(اسم الله: الكبير) خطبة جميلة للشيخ عبدالمحسن القاسم مع اختصار وتصرف

عبدالرحمن اللهيبي
1445/05/17 - 2023/12/01 04:53AM

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، وراقِبوه في السر والنجوى. (يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون)

أيها المسلمون: العلمُ بأسماءِ اللهِ -تعالى- وصفاتِه أصلُ العلومِ وأشرفُها؛ وأعظمُ الحاجات للأرواحِ معرفة خالق البرايا وفاطِرِها، وبقدرِ معرفةِ العبدِ بأسماءِ اللهِ وصفاتِه يكون حظُّه مِنَ العبوديةِ لربِّه، والأُنسِ به ومحبتِه ، والخضوع له وخشيته ، وامتلاءِ القلب بعظمته ، وكُلَّمَا ازدادَ العبدُ معرفةً بأسماءِ اللهِ وصفاتِه، ازدادَ إيمانُه وقَوِيَ يقينُه بربه.

وإن منزلة العبد عند ربه ، بقدر ما يكون من منزلة الرب في قلب عبده ؛ وأسماءُ الربِّ -تعالى- أسماءُ مدحٍ وثناء كلُّها ؛ وقد وصفَها اللهُ -سبحانه- بأنَّها حُسنى كُلُّها؛ لدلالتِها على أوصافِ الجلال والعظمة والكمالِ..

ومن أسمائه -سبحانه- اسم "الكبير" ؛ فهو الكبيرُ في ذاتِه ، وهو الكبير في صفاتِه ، وهو الكبير في أفعالِه ..

ومَنْ حقَّق في قلبه أنَّ اللهَ كبير ، وأنه أكبر من كل شيء.. لم يصرف العبادة لأحد سواه، ولم يخضع لأحد سوى مولاه: قال جل في علاه: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ)

والمخلوقات لا يُحصِي عددَها، ولا يُدرِكُ غائبَها وشاهدَها، ولا يُحيط بصغيرها وكبيرها .. إلا الكبيرُ -سبحانه- قال تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ)

ومن استقر في قلبه اسم الله الكبير .. خضع لربه خضوعا لا يكون إلا لله العلي الكبير ، قال ﷺ -: "إذا قضَى اللهُ الأمرَ في السماءِ -أي: تكلم بالأمر الذي شاءه- ضربَتِ الملائكةُ بأجنحتها خضعانًا ، فإذا فُزِّع عن قلوبهم -أي: إذا زال عنهم الفزع والخوف قالت الملائكة بعضهم لبعض-: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحقَّ، وهو العليُّ الكبيرُ" (رواه البخاري).

وربُّنا العلي الكبير .. هو الذي له حق الاختصاص بالحكم والتشريع ، قال تعالى: (فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ) عباد الله: وإن تكبير الله سبحانه ، تنزيهٌ له مِنْ كلِّ نقصٍ وعيبٍ نُسِبَ إليه؛ قال تعالى: (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا)

وكل عبادة لله إنما المقصودُ منها تكبيرُه سبحانه، ولهذا كان التكبيرُ شعارًا للعبادات ؛ فالتكبيرُ شعار في الأذان والصلوات وهو ذُلٌّ لله وانكسارٌ ، واستحضار لكبرياءِ اللهِ وافتقار، واعتقاد بأن الله أكبر من كل شيء واستشعار

والذكر بالتكبير مشروع عند مشاهَدة المخلوقات التي لها نوع من العلو والارتفاع والعظمة ؛ كالأماكن العالية المرتفعة، قال جابر -رضي الله عنه-: "كنا إذا صعدنا كبرنا" (رواه البخاري)

والذكر بالتكبير مشروع عند شكر الله تعالى على نعمه وهدايته، قال تعالى: (لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ) ، وقال سبحانه: (وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)

التكبير يا مسلمون من الكلمات التي يحبها الله، قال ﷺ : "أحب الكلام إلى الله أربع: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر" (رواه مسلم).

والتكبير صدقة من الصدقات ، قال -صلى الله عليه وسلم- "وكل تكبيرة صدقة" (رواه مسلم).

والتكبير آخر ما يختم به المسلم يومه وليلته ، فإنه إذا أوى إلى فراشه يسبح ويحمد ربه ثلاثًا وثلاثين، ويكبره أربعًا وثلاثينَ

والتكبير له منزلة عظيمة عند الرحمن ، وثقيل عند الله في الميزان ، قال عليه الصلاة والسلام: "بخٍ بخٍ لخمس: ما أثقلَهُنَّ في الميزان: لا إلهَ إلا اللهُ، واللهُ أكبرُ، وسبحانَ اللهِ، والحمدُ للهِ، "(رواه أحمد).

