اعمروا مساجدكم ومصاحفكم
راشد بن عبد الرحمن البداح
الحمدُ للهِ في كلِ آنٍ. وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ الملكُ الديانُ. وأشهدُ أنَّمحمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه للإنسِ والجانِ. صلى اللهُ عليهِ وسلم تسليمًا كثيرًا ما تَعاقَبَ المَلَوانِ. أما بعدُ:
فاتقُوا ربَكم واعبدُوهُ، واعلمُوا أنَّ مِنْ أعظمِ ما يُعينُ على تحقيقِالتقوَى أمرانِ: بأنْ نَعمُرَ مساجدَنا ومصاحفَنا.
أما عِمارةُ المساجدِ؛ فإنَّ عُمَّارَها مؤمنونَ مهتدونَ. كما قالَ ربُنا: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ فَعَسَى أُولَئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة18]
وعِمارةُ المساجدِ نوعانِ: العمارةُ المعنويةُ: بالعبادةِ والذكرِ والعلمِ، والعمارةُ الحسيةُ في بنائِها وترميمِ ما تهدمَ، وتنظيفِها، وتنويرِها، وصيانتِها. وبِنَاؤُهَا مِنْ أَعْظَمِ الْقُرَبِ لِمَنْ أَخْلَصَ لِلّهِ وَاحْتَسَبَ.
وقد جمعَ بينَ العمارتينِ في حديثٍ واحدٍ، فقد قَالَتْ عَائِشَةُ -رضيَ اللهُعنها-: أَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِبِنَاءِ الْمَساجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ().
قالَ الشيخُ ابنُ سِعديِ –رحمهُ اللهُ-: فلا أعظمَ إيمانًا ممن سعَى في عمارةِ المساجدِ بالعمارةِ الحسيةِ والمعنويةِ. قالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ لِبَيْضِهَا، بَنَى اللهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ. وهذا المثالُ من النبيِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يدلُ على أن مَن ساعدَ على عمارةِ المسجدِ ولو بشيءٍ قليلٍ استحقَ هذا الثوابَالجزيلَ، بفضلِ اللهِ وكرمِه. بل ما من صلاةٍ، أو قراءةٍ للقرآنِ، أو درسِعلمٍ، أو أيِ شيءٍ من أعمالِ الخيرِ تتمُ في رحابِ المسجدِ الذي ساهَمَ فيه،إلا ولهُ أجرٌ عظيمٌ من اللَّه تعالى(). أ.هـ. فَاللَّهُمَّ اعْمُرْ قُلُوْبَنَا بِذِكْرِكَ وَطَاعَتِكَ.
أيُها المصلونَ: ومن عمارةِ المساجدِ الاعتناءُ بنظافتِها وطيبِرائحتِها وتهويتِها، ورعايةِ خدماتِها، وحمايةِ مرفقاتِها، وتعاهدِإغلاقِها في غيرِ أوقاتِ الصلاةِ، وعدمِ إزعاجِ المصلينَ بأصواتِ السياراتِومنبهاتِها، ولنُرَبِ أولادَنا وطلابَ حلقاتِ المساجدِ على احترامِ المساجدِ، وعدمِ إزعاجِ المصلينَ أثناءَ صلاتِهم، وقراءتِهم للقرآنِ وعند أورادِهم بعدَالصلاةِ. والذينَ يُحضرونَ أطفالَهُمُ المزعجينَ للمساجدِ بحجةِ تعويدِهم على الصلاةِ يُخشَى أن يأثمُوا من حيثُ يُريدونَ الأجرَ.
ومن المتأكدِ جداً أن نَعلمَ أنَّ أراضيَ المساجدِ ومصاحفِها تعتبرُأوقافاً، ولا يجوزُ شرعاً استخدامُها في غيرِ ما خُصصتْ له، كما لا يجوزُالتعديْ على خدماتِ الكهرباءِ والمياهِ الخاصةِ بالمساجدِ، ومَن وجدناهُيَتعدَى فلنُبلغْ عنهُ.
ألا فلنعظِّمْ ما عظمهُ اللهُ ورسولهُ: ﵟذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَٰتِ ٱللَّهِ فَهُوَ خَيرٌ لَّهُۥ عِندَ رَبِّهِۦ[الحج30] ولنستشعِرْ أن المساجدَ تُقامُ فيها أعظمُ الشعائرِ: ﵟذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَٰٓئِرَ ٱللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى ٱلقُلُوبِﵞ[الحج32] والمساجدُ أَحَبُ الْبِقَاعِ وَأَطْهَرُ الأَصْقَاعِ، قَالَ رَسُوْلُ الْلَّهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَحَبُّ الْبِلادِ إِلَىَ الْلَّهِ تَعَالَىْ مَسَاجِدُهَا. رواهُ مسلمٌ. ففي المساجدِ تَنزِلُ الْرَّحَمَاتُ، وَتَهْبِطُ الْمَلائِكَةُ،وَتَحُلُّ الْسَّكِينَةُ، وَيَتَعَارَفُ الْمُسْلِمُوْنَ وَيَتَآلَفُونَ، يُفْقَدُ منها الْمَرِيْضُ فَيُزَارُ، وَالْمُقَصِّرُ فيها فَيُنْصَحُ.
