اقرأ | د. محمد العريفي

اقرأ

 

إنّ الحمدَ لله, نَحمَدُهُ ونستعينُهُ ونستغفِرُهُ ونعوذُ باللهِ تعالى من شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالِنا من يَهدِهِ اللهُ فلا مُضِلَّ لَه ومن يُضلِلْ فلا هادِيَ له ،

وأشهدُ أن لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ جلَّ عن الشبيهِ والمَثيلِ والندِّ والنظير، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ وصفيُّهُ وخليلُهُ وخيرتُهُ من خلقهِ وأمينُهُ على وحيهِ، أرسلَهُ ربُّه رحمةً للعالمين وحُجَّةً عن العبادِ أجمعين فهدى اللهُ تعالى بهِ من الضلالةِ وبَصَّرَ بهِ من الجَهالَةِ وجمعَ بهِ بعدَ الفُرقَةِ ولَـمَّ بهِ بعدَ الشتاتِ فصلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهِ وعلى آلهِ الطيبينَ وأصحابهِ الغُرِّ الـمَيامين ما اتَّصلَتْ عينٌ بنظر ووَعَتْ أذُنٌ بخبَر وسلَّمَ تَسليماً كثيراً, أما بعدُ:

 

 أيُّها الإخوةُ الكرام:

روى البخاري في صحيحه أنَّ نَبِيَّنا صلواتُ ربي وسلامُهُ عليهِ كانَ يخرجُ من جَنَباتِ مكةَ ويَنفرِدُ يَخلو بربِّهِ جلَّ وعلا في غارِ حِراءَ وكانَ عليهِ والصلاةُ والسلامُ يَشتَغِلُ بالدُّعاءِ والعِبادَةِ فبَعَثَ اللهُ تعالى إليهِ جبريلَ عليهِ السلامُ فدخلَ جبريلُ على نبيِّنا عليه الصلاة والسلام في صورةِ رجلٍ

 ففَزِعَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم من هذا الذي يَقطعُ عليهِ خَلوَتَهُ ولم يَتَعَوَّدْ صلى الله عليه وسلم أنْ يَطرُقَهُ الناسُ في خَلوَتِهِ فأقبَلَ جبريلُ على النبيِّ عليه الصلاة والسلام فقالَ: اقْرَأْ  .

فنظرَ النبي صلى الله عليه وسلم في هذهِ الكلمةِ وإذا هي كلمةٌ حَسَنَةٌ يَتَمَنَّى عليه الصلاة والسلام لو كانَ يقرأُ ويكتُبُ كما كانَ بعضُ قُريشٍ يقرأُ ويكتبُ، لكنَّ اللهَ تعالى حالَ بينَهُ وبينَ ذلكَ لِيُثْبِتَ نُبُوَّتَهُ كما قالَ اللهُ جلَّ وعلا: { مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلاَ الإِيمَانُ}وقال تعالى : { وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ ۖ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ } فإنَّهُ لو كانَ قبلَ أن يُبعَثَ بالنبوة يقرأُ ويكتبُ بينَ ظَهرانَي قريشٍ لارتابوا في ذلك .

 لكن أن يُنزَلَ عليهِ هذهِ الـمُعجِزَةُ العظيمةُ وهو ليسَ من أهلِ القِراءَةِ والكتابَةِ هذا يُثبِتُ لهم أنَّهُ نبيٌّ من عندِ اللهِ فقالَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم لَهُ: ما أعرِفُ القراءةَ وما أنا بِقارِئٍ فأقبلَ جبريلُ على النبيِّ عليه الصلاة والسلام ثمَّ ضَمَّهُ وغَطَّهُ حتى بلغَ منهُ الجَهدَ ثم أرسلَهُ فقالَ لهُ اقرأْ فقالَ عليه الصلاة والسلام: ما أعرفُ القراءةَ وما أدري ما أقرأٌ

فأقبلَ عليه جبريل وضمهُ أخرى حتى بلغَ منهُ الجَهدَ قال ثم أطلقَهُ ثم قالَ لهُ اقرَأْ فقال عليهِ الصلاة والسلام ما أنا بقارِئٍ يعني أنا ما أعرفُ أقرأ فأقبلَ عليهِ الثالِثَةَ وغَطَّهُ حتى بلغَ منهُ الجهدَ ثمَّ أطلقَهُ ثمَّ قال له: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَق}{خَلَقَ الإِنسَانَ مِنْ عَلَق}{اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَم}{الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم}{عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَم} ، فكانت أولُ آياتٍ من القرآن نزلت تتعلقُ بالقراءَةِ والكتابةِ .

