الأبواب والمفاتيح

ناصر محمد الأحمد
1435/07/20 - 2014/05/19 02:31AM
الأبوابُ والمفاتيح
24/7/1435ه
د. ناصر بن محمد الأحمد

الخطبة الأولى:
إن الحمد لله..
أما بعد: أيها المسلمون: إن لله جل وتعالى سنناً في هذه الحياة، لا تستقيم الحياة إلا بها، ومن خالفها واصطدم معها تعسّر أمره في الدنيا، وربما خسر آخرته. والله جل وتعالى جعل هناك أبواباً ومفاتيح، لابد لك ياعبدالله أن تتعرف عليها وأن تطرُقها إذا أردت النجاة لنفسك في الدنيا والآخرة. فللجنة أبواب لن تدخل الجنة إلا منها، وللنار أبواب يجب أن تحذرها وتبتعد عنها حتى لا تمسك النار، وللرزق أبواب لابد أن تطرقها في طلب رزقك، وللربا أبواب لابد أن تعرفها حتى لا تقع فيها وتبوء بإثمها. وللتوبة أبواب، وللنجاح أبواب، وللتجارة أبواب، وغيرها أبواب. كما أن هناك مفاتيح لابد أن تتعرف عليها وتمسك بها إذا أردت أن يُتفتح لك الباب، أو أردت مطلوبك في الدنيا أو في الآخرة. فلنتعرف على بعض هذه الأبواب والمفاتيح، ولنبدأ بأبواب الجنة:
قال الله تعالى: (هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب، جنات عدن مفتحة لهم الأبواب). وقال تعالى: (وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاؤوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين). ثبت في الصحيحين من حديث الزهري عن حميد بن عبد الرحمن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أنفق زوجين في سبيل الله دعي من أبواب الجنة يا عبد الله هذا خير، فمن كان من أهل الصلاة دعي من باب الصلاة، ومن كان من أهل الجهاد دعي من باب الجهاد، ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة، ومن كان من أهل الصيام دعي من باب الريان". وفي صحيح مسلم من حديث عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما منكم من أحد يتوضأ فيبالغ، أو فيسبغ الوضوء، ثم يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء".
أيها المسلمون: للجنة ثمانية أبواب، وردت أسماء أربعة منها في الصحيحين وهي: باب الصلاة، وباب الجهاد، وباب الصدقة، وباب الريان، كما في الحديث آنف الذكر.
والباب الخامس من أبواب الجنة: هو الباب الأيمن وهو باب المتوكلين: كما ورد في حديث الشفاعة الطويل، ومما جاء فيه: "يا محمد أَدخل الجنة من أمتك من لا حساب عليه من الباب الأيمن من أبواب الجنة، وهم شركاء الناس فيما سوى ذلك من الأبواب" رواه البخاري ومسلم.
والباب السادس من أبواب الجنة: هو باب الوالد: قال عليه الصلاة والسلام: "الوالد أوسط أبواب الجنة، فإن شئت فأضع ذلك الباب أو احفظه". أي: خير الأبواب وأعلاها. رواه الترمذي وابن ماجة وهو صحيح.
والباب السابع من أبواب الجنة: هو باب لا حول ولا قوة إلا بالله: قال عليه الصلاة والسلام لسعد بن عبادة: "ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟ قلت: بلى. قال: لا حول ولا قوة إلا بالله". رواه الترمذي وهو صحيح.
وأما الباب الثامن من أبواب الجنة: فقد يكون باب الحج كما ذكر ذلك الحافظ ابن حجر رحمه الله، وقد يكون باب التوبة: فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "للجنة ثمانية أبواب، سبعة مغلقة، وباب مفتوح للتوبة حتى تطلع الشمس من نحوه". رواه أبو يعلى والطبراني.
فهذه يا عبدالله أبواب الجنة، ولن تدخل الجنة إلا منها.
