اقامة الحدود وحرمة الدماء 15-8-1443هـ

محمد آل مداوي
1443/08/14 - 2022/03/17 08:53AM

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مُضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، يعلمُ ما يَلِجُ في الأرضِ وما يخرُج منها، وما ينزِلُ من السماءِ وما يعرُج فيها، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، بشيرُ الأمةِ ونذيرُها وهاديها، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

أما بعد: فأُوصِيكُم ونفسي بتقوَى الله، فاتَّقوا اللهَ عِبادَ اللهِ في السرِّ والعَلانية؛ فهيَ الزَّادُ والعُدَّة، وهي مَبْعَثُ القوَّة، والرابِطُ الوَثِيقُ على القُلوبِ عندَ الفِتن: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)

أيها المسلمون: مَن تأمَّلَ مقاصِدَ الشَّرعِ في العِبادَاتِ والمُعامَلات، والآدابِ والأخلاق، والأوَامِرِ والنَّواهي؛ تبيَّنَ له مَقْصِدٌ كبيرٌ، وغَايةٌ عُظْمى، تِلْكُم هيَ: جمعُ الكلِمة، وَوِحْدَةِ الصَّف.

وقد أمرَ اللهُ عزَّ وجلَّ بالجمَاعةِ وحَذَّرَ مِنَ الفُرقة، فقال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ). وكلُّ أمرٍ يُفَرِّقُ الجمَاعَةَ ويُورِثُ العَدَاوةَ بينَ المُسلِمين؛ فقد جاءَ الشَّرعُ بالتَّحذيرِ منه.. وإنَّ أعظمَ ذلك يا عبادَ الله: الخروجُ بالسِّلاحِ على جمَاعةِ المُسلِمينَ وإمَامِهم، وسَفْكُ الدَّمِ الحرَام.

فالمُجتَمَعُ المُسلم، القائمُ علَى مَنهَجِ الله، المَحْكُومُ فيهِ بِشَرعِ الله؛ يَجِبُ أنْ تُصَانَ فيهِ الدِّمَاءُ والأعرَاض، والأنفُسُ والأموَال، والنِّظَامُ العَامُّ، وأنْ تُوَقَعَ علَى الْمُخِلِّينَ بِأَمْنِه، المُعْتَدِينَ علَى حُرُمَاتِهِ؛ العُقُوبَاتُ الرَّادِعَةُ التي نَصَّ عليهَا الكِتَابُ والسُّنَّةُ.

روَى مسلمٌ في صَحيحهِ أنَّ النبيَّ r قال: (مَنْ أتاكُم وأمْرُكم جميعًا على رَجُلٍ وَاحِد، يُرِيدُ أنْ يَشُقَّ عَصَاكُم، ويُفرِّقَ جمَاعَتَكُم؛ فاقتُلوه).

فكُلَّ مَنْ خَرَجَ علَى وَليِّ الأَمْر، أو سَعَى إلى الإخلَالِ بالأَمْن، والإفسَادِ في الأرض، فروَّعَ الآمِنين، وقَتَلَ المعصُومين؛ فَهُوَ مُعْتَدٍ أَثِيم، بَاغٍ شِرِّير، يَسْتَحِقُّ أنْ يُؤْخَذَ علَى يَدِهِ بأشَدِّ العُقُوبَات.

وإنَّ أربَابَ الفِكْرِ الضَّال، وأصحَابَ المنَاهِجِ المُنحَرِفَة، وأهلَ الوَلاءاتِ الخَارِجيَّة؛ شَرُّهم عَظِيم، وخَطَرُهم جَسِيم.. مفَاسِدُ كبِيرَة، وشرورٌ كثيرة، إفسَادٌ في الأرض، وترويعٌ للآمِنين، ونَقْضٌ للعُهُود، وسَفْكٌ للدِّماء، وتجَاوُزٌ على إمامِ المسلمين.

ولحِكَمٍ بالِغَةٍ، ومَصَالِحَ عُظْمى؛ شَرَعَ اللهُ القِصَاصَ والحُدودَ والتَّعزِيرَات، فهيَ مِن مَظَاهِرِ رَحمةِ اللهِ بعِبَادهِ ولُطْفِهِ بهم، وهي سَبَبٌ للحِفَاظِ على الضَّرورِيَّات الخَمْس: الدِّين والنَّفس والعَقْل والعِرْض والمال، والتي متى ما حُفظِتْ؛ استقرَّ المجتمَعُ وأمِنَ واطْمَأن.

قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِي الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ؛ فمَنْ أرادَ القتل وعلم أنه سيُقتل رُدِع وانزجر؛ فلم يُقْدِم على جريمته، وبذلك تُحقن الدماء ويَعم الأمن. وهكذا سائر الحدود الشرعية.