 

أيها الأحبة الكرام :

إنَّ تعظيمَ دينِنا للقراءةِ ظاهرٌ من القرآنِ ومن سُنَّةِ نبيِّنا صلى الله عليه وسلم, لما انتصرَ النبي عليه الصلاة والسلام على قريشٍ في أولِ معركةٍ بينَهُ وبينَ أعدائِه ثم جيءَ بسبعينَ أسيراً بينَ يديهِ وكانَ المسلمونَ في فقرٍ وحاجةٍ شديدةٍ ، ومع ذلك لم يطلب عليه الصلاة والسلام أن يفتديَ جميعَ هؤلاءِ الأسرى بالمالِ، بل قالَ عليه الصلاة والسلام لهم: من كانَ يعرفُ القراءةَ والكتابةَ فليُعلِّمْ عشرةً من أبناءِ المسلمين القراءةَ والكتابةَ و نُطلِقُهُ إلى أهلهِ ومن كانَ لا يعرفُ ذلك فليدفَعْ أربعةَ آلافِ دِرهمٍ حتى نُعيدُهُ إلى أهله . رواه أحمد.

 

إنَّ القراءةَ من أصولِ دينِنا وهي من أهمِّ ما كان النبيُّ عليه الصلاة والسلام يَحرِصُ عليهِ ولذلك لم تكن أولُّ آيةٍ نزلت: صلِّ ولا زكِّ ولا حُجَّ ولا اعتَمِرْ ولا تَصَدَّقْ إنَّما أولُّ كلمةٍ طَرَقَت مَسمَعَ نبيِّنا عليه الصلاة والسلام هي: (اقرأ).

فإذا أردتَ أن تعرفَ قيمةَ إنسانٍ فاسألْهُ ما هو آخرُ كتابٍ قرأَ؟

كم يقرأُ كلَّ يومٍ من الكُتُب؟ ما هي الكتبُ التي يَملِكُها في بيته؟

أيُّها المسلمون :

كان مَن سبقنا من السلف يَعدُّون القراءةَ وحملَ الكتبِ من المروءات, قيلَ لأبي الوليد الوزير: إنَّا نَراكَ تحملُ في ذهابكَ ومَجيئكَ كتاباً وربَّما لا يليقُ بك، فأنت وزيرٌ ولكَ مقامُك، اجعَلْ معَكَ خادِماً يحملُ حاجاتِك، فقال لهم:" كلا واللهِ إني أرى أنَّ حملَ الكتابِ من الـمُروءَةِ "

أي :كما أنَّ من الـمُروءةِ أن أعتنِيَ بلباسي و بمظهري، كذلك من المروءةِ ومما يُكبِرُني في أعينِ الناسِ أن يَروا معيَ كتاباً.

قال عمرو بن العلاء: واللهِ إنِّي لأمَرُّ بالرجلِ في بيتهِ أو في دُكانِهِ فأرى بينَ يديهِ كتاباً يُطالِعُ فيهِ فيكبُرُ في عَيني قال : وإني لأمَرُّ بالرجُلَين في الطريقِ وأحدُهم معهُ كتابٌ يطالعُ فيه والثاني يَشتغلُ في النظرِ في الغادي والرائحِ، فأرى في نفسي أنَّ الأولَ هو أعقلُ من الثاني .

