اَلْأُجُور اَلرَّبَّانِيَّةِ
سعود المغيص
الخطبة الأولى:
إنّ الحمدَ للهِ نحمدُهُ ونستعينُهُ، ونعوذ باللهِ منْ شرورِ أنفسنَا ومنْ سيئاتِ أعمالنا منْ يهدهِ اللهُ فلَا مُضلّ لهُ ومنْ يُضلِلْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدهُ لا شريكَ لهُ، وأشهدُ أنّ محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُهُ بعثهُ اللهُ رحمةً للعالمينَ، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وأصحابهِ، وسلَّم تسليمًا كثيرًا،
أما بعد عباد الله :
اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعلموا أن كَرَمُ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ لَا يَحُدُّهُ حَدٌّ، وَلَا يُحْصِيهِ عَدٌّ، وَيَظْهَرُ ذَلِكَ جَلِيًّا فِي الْأُجُورِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَهِيَ أُجُورٌ وُصِفَتْ بِأَوْصَافٍ عِدَّةٍ تَدُلُّ عَلَى عِظَمِهَا وَاسْتِمْرَارِهَا، وَأَنَّ عَمَلَ الْعَامِلِينَ لَا يُسَاوِي شَيْئًا أَمَامَهَا؛ فَالْكَرِيمُ الَّذِي هَدَاهُمْ لِلْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ هُوَ الَّذِي يَجْزِيهِمْ عَلَيْهِ أَعْظَمَ الْجَزَاءِ. وَقَدْ وَعَدَ بِالْأَجْرِ مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾
وَفِي الْقُرْآنِ أَوْصَافٌ عِدَّةٌ لِلْأُجُورِ الْمُرَتَّبَةِ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، فِيهَا إِغْرَاءٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِالثَّبَاتِ عَلَى الْإِيمَانِ، وَالتَّزَوُّدِ بِالْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ:
فَمِنْ أَوْصَافِ أُجُورِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهَا أُجُورٌ دَائِمَةٌ لَا تَنْقَطِعُ، وَكَامِلَةٌ لَا تَنْقُصُ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾
وَمِنْ أَوْصَافِ أُجُورِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهَا أُجُورٌ مَحْفُوظَةٌ لَا يَضِيعُ مِنْهَا شَيْءٌ عَلَى أَصْحَابِهَا؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ يَسْتَبْشِرُونَ بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ وَأَنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ ﴾
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا ﴾
وَمِنْ أَوْصَافِ أُجُورِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهَا أُجُورٌ عَظِيمَةٌ؛ كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ .
وَمِنْ أَوْصَافِ أُجُورِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهَا أُجُورٌ كَرِيمَةٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ﴾
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّمَا تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ ﴾
وَمِنْ أَوْصَافِ أُجُورِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهَا أُجُورٌ كَبِيرَةٌ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ ﴾ وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا ﴾
وَمِنْ أَوْصَافِ أُجُورِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهَا أُجُورٌ حَسَنَةٌ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا ﴾
وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا ﴾
وَمِنْ أَوْصَافِ أُجُورِ الرَّحْمَنِ سُبْحَانَهُ: أَنَّهَا أُجُورٌ مُضَاعَفَةٌ؛ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿ مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ﴾، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِ مِائَةِ ضِعْفٍ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَيُوصَفُ الْأَجْرُ الرَّبَّانِيُّ بِالْخَيْرِيَّةِ؛ كَمَا فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَلَأَجْرُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾
وَمَعَ هَذِهِ الصِّفَاتِ الْكَثِيرَةِ الْعَظِيمَةِ لِلْأُجُورِ الرَّبَّانِيَّةِ فَلَا غَرْوَ أَنْ يُثْنِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهَا؛ كَمَا قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿ أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾
وَأَهْلُ الْجَنَّةِ حِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فَيَرَوْنَ أُجُورَ أَعْمَالِهِمْ يَحْمَدُونَ اللَّهَ تَعَالَى، وَيُثْنُونَ عَلَى أُجُورِ أَعْمَالِهِمْ؛ ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ ﴾
فَحَرِيٌّ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ أَنْ يَجِدُّوا وَيَجْتَهِدُوا فِي الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ؛ فَإِنَّ أُجُورَهَا عَظِيمَةٌ كَبِيرَةٌ كَرِيمَةٌ حَسَنَةٌ مُضَاعَفَةٌ مَحْفُوظَةٌ دَائِمَةٌ غَيْرُ مَنْقُوصَةٍ وَلَا مَقْطُوعَةٍ، نَسْأَلُ اللَّهَ تَعَالَى مِنْ فَضْلِهِ الْكَرِيمِ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ...