والماكِثونَ العاكفونَ في المساجدِ مُتاجِرُونَ بالحسناتِ، ومعرِضُونَ عن اللغوِ، ومُتَّقُون لحصائدِ الألسُنِ: قَالَ الرَسُولُ-صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:الْمَسْجِدُ بَيْتُ كُلِّ تَقِيٍّ.رواهُ الطبرانيُ بسندٍ حسنٍ().
الحمدُ للهِ هادِينا، والصلاةُ والسلامُ على داعِينا، أمابعدُ:
فمِنْ أعظمِ مفاخرِنا في بلادِنا المباركةِ بلادِ الحرمينِ الشريفينِ: الاعتناءُ الكبيرُ ببناءِ المساجدِ في العالمِ، وبطباعةِ المصاحفِ، حيثُأنشأتِ الدولةُ –وفقَها اللهُ- وزارةً ومؤسَساتٍ تُعنَى بهذينِ، ألا وهنَّ:وزارةُ الشؤونِ الإسلاميةِ، ورئاسةُ الحرمينِ الشريفينِ، ومجمعُ الملكِ فهدٍلطباعةِ المصحفِ الشريفِ.
فإن قالَ قائلٌ: كيفَ أُساهِمُ في عمارةِ المساجدِ، أو في طباعةِالمصاحفِ؟
فيُقالُ: الأمرُ يسيرٌ، عبرَ "منصةِ إحسانٍ" باختيارِ مشاريعِ بناءِالمساجدِ وصيانتِها ونظافتِها، وطباعةِ المصحفِ ونشرِه. فادخلِالمنصةَ، وساهِمْ ولو بالقليلِ؛ ليكونَ وقفًا لك تلقاهُ يومَ تلقاهُ مضاعَفًا، يجريْ لكَ بعدَ موتِك ما بقيَ نفعُه. وأوْقِفْ مسجدًا أو مصحفًا.
قالَ رسولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: إِنَّ مِمَّا يَلْحَقُ الْمُؤْمِنَ مِنْ عَمَلِهِ وَحَسَنَاتِهِ بَعْدَ مَوْتِهِ: عِلْمًا عَلِمَهُ وَنَشَرَهُ، أَوْ وَلَدًا صَالِحًا تَرَكَهُ، أَوْ مَسْجِدًا بَنَاهُ، [أو مُصْحَفًا وَرَّثَهُ] أَوْ بَيْتًا لاِبْنِ السَّبِيلِ بَنَاهُ، أَوْ نَهَرًا [أَجْرَاهُ]، أَوْ صَدَقَةً أَخْرَجَهَا مِنْ مَالِهِ فِي صِحَّتِهِ وَحَيَاتِهِ، تَلْحَقُهُ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهِ. رواهُ ابنُ ماجةَ وابنُ خزيمةَ بسندٍحسنٍ().
• فاللهم اجعلْنا لبيوتِك خُدَّاماً، ولكلامِكَ خُتَّاماً.
• اللهم لاتحرِمْنا فضلَك، ولا تَصُدَّنا بغلبةِ شهواتِنا عن بيوتِك وكتابِك.
• اللهم ارحمْنا ولا تحرِمْنا، اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
• اللهم اجعلْنا بالصالحاتِ مِن المُضْعِفينَ، وبالحسناتِ مِن المُقَنْطِرِينَ.
• اللَّهُمَّ اجْعَلْ خَيْرَ أعْمَارِنَا أواخِرَهَا، وخَيْرَ أعْمَالِنَا خَوَاتِمَهَا وخَيْرَ أيَّامِنَا يَوْمَ نَلْقَاك.
• اللَّهُمَّ أغْنِنَا عَمَّنْ أغْنَيْتَهُ عَنَّا، اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّاً، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّاً كَدَّاً.
• اللَّهُمَّ أعْطِنَا من الخَيْرِ فوْقَ ما نَرْجُو واصْرِفْ عَنَّا من السُّوْءِ فَوْقَ ما نَحْذَر.
• اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ، واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.
• نستغفرُ الله ونتوبُ إليه. نستغفرُ الله ونتوبُ إليه. نستغفرُ الله ونتوبُ إليه.
• اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا، اللَّهُمَّ أَغِثْنَا.
• اللهمَ لكَ الحمدُ على ما أنزلتَ من خيراتِ السحابِ، وأجريتَ من وِديانٍ وشِعابٍ.
• اللهم تابِعْ علينا الخيراتِ، وأحضِرْ معها البركاتْ.
• اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.