الأجوديـة المحمدية و فضل الجود

الطيب بن أحمد عشاب
1435/09/21 - 2014/07/18 16:57PM
[align=justify]الحمد لله الذي أظهر دينه المبين ، ومنعه بسياج متين ، فحفظه من تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين . وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ،إلــهَُ الأولين و الآخرين، لا إلـه إلا هو الرحمان الرحيم وأشهد أن محمدا عبده و رسوله و صفيه و خليله، بعثه على فترة من الرسل، ودُروس من العلم، وإدبارٍ من الدنيا، وإقبال من الآخرة، بشيراً بالنعيم المقيم، ونذيراً بين يدي عذاب أليم، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله، فأدى عن الله وعده ووعيده، حتى أتاه اليقين، فاللهم صل عليه و على آله الطيبين الطاهرين و صحبه الكرام الميامين و من اتبع سنته إلى يوم الدين. و اتقوا الله كما أمركم بذلك

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ}
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً}

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً }

عباد الله
لقد جعل الله تعالى أصل الشريعة المحمدية إكمال ما يحتاجه البشر من مكارم الأخلاق في نفوسهم و حملهم على التخلق بالخلق العظيم بمنتهى الاستطاعة. فقال ـ ص ـ «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» لذلك كان خلقه رفيع القدر إذ قال تعالى{وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ}.والخلق العظيم: هو الخلق الأكرم في نوع الأخلاق أن يبلع المتخلق بخلق مراتبه العليا .و لا يؤ خذ الخلق العظيم إلا من القرآن كما قال علي ـ ر ـ الخلق العظيم: هو أدب القرآن
وفي حديث عائشة «أنها سئلت عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: كان خلقه القرآن» أي ما تضمنه القرآن من إيقاع الفضائل والمكارم والنهي عن أضدادها.
كان رسول الله ـ ص ـ أكمل الناس خلقا. ففي حديث ابن عباس ـ ر.مـا ـ قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ يَلْقَاهُ فِي كُلِّ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ فَيُدَارِسُهُ القُرْآنَ، فَلَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدُ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»
كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ: أثبت له الأجودية في الناس فهو أسخى الناس و أكرمهم .و هذه الأجودية المحمدية من مقتضى السيادة المحمدية كما في الحديث الصحيح عن أ.سعيد قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَنَا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ مَنْ تَنْشَقُّ الْأَرْضُ عَنْهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ، وَأَنَا أَوَّلُ شَافِعٍ، وَأَوَّلُ مُشَفَّعٍ، وَلَا فَخْرَ، وَلِوَاءُ الْحَمْدِ بِيَدِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا فَخْرَ» [ هو سيد ولد آدم] هو أشجعهم، أعلمهم ، أتقاقاهم لله، أحسنهم خلقة و خلقا وأجودهم. فهو بلا شك أجود بني آدم مطلقًا. أما الجود المطلق فهو جود الله تعالى فهو الجواد كلُّ الجواد، فالناس يعطون عن محدود، وعطاؤه لا صفة له ولا حدود، فهوالجواد الذي يعلو كل جواد، وبه جاد كل من جاد".
كان رسول اللله ـ ص ـ أجود الناس. و تمثلت هذه الأجودية المحمدية في جوده الذي أذهل من جاد عليهم. في صحيح مسلم ـ عن أنس قَالَ: " مَا سُئِلَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعْطَاهُ غَنَمًا بَيْنَ جَبَلَيْنِ، فَرَجَعَ إِلَى قَوْمِهِ، فَقَالَ: يَا قَوْمِ أَسْلِمُوا، فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعْطِي عَطَاءً لَا يَخْشَى الْفَاقَةَ " فَقَالَ أَنَسٌ: «إِنْ كَانَ الرَّجُلُ لَيُسْلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنْيَا، فَمَا يُسْلِمُ حَتَّى يَكُونَ الْإِسْلَامُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا عَلَيْهَا»
وفي صحيح مسلم أيضًا عن صفوان بن أمية قال: "وَاللهِ لَقَدْ أَعْطَانِي رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا أَعْطَانِي؛ وَإِنَّهُ لأَبْغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعْطِينِي حَتَّىَ إِنَّهُ لأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ" قال ابن شهاب الزهري: أعطاه مئة من النعم، ثم مئة ثم مئة، وقال الواقدي: أعطاه يومئذ واديًّا مملوءًا إبلاً ونعمًا، فقال صفوان: أشهد ما طابت بهذا إلا نفس نبي.
و في ص. البخاري :عَنْ سَهْلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: «أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِبُرْدَةٍ مَنْسُوجَةٍ، فِيهَا حَاشِيَتُهَا»، قَالَتْ: نَسَجْتُهَا بِيَدِي فَجِئْتُ لِأَكْسُوَكَهَا، «فَأَخَذَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، فَخَرَجَ إِلَيْنَا وَإِنَّهَا إِزَارُهُ»، فَحَسَّنَهَا فُلاَنٌ، فَقَالَ: اكْسُنِيهَا، مَا أَحْسَنَهَا، قَالَ القَوْمُ: مَا أَحْسَنْتَ، لَبِسَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا، ثُمَّ سَأَلْتَهُ، وَعَلِمْتَ أَنَّهُ لاَ يَرُدُّ، قَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ، مَا سَأَلْتُهُ لِأَلْبَسَهُ، إِنَّمَا سَأَلْتُهُ لِتَكُونَ كَفَنِي، قَالَ سَهْلٌ: فَكَانَتْ كَفَنَهُ
و علمت أنه لا يرد. لايقول لا إلا في التشهد. و يصدق عليه و حده هذا المدح
(تعوَّدَ بَسطَ الكفِّ حتى لو أنه ... أرادَ انقباضاً لم تُطِعْهُ أنامِله)
(ولو لم يكنْ في كفهِ غيرُ نفسه ... لجادَ بها فليتق الله سائِله)