وأما أبواب النار عافانا الله وإياكم وجميع المسلمين منها: فقد أخبر الحق سبحانه وتعالى أن للنار سبعة أبواب كما قال عز وجل: (وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِّكُلِّ بَابٍ مِّنْهُمْ جُزْءٌ مَّقْسُوم). قال ابن كثير رحمه الله في تفسير هذه الآية: أي قد كتب لكل باب منها جزء من أتباع إبليس يدخلونه لا محيد لهم عنه، أجارنا الله منها، وكل يدخل من بابٍ بحسب عمله، ويستقر في دركٍ بحسب عمله. ونُقِلَ عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله وهو يخطب: إن أبواب جهنم هكذا - قال أبو هارون - أطباقاً بعضها فوق بعض. ونُقل عنه أيضاً قوله: أبواب جهنم سبعة بعضها فوق بعض، فيمتلئ الأول، ثم الثاني، ثم الثالث، حتى تمتلئ كلها. وعندما يَرِدُ الكفار النار تفتح أبوابها، ثم يدخلونها خالدين فيه أبدا: (وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاؤُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِين، قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين)، وبعد هذا الإقرار يقال لهم: (ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِين)، وهذه الأبواب تغلق على المجرمين، فلا مطمع لهم في الخروج منها بعد ذلك كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِنَا هُمْ أَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ، عَلَيْهِمْ نَارٌ مُّؤْصَدَة). أي مغلقة. وقال تعالى: (نَارُ اللَّهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الأَفْئِدَةِ إِنَّهَا عَلَيْهِم مُّؤْصَدَةٌ فِي عَمَدٍ مُّمَدَّدَة). فأخبر الحق أن أبوابها مغلقة عليهم.
وقد تفتح أبواب النار وتغلق قبل يوم القيامة، فقد أخبر المصطفى أن أبواب النار تغلق في شهر رمضان، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فُتِّحَتْ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ النَّارِ وَصُفِّدَتْ الشَّيَاطِين". وَفِي ِروَايَة: "إِذَا كَانَ رَمَضَان فَتَحْت أَبْوَاب الرَّحْمَة وَغُلِّقَتْ أَبْوَاب جَهَنَّم وَسُلْسِلَتْ الشَّيَاطِين". رواه الإمام مسلم. وخرّج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن، وغلقت أبواب النار، فلم يفتح منها باب، وفتحت أبواب الجنة، فلم يغلق منها باب".
أيها المسلمون: إن الجنة والنار لكلِّ واحدة منهما دعاة يدعون إليها، فالدعاة الذين يدعونك إلى أبواب الجنة هم الذين يدعونك إلى الصلاة وإلى بر الوالدين والصدقة وقراءة القرآن والاستغفار، ويدعونك إلى طلب العلم والدعوة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك، فهذه أبواب الجنة، وأبواب الجنة هي كبريات الطاعات. كذلك أبواب النار هي كبريات الفواحش والمعاصي، فللنار دعاة أيضاً يدعون إليها: فالذي يدعو إلى الزنا أو الربا أو إلى قذف المحصنات المؤمنات الغافلات، أو إلى الخمور والفجور، أو إلى السفور والاختلاط، أو إلى التغريب والعلمانية، أو إلى مخالفة الشريعة، أو يقومون بالتضييق على العلماء والدعاء وأهل الخير والحسبة، فهؤلاء يدعون إلى أبواب النار، وهم دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها، لأنهم يدعون إلى هذه المعاصي التي هي أبواب النار. وحينئذ لا يمكن أن يلتبس على الناس دعاة أبواب الجنة ودعاة أبواب النار. (ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُخْزِيهِمْ وَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكَائِي الَّذِينَ كُنْتُمْ تُشَاقُّونَ فِيهِمْ، قَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ إِنَّ الْخِزْيَ الْيَوْمَ وَالسُّوءَ عَلَى الْكَافِرِينَ، الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمْ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ فَأَلْقَوْا السَّلَمَ مَا كُنَّا نَعْمَلُ مِنْ سُوءٍ بَلَى إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، فَادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا خَيْراً لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ).
أيها المسلمون: وللرزق أبواب. الرزق: ذلك القدر المكتوب لكل كائن خلقه الله في هذا الكون العظيم وهو في بطن أمه، يُرسل له الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بكتب رزقه وأجله وشقي أم سعيد. والرزق مكتوب فى السماء لكل إنسان، قال الله تعالى: (وفى السماء رزقكم وما توعدون). والله سبحانه لم يختص برزقه من أحد في الحياة الدينا، وإنما كان الرزق في الدنيا للجميع، للمؤمن والكافر، وهذا من عظيم لطفه تبارك وتعالي، قال الله تعالى: (الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز). والله هو المتحكم في أرزاق عباده، يجعل من يشاء غنياً ومن يشاء فقيراً: (إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيراً بصيراً) وقال تعالى: (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض). وكثرة الرزق فى الدنيا لا تدل على محبة الله للعبد، لذلك قال الله تعالى: (وما أموالكم ولا أولادكم بالتي تقربكم عندنا زلفى) وإنما يُقرّب من الله الإيمان به وعمل الصالحات. ولكن الله جل وتعالى من سننه في هذه الحياة أن جعل للرزق أبواباً وأسباباً من طرقها جاءه رزقه المكتوب له:
منها: صلة الرحم: قال صلى الله عليه وسلم: "مَن سَرَّه أنْ يُمَدَّ له في عُمُرِه ويُنسَأَ له في أجَلِه فلْيتَّقِ اللهَ ولْيصِلْ رحِمَه". رواه الطبراني في الأوسط.
