحَّ عليه بالنصر والتمكين, ورفع يديه إلى السماء قائلا ( اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ, وَمُجْرِىَ السَّحَابِ, وَهَازِمَ الأَحْزَابِ, اهْزِمْهُمْ وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ ) فاستجاب الله لرسوله صلى الله عليه وسلم، فأرسل على الأعداء ريحًا شديدًا فزلزلت أبدانهم.
نعم .. لقد نصرهم الله بريحٍ يراها الناس حقيرة،وبجنود لم يروها ولم يعلموا بها ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ) هكذا هزم الله تعالى الأحزاب الكافرين بجندٍ من جنود ربّ العالمين ( وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا ) وفيه إشارة إلى وضع الحرب بين المسلمين وبين الكفار كما وقع بين المسلمين الأوائل وبين كفار قريش، فلم ترجع قريش بعدها إلى حرب المسلمين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( الْآنَ نَغْزُوهُمْ وَلَا يَغْزُونَا ) فلم تغزُهم قريشٌ بعد ذلك، بل النبي صلى الله عليه وسلم والمسلمون يغزوهم حتى فتح الله عليهم مكة.
اللَّهُمَّ مُنْزِلَ الْكِتَابِ, وَمُجْرِىَ السَّحَابِ, وَهَازِمَ الأَحْزَابِ, اهْزِمْ أحزاب الكفر والروافض ومن وعاونهم، وَانْصُرْنَا عَلَيْهِمْ يا رب العالمين.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.




الحمد لله رب العالمين, والعاقبة للمتقين, وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الحق المبين, وأشهد أن محمدًّا عبده الرؤوف بالمؤمنين.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين.
معاشر المسلمين .. في الوقت الذي تخوض في دولتُنا المباركة, الجهد المبارك في إعادة إعمار اليمن الشقيق, ودحرِ الحوثيين وأعوانِ الخائن المخلوع, وفي الوقت الذي تشهد الأمة أشدَّ أزماتها في الشام وفلسطين: نرى نشاط المنافقين في زعزعة صفوفنا, وتحريضِ الناسِ على علمائنا ودعاتنا, وشنِّ حربٍ على حلقات تحفيظ القرآن.
فيتركون ويتجاهلون كلّ ما يحل بالمسلمين, ويتفرغون لسبّ وتنقّص رموزِ أهل السّنّة والجماعة.
فلْنحذر من هؤلاء المرجفين, والعابثين بأمننا وديننا, فإنهم هم العدو الحقيقي ( هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ ) هم العدوُّ الكامنُ داخل الْمُجتمع ، المختبئُ في الصف, وهم أخطر من العدو الخارجيِّ الصريح.
ولْنحذر من الاستماع إليهم, فقد حذر السلف الصالح من الاستماع إلى أهل البدع, فقد تعلق شبهةٌ في القلب, تكون سببًا لفساده وخرابه.
نسأل الله تعالى أنْ يهدي ضال المسلمين, وأن يرد كيد المنافقين, إنه سميع قريب مُجيب
المشاهدات 1633 | التعليقات 1

بارك الله فيك شيخ إبراهيم على هذه اللفتة الحانية والدعوة الصادقة نسأل الله القدير أن يعجل بنصرهم وعزهم وتمكينهم.