( الآداب القرانية للنساء في سورة الأحزاب)
خالد الشايع
الخطبة الأولى ( الآداب القرانية للنساء في سورة الأحزاب) 15/10/1439
أما بعد فيا أيها الناس : لقد خلق الله الخلق ومايز بينهم في الصفات والهيئات والأعمال ، فأعمال البعض لا تصلح لغيرهم وهكذا ، ومن جملة الخلق بنو آدم ، فجعلهم ذكرا وأنثى ، وجعل للذكر أعمالا لا تصلح للأنثى والعكس صحيح ، ومتى تنازعا أعمال بعضهم البعض فإن المجتمع ينهار .
عباد الله : إن الله جل وعلا في كتابه لم يترك للمرأة مجالا للسؤال ، بل وضح كل ما يجب عليها ، وأرشدها لكل خير ، وحذرها من كل شر ، بل ومن كل مما من شأنه أن يضرها أو يضر مجتمعها ، وسنمر بإذن الله سريعا على بعض أبرز التوجيهات النبوية في القرآن للنساء .
معاشر المسلمين : يقول الله جل في علاه ، مخاطبا نساء النبي صلى الله عليه وسلم ، أطهر نساء في ذلك الزمن ، والخطاب لهم خطاب لسائر النساء من باب أولى .
(وقرن في بيوتكن ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى )
فقد تضمنت هذه الآية آدابا أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم ونساء أمته تبعا لهن.
قال ابن كثير في تفسيره: هذه آداب أمر الله بها نساء النبي صلى الله عليه وسلم، ونساء الأمة تبع لهن في ذلك.
وقد جاءت هذه الآية ضمن مجموعة من الآيات نزلت في تخيير النبي صلى الله عليه وسلم أزواجه، فلما اخترنه أدبهن بهذه الآداب الكريمة الرفيعة، فقال: وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ [الأحزاب: 33] أي الْزَمْنَ بيوتكن، فلا تخرجن لغير حاجة، فيجوز لهن الخروج للصلاة في المسجد بشرط الحجاب وعدم التعطر، كما في الحديث: لا تمنعوا إماء الله مساجد الله، وليخرجن تفلات . رواه أحمد.
وفي صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لسودة: قد أذن الله لكن أن تخرجن لحوائجكن . وأما قوله تعالى: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] فمعناه: لا تظهرن زينتكن مثل فعل الجاهلية الأولى، فقد نقل ابن كثير أقوال العلماء في تفسير تبرج الجاهلية الأولى، فقال: قال مجاهد: كانت المرأة تخرج تمشي بين الرجال، فذلك تبرج الجاهلية.
وقال قتادة: وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى [الأحزاب: 33] يقول إذا خرجتن من بيوتكن، وكانت لهن مشية وتكسر وتغنج فنهى الله عن ذلك.
وقال مقاتل بن حيان: التبرج أنها تلقي الخمار على رأسها ولا تشده فيواري قلائدها وقرطها وعنقها، ويبدو ذلك كله منها .أهـ كلام ابن كثير رحمه الله .
وكذلك خاطب أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مرشدا لهم في كيفية التخاطب مع زوجات النبي صلى الله عليه وسلم فقال ( وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب ) وقال للنساء ( ولا تخضعن بالقول فيطمع الذي في قلبه مرض )فهذه الطريقة الشرعية للرجال والنساء عندما تدعو الحاجة للتحدث كالبيع والشراء ، وسائر التعاملات ، أن يتحدثوا من وراء حجاب ، منعا للخلوة والاختلاط ، وأن يكون الحديث من غير خنوع وتميع من الطرفين ، بهذا تحفظ العورات ، وتصان المرأة ، وتعيش عزيزة منيعة مصونة .
