(اقرأ أيها الخطيب ولو لم تخطب) النُّهُوضُ بِالتَّعْلِيم 24 ذِي الحِجَّةِ 1438هـ
محمد بن مبارك الشرافي
النُّهُوضُ بِالتَّعْلِيم 24 ذِي الحِجَّةِ 1438هـ
الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ، الْحَمْدُ للهِ الذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ, عَلَّمَ الإنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الْحَمْدُ للهِ الذِي هَدَانَا لِنُورِ الإسْلامِ، وَأَرْشَدَنَا لِطَرِيقِ الْعِلْمِ وَالإيمَانِ، أَشْهَدُ أنْ لا إِلَهَ إلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ وأَشْهَدُ أنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ ورسُولُهُ صلَّى اللهُ عليْهِ وعلى آلِهِ وصَحْبِهِ وسلَّمَ تَسْلِيمَاً كثَيراً.
أَمَّا بَعْدُ : فَاتَّقُوا اللهَ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ افْتَرَضَ عَلَيْنَا التَّعَاوُنَ عَلَى الْخَيْرِ وَحَرَّمَ عَلَيْنَا الْوُقُوفَ مَعَ الشَّرِّ، قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ).
وَإِنَّ مِنْ أَعْظَمِ الْخَيْرِ الذِي يَجِبُ أَنْ نَتَكَاتَفَ فِيهِ هُوَ التَّعْلِيمَ لِفَلَذَاتِ أَكْبَادِنَا مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ، وَإِنَّ كُلَّ مُنْصِفٍ وَعَاقِلٍ يَرَى مَا لَا تُحْمَدُ عُقْبَاهُ مِنْ تَدَنِّي مُسْتَوى التَّعْلِيمِ عِنْدَنَا, وَمِنَ الْعُزُوفِ الْوَاضِحِ عَنِ الْجِدِّ وَالاجْتِهَادِ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَيَرَى النَّتَائِجَ وَالْمُخْرَجَاتِ التَّعْلِيمِيَّةِ دُونَ الْمُسْتَوى الْمَأْمُولِ، وَدُونَ مَا يُبْذَلَ عِنْدَنَا عَلَى هَذَا الْجَانِبِ. مَعَ أَنَّنَا فِي هَذَا الْبَلَدِ نَنْعَمُ بِمَا لَيْسَ فِي أَكْثَرِ دُولِ الْعَالَمِ مِنْ مَجَّانِيَّةِ التَّعْلِيمِ وَمِنْ تَوَفُّرِ الْوَسَائِلِ الْمُعِينَةِ عَلَى تَحْصِيلِ الْعِلْمِ، وَمِنْ رَغَدِ الْعَيْشِ الذِي يَنْعَمُ بِهَا أَوْلادُنَا، حَتَّى إِنَّهُ لا يُوجَدُ فِي أَكْثَرِ دُولِ الْعَالَمِ تَقَدُّمَاً.
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ: إِنَّنَا يَجِبُ عَلَيْنَا جَمِيعَاً أَنْ نَهْتَمَّ بِهَذَا الْجَانِبِ وَأَنْ نُولِيَهُ عِنَايَةً تَامَّةً ، فَإِنَّ نَتَائِجَهُ سَلَبْاً وَإِيجَابَاً سَوْفَ تَعُودُ عَلَيْنَا كُلِّنَا أَفْرَادَاً وَمُجْتَمَعَاً، دَوْلَةً وَشَعْبَاً، وَإِنَّنَا الآنَ فِي عَصْرٍ لا مَكَانَ فِيهِ لِلْكَسَالَى وَالطُّفَيْلِيِّين، وَلا يَنْجَحُ فِيهِ إِلَّا الْجَادُّونَ وَالْمُثَابِرُونَ.
