اعدد ستا بين يدي الساعة !! 1445/7/28ه
يوسف العوض
الخطبة الأولى
عباد الله: إنَّه مِن رَحمةِ الله تَبارَكَ وتعالى أنْ أطلَعَ عِبادَه على ما سَيَقَعُ بينَ يَدَيِ السَّاعةِ مِن أمورٍ وأحوالٍ وأهوالٍ هيَ بمَثابةِ عَلاماتٍ تَدُلُّنا على قُربِ وُقوعِ السَّاعةِ وفي ذلك تَحذيرٌ مِنَ اللهِ تعالى لِعِبادِه عَنِ الغَفلةِ والرُّكونِ إلَى المُلهِيَاتِ، وحَثٌّ لَهم على المُبادَرةِ إلَى التَّوبةِ وعَمَلِ الصَّالِحاتِ، وبشارةٌ وتَثبيتٌ لِلمُؤمِنينَ المُداوِمينَ على الطَّاعاتِ ، وقَد كانَ اهتِمامُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بهَذا الأمرِ اهتِمامًا بالِغًا جِدًّا، وهَذا مِن شَفقَتِه ورأفتِه ورَحمَتِه بأمَّتِه ، فهناكَ خُطوبٌ مُدْلَهِمَّةٌ، وعَواصِفُ مِنَ الفتَنِ مُلِمَّةٌ، وهَذا العِلمُ يأتي بمَثابةِ نُورٍ في الظُّلُماتِ، وحَبلٌ يُستَمسَكُ به عِندَ وُقوعِ الأزماتِ ، قال اللهُ تعالى:" فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا فَأَنَّى لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ" ، قال البَغَويُّ: (قَولُه عزَّ وجَلَّ: فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا، أي: أماراتُها وعَلاماتُها ، وجعَلَ اللهُ لقُربِ يومِ القيامةِ عَلاماتِ السَّاعةِ الصُغرى والكُبرى الَّتي لنْ تَقومَ القِيامةُ إلَّا بَعدَ وُقوعِها، والفَرقُ بيْنَ العَلاماتِ الصُّغرَى والكُبرَى: أنَّ الكُبرى تكونُ أقرَبَ لقيامِ السَّاعةِ، وعَدَدُها قَليلٌ، ومُتتاليةٌ، ولم يَقَعْ شَيءٌ منها حتَّى الآنَ، أمَّا الصُّغْرى فهي كثيرةٌ ومُتباعِدةٌ، ووقَعَ كَثيرٌ منها.
عباد الله: ومن العلاماتِ الصغرى ما جاء من حديثِ عوف بن مالك الأشجعي رضي الله عنه قال: "أَتَيْتُ النَّبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزْوَةِ تَبُوكَ وهو في قُبَّةٍ مِن أَدَمٍ، فَقالَ: اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ المَقْدِسِ، ثُمَّ مُوتَانٌ يَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الغَنَمِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ المَالِ حتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى بَيْتٌ مِنَ العَرَبِ إلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بيْنَكُمْ وبيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً، تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا" فقد كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُؤيَّدًا مِنَ اللهِ سُبحانَه، وقد أعلَمَه اللهُ بَعضَ ما سيَقَعُ قبْلَ قيامِ الساعةِ، وهي عَلاماتٌ على اقتِرابِ قِيامِها؛ لِنَستَعِدَّ بالأعمالِ الصَّالِحةِ لِلِقاءِ اللهِ عَزَّ وجَلَّ.