 

أيُّها الإخوةُ الكرام :

ذُكِرَتْ الـمُتَنَزَّهاتُ عندَ ابنِ دُرَيدٍ وكان من العُلماءِ فذكروا له غُوطةَ دمشق ونَهروانُ بغداد، وجعلوا يتكلمونَ عن المتنزهات، فقال لهم: إنكم ذكرتم متنزهاتِ العيونِ وغَفَلتُم عن متنزهاتِ القلوبِ، قالوا وما متنزهاتُ القلوب؟ قال: عيونُ الأخبارِ لابنِ قُتَيبَةَ، والزُّهرةَ لأبي داود، وقلقُ المشتاق لابن أبي طاهر، وجعل يُعّدِّدُ عليهم كتبَ الأدبِ التي إذا فَتَحَ أحدَها وقَرَأَ أغناهُ عن مُجالَسَةِ الناس .

 

لأنَّ القراءةَ تَصفيةٌ للعقلِ، رِفعةٌ للقَدرِ، وجمالٌ للروحِ، و زيادةٌ في ذكائِك، زيادةٌ في ثِقَةِ الناسِ فيك، زيادةٌ في إعجابِ أولادِكَ بِكَ {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِير}.

و لمَ يأمُرِ اللهُ تعالى نبيَّنا عليه الصلاة والسلام بالازدِيادِ من شيءٍ كما أمرَهُ بالازدِيادِ من العِلم {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا} لم يَقُلْ زِدني جاهاً ولا زِدني عبادَةً ولا زِدني شجاعةً وقُوةً إنما زدني علماً .

ومن أكبرِ مصادِرِ العِلم في عَصرِنا اليوم هي القِراءة, سُئِلَ الإمام البخاري رحمه الله عن دَواء العلم والحفظِ فقال: إدامَةُ النظرِ في الكُتُبِ، يعني: كثرةُ القراءة.

 

أيُّها المسلمون :

أنَّ القراءة وسيلةٌ لتحصيلِ العلمِ الشرعي، فلا يَستوي من يَقرأُ في كُتُبِ التفسيرِ والعقيدةِ والحديثِ ومن كان يُمضي وقتَهُ بما لا فائدة فيه ،ففرقٌ بينَ من إذا وجدَ فراغاً أخذَ كتاباً ثم قرأَ تفسيرَ: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد} {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق} فتَعَبَّدَ لربِّهِ وتقرَّبَ إليهِ وفَهِمَ كلامَهُ، فرقٌ بينَ هذا وبينَ الشخصِ الآخرِ الذي ربَّما يَصِلُ عمرُهُ إلى أربعينَ سنةً وهو لا يفهم ما معنى: {اللَّهُ الصَّمَد} ولا {مِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَب} وما بينَهُ وبينَ معرِفَتِها إلّا أن يقرأَ كتاباً في التفسير.

أيُّها المسلمون :

      كان سلفنا الصالح يَحرِصونَ على جمع الكتُبِ واقتنائها ولذلكَ حَفِظوا لنا الدِّينَ ونَقَلوا إلينا العِلم.

كانت كُتُبُ ابن عُقْدَةَ إذا حُمِلَتْ، أي :إذا اضطَرَّ أن يَنتقِلَ من بيتٍ إلى بيتٍ وحمَلَ كتبَهُ ، كانت تُحمل على سِتِّمائةِ جَمَلٍ,

وكانَ ابنُ القيِّم ِ مُغرَماً باقتناء الكتبِ ، فلما مات تركَ كُتباً كثيرةً وكانَ أولادُهُ إذا احتاجوا شيئا من المال باعوا بعضَها واصطَفَوا عندَهم أكثرَها,

وكانت كتب القاضي عبد الرحيم بن علي التي ملَكَها بلَغَتْ مائةَ ألفِ مجلدٍ، كل هذا مع صعوبة اقتناء الكتب وعدم توفرها في ذلك الوقت .