ومن أبواب الرزق: التوكل على الله: قال صلى الله عليه وسلم: "لو أنكم تتوكلون على الله حق توكله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصاً وتروح بطاناً". رواه ابن حبان وهو صحيح. وهذا مصداقاً لقول الله تعالى: (وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً).
ومن أبواب الرزق: القناعة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَن استعفَّ أعفَّه اللهُ ومن استَغنى أغناه اللهُ ومَن سألَنا شيئًا فوجدْنا أعطيناه". رواه الطبري بسند صحيح. قال الله تعالى: (وَلَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجاً مِّنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ الدُّنيَا لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ وَرِزْقُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَأَبْقَى).
ومن أبواب الرزق: الاستغفار: قال صلى الله عليه وسلم: "مَن لزِم الاستغفارَ جعَل اللهُ له مِن كلِّ هَمٍّ فرَجا، ومِن كلِّ ضِيقٍ مخرَجا، ويرزُقْه مِن حيثُ لا يحتسِب". رواه الطبراني في الأوسط. قال الله تعالى: (فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً، يُرْسِلِ السَّمَاء عَلَيْكُم مِّدْرَاراً، وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَل لَّكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَل لَّكُمْ أَنْهَاراً).
ومن أبواب الرزق: أعمال البر: قال صلى الله عليه وسلم: "الدعاءُ يردُّ القضاءَ، وإنَّ البرَّ يزيدُ في الرزقِ، وإنَّ العبدَ ليحرمَ الرزقَ بالذنبِ يصيبُهُ". أخرجه السيوطي في الجامع الصغير بسند صحيح.
ومن أبواب الرزق: الصدقة: قال الله تعالى: (وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُه وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِين). وفي البخاري: أنفق يا ابن أدم أنفق عليك. أنفق يا بلال! ولا تخش من ذي العرش إقلالا. ثلاث أقسم عليهن: وذكر منها: "ما نقص مال قط من صدقة".
ومن أبواب الرزق: الاستعاذة من الفقر: "اللَّهمَّ إنِّي أعوذُ بك مِن العجزِ والكسلِ والبخلِ والهَرَمِ والقسوةِ والغفلةِ والذِّلَّةِ والمسكنةِ وأعوذُ بك مِن الفقرِ والكفرِ والشِّركِ والنِّفاقِ والسُّمعةِ والرِّياءِ وأعوذُ بك مِن الصَّممِ والبَكَمِ والجنونِ والبَرصِ والجُذامِ وسيِّئِ الأسقامِ". رواه ابن حبان في صحيحه.
ومن أبواب الرزق: الإنشغال بطلب الآخرة: "من كانت الدنيا همّه، فرّق الله عليه أمره، وجعل فقره بين عينيه، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له، ومن كانت الآخرة نيته، جمع الله له أمره، وجعل غناه في قلبه، وأتته الدنيا وهي راغمة". رواه ابن ماجة بسند صحيح. قال الله تعالى: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُون).
ومن أبواب الرزق: تقوى الله تعالى: قال جل وعز: (وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجاً، وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً). وقال تعالى: (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَـكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ).
ومن أبواب الرزق: الإنفاق على طلبة العلم المحتاجين: كان أَخوانِ على عهد النبي صلى الله عليه وسلم فكان أحدهما يأتي النبي صلى الله عليه وسلم والآخر يحترف، فشكى المحترف أخاه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لعلك ترزق به". رواه الترمذي وهو صحيح.
ومن أبواب الرزق: شكر النعمة: قال الله تعالى: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ).
ومن أبواب الرزق: تحري السبل الحلال في طلبه: قال صلى الله عليه وسلم: "إنَّ رُوحَ القُدُسِ نفثَ في رُوعِي أنَّ نفسًا لَن تموتَ حتَّى تستكمِلَ أجلَها وتستوعِبَ رزقَها، فاتَّقوا اللهَ وأجمِلُوا في الطَّلَبِ، ولا يَحمِلَنَّ أحدَكم استبطاءُ الرِّزقِ أن يطلُبَه بمَعصيةِ اللهِ، فإنَّ اللهَ تعالى لا يُنالُ ما عندَه إلَّا بِطاعَتِهِ". أخرجه السويطي في الجامع الصغير بسند صحيح.
ومن أبواب الرزق: الضعفاء: قال صلى الله عليه وسلم: "أبغوني ضعفاءكم، فإنما ترزقون وتنصرون بضعفائكم". رواه الترمذي وهو صحيح.
ومن أبواب الرزق: المتابعة بين الحج والعمرة: قال صلى الله عليه وسلم: "تابِعوا بينَ الحجِّ والعمرةِ فإنَّهما ينفيانِ الفقرَ والذنوبَ كمَّا ينفي الكيرُ خبثَ الحديدِ والذهبِ والفضةِ، وليسَ للحجةِ المبرورةِ ثوابٌ إلا الجنةَ". أخرجه السويطي في الجامع الصغير بسند صحيح.
ومن أبواب الرزق: قوله صلى الله عليه وسلم: "ثلاثةٌ كلُّهم ضامنٌ على اللهِ إنْ عاش رُزِق وكُفي وإنْ مات أدخَله اللهُ الجنَّةَ: مَن دخَل بيتَه فسلَّم فهو ضامنٌ على اللهِ، ومَن خرَج إلى المسجدِ فهو ضامنٌ على اللهِ، ومَن خرَج في سبيلِ اللهِ فهو ضامنٌ على اللهِ". أخرجه ابن حبان في صحيحه.

بارك الله ..


الخطبة الثانية:
الحمد لله ..
أما بعد: أيها المسلمون: وأما المفاتيح فأولها مفتاح الجنة: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مفتاح الجنة شهادة أن لا إله إلا الله" رواه الإمام أحمد في مسنده. وذكر البخاري في صحيحه عن وهب بن منبه أنه قيل له: أليس مفتاح الجنة لا إله إلا الله؟ قال: بلى، ولكن ليس من مفتاح إلا وله أسنان، فإن أتيت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح.
وقد جعل الله سبحانه وتعالى لكل مطلوب مفتاح يُفتح به.
فجعل مفتاح الصلاة: الطهور.
ومفتاح الحج: الإحرام.
ومفتاح البر: الصدقة.
ومفتاح الجنة: التوحيد.
ومفتاح العلم: حسن السؤال وحسن الإصغاء.
ومفتاح النصر والظفر: الصبر.
ومفتاح المزيد: الشكر.
ومفتاح الولاية: المحبة والذكر.
ومفتاح الفلاح: التقوى.
ومفتاح التوفيق: الرغبة والرهبة.
ومفتاح الإجابة: الدعاء.
ومفتاح الرغبة في الآخرة: الزهد في الدنيا.
ومفتاح الإيمان: التفكر فيما دعا الله عباده إلى التفكر فيه.
ومفتاح الدخول على الله: إسلام القلب وسلامته له، والإخلاص له في الحب والبغض والفعل والترك.
ومفتاح حياة القلب: تدبر القرآن والتضرع بالأسحار وترك الذنوب.
ومفتاح حصول الرحمة: الإحسان في عبادة الخالق والسعي في نفع عبيده.
ومفتاح الرزق: السعي مع الإستغفار والتقوى.
ومفتاح العز: طاعة الله ورسوله.
ومفتاح الإستعداد للآخرة: قصر الامل.
ومفتاح كل خير: الرغبة في الله والدار الآخرة.
ومفتاح كل شر: حب الدنيا وطول الأمل.
وهذا باب عظيم من أنفع أبواب العلم، وهو معرفة مفاتيح الخير والشر، لا يوفق لمعرفته ومراعاته إلا من عظم حظه وتوفيقه، فإن الله سبحانه وتعالى جعل لكل خير وشر مفتاحاً وباباً يَدخل منه إليه، كما جعل الشرك والكبر والإعراض عما بعث الله به رسوله، والغفلة عن ذكره والقيام بحقه مفتاحاً للنار.
وكما جعل الخمر: مفتاحٌ لكل إثم.
وجعل سماع الغناء: مفتاحُ الزنا.
وجعل إطلاق النظر في الصور: مفتاحُ الطلب والعشق.
وجعل الكسل والراحة: مفتاحُ الخيبة والحرمان.
وجعل المعاصي: مفتاحُ الكفر.
وجعل الكذب: مفتاحُ النفاق.
وجعل الشح والحرص: مفتاحُ البخل وقطيعة الرحم وأخذ المال من غير حله.
وجعل الإعراض عما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم: مفتاحُ كل بدعة وضلالة.
وهذه الأمور يا عباد الله لا يُصدِّق بها إلا كل من له بصيرة صحيحة وعقل، يعرف به ما في نفسه وما في الوجود من الخير والشر، فينبغي للعبد أن يعتني كل الإعتناء بمعرفة الأبواب والمفاتيح وما جُعلت المفاتيح له، والله من وراء توفيقه وعدله، له الملك وله الحمد وله النعمة والفضل، لا يُسئل عما يفعل وهم يسُئلون.
فنسأل الله جل وتعالى أن يجعلنا مفاتيح للخير مغاليق للشر ..

اللهم ..
المشاهدات 2621 | التعليقات 1

جزاك الله خيرا