افرَحُوا بِالعَودَةِ لِلمَدَارِسِ
راشد بن عبد الرحمن البداح
افرحوا بالعودة للمدارس ( راشد البداح – الزلفي ) 1 صفر 1444
حمدُ للهِ على إمدادِ الآجالِ، وتَعاقُبِ الأجيالِ، وعلى مضاعفةِ أجورِالأعمالِ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى اللهُ عليهِ وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعدُ: فاتقوا اللهَ؛ فتقوَى اللهِ ما جاورَتْ قلبَ امرئٍ إلا وَصَلْ
فها قدْ مضَى عامٌ دراسيٌ، وأقبلَ آخرُ، فلنقُلْ كما قالَ أهلُ الكهفِ: {رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا}[الكهف10].
وبعد غدٍ الأحدِ نادِ أولادَك وأوصِهم قائلاً: يا أولاديْ، إنكم تتوجهونَ غدًا لقلعةٍمن قلاعِ العلمِ، فابدؤوا فيها بسمِ اللهِ، والزموا الجادةَ، ولتكن بدايتُكم جادةٌ، فمن كانت له بدايةٌ محرقةٌ كانتْ له نهايةٌ مشرقةٌ.
يا بُنيَّ ويا بِنتيَ: هلْ أنتما مُستحضِرانِ للنيةِ الصالحةِ لطلبِ العلمِ؟ وهل ستتذكرانِ يومَ تَسعَيانِ كُلَّ صباحٍ للدراسةِ قولَه e: مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَلْتَمِسُ فِيهِ عِلْمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ. رواهُ مسلمٌ().
ويا معشرَ المتذمِّرينَ من العَودةِ للمدارسِ: املؤُوا قلوبَكم انشراحًا وأعدُوا العُدَّة، ودعُوا عنكمْ النظرةَ المثبطةَ المتثاقلةَ.
أيُها المسلمونَ: هل تتذكرونَ نعمةَ اللهِ علينا ببلادِنا أمامَ ضخامةِ ميزانيةِالتعليمِ وتكامُلِ التجهيزاتِ والمباني، وتيسرِ وسائلِ تحصيلِ العلمِ، وتيسرِ الترددِعلى صروحِهِ بأمنٍ ورغدِ عيشٍ، يوم أن اضطربتِ الأحوال في بلدانٍ كثيرةٍ.
أيُّها المعلمُ: قبلَ أن تبدأَ حصتَكَ خططْ درسَك، وحددْ أهدافَك، واجذِببأساليبِك، وإذا لَمْ يَعُدْ أمامَكَ إلا طلابُك لديكَ، فتذكرْ ملائكةَ الرحمنِ بين يديكَ، وأن اللهَ في عليائِه مُطّلعٌ عليكَ، فابذلْ وسعَكَ، ولا يكنْ همُّك متى تنتهيْالحصةُ. واعلمْ أنكَ إذا أحببتَ طلابَكَ وأحبوكَ وجدتَ سعادتَكَ بينهم أكثرَ مما تجدُها بين الأصحابِ. ولا تَستهِنْ بكلمةٍ تقولهُا بإخلاصٍ ليُبارِكَ اللهُ فيها، فابذُرْ ما شئتَ أن تبذُرَ: {أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ}.
أيُّها المعلمُ الطموحُ: أتريدٌ أسلوبًا تربويًا فائقًا رائقًا؟
إذًا فاستمعْ إلى قصةِ تلميذٍ نجيبٍ وهو يمدحُ معلِّمَه قائلاً: ما رأيتُ معلمًاقبلَه ولا بعدَه أحسنَ تعليمًا منه؛ هل عرفتُم من هوَ؟ إنه نبيُنا محمدٌ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ! والتلميذُ هوَ الصحابيُ مُعَاوِيَةُ بْنُ الْحَكَمِ –رضيَ اللهُ عنهُ- حيث قَالَ: بَيْنَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، إِذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ: يَرْحَمُكَ اللهُ! فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ: وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إِلَيَّ؟! فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي، مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاللهِ، مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي، قَالَ: إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ. رواهُ مسلمٌ. وإن المجتمعَ يريدُ معلمًا يعامِلُ طالبَه وكأنَه يعامِلُ رجلًا له كرامتُه، بل كصاحبٍ له يَرعاهُ ويُراعيهِ.