وَتَأَمَّلُوا فِي أَحْوَالِ أَوَائِلِ أُمَّتِنَا، مِنْ صَحَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ، كَيْفَ كَانُوا ؟ ثُمَّ كَيْفَ صَارُوا ؟ فَمِنْ مُجْتَمَعٍ جَاهِلِيٍّ جَاهِلٍ ,كَانَ يَعْبُدُ الْأَشْجَارَ وَالْأَحْجَارَ، وَيَأْكُلُ الْمَيْتَاتِ وَيَشْرَبُ الْخَمْرَ وَيَقْتُلُ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ خَوْفَ الْفَقْرِ وَالْعَارِ ، إِلَى قَادَةٍ لِلْأُمَمِ وَإِلَى مُجْتَمَعٍ مُتَطَوِّرٍ ، حَتَّى إِنَّهُ فِي الْعَهْدِ الْأَنْدَلُسِيِّ كَانَ الْأُورُبِيُّونَ يَفْتَخِرُ أَحَدُهُمْ بِأَنَّ وَلَدَهُ يَتَعَلَّمُ فِي إِحْدَى جَامِعَاتِ الْمُسْلِمِينَ آنَذَاك.
فَلِمَاذَا لا نُعِيدُ مَا كَانَ عَلَيْهِ سَلَفُنَا ؟ إِنَّ الْقُرْآنَ الذِي نَزَلَ عَلَيْهِمْ وَنَهَضَ بِهِمْ هُوَ بَيْنَ أَيْدِينَا مَحْفُوظٌ لَمْ يَتَغَيَّرْ، وَإِنَّ السُّنَّةَ النَبَوِيَّةَ التِي تَرْبُوا عَلَيْهَا وَصَلَتْ إِلَيْنَا مَنْقُولَةً بِالْأَسَانِيدِ الصَّحِيحَةِ ، فَأَيْنَ نَحْنُ مِنْهُمَا ؟
بَلْ تَأَمَّلُوا أَيُّهَا الْفُضَلَاءُ فِي حَالِ دَوْلَةِ الْيَابَانِ فِي الْعَصْرِ الْحَدِيثِ، فَفِي الْحَرْبِ الْعَالِمِيَّةِ الثَّانِيَةِ أَسْقَطَتْ عَلَيْهَا دَوْلَةُ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ أَمْرِيكَا قُنْبُلَتَيْنِ نَوَوِيَّتَيْنِ دَمَّرَتِ الْأَخْضَرَ وَالْيَابِسَ، وَجَعَلَتْهَا فِي الْحَضِيضِ وَالْفَقْرِ وَالْبُؤْسِ، ثُمَّ خِلَالَ سَنَوَاتٍ مَعْدُودَاتٍ فَاقَتِ الْيَابَانُ كُلَّ الدُّوَلِ اقْتِصَادَاً وَتَقُدُّمَاً دُنْيَوِيَّاً، وَمَا ذَاكَ إِلَّا بِسَوَاعِدِ أْبْنَائِهَا وَجِدِّهِمْ وَمُثَابَرَتهِمْ، فَنَحْنُ الْمُسْلِمُونَ أَوْلَى وَأَحْرَى بِذَلِكَ مِنْهُمْ، فَهَلْ مِنْ نَاهِضٍ وَهَلْ مِنْ قَائِمٍ ؟
أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ : إِنَّ النُّهُوضَ بِالتَّعْلِيمِ مَسْؤُولِيَّةُ الْجَمِيعِ، مِنَ الْبَيْتِ وَالْمَدْرَسَةِ مُمَثَّلَةً فِي الْمُعَلِّمِ وَالْمُدِيرِ وَالطَّالِبِ، فَلا بُدَّ أَنْ نَتَعَاوَنَ وَنَتَكَاتَفَ وَنَتَآزَرَ لِلنُّهُوضِ بِبِلادِنَا، بَلْ بِأْنْفُسِنَا وَبُيُوتِنَا ، وَقَدْ قَالَ اللهُ تَعَالَى (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ)
إِنَّ التَّعْلِيمَ ذِمَّةٌ وَأَمَانَةٌ ، فَأَنْتَ أَيُّهَا الْوَلِيُّ فِي الْبَيْتِ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ مَسْؤُولٌ، وَأَنْتَ أَيُّهَا الْمُوَظَّفُ فِي إِدَارَةِ التَعْلِيمِ أَوِ الْوَزَارَةِ مَسْؤُولٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ (كُلُّكُمْ رَاعٍ فَمَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فَالأَمِيرُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ رَاعٍ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ، وَالمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ عَلَى بَيْتِ بَعْلِهَا وَوَلَدِهِ وَهِيَ مَسْئُولَةٌ عَنْهُمْ، وَالعَبْدُ رَاعٍ عَلَى مَالِ سَيِّدِهِ وَهُوَ مَسْئُولٌ عَنْهُ، أَلاَ فَكُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مَسْئُولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
أَيُّهَا الْأَوْلِيَاءُ فِي الْبُيُوتِ : لِيَكُنْ حَدِيثُكُمْ هَذِهِ الْأَيَّامِ فِي الْبَيْتِ عَنِ أَهَمِّيَّةِ التَّعْلِيمِ وَفَضْلِ الْمَدْرَسَةِ وَالْجِدِّ وَالْمُثَابَرَةِ، ثُمَّ أَعِدُّوا أَوْلادَكُمْ لِلْاجْتَهَادِ وَتَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ, وَلَيْسَ مُجَرَّدُ تَحْصِيلِ الدَّرَجَاتِ وَالشَّهَادَةِ، فَكَمَا تَعْلَمُونَ صَارَتِ الشَّهَادَةُ الْيَوْمَ لا قِيمَةَ لَهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبُهَا مَعَهُ عِلْمٌ وَقُدْرَةٌ لِيَجْتَازَ الاخْتِبَارَاتِ التَّحْصِيلِيَّةَ وَالْمَوَادَ التَّخَصُّصَيَّةَ ، فَكَمْ مِنَ الطُّلَّابِ نَجَحُوا فِي الثَّانَوِيَّةِ أَوْ حَتَّى الْجَامِعَةِ وَلَكِنَّهُمْ فَشَلُوا فِي اخْتِبَارَاتِ الْوَظَائِفِ، وَهُمْ الْيَوْمَ عَاطِلُونُ مُلازِمُونُ لِبُيُوتِهِمْ عَالَةً عَلَى أُسْرَتِهِمْ ، وَالسَّبَبُ أَنَّهُمْ بَنَوْا شَهَادَاتِهِمْ عَلَى الْغِشِّ وَالتَّزْوِيرِ فَلَمَّا تَقَدَّمُوا لِلْوَظَائِفِ وَدَخَلُوا اخْتِبَارَاتِهَا انْكَشَفُوا, فَتَقَدَّمَ غَيْرُهُمُ وَتَرَاجَعُوا هُمْ ، فَهَلْ تُرِيدُ هَذَا لِأَوْلَادِكَ ؟ الْجَوَابُ قَطْعَاً : لا ، إِذْنْ فَمِنَ الآن أَعِدَّ وَلَدَكَ لِيُحَصِّلَ مَكَانَاً فِي الْمُجْتَمَعِ وَلا يَكُونَ عَالَةً عَلَيْكَ غَدَاً.
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ : سَدَّدَ اللهُ خُطَاكَ وَنَفَعَ بِكَ، اعْلِمْ أَنَّكَ الْمُرْتَكَزُ الْأَكْبَرُ فِي الْعَمَلِيَّةِ التَّعْلِمِيَّةِ، وَأَنَّكَ الْمُرَبِّي وَأَنَّكَ الْمُوَجِّهُ، فَاحْتَسِبِ الْأَجْرَ, وَتَذَكَّرْ أَنَّكَ تَدُلُّ الطُّلَّابَ عَلَى الْهُدَى وَالْخَيْر، عَن أبي أُمَامَة الْبَاهِلِيّ رَضِيَ اللهُ عَنْه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ وَأَهْلَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ حَتَّى النَّمْلَةَ فِي جُحْرِهَا وَحَتَّى الْحُوتَ لَيُصَلُّونَ عَلَى معلم النَّاس الْخَيْر) رَوَاهُ التِّرْمِذِيّ وَحَسَّنَهُ الْأَلْبَانِيّ، فَطُوبَى لَكَ مَا أَجْمَلَ وَظِيفَتَكَ وَمَا أَحْسَنَ عَمَلَكَ، فَأللهَ أَللهَ أَنْ تَضَعَ نَفْسَكَ حَيْثُ يَنْبَغِي.
