اسم اللهِ الوليّ.
أ.د عبدالله الطيار
الْحَمْدُ لِلَّهِ وليُّ الصالحين، ومولى المؤمنين، سبحانه الكبير المتعال، ذي العظمة والجمال والجلال، يَنْشُرُ رَحْمَتَهُ وهُوَ الوَلِيُّ الحمِيدُ، ويُعِزُّ أولياءَهُ، ويَفْعَلُ مَا يُرِيدُ خَلَقَ الخلائِق فمنهم شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ، يَقْضِي بينَهُم بِحُكْمِهِ، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ.
وَأَشْهَدُ ألّا إِلَهَ إِلّا اللهُ، وحدهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أنّ محمدًا عبدهُ ورسولُه، صلّى اللهُ عليهِ وآلهِ وصحبِهِ وسلّم تسليمًا كثيرًا، أمّا بعدُ:
فاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ، واعلمُوا أنَّ فِي تَقْوَاهُ السَّعَادَةَ والفَلَاحَ فِي الدَّارَيْنِ، قال تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} [الأحزاب: 70-71].
أيُّهَا المؤمنونَ: إنَّ العلمَ باللهِ عزّ وجلّ، ومعرفتَه بأسمائِهِ وصفاتِهِ، هي أفضلُ العلومِ وأشرفها؛ لأنّ شَرَفَ العلم بشرفِ المعلوم، قَالَ تعالى:{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا}الفرقان: [59].
عِبَادَ اللهِ: ولمّا كانَ إيمانُ العبدِ لا يتمُّ إلا بمعرفتِهِ بخالقِهِ جلَّ وعلا، معرفةً يصلُ بِهَا إلى اليقينِ، ويَبْلُغُ بِهَا منازِلَ المحسنينَ، وَرُتْبَةَ العُبَّادِ والصَّالحينَ، كانَ الارتباطُ وثيقًا بين الإيمانِ باللهِ عزَّ وجلَّ، ومعرفته سبحانَه بأسمائِهِ وصفاتِهِ.
فعلى قدر معرفة العبد بخالِقِهِ عزّ وجلّ، يكونُ كمالُ إيمانِهِ، وخشيتِهِ لربِّهِ، وكُلَّمَا كانَ العبدُ جَاهِلًا بخالِقِهِ عزّ وجلّ، كانَ إيمانُهُ نَاقِصًا، ومَا تَجَرَّأَ عَبْدٌ عَلى مَعْصِيَةِ اللهِ عَزّ وجلّ إِلا بسببِ الجهلِ باللهِ سبحانَهُ، قَالَ تَعَالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}فاطر: [28]، وقال النبي ﷺ: (واللهِ إنِّي لَأعلَمُهم باللهِ عزَّ وجلَّ وأشَدُّهم له خَشيةً) أخرجه البخاري (٦١٠١)، ومسلم (٢٣٥٦).
أيُّهَا المؤمنونَ: تَعَرَّفَ اللهُ عزَّ وجلَّ إلى عبادِهِ بأسمائِهِ وصفاتِهِ، وأمَرَهُم أنْ يَعْبُدُوهُ بِهَا، قَالَ تَعَالى:{قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}الإسراء: [110] ومِنْ أسمائِهِ سبحانَهُ الْوَلِيُّ، قَالَ تَعَالَى: {أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ فَاللَّهُ هُوَ الْوَلِيُّ وَهُوَ يُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} الشورى: [9].
ومعنى اسم الله الوليّ: القائمُ بأمورِ العَوَالِم والخلائِق جَمْيعًا، يُدَبِّرُ أَمْرَهُمْ، ويُقَدِّرُ أَرْزَاقَهُمْ، وهُوَ النّاصِرُ لأوليائِهِ، والمُعِينُ والظُّهِيرُ لعبادِهِ، يُصلِحُ شؤونهم، ويُقيلُ عَثَرَاتِهِم، ويَغْفِرُ زَلَّاتِهِم، فهُو الدَّافِعُ والكافي لهُم، قَالَ تَعَالى {إِنَّ اللهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آَمَنُوا}الحج: [38] وَقَالَ سُبْحَانَهُ: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِأَعْدَائِكُمْ وَكَفَى بِاللَّهِ وَلِيًّا وَكَفَى بِاللَّهِ نَصِيرًا}النساء: [45].
عِبادَ اللهِ: إنّ ولايةَ اللهِ عزّ وجلّ لعباده، وِلايَةٌ عَامّة، ووِلايَةٌ خَاصّة.
فالولايةُ العامَّةُ شاملةٌ لجميع المخلوقات، فاللهُ عزّ وجلَّ هو الخالقُ البارئُ الرّازِقُ المحيي المميتُ، يدبِّرُ أمرَ الخلائِقِ، ويقضِي بأرزَاقِهِم وأعمالِهِم وآجالِهِم قال تعالى: {ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62].
وهذه الولايةُ تشملُ المؤمنَ والكافرَ، والبرَّ والفَاجِرَ، وتَعْنِي أنّ العبادَ كُلهُم تحتَ ولايةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، وَطَوْعُ تدبيرِهِ، قال تعالى: { ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللَّهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ أَلَا لَهُ الْحُكْمُ وَهُوَ أَسْرَعُ الْحَاسِبِينَ} [الأنعام: 62].