واليوم معَ سهولةِ الحصول على الكتب وتمكن الناس من القراءةِ إلّا أنَّكَ إذا دخلت بيوتَ بعضِ الناسِ ربما لم تَجِدْ فيها كتابَ تفسيرٍ ولا كتاباً عن تربيةِ الأولاد، ولا كتاباً عن أحكامِ الزواجِ والمعاملات، فسبحانَ اللهِ كيف يقضي هؤلاء أوقاتَهم؟

 

 

أَيُّها المُسلِمُونَ :

   إنَّ المَتَأْمِّلَ في سيرة سلفنا الصالح ، يجد انهم أَقْبَلُوا عَلَى العِلْمِ والقِرَاءَةِ ، لِمَا عَلِمُوهُ مِنَ الفَضَائِلِ فِي ذَلِكَ وعَظِيمِ الثَّوابِ، وأَثَرِهِ فِي الحَيَاةِ، 

فكان الإمام ابن شهاب الزهري يجلسُ في مكتبتهِ ويقرأ وقتاً طويلاً فقيلَ لامرأتِهِ ما أحسنَ حالَكِ إنَّ زوجَكِ لم يَتَزَوَّجْ عليكِ ولم يَتَسَرَّ يعني: ليسَ عندَهُ زوجةً أخرى معكِ وليسَ عنده جاريةً سرية فقالت: واللهِ لَكُتُبُهُ التي تُشغِلُهُ عني أشدُّ عليَّ من ثلاثِ ضرائِرَ من اشتغالهِ في الكتب,

وسُئِلَ الحسنُ اللؤلؤي الكوفي وهو من أصحابِ أبي حنيفةَ سئلَ عن كثرةِ القراءةِ فقال: غَبَّرتُ أربعينَ سنةً من حياتي وأنا واللهِ ما اتَّكَأتُ ولا اضطجعتُ ولا نـِمتُ ولا مَشيت إلّا وأنا أطالعُ كتاباً بين يديَّ قال: وما نمتُ في الأربعينَ سنةٍ إلا واللهِ والكتابُ على صدري، ولذلك صارَ من الأئمةِ .. صارَ يُفتي الناسَ يُصلِحُ بينهم ..وصار الناسُ ينظرونَ إليهِ بعينِ الذكاءِ والحرصِ وتطويرِ الذات,

أما الشخصُ الذي يمضي عليهِ الوقتُ ولا يقرأُ في الكتب فهذا باللهِ عليك كيفَ يُطَوِّرُ عقلَه وكيف يُغذِّيه؟

دخلَ الإمام ابن حجر إلى دمشقَ فلَبِثَ فيها سبعينَ يوماً فقط، قرأَ فيها مائةَ مجلدٍ، وسئلَ شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن القراءةِ فقال: طالعتُ في التفسيرِ من المكتملِ وغير المكتملِ قُرابَةَ مائةَ تفسيرٍ هذا غير ما قرأه في الحديثِ والفِقهِ والسيَرِ واللُّغةِ والشِّعر وغير ذلك,

أما الإمام ابن الجوزي فتكلَّم عن نفسِهِ مع القِراءةِ فقال: واللهِ إني لا أجدُ لَذَّةً إلّا في مُطالَعَةِ الكتب، وإذا وقعتُ على كتابٍ جديد لم أرَهُ من قبلُ كأنَّما وقعتُ على كنزٍ عظيم قال ولقد قرأتُ الكتبَ في المدرسةِ النظامية و لو قلت إني طالعتُ عشرينَ ألفَ مجلدٍ ما كنت مخطئاً .

 

 

أيها المؤمنون :

إن خير ما يُقرأ، وأول ما يُتْلى، كتاب الله تعالى قال تعالى:( فاقرؤوا ما تيسر من القرآن). وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:« اقرءوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعا لأصحابه». فهو الذكر الحكيم، والنور المبين، والصراط المستقيم ، ثم مطالعة سنة نبينا صلى الله عليه وسلم وسيرته العطرة ، لنستلهم منها العبر والدروس، ونأخذ منها القدوة والأسوة، قال سبحانه:( لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة).