عباد الله : لو أننا طبقنا التوجيهات القرآنية لما انتهكت الأعراض ولا استبيحت الفروج ، ولعاش الناس في سعة من العيش ، ولكن الناس يعتدون على حدود الله ، ويخالفونها ، ويسنون سننا جديدة يزعمون أنها تحفظ المجتمع ، وهي تحرق المجتمع بأكمله ، (أفحكم الجاهلية يبغون ، ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون )
معاشر المؤمنين : ومن الآداب القرآنية في سورة الأحزاب قوله تعالى ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين وكان الله غفورا رحيما ) هذه هي آية الحجاب التي ألزمت جميع نساء المسلمين بتغطية الوجه ، ولا ناسخ لها ، وعليها عمل السلف ، وبها يقول الأئمة الأربعة ، فإنَّ هذه الآية متأخرة عن الآية السابقة: ﴿ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ﴾، فلا شك إذًا أن الآية المتأخرة تؤكِّد حكم الآية المتقدمة من وجوب الاستتار الكامل (بما فيه الوجه)؛ لأن الخطاب يشمل فيها زوجات النَّبي صلى الله عليه وسلم، والقائلون بأنَّ الآية السابقة خاصَّة بأمهات المؤمنين، لا يستطيعون ادِّعاء الخصوصية هنا مع هذه الآية.
قال ابن جرير الطبري: "لا تتشبهن بالإماء في لباسهنَّ، إذا هنَّ خرجن من بيوتهنَّ فكشفن شعورهن ووجوههن... إلخ".
وقال غيره : (يغطين وجوههن وأبدانهنَّ بملاحفهن).
وقال غيره : يرخينها عليهن ويغطين بها وجوههن وأعطافهن
وقال القرطبي: "لما كانت عادة العربيات التبذُّل، وكنَّ يكشفن وجوههنَّ كما يفعل الإماء، وكان ذلك داعية إلى نظر الرجال إليهنَّ، وتشعُّب الفكرة فيهنَّ، أمر الله رسولَه صلى الله عليه وسلم أن يأمرهنَّ بإرخاء الجلابيب عليهنَّ".
وقال السيوطي: "هذه آية الحجاب في حقِّ سائر النساء؛ ففيها وجوب ستر الرأس والوجه عليهن".
وقال الشوكاني: "قال الواحدي: قال المفسِّرون: يغطِّين وجوههن ورؤوسهن إلا عينًا واحدة، فيعلم أنهنَّ حرائر".
وعلى هذا فسَّر أئمَّة التفسير الآية، فهل يقال بعد ذلك كله: ليس في الإسلام دليل واحد على مشروعية حجاب الوجه ؟
اللهم أرنا الحق حقا وارزقنا اتباعه ......
الخطبة الثانية
أما بعد فيا أيها الناس : إن المرأة خلقت لأمر عظيم لا يقوم به الرجال ، وهو الحمل والولادة والتربية وإدارة شؤون البيت ، وجعلت متاعا من متع الدنيا كما وصفها بذلك الحبيب صلى الله عليه وسلم كما أخرجه مسلم في صحيحه من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَخَيْرُ مَتَاعِ الدُّنْيَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ )
وجعلت فتنة للرجال ، فأول فتنة بني إسرائيل كانت في النساء ، والمرأة إذا خرجت من البيت استشرفها الشيطان ، روى الترمذي في جامعه من حديث عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان. قال المباركفوري في تحفة الأحوذي وهو يبين معنى هذا الحديث: فإذا خرجت استشرفها الشيطان. أي زينها في نظر الرجال. وقيل أي نظر إليها ليغويها ويغوي بها، والأصل في الاستشراف رفع البصر للنظر إلى الشيء وبسط الكف فوق الحاجب، والمعنى أن المرأة يستقبح بروزها وظهورها، فإذا خرجت أمعن النظر إليها ليغويها بغيرها ويغوي غيرها بها ليوقعهما أو أحدهما في الفتنة. انتهى.
وقال المناوي في فيض القدير: النساء أعظم حبائل الشيطان وأوثق مصائده فإذا خرجن نصبهن شبكة يصيد بها الرجال فيغريهم ليوقعهم في الزنا، فأمرن بعدم الخروج حسماً لمادة إغوائه وإفساده. انتهى.
معاشر المسلمين : إن في قوله تعالى ( ولا تبرجن تبرج الجاهلية الأولى ) هدايةً لكل امرأة وولي أن لا تخرج المرأة من بيتها إلا لحاجة أو ضرورة ، فلا أحفظ للمرأة من بيتها ، وإن الناظر لنسائنا هذه الأيام إلا من رحم الله يجد أن النساء يخرجن أكثر من الرجال ، ويخرجن فيما لا فائدة له ، تذهب للمقاهي والتنزه في الأسواق ، والواجب على الولى النصح لهن ووعظهن والقيام بالمسؤولية تجاههن ، فالكل راع ومسؤول عن رعيته .
اللهم احفظ نساءنا ونساء المسلمين يارب العالمين