اقَامَةُ الْحُدُودِ نِعْمَةٌ
سعود المغيص
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ، وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شُرُورِ أنْفُسِنَا وَسَيِّئَاتِ أعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللهُ فَلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ.
أمَّا بعدُ عباد الله : َاتَّقُوا اللهَ تعالى واعلموا ، أن مَنْ تَأَمَّلَ الدُّنْيا وجَدَ فِيها الخَيرَ وَالشَّرَّ، وَالحَسَنَ وَالقَبِيحَ ، وَهذا مِنْ حِكْمَةِ اللهِ وعَدْلِهِ, وَلِهذا كَانَتِ الجَنَّةُ والنَارُ عَلى مَبْدَأِ الثَّوَابِ وَالعِقَابِ! فَالثَّوَابُ لِكُلِّ مُؤمِنٍ مُتَّقٍ مُطِيعٍ.
والعِقَابُ لِكُلِّ مُعْتَدٍ ظَالِمٍ أَثِيمٍ ،
وهذا الْمَبدَأُ هُوَ مَا يَدْفَعُنا لِعَمَلِ الصَّالِحاتِ وَيَحْجِزُنَا عن الْمُحَرَّمَاتِ.
أَمَّا مَنْ ضَعُفَ إيمَانُهُ, وَانْحَرَف مَنْهَجُهُ فَقَدْ لا تَنفَعُ مَعَهُ المَوَاعِظُ, وَلا تَزْجُرُهُ الْمَثُلاتُ ، حينَهَا يَحْتَاجُونَ إلى يَدٍ حَازِمَةٍ , وَسُلطانٍ مَهِيبٍ , يَأخُذُ لِكُلِّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ.
لِذا فإنِّنا مُطالَبُونَ يَا رَعَاكُمُ اللهُ بالتَّمسُّكِ بِشَرِيعَتِنَا الغَرَّاءِ وَحِمَايَةِ جَنَابِهَا مِن أَيدِي العَابِثِينَ, وَالغُلاةِ والخَوَارِجِ الْمُعْتَدِينَ، أُولئِكَ الذينَ يَتَلاعَبُونَ بِالدِّينِ كَيفَمَا شَاءُوا، فَانْحِرَافُ الفِكْر ِوعَدَمُ العلمِ , سَبِيلُ التَطَرُّفِ والفَسَادِ, وَالضَّلال ِوالهَلاكِ , وَمَنْ عَدِمَ العِلْمَ تَخَبَّطَ فِي الظُّلَمِ .
عِبَادَ الله: الدِّفاعُ عن شَرِيعَتِنَا، وَفَضْحُ الْفَسَادِ وَالْمُفْسِدِينَ، فَرْضٌ عَلى العُلمَاءِ والإعلامِ, والدَّعاةِ والُخَطَبَاءِ، لأنَّ الأَمْنَ كَنْزٌ ثَمينٌ، لا يَعْرِفُ قَدْرَهُ إلَّا مَنْ اكْتَوى بِالظُّلْمِ والْفَوضَى ،
يَا مُؤمِنُونَ: دِينُ اللهِ جَاءَ رَحْمَةً وَعَدْلاً بِالخَلْقِ ، وَجَاءَتْ شَريعَتُنا لِتَحفَظ الأَنْفُسَ الْمَعصُومَةَ مِن تَلَفِها أو التَّعدِّيَ عَليها بغَيرِ حقٍّ , فَيَا وَيْلَ مَنْ يَعْتَدُونَ وَيَبْغُونَ وَيَقْتُلُونَ , فاللهُ تَعَالَى يَقُولُ : ( وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا). وَرَسُولُنَا صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:( لَزَوالُ الدُّنْيَا أهونُ عِندَ الله مِنْ قَتْلِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ ). وقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حينَ: ( لَنْ يَزَالَ الْمُؤْمِنُ فِي فُسْحَةٍ مِنْ دِينِهِ مَا لَمْ يُصِبْ دَمًا حَرَامًا ).