عباد الله ..
بعدما أثبت ابن عباس ـ ر.هما ـ صفة الأجودية لنبينا ـ ص ـ ذكر الأسباب:
ـ فضيلة الزمان : رمضان ـ صحبة الأخيار ـ اللقاء على القرآن.
وقال ابن حجر رحمه الله تعالى: فكان النبي صلى الله عليه وسلم يؤثر متابعة سنة الله في عباده فبمجموع ما ذكر من الوقت والمنزول به والنازل والمذاكرة حصل المزيد في الجود والعلم عند الله تعالى.
فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة حين يلقاه جبريل. أجود من الريح المرسلة التي تصيب بخيرها كل أحد..و المرسلة: صفة و ليست اسما إذ من أسمائها و أنواعهاالسموم و الصبا كما في حديث ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نُصِرْتُ بِالصَّبَا، وَأُهْلِكَتْ عَادٌ بِالدَّبُورِ» و منها أيضا اللواقح ، العقيم ، الناشرات ، المرسلات ، العاصف ، القاصف و الصرصر
توبوا إلى ربكم و استغفروه إنه هو الغفور الرحيم و آخر دوانا أن الحمد لله رب العالمين

الخطبة الثانية
إن شهر رمضان فرصة عظيمة لمن أراد إصلاح حاله و الفوز برضا الله و طاعته.دخلنا الثلث الأخير العشر الأواخر التي كان ـ ص ـ يزيد فيها من الطاعات و من أعمال البر و القربات.
و اعلموا أن الجود من أفضل أعمال البر و الجود ليس حكرا على المال وحده ، بل هو صنوف ودرجات. الجود بالنفس فيما شرع الله، وذلك أعلى درجات الجود وأسماها ، والجود بالمنصب بالزهد فيه والتسامي عنه وعدم التكبر به، والجود براحة البدن ورفاهيته في مصلحة الغير مما يُستحسن، والجود بالعلم وبذله، والجود بنفع الجاه في بذل شفاعة الخير، والجود بالصبر واحتمال الأذى والعفو، ، والجود بالزهد عما في أيدي الناس وعدم الاستشراف له. فمن عجز عن واحدة فثمّ غيرها، ويا طوبى من سمت همّته؛ فضرب بكل جود سهماً، خاصة في مواسم الخير كشهر رمضان، والتزم بآداب الجود؛ فبَذَلَه خالصاً لله، متبعاً هدي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، غيرَ مانٍّ ولا مؤذٍ.
و مما يرغب من الجود في رمضان:
ـ الاقتداء بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم فالمنفق في رمضان يتشبه بالنبي في جوده وكرمه في شهر رمضان الكريم.
ـ الصدقة على الصائم إعانة له على الصيام
ـ للصدقة في رمضان ثواب أكثر لفضيلة الزمان كما في الحديث (من تقرب فيه بخصلة من خصال الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ، ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه.
اللهم اعتق رقابنا من النار... اللهم إنك تحب العفو فاعف عنا[/align]
المشاهدات 1748 | التعليقات 0