معاشرَ معلمِيْ التمهيديِّ والصفوفِ الأوليةِ والمبكرةِ: أنتمْ مؤسِّسونَ، وغيرُكمْمكمِّلونَ، ومن أسَّسَّ البناءَ ليسَ كمَنْ كمَّلَه، ومع الدراسةِ المطوَّرةِ يَستدعِي الأمرُ مضاعفةً للجهدِ، وتجويدًا وتجديدًا في الطرحِ.
أيُها الأبُ: هاقدْ وفرتَ لأولادِك مستلزماتِهم المدرسيةَ، والتي ربما أرهقَتكَمادياً، لكنْ هلِ استحضرتَ واحتسبتَ أنكَ بهذا مأجورٌ إذا لم تُسرفْ، ولم تَمْنُنْ ولم تتأفَّفْ، فالنبيُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: دِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ،وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ فِي رَقَبَةٍ، وَدِينَارٌ تَصَدَّقْتَ بِهِ عَلَى مِسْكِينٍ، وَدِينَارٌ أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ؛ أَعْظَمُهَا أَجْرًا الَّذِي أَنْفَقْتَهُ عَلَى أَهْلِكَ. رواهُ مسلمٌ(). لكنِاحذرُوا الإسرافَ. واحذرُوا ما فيه صلبانٌ أو شعاراتٌ لمعبوداتِ الكفارِ على الحقائبِ والدفاترِ والملابسِ. ونبيُكم -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَمْ يَكُنْ يَتْرُكُ فِي بَيْتِهِ شَيْئًا فِيهِ تَصَالِيبُ إِلَّا نَقَضَهُ. رواهُ البخاريُ(). فليتقِ اللهَ من يبيعُها ومن يشتريْها ومن يلبسُها.
الحمدُ للهِ مُولِينا، ومُعطِينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا وهادِينا، أما بعدُ:
فقِفْ واسترجعْ عامَكَ المُنصرِمَ، بأفراحِه وأتراحِه. بإخفاقِه ونجاحِه، استرجِعْذلكَ كلَه وأنتَ تستقبلُ عامًا دراسيًا جديدًا، ماذا قدمتَ؟
وتأملْ في سرعةِ الزمنِ العجيبةِ. بالأمسِ وُلدَ لكَ مولودٌ، واليومَ هو بالمرحلةِالابتدائيةِ، بالأمسِ ليسَ في رأسِكَ شعرةُ شَيبٍ، واليومَ غزَا الشيبُ رأسَكَ. سرعةٌفي الزمنِ، وهيَ يا عبدَ اللهِ سرعةٌ في عمركَ، ودنوٌ لأجلِكَ.
وليخاطِبْ كلٌ منا نفسَه بهذهِ الآيةِ الواعظةِ الموقظةِ: {وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}[البقرة281]
• اللهم وفقْ طلابَنا وطالباتِنا ومعلمِينا ومعلماتِنا، وقادةَ التعليمِ للسدادِ والرشادِ.
• اللهم لكَ الحمدُ كالذي تقولُ وخيرًا مما نقولُ، اللهم وأعنتَنا على ذكرِك وشكرِك فسجدْنا لك وحدَك.
• ربَّنا أوزعنا أن نشكرَ نعمتَك التي أنعمتَ علينا وعلى والدَينا وأن نعملَ صالحًا ترضاه وأدخلنا برحمتِك في عبادِك الصالحينَ. اللهم ارزقنا برَّهما أحياءً وأمواتًا.
• اللهم وفقْ مليكَنا ووليَ عهدِه، وسددْهم في أقوالِهم وأعمالِهم، واجعلهُم وجنودَنافي ضمانِك وأمانِك وإحسانِك. اللهم صلِ وسلمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.