اصعب لحظات الحياة

سالم بن محمد الغيلي
1442/03/04 - 2020/10/21 01:18AM

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ

إن الحمدلله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهدي الله فهو المهتدي  ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً , اشهد الا اله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته وألوهيته واسمائه وصفاته , واشهد أن محمداً عبدالله ورسوله اشرف نبي وأعظم مرسل وخير قدوة واتقى الناس واعبدهم لله صلى الله وسلم عليه ما بعدت عنا الشمس والسماء .

  • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ} [سورة آل عمران: 102]
  • {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا} [سورة النساء:1]
  • {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} [سورة الأحزاب:70]

عباد الله:

ما أكثر المواقف والحالات والأوضاع التي تمر بالإنسان , مواقف خوف وأمن, وفرح وحزن, وفي المواقف العصيبة والقاسية يحتاج المسلم إلى من يقف بجانبه ويطمئنه ويواسيه ويصبره ويبصره ويشعره بالأمان مهما كانت قوته أو علمه أو غناه, وإن من أصعب اللحظات والدقائق التي تمر بالمسلم هي لحظات الموت , ساعة الصفر, ساعة خروج الروح وفِراق الدنيا كلها أهلها ومالها وجمعها وأقاربها...  نعم إنها من أصعب الساعات والمواقف واللحظات لا يصفها واصف.

والناس في تلك الساعة الحرجة ينقسمون إلى فريقين:

فريق يغشاه الخوف والهلع والحزن والندم والحسرة والندامة , وهم البعيدون عن الله المعرضون العاصون المفرطون المتكبرون المتجبرون, تقول أنفسهم {... يَا حَسْرَتَا عَلَىٰ مَا فَرَّطتُ فِي جَنبِ اللَّهِ وَإِن كُنتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ} [سورة الزمر:56], يقولون { حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِلَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ ۚ كَلَّا ۚ إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا ۖ وَمِن وَرَائِهِم بَرْزَخٌ إِلَىٰ يَوْمِ يُبْعَثُونَ [سورة المؤمنون: 99,100] , هؤلاء فريق نعوذ بربنا أن نكون منهم.

وفريق آخر عندما يعيش في تلك الساعة وتأتي إليه تلك اللحظات الصعبة , يأتي إليه من يطمئنه ويهدؤه  ويبشره ويفرحه , يرسل الله إليه الملائكة فتقف بجانبه في سكرات الموت, ولكم أن تتخيلوا الموقف .

من هذا المخلوق الذي ينزل الله إليه ملائكة تقف معه وتطمئنه وتؤمنه عند أصعب اللحظات التي تمر في الحياة, لحظات الموت وخروج النفس , يقول تبارك وتعالى: { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ في لحظات الموت- أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ, نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ۖ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ, نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} [سورة فصلت:30,32].

أسمعتم الفرق بين الموقفين؟ الفرق بين الفريقين؟  في أصعب لحظات العمر في احرج ساعات الحياة الدنيا ؟

دعونا نتأمل قليلًا في أحوال الفريق الثاني , أحوال الناجين والفائزين والفرحين في تلك الساعة , يقول الله عن أوصافهم عندما كانوا أحياء أصحاء فصحاء أقوياء {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ } شهدوا ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله, اعترفوا بوحدانية الله تبارك وتعالى, اعترفوا بالقرآن , أمنوا بشرع الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم, هذه الخطوة الأولى.

والخطوة الثانية: الاستقامة, الاستقامة لا الإعوجاج , بل استقامة على شرع الله, وحدوا الله ثم استقاموا على شرعه { إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} استقاموا مستقيمون سائرون وفق مايريد الله في حياتهم , والاستقامة أيها المستقيمون تحتاج إلى رجال, رجال يستجيبون لأمر الله وامر رسوله صلى الله عليه وسلم فمن هؤلاء الرجال ؟ كيف نعرف هؤلاء الأبطال المستقيمون؟

اسمع كيف وصفهم الله بأجمل الأوصاف, قال عنهم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ, رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ۙ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [سورة النور:36,37] .