وقال تعالى: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ، فَعِنْدَ التَّمَكُّنِ مِنَ الْبُغَاةِ وَالسَّاعِينَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا؛ فَلا عَفْوَ عَنْهُمْ.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

 

الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبه، والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.. أما بعد: أيها المسلمون:

فإنّ في تَطبيقِ الحُدُودِ الشرعيّةِ مِنَ الخَيرَاتِ والبَرَكَاتِ مَا لا يَعْلَمُهُ إلاَّ الله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) وفي الحديثِ الصَّحِيحِ قالَ r: (حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ في الأرضِ خَيْرٌ لأَهْلِ الأرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا).

وإنّ ما تمَّ مِنْ تَنْفِيذِ الأحكَامِ القَضَائِيَّةِ -حَدًّا وَتَعْزِيرًا- بِحَقِّ الفِئةِ الضَّالَّةِ مِمَّنْ ثَبَتَ عليهِمْ شَرْعًا الجرَائِمُ المَنْسُوبَةُ إلَيهِمْ مِنْ تَبَنِّيهِمْ لِلْفِكرِ الإرهَابِيِّ المُتَطَرِّف، وتَشْكِيلِ خَلاَيَا إرهَابِيَّة، والإخْلاَلِ بالأَمْن، وإِشَاعَةِ الفَوْضَى، وقَتْلِ رِجَالِ الأمنِ غِيلةً، وخِيَانةِ الأمَانةِ بالتَّعاونِ معَ جِهَاتٍ مُعَادية، وغَيْرِ ذلكَ مِنَ الجرَائِمِ وِفْقَ مَا وَرَدَ في بَيَانِ وَزَارَةِ الدَّاخِلِيَّة؛ هُوَ تَطْبِيقٌ لأحكَامِ الشَّرِيعَةِ الإسلاميَّة، وقَدْ ثَبَتَ في صَحيحِ مُسْلِمٍ أنَّ النَّبِيَّ r قالَ: (إنَّهُ ستَكونُ هَنَاتٌ وهَنَات، فمَنْ أرادَ أنْ يُفَرِّقَ أمرَ هذهِ الأُمَّةِ وهي جَمِيعٌ، فاضْرِبوهُ بالسَّيفِ كائنًا مَنْ كان).

ولْيَهنَأ المُسلِمونَ في هذهِ البلاد -مُوَاطِنينَ ومُقِيمين- بدِينِهِمْ وأَمْنِهم، ولْتَهنأ الدَّولَةُ حَفِظَها الله برِجَالِها الفُضَلاء، وقُضَاتِها الأُمَناء، وجُنودِها المُخلِصين، وشَعْبِها الواعي.

فالحمدُ للهِ على نِعَمِه التي لا تُحصَى؛ جَمَعَ كَلِمَتَنا على الحق، وأسبَغَ علينا نِعَمَهُ ظَاهِرةً وباطنة، جَمَعَنا على إمامٍ واحد، ودِينٍ واحد، وقِبْلةٍ واحدة، فنسألُه سبحانه أنْ يزيدنا أمنًا واستقرارا، ونِعمةً وفضلا، وصَلاحًا وفلاحا، وأنْ يَرُدَّ كيدَ الحاقدين، ومكر الماكرين.

 

كما نسأله سبحانه أن يمُدَّ رجالَ الأمنِ السَّاهرين على أمننا وراحتنا بعَونِه وتوفيقه، وأن يُسَدِّدَ آراءهم وخُطَطَهم، ويبارِكَ في أعمالهم وجهودهم، ويربطَ على قلوبهم، وأن ينصُرَهم على كلِّ مُفسدٍ ومخرِّبٍ ومُحارِب، وأن يَرحَمَ مَنْ ماتَ منهم ويكتُبَ لهم الشهادة، وأن يَقبَلَ رِبَاطَهُم وصالحَ أعمَالِهم، ويغفِرَ لنا ولهم أجمعين، إنه سميع مجيب.

 

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين.

اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى عن المُنكر يا رب العالمين.

اللهم وفّق إمامنا لهداك، واجعل عمله في رضاك، وأعنه وولي عهده على ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين.. اللهم ووفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، وتحكيم شرعك يا ذا الجلال والإكرام.

اللهم بلّغنا بمنّك وكرمك شهرَ رمضان، اللهم سلّمنا إليه، وتسلّمه منا متقبّلاً يا رب العالمين.

(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِن لَّمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

1647507189_خطبة_15_8_1443_حرمة_الدماء _إقامة_الحدود.docx

1647507189_خطبة_15_8_1443_حرمة_الدماء _إقامة_الحدود.pdf

المشاهدات 1884 | التعليقات 1

الله يسعدك اجمل خطبة مختصرة وافية