أيُّهَا المؤمنونَ: وأمَّا الولايةُ الخاصَّةُ، فهي خَصِيصَةُ المؤمنين، ومَزِيَّةُ الصَّالِحِينَ، وَفَخْرُ العابِدِينَ، وشرفُ الطَّائِعِينَ، وحِصْنُ الذَّاكِرِينَ، بَأَنْ يتولّاهمُ اللهُ عزَّ وجلَّ ولايةَ توفيقٍ وهدايةٍ ونصرٍ وتأييدٍ.
وهذا التولِّي الخاص يقتضي عناية اللهِ عزّ وجلّ ولطفه بأوليائِهِ، وتوفيقهم ووقايتهم من سُبُلِ الخُسْرَانِ، وطُرُقِ الشَّيْطَان، قال تعالى: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آَمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}[البقرة: 257].
ووِلايةُ اللهِ الخاصّةُ لعبادِهِ تقتضي غفرانَ ذنوبِهم ورحمتَهم، قال تعالى: (أَنْتَ وَلِيُّنَا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الْغَافِرِينَ) [الأعراف: 155].
وولايةُ اللهِ الخاصَّة لعبادِهِ تقتضي التأييد والنّصر على الأعداء، قال تعالى: {أَنْتَ مَوْلَانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286]، ولمَّا قالَ أبُو سفيان للمسلمينَ يومَ أُحُد: لَنَا الْعُزّى وَلَا عُزَّى لَكُمْ، قال النَّبيُّ ﷺ لأصحابه: (أَجِيبُوهُ) قالوا: مَا نَقُولُ؟ قَال ﷺ: (قُولُوا: اللهُ مَوْلانَا وَلا مَوْلَى لَكُمْ) أخرجه البخاري (٤٠٤٣).
أعُوذُ باللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ {إِنَّ وَلِيِّيَ اللّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ} [الأعراف:196].
بَاركَ اللهُ لِي ولكم في القرآنِ العظيمِ، ونفعني وإيَّاكم بما فيهِ من الآياتِ والعظاتِ والذكْرِ الحكيمِ، فاستغفروا اللهَ إنَّه هو الغفورُ الرحيمُ.
الخطبة الثانية:
الحمد لله على إحسانه، والشكرُ له على توفيقه وامتنانه، وأشهدُ ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيمًا لشأنه، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، الداعي إلى رضوانِهِ، صلّى اللهُ عليهِ وآلِهِ وصحبِهِ وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا أمَّا بــــــعــــــــــدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ: واعلمُوا أنَّ مِنْ أسبابِ ولايةِ اللهِ عزَّ وجلَّ لعبادِهِ مَا يلي:
أولًا: تقوى اللهِ عزَّ وجلَّ، والإيمان به، قال تعالى: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} يونس: [52-63].
ثانيًا: التقرّبُ إلى الله بالحفاظِ على الفرائِضِ، والإكثارِ من النَّوَافِلِ، جاء في الحديث القدسيِّ: (مَن عادى لي وَلِيًّا فقَدْ آذَنْتُهُ بالحَرْبِ، وما تَقَرَّبَ إلَيَّ عَبْدِي بشَيءٍ أحَبَّ إلَيَّ ممّا افْتَرَضْتُ عليه، وما يَزالُ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إلَيَّ بالنَّوافِلِ حتّى أُحِبَّهُ فإذا أحْبَبْتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذي يَسْمَعُ به، وبَصَرَهُ الَّذي يُبْصِرُ به، ويَدَهُ الَّتي يَبْطِشُ بها ورِجْلَهُ الَّتي يَمْشِي بها وإنْ سَأَلَنِي لَأُعْطِيَنَّهُ ولَئِنِ اسْتَعاذَنِي لَأُعِيذَنَّهُ)أخرجه البخاري (٦٥٠٢).
ثالثًا: اتّباعُ السُّنَّةِ، وحُسنُ الاقتداءِ، ولزومُ جماعةِ المسلمينَ وإمَامهم، قال تعالى: {وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} النساء: [115].
رابعًا: الدُّعَاءُ، فقد كانَ مِنْ دعاءِ النبيّ ﷺ: (وَتَوَلَّنِي فِيمَنْ تَوَلَّيْتَ) أخرجه أبو داود (١٤٢٥) والترمذي (٤٦٤) وصححه الألباني في تخريج كتاب السنة (٣٧٤)
عِبَادَ اللهِ: إِنَّ أَلْصَقَ صِفَةٍ بالعبدِ هي الضَّعْفُ، قَال تَعالَى: (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا) [النساء:28] والعبدُ في جميعِ أحوالِهِ يَحتاجُ إلى الوليِّ الذي يَرْعَاهُ، ويُدَبِّرُ شؤونَهُ ويقضي مصالِحَهُ، ويُقَوِّيهِ عندَ النَّوَازِلِ، ويُثَبِّتهُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ.
ومتَى كانَ العبدُ فِي ولايةِ اللهِ عزّ وجلَّ، كانَ في حِصْنٍ منيع، وَرُكْنٍ شديدٍ، فَلَا يَخْلُصُ إليه شرٌّ، ولا يَدْنُو منهُ خَوْفٌ أوْ أَذَى، قال سبحانَهُ: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلًا مِّنْ غَفُورٍ رَّحِيمٍ} فصلت: [30-32].
أسألُ اللهَ عزَّ وجلَّ أنْ يَحْفَظنَا بحفظِهِ، وأَنْ يَتَوَلانَا ظَاهِرًا، وبَاطِنًا.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على الحبيبِ المصطفى فقد أَمَرَكم اللهُ بذلكَ فقالَ جلَّ من قائلٍ عليماً:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[الأحزاب:56]. الجمعة: 25-3-1444هـ