وقد بلغ من حرص سلفنا الصالح على المحافظة على الأوقات وصرفها في القراءة والاستزادة من العلم والمعرفة شيء عظيم فهذا لإمام ابن عقيل أبو الوفاء  وكان قارئاً فاهماً يقول: والله إني لأختارُ غمسَ الكَعكِ اليابِس في الماءِ وأكلهِ على أن آكُلَ الخبزَ، قيل لمَ قال لأنَّ هذا لا يحتاجُ إلى مَضغٍ فأنا آكلُهُ وأتجرَّعُهُ أما الخبزُ فيحتاجُ إلى مضغٍ فأنا أريدُ أن أوفِّرَ وقتاً حتى أصرِفَهُ في المطالعةِ والكتابةِ هذا من شِدَّةِ حِرصِهِ على أن يُكثرَ من القراءة,

وقال أبو الخير عن صاحبه العمري قال: أعرفُهُ خمسينَ سنةً واللهِ ما دخلتُ عليهِ يوماً إلّا وبينَ يديهِ كتابٌ يقرأُ فيه أو أوراقٌ يؤلِّفُ فيها,

وكان الإمام أبو داود السجستاني إذا فَصَّلَ ثيابَهُ عندَ الخياطِ يأمرُهُ أن يجعلَ أحدَ الكُمَّينِ أكبرَ من الآخَرِ، الكُم المقصودُ به الجيبُ، فكانوا يقولون له لماذا؟ فكان يقولُ إنَّ الكُمَّ الكبيرِ لحملِ الكتابِ، ما أستطيعُ أن أمشيَ من غيرِ ما يكونُ معي كتابٌ والكم الصغيرُ لبقيةِ حاجاتي لمالي ودراهمي فما يحتاجُ أن يكون كبيراً.

وكانوا يُكرِّرون القراءةَ في الكتب ويُمضون معَها أوقاتَهم فلا يكتفي أحياناً أن يقرأَ الكتابَ مرةً واحدةً بل ربما قرأَ ها أربعَ مراتٍ أو أكثر .

قال أبو بكر الأبهري: قرأتُ مختصرَ ابن عبد الحكم خمسمائةِ مرة، وقرأتُ مُوطأَ مالكٍ خمساً وأربعينَ مرة، وقرأت مختصر البَرقي سبعينَ مرة، وقرأت المبسوط - وهو أكثرُ من عشرةِ مُجلداتٍ مطبوعٌ اليوم- قرأتُه ثلاثينَ مرة, فكانوا يُكثرون من القراءةِ، ولذلك صاروا مُؤثِّرين,

ومن علمائنا  المعاصرينَ من كان له باع عظيم في القراءة واستثمار الاوقات فيها  ،قال الشيخ الطنطاوي رحمه الله عن حالهِ: منذُ أن عَقَلتُ نفسي في العاشرَةِ وأنا أقرأ، حتى بلغتُ ثمانينَ سنةً فأنا واللهِ منذُ سبعينَ سنةٍ أقرأ، ولو قَسَّمتُ قِراءتي للكتبِ على عمري السبعين سنة لوجدتُ أنِّي أقرأ في كلِّ يومٍ ثلاثمائةَ صفحة,

و كان الإمامُ المحدثُ الألباني رحمهُ اللهُ قد فتحَ دكَّاناً لبيعِ الساعاتِ وإصلاحِها يَكتَسِبُ منهُ لأولادِهِ : فكانَ يَبقى فيهِ فإذا اكتَسَبَ المقدارَ الذي يريدُ أغلَقَهُ ثم صرفَ بقيةَ وقتهِ في القِراءةِ ولذلكَ صارَ المحدِّثَ العظيمَ في عصرِنا.

أسألُ اللهَ أن يزيدَنا وإياكم علماً وهدىً وتوفيقاً وأن يجعلَنا مُبارَكين أينَما كُنا
أقولُ ما تَسمَعونَ وأستغفِرُ اللهَ الجليلَ العظيمَ لي ولكم من كُلِّ ذنبٍ فاستغفِروهُ وتوبوا إليه إنهُ هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية

 

الحمدُ للهِ على إحسانِهِ والشُّكرُ لهُ على تَوفيقِهِ وامتِنانهِ وأشهدُ أن لا إلَهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ لهُ تَعظيماً لِشأنِهِ وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُهُ ورسولُهُ الداعي إلى رِضوانِهِ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلهِ وإخوانِهِ ومن سارَ على نَهجِهِ واقتفى أثَرَهُ واستَنَّ بسنتهِ إلى يوم الدين أما بعد:

    أيُّها الأحِبَّةُ الكِرامُ :

القراءة غذاء للعقل، ولذة للقلب، وهي توسع المدارك ، وتكسب الإنسان علما وحكمة، وتنمي من مهاراته، وتزيد من خبراته، كما أنها تُهذِّب الأخلاق، وتقوم السلوك، وحاجتنا للقراءة لا تقل أهمية عن حاجتنا للطعام والشراب، فبالقراءة تحيا العقول ، وتَستنِير الأفئدة، ويستقيم الفكر، وبالقراءة  ينفض الإنسان عن نفسه غبار الجهل .

وينبغي أنَّ يحِرْصَ المرء على أن يكونَ له وقت في القراءةِ  سواءٌ من خلالِ قراءة ِالكتبِ الورقيةِ ، أو التصفح في الأجهزة الإلكترونية الحديثة .

فاجعَلْ لنَفسِكَ وقتاً للقراءة والمطالعة وألزِمْ نَفسَكَ بذلك.

               والنَّفسُ رَاغِبَةٌ إذا رَغَّـبتَها    وإذا تُرَدُّ إلى قَليلٍ تَقْنَعُ         

فكلَّما كان الإنسانُ مُكرِهاً لنفسهِ على الخيرِ أقبَلَت عليهِ فاربِطْ نفسَكَ بالكتبِ سواءً الورقيةِ أو الإلكترونيةِ حتى تكونَ مُطَوِّراً لنفسك في قِراءَتِكَ مُتَقَرِّباً إلى اللهِ تعالى بذلك.

 اللهمَّ إنا نسألُكَ من الخيرِ كلِّهِ عاجلِهِ وآجلِهِ ما علِمنا منه وما لـم نَعلَم ونعوذُ بِكَ ربَّنا من الشرِّ كلِّهِ عاجلهِ وآجلهِ ما علمنا منه وما لم نعلم اللهمَّ اغفِرْ لنا ولإخوانِنا الذينَ سبقونا بالإيمانِ ولا تَجعلْ في قلوبِنا غِلًّا للذينَ آمنوا ربَّنا إنَّكَ رؤوفٌ رحيم,

اللهمَّ  اجعلنا من الصادقين ووفِقنا لفعلِ الخيراتِ وتركِ المنكراتِ وحُبِّ المساكين  ، اللهمَّ اغفِرْ لنا ولآبائِنا وأمهاتِنا اللهمَّ من كانَ منهم حياً فمتِّعْهُ بالصحةِ على طاعتِك واخْتِمْ لنا ولَه بخير ومن كان منهم مَيِّتاً فَوَسِّعْ له في قَبْرِهِ وضاعِفْ له حسناتِه وتَجاوزْ عن سيئاتِه واجمعْنا بهِ في جنَّتِك يا رَبَّ العالمين اللهمَّ أصْلِحْ أحوالَ المسلمين في كُلِّ مكان

  اللهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ الـمَهْمومين، ونَفِّسْ كَرْبَ الـمَكْروبين واقْضِ الدَّينَ عنِ الـمَدينين ، واشْفِ مَرْضَى الـمـُسلِمين .

اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته ، ولا همّاً إلا فرّجْته ، ولا دَيناً إلا قضيته ، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته ، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين .

 اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما صليتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيم وبارِكْ على محمدٍ وعلى آلِ محمدٍ كما باركتَ على إبراهيمَ وعلى آلِ إبراهيمَ إنَّكَ حميدٌ مَجيد سُبحانَ رَبِّكَ رَبِّ العِزَّةِ عماَّ يَصِفونَ وسلامٌ على المرسلين والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين .

سبحانَ ربِّك رَبِّ العِزَّةِ عمَّا يَصفونَ وسلامٌ على المرسلينَ والحمدُ للهِ رَبِّ العالمين.

 

المرفقات

300496

300496

300498

300498

المشاهدات 1814 | التعليقات 0