اسم الله ( المجيب )

د. عبدالعزيز الشهراني
1442/02/25 - 2020/10/12 10:04AM

عباد الله: يقول الله تعالى: { وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ۖ وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ۚ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ } وأخرج البخاري رحمه الله في صحيحه  من حديثِ أبي هريرة رضي الله عنه أن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن لله تسعةً وتسعين اسمًا، مائة إلا واحدًا، مَن أحصاها دخل الجنة).  وإن من أسماء الله اسم المجيب وقد ورد في موضع واحد من القرآن الكريم، وهو قوله تعالى: (وَإِلى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُّجِيبٌ)[هود: 61]، وورد بصيغة الجمع في قوله تعالى: (وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ)[الصافات: 75]؛ قال أبو سليمان الخطابي: “هو الذي يجيب المضطر إذا دعاه، ويغيث الملهوف إذا ناداه“.

قال ابن القيم:

وهو المجيب يقول من يدعو أجبــــ *** ـــــــه أنا المجيب لكل من ناداني

وهو المجيب لدعوة المضطر إذ *** يدعوه في سر وفي إعلان

فهذا يدعوه في البحر، وذاك في البر، وهذا يدعوه فوق الطائرة وهذا في سيارته، وذاك يدعوه في المستشفى، وآخر يدعوه في السجن ؛ الكل يدعوه ويسأله؛ لأنه المجيب عن قدرة وكمال؛ فسبحان من يسمع الأصوات باختلاف اللغات على تفنن الحاجات؛ فلا يشغله سمع عن سمع، ولا يتبرم بإلحاح الملحين في سؤاله، دون أن ينقص من ملكه شيئًا، ويصدق ذلك ما جاء في الحديث القدسي عن الله -تعالى- أنه قال: “يا عبادي، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر) رواه مسلم.

عبـــاد الله: فإن الله -تعالى- يحب أن يسأله العباد جميع مصالحهم الدينية والدنيوية، وقد ورد في السنة النبوية أحاديث عديدة في الترغيب بالدعاء، وبيان أن الله -تبارك وتعالى- يجيب الداعين ويعطي السائلين، وأنه -جل وعلا- حيي كريم، أكرم من أن يرد من دعاه أو يمنع من سأله؛ كما جاء من حديث سلمان الفارسي -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: “إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا“(رواه الترمذي)، وفي حديث النزول الإلهي يقول -صلى الله عليه وسلم-: “ينزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول: من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له“(متفق عليه).

أيها المؤمنون: إِنَّ الإيمان بهَذَا الاسْمَ – اسم الله المجيب -  ينزع مِنْ نُفُوسِ المؤْمِنِينَ مَا قَدْ يُصِيبُها مِنْ يَأْسٍ وجَزَعٍ وَخَوْفٍ وَضَعْفٍ ، وَيُشْعِرُهم بأَنَّ اللَه قَرِيبٌ مِنْ عِبَادِهِ ، يُجِيبُ الُمضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وهو مُوقِنٌ بالإجَابَةِ ، ويَكْشِفُ عنه السُّوءَ بما شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ ؛ فَهُوَ نِعْمَ الَموْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ وَنِعْمَ الُمجِيبُ

 

 

 

 

 

 

 

الخطبة الثانية:

أيها المسلمون: إن التعلق بأسماء الله معرفة وحبًّا وتعظيمًا يكسب صاحبه الآثار الإيمانية والسعادة في الحياة الدنيوية والأخروية؛ فمن هذه الآثار: محبة الله –سبحانه وتعالى- والأنس به؛ لأن الإيمان بإجابة الدعاء وقرب المجيب، يثمر المودة والطمأنينة والأنس به بالكريم.

مجيب السائلين حملت ذنبي *** وسرت على الطريق إلى حماكا

ورحت أدق بابك مستجيرًا *** ومعتذرًا… ومنتظرًا رضاكا

دعوتك يا مفرج كل كرب *** ولست ترد مكروبًا دعاكا

 ومنها: قوة رجاء العبد بربه -سبحانه- وعدم القنوط من رحمته؛ حيث أنه قريب لمن ناجاه مجيب لمن دعاه، وإذا أيقن العبد بقربه من ربه ومولاه دخل على ربه مباشرة وتضرع بين يديه، وألقى حاجته إليه وحده دون سواه من اللذين قال الله فيهم: (إِن تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ ۚ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ)[قاطر:14]. فالمجيب في كل الأحوال والظروف هو الله سبحانه وتعالى؛ فاستجيبوا للمجيب -أيها المؤمنون- واسألوه أن يستجيب لدعائكم؛ إنه بكم رؤوف.

المشاهدات 1152 | التعليقات 0