اسْتَعِدَّ أَيُّهَا الْفَاضِلُ مِنْ أَوِّلِ يَوْمٍ لِلدِّرَاسَةِ ، فَكَفَانَا كَسَلَاً وَخُمُولاً، إِنَّهَا إِجَازَةُ زَادَتْ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، فَالْيَوْمُ يَوْمُ الْجِدِّ وَالنُّهُوضِ وَالْمُثَابَرَةِ، ابْدَأْ عَامَكَ مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ تَدْخُلُ مَدْرَسَتَكَ وَتَدْخُلُ فَصْلَكَ، لِيَرَى الطُّلَّابُ مِنْكَ الْجِدَّ وَالْعَزْمَ، وَاسْتَعِدَّ مِنَ الآنِ بِتَحْضِيرِ مَا تُلْقِي عَلَى طُلَّابِكَ مِنْ أَوَّلِ حِصَّةٍ، وَلْيَكُنْ مَعَكَ دَفْتُرُ الْمُتَابَعَةِ، فَتُسَجِّلَ أَسْمَاءَ الطُّلَّابِ حَتَّى لَوْ كُنْتَ تَعْرِفُهُمْ مُسْبَقَاً، وَتَرْسُمُ لَهُمْ خِطَّةَ الْعَامِ ، وَتُرَغِّبُهُمْ فِي تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالْمَعْرِفَةِ، وَتُوَجِّهَهُمْ بِاحْتِرَامِ الْمَدْرَسَةِ وَالْكُتُبِ وَالْمُعَلِّمِينَ وَزُمَلائِهِمْ فِي الْفَصْلِ وَالْمَدْرَسَةِ، ثُمَّ لِيَرَوْا مِنْكَ الْقُدْوَةَ الْحَسَنَةَ وَالْأَخْلَاقَ الْفَاضِلَةَ، وَالْمُحَافَظَةَ عَلَى نِظَامِ الْمَدْرَسَةِ، وَمَا أَجْمَلَ مَا يَسْمَعُونَ مِنْكَ وَيَحْفَظُونَهُ وَيَعْمَلُونَ بِهِ ، فَتَلْقَاهُ فِي دُنْيَاكَ وَأُخْرَاكَ بِإِذْنِ اللهِ .
وَتَذَكَّرْ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ أَنَّكَ كَمَا تَدِينُ تُدَانُ، فَكَمَا تُحُبُّ صَلاحَ أَوْلادِكَ وَنَجَاحَهُمْ فَأَحِبَّ ذَلِكَ لِأَوْلادِ إِخْوَانِكَ الْمُسْلِمِينَ، وَأَبْشِرْ بِالْخَيْرِ.
وَأَخِيرَاً أَيُّهَا الْمُوَجِّهُ الْفَاضِلُ وَالْمُعَلِّمُ النَّبِيلُ : إِنِّي أُعِيذُكَ بِاللهِ أَنْ تَكُونَ إِمَّعَةً تُرْخِي أُذُنَكَ لِكَسَالَى الْمُعَلِّمِينَ وَلِلْمُخَذِّلِينَ وَالْمُرْجِفِينَ أَوِ الْمُسْتَهْزِئِينَ مِمَّنْ أَكَلَ عَلَيْهِمُ الزَّمَنُ وَرَكَنُوا لِلْكَسَلِ وَلَمْ يُبْرِئُوا ذِمَمَهُمْ فِي تَحْلِيلِ رَوَاتِبِهِمْ وَأَدَاءِ أَمَانَةِ التَّعْلِيمِ ، بَلِ ابْذُلْ جَهْدَكَ وَلا تَنْتَظِرُ الْأَجْرَ إِلَّا مِنَ اللهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى ، وَفَقَّكَ اللهُ وَسَدَّدَ خُطَاكَ مُعِلِّمَنَا الْفَاضِلَ.
أَقُولُ قَولِي هَذَا وأَسْتِغْفِرُ الله العَظِيمَ لي ولكُم فاستغْفِرُوهُ إِنَّهُ هوَ الغفورُ الرحيمُ .
الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ
الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالمَينَ ، وَأَشْهَدُ أَلا إِلَهَ إِلا اللهُ وَلِيُّ الصَّالحِينَ ، وَأُصَلِّي وَأُسَلِّمُ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ الأَمِينِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ .
أَمَّا بَعْدُ : فَإِنَّ مِمَّا يُنَبَّهُ عَلَيْهِ أَوْلِيَاءُ الْأُمُورِ هُوَ رِعَايَةُ الْأَوْلادِ مِنْ بَنِينَ وَبَنَاتٍ مِنْ خَطَرِ الْأَجْهِزَةِ الْحَدِيثَةِ، وَالذِي يَنْبَغِي أَنْ تُؤْخَذَ مِنْهِمْ وَلاسِيَّمَا التِي تَحْوِي الْأَلْعَابَ، وَلا يُعْطَوْنَهَا إلَّا فِي إِجَازَةِ الْأُسْبُوعِ مَعَ الانْتِباهِ لِمَا يَسْتَعْمِلُونَهُ مِنْ تِلْكَ الْبَرَامِجِ.
وَاعْلَمُوا أَنَّ لَدَيْنَا طَاقَاتٍ كَثِيرَةً، وَعِنْدَ أَوْلادِنَا قُدُرَاتٌ جَبَّارَةٌ فِي الْفَهْمِ وَالاسْتِيعَابِ ، لَكِنَّهَا تَحْتَاجُ إِلَى تَوْجِيهٍ وَرِعَايَةٍ، وَبَإِذْنِ اللهِ نَرَى مَا تَقَرُّ بِهِ أَعْيُنُنَا، وَلا تُغْفِلُوا عَنِ الدَّعَاءِ لَهُمْ بِالصَّلَاحِ وَالْهِدَايَةِ ، فَإِنَّ مِنَ الدُّعَاءِ الْحَرِيِّ بِالْإِجَابَةِ دُعَاءُ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى فِي وَصْفِ عِبَادِهِ الصَّالِحِينَ (وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا)
أَيُّهَا الْمُدِيرُ : كُنْ قُدْوَةً لِمُعَلِّمِيكَ فِي الانْضِبَاطِ وَالْجِدِّيَّةِ ، فَكُنْ أَوَّلَ الْحَاضِرِينَ لِلْمَدْرَسَةِ وَآخِرَ مَنْ يَخْرُجُ مِنْهَا، قَابِلْ مُعَلِّمِيكَ بِالْبَشَاشَةِ وَالسُّؤَالِ عَنْ أَحْوَالِهِمْ وَدَاعِبْهُم فِي الصَّبَاحِ بِعِبَارَاتٍ طَيِّبَةٍ ، ثُمَّ قَسِّمْ عَلَيْهِمُ الْمَهَامَ وَاقْبَلْ مِنْهُمُ الآرَاءَ وَحَقِّقْ لَهُمْ مَا يُرِيدُونَ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ ، ثُمَّ لِيَرَوْا مِنْكَ الْجِدَّ وَالتَّنْظِيمَ مِنْ أَوَّلِ الْيَوْمِ الدِّرَاسِيِّ ، وَاتَّخِذْ مِنْهُمْ مُسَاعِدِينَ وَمُسْتَشَارِينَ، فَمَنِ اسْتَبَدَّ بِرَأْيِهِ تَرَكَهُ النَّاسُ وَلَمْ يُعَاوِنُوهُ.
كُنْ حَازِمَاً مِنْ غَيْرِ شِدَّةٍ, وَلَيِّنَاً مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ مَعَ الطُّلَّابِ ، وَكُنْ عَوْنَاً لِلْمُعَلِّمِينَ عَلَى انْضِبَاطِهِمْ ، وَلْيَسْمَعُوا مِنْكَ التَّوْجِيهَاتِ فِي الطَّابُورِ أَوْ الْفُصُولِ ، وَأَظْهِرْ لَهُمْ تَقْدِيرَكَ لِلْمُعَلِّمِ وَاحْتِرَامَكَ لَهُ ، فَإِنَّ فِي هَذَا دَفْعَةً مَعْنَوِيَّةَ لِلْمُدَرِّسِينَ وَشَدَّاً لِأَزْرِهِمْ وَتَقْوِيَةً لَهُمْ لِيَضْبِطُوا الطُّلَّابِ، وَمَتَى سَيْطَرَ الْمُعَلِّمُ عَلَى الْفَصْلِ اسْتَقَامَ التَّعْلِيمُ بِإِذْنِ اللهِ.
