اغتنام الأجر في أيام العشر
عايد القزلان التميمي
الحمد لله الذي بيده الأمر، فضّل أيام العشر، وخصها بمزيد الأجر، وجبر لأهلها الكسر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، نبي اليسر، ودائم البشر، صلى الله وسلم عليه صلاة دائمة إلى يوم الحشر.
أما بعد فيا عباد الله أوصيكم ونفسي بتقوى الله في السر والعلن .
أيها المؤمنون : فإن من فضل الله ومنته أن جعل لعباده الصالحين مواسم يستكثرون فيها من العمل الصالح،
ومن أعظم هذه المواسم وأجلها أيام عشر ذي الحجة. التي ورد في فضلها آيات وأحاديث منها قول الله تعالى: { وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ }.
قال ابن كثير رحمه الله: المراد بها عشر ذي الحجة. وقال عز وجل: { وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ }
قال ابن عباس : "أيام العشر".
وفي الحديث الذي رواه الإمام البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما العَمَلُ في أيَّامٍ أفْضَلَ منها في هذه، قالوا: ولا الجِهادُ؟ قالَ: ولا الجِهادُ، إلَّا رَجُلٌ خَرَجَ يُخاطِرُ بنَفْسِه ومالِه، فلَمْ يَرْجِعْ بشَيءٍ.)).
وعن ابن عمر رضي الله عنهما: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( ما مِن أيَّامٍ أَعظَمَ عِندَ اللهِ، ولا أَحَبَّ إلَيهِ مِنَ العملِ فيهِنَّ مِن هذِه الأَيَّامِ العَشرِ؛ فأَكثِرُوا فيهِنَّ مِنَ التَّهليلِ، والتَّكبيرِ، والتَّحميدِ )) أخرجه أحمد .
وكان سعيد بن جبير- رحمه الله- (وهو الذي روى حديث ابن عباس السابق): "إذا دخلت العشر اجتهد اجتهادا حتى ما يكاد يقدر عليه " رواه الدارمي بإسناد حسن.
وقال ابن حجر- رحمه الله- في الفتح: "والذي يظهر أن السبب في امتياز عشر ذي الحجة: لمكان اجتماع أمهات العبادة فيه، وهي الصلاة والصيام والصدقة والحج، ولا يأتي ذلك في غيره ". وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية- رحمه الله- عن عشر ذي الحجة، والعشر الأواخر من رمضان، أيهما أفضل؟ فأجاب: "أيام عشر ذي الحجة أفضل من أيام العشر من رمضان، والليالي العشر الأواخر من رمضان أفضل من ليالي عشر ذي الحجة".
أيها المسلمون ومن الأعمال التي لا تغيب عن العاملين المسارعين للجنات, في أيام عشر ذي الحجة وفي غيرها : المحافظة والمداومة على الصلوات والتبكير إليها والمسارعة إلى الصف الأول، والإكثار من النوافل، فإنها من أفضل القربات. عن ثوبان- رضي الله عنه- قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((عَلَيْكَ بكَثْرَةِ السُّجُودِ لِلَّهِ، فإنَّكَ لا تَسْجُدُ لِلَّهِ سَجْدَةً، إلَّا رَفَعَكَ اللَّهُ بهَا دَرَجَةً، وحَطَّ عَنْكَ بهَا خَطِيئَةً ))[رواه مسلم] وهذا عام في كل وقت.
أيها المؤمنون / ومن الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة : الصيام : لدخوله في الأعمال الصالحة . قال الإمام النووي عن صوم أيام العشر: (( انه مستحب استحبابا شديدا )) .
وقال عليه الصلاة والسلام: " ما مِن عَبْدٍ يَصُومُ يَوْمًا في سَبيلِ اللهِ، إِلَّا بَاعَدَ اللَّهُ، بذلكَ اليَومِ وَجْهَهُ عَنِ النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا )) متفق عليه.
ومن الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة أداء الحج والعمرة لقوله صلى الله عليه وسلم : ".. والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة " رواه مسلم.
عباد الله من لم يتيسر له الحج فهو كما قال أحد السلف: " من فاته في هذا العام القيام بعرفة فليقم لله بحقه الذي عَرَفَه، ومن عجز عن المبيت بمزدلفة، فليُبيِّت عزمه على طاعة الله وقد قرَّبه وأزلفه ، ومن لم يقدر على نحر هديه بمنى فليذبح هواه هنا وقد بلغ المُنى ، من لم يصلْ إلى البيت لأنه منه بعيد فليقصد رب البيت فإنه أقرب إلى من دعاه من حبل الوريد".