عِبَادَ اللهِ : مِنْ تَمَامِ نِعْمَةِ اللهِ تَعَالَى عَلَيْنَا فِي بِلاَدِنَا: وُلاَةُ أَمْرٍ نَاصِحُونَ مُصْلِحُونَ، يُطَبِّقُونَ شَرْعَ اللهِ تَعَالَى، وَيَعْتَزُّونَ بِذَلِكَ، وَيُنَفِّذُونَ الأَحْكَامَ الشَّرْعِيَّةَ فِي الْمُجْرِمِينَ، وَالْمُفْسِدِينَ الْعَابِثِينَ بِأَمْنِ الْبِلاَدِ وَالْعِبَادِ؛ وَهَذِهِ بِلاَ شَكَّ نِعْمَةٌ وَمِنَّةٌ مِنَ اللهِ تَعَالَى؛ فَالأَفْكَارُ الْمُنْحَرِفَةُ، وَبُؤَرُ الإِجْرَامِ فِي الْمُجْتَمَعَاتِ؛ إِذَا لَمْ تُوَاجَهْ بِالْحَزْمِ وَالضَّرْبِ عَلَيْهَا دُونَ هَوَادَةٍ؛ عَاثَ أَصْحَابُهَا فِي الأَرْضِ فَسَادًا، وَتَجَرَّؤوا عَلَى الآمِنِينَ ، تَخْوِيفًا وَإِفْسَادًا، وَإِنَّنَا نَرَى كَيْفَ أَصْبَحَتْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُجْتَمَعَاتِ ، الَّتِي جَنَحَتْ عَنْ تَطْبِيقِ حُدُودِ اللهِ ، مَسَارِحَ لِلْجَرِيمَةِ بِأَنْوَاعِهَا.
فَاتَّقُوا اللهَ-عِبَادَ اللهِ-وَحَافِظُوا عَلَى الأمن والاستقرار في هذا الوطن الغالي ، وبلغوا عن أي شخص يريد الإخلال بأمن هذا البلد ، وعدم السماح لأي عابثٍ أو دخيلٍ المساس بأمن بلاد الحرمين ، وحَافِظُوا عَلَى لُحْمَةِ بِنَائِكُمْ وَوَحْدَةِ صَفِّكُم .
نَسْأَلُ اللهَ سُبْحَانَهُ أَنْ يُدِيمَ عَلَيْنَا الأَمْنَ وَالأَمَانَ، وَالْخَيْرَ وَالاِسْتِقْرَارَ، وَأَنْ يُوَفِّقَ وُلاَةَ الأَمْرِ، وَأَنْ يُسَدِّدَهُمْ، وَأَنْ يَجْعَلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللهِ قَائِمِينَ، وَعَلَى شَرْعِهِ مُتَعَاوِنِينَ، وَلِجَمِيعِ الْمُفْسِدِينَ مُؤَدِّبِينَ.
أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَإِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.
الخطبة الثانية
الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلاَّ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ الدَّاعِي إِلَى رِضْوَانِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَعْوَانِهِ وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كَثِيرًا
أمَّا بعدُ عباد الله : َاتَّقُوا اللهَ تعالى واشْكُرُوهُ على الدِّينِ القَوِيمِ والصِّرَاطِ المُستَقِيمِ , واحَمَدوا اللهَ على وَجْهِ الخُصُوصِ على مَا نَنعَمُ بِهِ مِنْ أَمْنٍ في الأَوْطَانِ وَرَغَدٍ في الأَرْزَاقِ ومَا ذَاكَ إلاَّ بِفضْلِ تَمَسُّكِنا بِشَرِيعَةِ اللهِ وَتَطْبِيقِ حُدُودِهِ.