الخطبة الثانية :
الحمدُ للهِ على فضلِهِ وإِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ على توفيقِهِ وامتنَانِهِ، وأشهدُ أنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وحدهُ لَا شريكَ لهُ تعظيمًا لشأنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمّدًا عبدُهُ ورسولُهُ الدَّاعِي إلى رِضْوَانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وعلَى آلهِ وأصحابِهِ وإخوانِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا .
أما بعد عباد الله :
اتَّقُوا اللهَ تَعالى، واعلموا أنه اذا فَهِمَ الْمُؤْمِنُ حَقَّ الْفَهْمِ مكانة هذه العبادات والاعمال الصالحة المشروعة ومايترتبُ عليها من الاجور والحسنات والدرجات
أَحَبَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ، وَخَضَعَ لَهُ بِالْعُبُودِيَّةِ، وَأَكْثَرَ مِنْ حَمْدِهِ وَشُكْرِهِ وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ؛ إِذْ رَتَّبَ هَذِهِ الْأُجُورَ الْعَظِيمَةَ عَلَى الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، ثُمَّ هَدَاهُ إِلَى ذَلِكَ، وَعَلَّمَهُ إِيَّاهُ، وَذَكَرَ لَهُ أُجُورَهُ؛ لِيَقْضِيَ حَيَاتَهُ كُلَّهَا فِي الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَيَجْعَلَ الدُّنْيَا مَطِيَّةً لِلْآخِرَةِ، فَلَا تَكُونُ الدُّنْيَا هَمَّهُ وَمُهِمَّتَهُ وَغَايَتَهُ؛ لِأَنَّهُ مُفَارِقُهَا إِلَى دَارٍ هِيَ دَارُهُ، وَيَنْتَظِرُهُ فِيهَا حِسَابٌ وَجَزَاءٌ عَلَى الْأَعْمَالِ، وَفَوْزٌ أَوْ خَسَارَةٌ، وَنَعِيمٌ أَوْ عَذَابٌ، وَجَنَّةٌ أَوْ نَارٌ. فَلَا يَغْتَرُّ بِالدُّنْيَا إِلَّا مَغْرُورٌ، وَلَا يَعِيشُ لِأَجْلِهَا إِلَّا مَخْذُولٌ، وَلَا يُعَظِّمُ زُخْرُفَهَا إِلَّا مَرْذُولٌ؛ (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ)
اللهم صل وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين
اللهم علمنا ماينفعنا ..
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وانصر عبادك المسلمين وفرج عن إخواننا المستضعفين في كل مكان.
اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم وفقه وولي عهده لما فيه خير البلاد والعباد،
اللهم إنا نحمدك ونشكرك على ما أنزلت علينا من الغيث،
اللهم اجعل ما أنزلته صيبا نافعاً. اللهم اجعله عطاء مشفوعاً برضى، تصلح بها أحوالنا ، وتستقيم به قلوبنا ، يا أرحم الراحمين.
اللهم تابع علينا خيراتك ، اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث واجعل ما أنزلت لنا قوةً ومتاعاً إلى حين، اللهم اسقِ بلادك وعبادك وبهائمك، وانشر رحمتك وأحيي بلدك الميت، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.