ومن الأعمال الصالحة في أيام عشر ذي الحجة التكبير والتهليل والتحميد : لما ورد في حديث ابن عمر السابق. "فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد".. والمستحب: الجهر بالتكبير للرجال.
فحري بنا أن نحيي هذه السنة
والتكبير نوعان مطلق ومقيد , جاء في فتوى اللجنة الدائمة للإفتاء: (( فالتكبير المطلق في جميع الأوقات من أول دخول شهر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق.
وأما التكبير المقيد فيكون في أدبار الصلوات المفروضة من صلاة الصبح يوم عرفة إلى صلاة العصر من آخر أيام التشريق،
وقد دل على مشروعية ذلك الإجماع، وفعل الصحابة رضي الله عنهم )).
وصيغة التكبير: الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر كبيراً.
والصيغة الثانية / الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر ولله الحمد.
والصيغة الثالثة / الله أكبر. الله أكبر. الله أكبر. لا إله إلا الله. والله أكبر. الله أكبر. الله أكبر ولله الحمد
عباد الله ومن الأعمال التي يتقرب بها العبد إلى الله عز وجل في كل وقت وخاصة هذه الأيام المباركة: الإكثار من قراءة القرآن : فإن القرآن الكريم به السعادة والنجاة في الدنيا والآخرة , وقد ورد في فضل قراءته الأجر العظيم قال صلى الله عليه وسلم (( مَن قَرأ حَرفًا مِن كِتابِ اللهِ فله حَسَنةٌ، والحَسَنةُ بعَشَرةِ أمثالِها، لا أقولُ {الم} حَرفٌ، ألِفٌ حَرفٌ، ولامٌ حَرفٌ، وميمٌ حَرفٌ )) رواه الترمذي.
فاحرص- أخي المسلم- على اغتنام هذه الأيام في قراءة القرآن، وليكن لك في هذه العشر ختمة أو ختمتان، وهذا يسير على من يسره الله عليه وقد رأينا ذلك في رمضان. ونهار هذه الأيام أفضل من نهار رمضان فبادر إلى ذلك وسارع إلى كتاب الله عز وجل.
عباد الله ومن الأعمال الصالحة الصدقة: وهي من أبواب القُرُبَات المشروعة طِوال العام وقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة ولو بالقليل، فقال صلى الله عليه وسلم : "اتقوا النار ولو بشق تمرة" متفق عليه.
بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة ونفعني وإياكم بما فيهما من آيات الله والحكمة , أقول ما سمعتم وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه كان غفارا .
الخطبة الثانية : الحمد لله الذي شرع مواسم وهيأ مناسبات يتوب فيها العبد إلى ربّه ويغسل قلبه وجوارحه من دنس الذنوب ويتطهّر، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، نبي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه خير صحبٍ ومعشر، وسلم تسليمًا.
أما بعدُ فيا عباد الله
ومن الأعمال الصالحة في هذه العشر الإكثار من النوافل وصيام يوم عرفة والتقرب إلى الله بذبح الأضاحي وقيام الليل
ولو بركعات قليلة
عباد الله قال النبيُّ صلى اللهُ عليه وآله وسلم (( إذا رأيتمْ هلالَ ذي الحِجةِ، وأرادَ أحدُكم أنْ يُضَحِّيَ فلْيُمْسِكْ عن شعرِه وأظفارِه"، فمنْ أرادَ أن يُضَحِيَ، فعليه إذا دخلتِ العشرُ ألا يأخذَ من شعرِه ولا من أظفارِه شيئًا حتى يُضَحِّيَ، وهذا حُكْمٌ خاصٌ بمن أرادَ أنْ يُضَحِّيَ، أما أهلُه وأولادُه ومن يُضَحِّي عنهم فإنه لا يشملُهم ذلك الحكمُ .
.
ومما يُنَبَّه له المسلم وهو يعمل الأعمال الصالحة من ذِكر وقراءة قرآن وصيام وصدقة وأُضحية، أن يقوم بها وهو يَشْعُرُ بِتَقْصِيره في حَقِّ الله عز وجل، وأنه لو لَمْ يُيَسَّرَه الله لهذا الخير لما
قام به، وأنه لن يدخل الجنة بعمله وإنما برحمة الله عز وجل وفضله.
عباد الله صلوا وسلموا على رسول الله .....
المرفقات
1625803646_اغتنام الأجر في أيام العشر29-11-1442.doc