وَاعْمَلْ حَسْبَ الْإِمْكَانِيَّاِت الْمُتَوَفِّرَةِ مِنْ إِدَارَةِ التَّعْلِيمِ، وَلا تَتَوَقَّعْ تَحْقِيقَ رَغَبَاتِكَ وَاكْتِمَالِ عَدَدِ الْمُعَلِّمِينَ فَإِنَّ الظُّرُوفَ كِثَيرَةٌ وَالْأَحْوَالَ مُتَغَيِّرَةٌ ، فَتَحَمَّلْ مَسْؤُولِيَّتَكَ أَيُّهَا الْمُدِيرُ وَكُنْ كَذَلِكَ أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ، سَدَّدَ اللهُ خُطَاكُمْ وَكَتَبَ لَكُمُ النَّجَاحَ وَالتَّوْفِيقَ فِي مُهَمَّتِكُمْ الْعَظِيمَةَ، أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا)
رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَوْلادَنَا وَمُعَلِّمِينَا وُمَدَرَاءَنَا وَإِخْوَانَنَا وَأَخَواتِنَا وَآبَاءَنَا وَأُمَّهَاتِنَا يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ، اَللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِيننا اَلَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانا اَلَّتِي فِيهَا مَعَاشُنا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنا فِيهَا إِلَيْهَا مَعَادُنا، وَاجْعَلْ اَلْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلْ اَلْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اَللَّهُمَّ انْفَعْنَا بِمَا عَلَّمْتَنَا، وَعَلِّمْنَا مَا يَنْفَعُنَا، وَارْزُقْنَا عِلْمًا يَنْفَعُنَا، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ وُلاةَ أُمُورِنَا وَأَصْلِحْ بِطَانَتَهُم وأَعْوَانَهَم يَا رَبَّ العَالـَمِينَ، اللَّهُمَّ أَصْلِحْ أَحْوَال َالـُمسْلِمِينَ في كُلِّ مَكَانٍ بِرَحْمَتِكَ يَا أَرْحَمَ الرَاحِمِينَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، وَصَلِّ اللَّهُمَّ وَسَلِّمْ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلِّمْ، وَالْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين!
المرفقات
بِالتَّعْلِيم-24-ذي-الحجة-1438هـ
بِالتَّعْلِيم-24-ذي-الحجة-1438هـ
المشاهدات 1589 | التعليقات 2
جزاك الله خيرا ياشيخنا الغالي
والله اني مااعرفك ولا اني شفتك ولا سمعت عنك
فقط عرفت عنك من خلال كلماتك القيمة في خطب الجمعة واتاثر بكلامك في اغلب الخطب تتحدث عن الواقع وعن الاحداث
واتابع خطبك باستمرار منذ اربع سنوات واقوم بنشر خطبك في المواقع
وفقك الله ياشيخ وجزاك الله عنا كل خير
محمد بن مبارك الشرافي
أصحاب الفضيلة الخطباء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته : موضوع الخطبة هذا موضوع مهم , وأرى أن أنسب وقت له هو هذا , وذلك لأن المدارس تفتح الأحد القادم والناس كانوا في إجازة طويلة فيحتاجون للتنبيه ورفع الهمة والتوجيه
واعلم أن فقراتها كلها مهمة للجميع , لأنهم بين معلم أو طالب أو ولي أمر والكلام يتعلق بالجميع , فلا تستثقل أن تخطب بها
كما لا يصرفك الكلام الروتيني عن نهاية العام أو عن بعض الأحداث التي حصلت , فالخطبة ليست نشرة أخبار أو جريدة تبحث فيها عن سبق صحفي
والخطيب الناحج هو الذي يلقي على الناس ما يصلحهم (لا ما يصلح لهم)
تعديل التعليق