وقال ابنُ عمرَ -رضي الله عنهما-: "بينما نحنُ نُصلِّي مع رسولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذْ قال رجلٌ مِنَ القومِ: اللهُ أكبرُ كبيرًا، والحمدُ للهِ كثيرًا، وسبحانَ اللهِ بكرةً وأصيلًا، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنِ القائلُ كلمةَ كذا وكذا؟" قال رجلٌ مِنَ القومِ: أنَا، يا رسولَ اللهِ. قال: "عجبتُ لها، فُتِحَتْ لها أبوابُ السماءِ"(رواه مسلم).

 

أقول قولي هذا ...

 

 

 

 

 

 

 

أما بعد أيها المسلمون: فإن الله كبير سبحانه ولا أحد أكبر منه؛ (وَلَهُ الْكِبْرِيَاءُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) ، وكبرياؤه أمرٌ تَعجزُ العقولُ عن إدراكِ حقيقتِه وتصوُّرِه، أو معرفةِ كنهه وكيفيتِه، وكلُّ ما يَخطُر في النفوس مِنَ الكبرياء والتعظيمِ فاللهُ أكبرُ منه..

فالله لعظمته سبحانه قد وسع كرسيه السموات والأرض ، والكرسي هو موضع قدمه جل في علاه

فعن أبي ذر رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ : ما السمواتُ السبعُ في الكرسيِّ إلا كحَلْقةٍ مُلقاةٍ بأرضٍ فلاةٍ ، و فضلُ العرشِ على الكرسيِّ كفضلِ تلك الفلاةِ على تلك الحلْقةِ ) صححه الألباني

وعن جابر رضي الله عنهما ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:  أُذِنَ لي أنْ أُحَدِّثَ عن مَلَك مِن ملائكة الله مِن حَمَلَةِ العَرْش، إنَّ ما بين شَحْمةِ أُذُنِه إلى عاتِقِه مَسِيرةُ سبعِمائة عام. رواه أبو داود

وجاء في الحديث أن الله تعالى "يجعل السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والشجر على إصبع، والماء والثرى على إصبع، وسائرَ الخلائق على إصبع" متفق عليه

والمؤمنُ يا مسلمون لا يَحتَمِي إلا بالربِّ الكبيرِ، ولا يتوكَّلُ إلا عليه، ولا يُفوِّض الأمر إلا إليه، ولا يتعلَّقُ إلا به؛ فلا ملجأ ولا منجا منه إلا إليه ، قال تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- عَمَّا يُشْرِكُونَ)

ألا فاتقوا الله أيها المسلمون: واعلموا أن الكبرياءُ مِنْ خصائصِ الرب تبارك وتعالى، وقد توعَّد اللهُ مَنِ اتَّصَفَ به مِنَ الخلقِ؛

قَالَ صلى الله عليه وسلم-: قَالَ اللَّه عزَّ وجلَّ: "العِزُّ إِزاري، والكِبْرياءُ رِدَائِي، فَمَنْ يُنَازعُني في واحدٍ منهُما فقَدْ عذَّبتُه"(رواه مسلم)

فليحذَرِ العبدُ مِنَ العُلُوِّ في الأرض، والتكبرِ على الْخَلْقِ، والتعاظُمِ عليهم وظلمهم ، ومن أوتي قوة وعظمة واستعلاء ودعته نفسه إلى ظلم الضعيف، فليتذكر أن الله أكبر منه ذاتا وأعظم منه قدرا وأشد منه بطشا .. قال أبو مسعود رضي الله عنه :  كُنْتُ أَضْرِبُ غُلَامًا لِي، فَسَمِعْتُ مِن خَلْفِي صَوْتًا: اعْلَمْ، أَبَا مَسْعُودٍ، لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عليه، فَالْتَفَتُّ فَإِذَا هو رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ، فَقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ، هو حُرٌّ لِوَجْهِ اللهِ، فَقالَ: أَما لو لَمْ تَفْعَلْ لَلَفَحَتْكَ النَّارُ، أَوْ لَمَسَّتْكَ النَّارُ. رواه مسلم 

والله تعالى يقول: (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)

ثم اعلموا أن الله أمركم بالصلاة والسلام على نبيِّه، فقال في محكم التنزيل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)

 

المشاهدات 1140 | التعليقات 1

لله درك ياشيخ