ووصفهم الله لنا في آيات أخر فقال سبحانه: وعباد الرحمن ليسوا عباد الشيطان { وَعِبَادُ الرَّحْمَٰنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا – أهل تواضع ولين وأخلاق- وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا – إذا جهل عليهم الناس بأقوالهم وأفعالهم يقولون ويردون عليهم بقول سليم وجميل- , وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا , وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ ۖ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًاإِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًاوَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَٰلِكَ قَوَامًا  , وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَٰهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ ۚ...}[سورة الفرقان:63,68] { وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًاوَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا , وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا}  [سورة الفرقان: 72,74].

هذه بعض صفاتهم اخبرنا الله بها في القرآن, صفات قد نراها عليهم ظاهرًا , وصفات لا نعلمها إلا عندما أخبرنا الله بها.

هؤلاء أيها الأحباب إذا جاءت تلك الساعة الصعبة والحرجة تأتيهم الملائكة بأمر من الله فتقول لهم لا تخافوا... لا تخافوا من الموت, لا تخافوا من القبر , لا تخافوا من البرزخ , لا تخافوا من منكر ونكير , لا تخافوا من يوم القيامة , {وَلَا تَحْزَنُوا..} لا تحزنوا على الأولاد , لا تحزنوا على الأموال, لا تحزنوا على الأهل,{وَأَبْشِرُوا...} ابشروا بالخير وابشروا {وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ} التي وعدكم الله إياها إذا استقمتم, {نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ} كنا معكم في الدنيا نكتب اعمالكم ونحفظ حسناتكم ونسددكم ونحفظكم بإذن الله , وفي الآخرة نؤنس وحشتكم ونطمنكم ونجاوز بكم الصراط ونوصلكم إلى جنات النعيم , { وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ, نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} نُزُلًا أي : ضيافة وترحيب {مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ } من الله الذي غفر الزلات والذنوب والتجاوزات ورحمكم وعفا عنكم وأحسن ختامكم.

أرأيتم  أسمعتم اجمل وأحلى واسعد من تلك اللحظات؟ أرأيتم ذلك الموقف الرهيب ماذا يحدث لأهل الاستقامة لأهل الطاعة للمؤمنين للمحسنين؟ مغيبات  لولا أن الله وصفها لنا لا يمكن أن نصفها ولا نطلع عليها.

الله الله يا أحباب نستقيم... نستقيم على لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله , لا نزيغ ولا نميل ولا نراوغ حتى تأتي تلك الساعة والله معنا وينزل ملائكة الرحمة علينا يبشروننا ويطمئنوننا .

اللهم اجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا أرحم الراحمين.

اقول ماتسمعون...

الخطبة الثانية:

الحمدلله حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يُحب ربنا ويرضى.

عباد الله:

ليست الاستقامة بالأمر المستحيل, بل عن الله يريدها لنا ويسر طرقها لنا, فما علينا إلا سلوك طريق الله والسير على مايريد الله ورسوله صلى الله عليه وسلم , نحن نقول في كل ركعة {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ}[سورة الفاتحة:6], نطلب من الله الاستقامة في كل ركعة, لماذا في كل ركعة ؟ لأن الاستقامة تتوقف عليها الخاتمة والنهاية, والجنة والنار, والنعيم والعذاب, الاستقامة نسألها من الله نقود أنفسنا إليها , نتعود عليها , نقبلها , نحبها, نبذل فيها أجسادنا وأوقاتنا { وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ[سورة محمد: 17], {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ...} [سورة العنكبوت: 69] , جاهدوا ماذا؟ جاهدوا انفسهم, النفس تحتاج إلى جهاد إلى مجاهدة إلى صبر إلى تعويد إلى علم إلى ثبات حتى تستقيم وعندها يهدينا الله {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا...} , ومن لم يجاهد نفسه كيف يهتدي ؟ كيف يستقيم؟

اللهم اهدنا فيمن هديت, وعافنا فيمن عافيت, وتولنا فيمن توليت, اللهم اهدنا واهد بنا , ويسر الهدى لنا.

وصلوا وسلموا...

والله اعلم

جامع النور 1442/2/29هـ

المشاهدات 972 | التعليقات 0