فَإقامَةُ حَدِّ القَصَاصِ والحِرابَةِ على الْمُعتَدينَ ، خَبَرٌ يُفْرِحُ الْمُؤمِنِينَ ، ليسَ تَشَهِّيَاً لِلدِّماءِ ، وَلَكِنْ فَرَحاً بِإقامَةِ شَرْعِ اللهِ القَائِلِ : ( وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ الله إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ( فَمَصْلَحَةُ الوطن والْمُجتَمَعِ ، وَحِمَايَةُ الدِّينِ، واسْتِتْبَابُ الأَمْنِ مُقَدَّمٌ على كُلِّ اعتِبارٍ ، ولَقَدْ هَيَّئَ اللهُ لِدِينِهِ مَنْ يَنْصُرُهُ وَلِشَرْعِهِ مَنْ يَحكُمُهُ وَيُطَبِّقُهُ ، فَامْتَنَّ على بِلادِ الحَرَمَينِ أَنْ جَعَلُوا القُرَآنَ دُستُورَهُم وَهَدْيَ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ نِبْرَاسَهم فَهَيَّأ وُلاةً أَخَذُوا الأَمْرَ بِقُوَّةٍ وَحَزْمٍ وأَقَامُوا شَرْعَ اللهِ تَعَالى, صَدَقَ اللهُ القَائِلُ: ( إِنَّمَا جَزَاء ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي ٱلأرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مّنْ خِلَـٰفٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ ٱلأرْضِ ).
فَإيقَافُ الظَّالِمِ عِندَ حَدِّهِ، والْمُحَافَظَةُ على استِتْبَابِ الأَمْنِ، لا يَحصُلُ إلاَّ بِتَطْبِيقِ شَرْعِ اللهِ تَعَالى ، فَإقَامَةُ الْحُدُودِ نِعمَةٌ كُبْرى, قَالَ صَلَّى الله عَليْهِ وسَلَّمَ: "حَدٌّ يُعْمَلُ بِهِ فِي الأَرْضِ، خَيْرٌ لأَهْلِ الأَرْضِ مِنْ أَنْ يُمْطَرُوا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا ".
الَّلهمَّ مَنْ أَرَادَنَا وَأَرَادَ دِينَنَا وَأَمْنَنَا وَأَخْلاقَنا وَبِلادَنَا ولاة أمرنا بِسُوءٍ فَأَشْغِلْهُ في نَفْسِهِ وَاجْعَلْ كَيدَهُ في نحرِهِ وَشَتِّتْ شَمْلهُ وَاْجَعَلْهُ عِبْرَةً لِلمُعْتَبِرِينَ يَارَبَ العَالَمِينَ.
اللهم بلغنا رمضان ونحن في صحة وعافية وإيمان..
اللهم اهدنا بهداك واجعل عملنا في رضاك..
اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين وأذلَّ الشرك والمشركين واحمِ حوزةَ الدين، وانصر عبادك المؤمنين في كل مكان، اللهم أصلح أحوال المسلمين .
اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ أَنْ تَحْفَظَنَا بِحِفْظِكَ، وَأَنْ تَكْلَأَنَا بِرِعَايَتِكَ، وَأَنْ تَدْفَعَ عَنَّا الغَلَاءَ وَالوَبَاءَ وَالرِّبَا وَالزِّنَا وَالزَّلَازِلَ وَالمِحَنَ وَسُوءَ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ.
اللَّهُمَّ وَفِّقْ خَادِمَ الْحَرَمَيْنِ الشَّرِيفَيْنِ لِهُدَاكَ، وَاجْعَلْ عَمَلَهُ فِي رِضَاكَ، وَهيِّئْ لَهُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ، اللَّهُمَّ وَفِّقْه وَوَلِيَّ عَهْدِهِ وَسَدِّدْهُمْا وَأَعِنْهُمْا ، وَاجْعَلْهُما مُبارَكِيْنَ مُوَفَّقِيْنَ لِكُلِّ خَيْرٍ وَصَلاحٍ يارب العالمين
اللهم انصر جنودنا المرابطين على الحدود، اللهم أنزل السكينة في قلوبهم، وثبت أقدامهم، واحفظهم من كيد الأعداء.
اللهم أنت الله لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللهم أغثنا. اللهم أغثنا، اللهم أغثنا.. اللهم إنا نستغفرك إنك كنت غفارا فأرسل السماء علينا مدراراً ، برحمتك يا أرحم الراحمين.
(ربَّنا آتِنا في الدُّنيا حَسَنةً وفي الآخِرَةِ حَسَنةً وقِنَا عذابَ النار)
سُبحانَ ربِّكَ ربِّ العِزَّةِ عمَّا يصفون ، وسلامٌ على المرسلين، والحمدُ لله رب العالمين.