وفي هذا الحَديثِ يَحكي عَوفُ بنُ مالِكٍ رَضيَ اللهُ عنه أنَّه أتَى إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في غَزوةِ تَبوكَ، وكانت في السَّنةِ التَّاسِعةِ مِنَ الهِجرةِ، وتَبوكُ في أقصى شَمالِ الجَزيرةِ العَربيَّةِ، في مُنتَصَفِ الطَّريقِ إلى دِمَشقَ، حيثُ تَبعُدُ عنِ الحِجازِ ما يُقارِبُ (1252 كم)، وكانت آخِرَ غَزوةٍ غَزاها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بنَفْسِه مع الرُّومِ. فوَجَدَه جالِسًا في قُبَّةٍ -وهي الخَيمةُ- مِن أدَمٍ، وهو الجِلدُ المَدبوغُ، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: «اعْدُدْ سِتًّا بيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ»، أي: سِتَّ عَلاماتٍ تَكونُ قبْلَ قِيامِ السَّاعةِ، ومِن أشراطِها القَريبةِ منها: مَوتُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ثمَّ فَتحُ بَيتِ المَقدِسِ، وقد تمَّ في عَهدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضيَ اللهُ عنه، قال: ثمَّ مُوتانٌ، وهو وَباءٌ يَنتَشِرُ في الناسِ، ويَكونُ كَقُعاصِ الغَنَمِ، و«قُعاصُ الغَنَمِ» داءٌ يُصيبُ الغَنَمَ، فيَسيلُ مِن أُنوفِها شَيءٌ، فتَموتُ فَجأةً، وقد حَدَثَ هذا في طاعونِ عَمَواسَ، حيثُ ماتَ منه سَبعونَ ألْفًا في ثَلاثةِ أيَّامٍ، قال: ثمَّ استِفاضةُ المالِ وكَثرَتُه، حتَّى يُعطَى الرَّجُلُ مِئةَ دينارٍ فيَظَلُّ ساخِطًا غَيرَ راضٍ؛ لِأنَّه يَستَقِلُّها ويَحتَقِرُها، قال: ثمَّ فِتنةٌ، وهي الاختِبارُ والابتِلاءُ، فيَقَعُ تَقاتُلٌ واضطِرابٌ في الأحوالِ، ولا يَبقَى بَيتٌ مِنَ العَرَبِ إلَّا دَخَلتْه هذه الفِتنةُ وتَضرَّر مِن جَرَّائِها ، قال: ثمَّ هُدْنةٌ تَكونُ بيْنَكم وبيْنَ بَني الأصفَرِ، والهُدنةُ: صُلحٌ على تَرْكِ القِتالِ، وبَنو الأصفَرِ: هُمُ الرُّومُ، ولكِنَّهم لا يُوفونَ بعَهدِهم، فيَغدِرونَ بالمُسلِمينَ، فيَنقُضونَ الهُدنةَ، فيَأتُونَ لِقِتالِ المسلمينَ تَحْتَ ثَمانينَ غايةً، والغايةُ: هي الرَّايةُ، وسُمِّيتْ بذلك؛ لِأنَّها غايةُ المُتَّبِعِ؛ إذا وَقَفتْ وَقَفَ، وإذا مَشَتْ مَشى، وتَحتَ كُلِّ رايةٍ اثْنا عَشَرَ ألْفًا مِنَ الجُندِ.
الخطبة الثانية
عبادَ اللهِ :فهَذِه الأخبارُ الَّتي فيها أنَّه بينَ يَدَيِ السَّاعةِ يَكونُ كَذا، أو لا تَقومُ السَّاعةُ حَتَّى يَكونَ كَذا، أو مِن أشراطِ السَّاعةِ كَذا، أو اعْدُدْ بينَ يَدَيِ السَّاعةِ كَذا، هَذِه كُلُّها تَدُلُّ: على صِدْقِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ثُمَّ أيضًا تَدُلُّ على أنَّ السَّاعةَ آتيةٌ لا ريبَ فيها؛ لِأنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أخبَرَ بحُدوثِ هَذِه الأمورِ، وحُدوثُها حَصَلَ وكانَ حَقًّا كَما أخبَرَ به صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لِهَذا كانَ التَّحديثُ بأشراطِ السَّاعةِ الصُّغرَى والكُبرَى وذِكرُها مِمَّا يُقَوِّي اليَقينَ ويُقَوِّي الإيمانَ، وهو مِن دَلائِلِ نُبوَّةٍ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) ، قال تعالى: ( يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ )